تسجيل الأراضي التي لم يسبق تسجيلها واجب وطني ومصلحة اقتصادية
القاضي أسعد الدحدوح
رئيس اللجنة البدائية لتسجيل الأموال غير المنقولة التي لم يسبق تسجيلها لمحافظتي رام الله و البيره 26/7/2011
تعتبر ملكية الأراضي من أهم الوسائل الشائعة محليا و عالميا لزيادة الثروة و إنمائها نظرا لأهميتها في شتى مجالات الاستثمار و زيادة الطلب عليها وعلاقة سعرها الطردية بمرور الزمن.
وللأراضي أهمية خاصة في فلسطين، فهي أساس الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث دأب اليهود ومنذ قدومهم إلى فلسطين إلى تطبيق سياسة الأمر الواقع و وضع اليد على الأراضي ونزع ملكيتها من أصحابها بغية التوطين وإرساء ركيزة أساسية لبقائهم في فلسطين تتمثل في ملكية الأراضي.
واعتبر استملاك أراضي فلسطين من الأهداف الرئيسية التي سعت إلى تحقيقها الحركة الصهيونية، حيث ترافق هذا الهدف مع جلب اليهود من مختلف أنحاء العالم و تجميعهم في فلسطين و توطينهم في تلك الأراضي بعد تفريغها من سكانها العرب، و تحقيقا لهذا الهدف أنشأت الحركة الصهيونية منذ بداية نشاطها مؤسسة أو هيئة لاستملاك الأراضي في فلسطين أطلق عليها اسم (الصندوق الدائم لإسرائيل) و تعرف أيضا باسم (الصندوق القومي اليهودي) وتم تسجيل هذه المؤسسة رسميا في بريطانيا عام 1907، و لا يزال الفكر الصهيوني حتى الآن يسعى إلى تحقيق هذا الهدف باستملاك أكبر قدر ممكن من أراضي فلسطين وخصوصا الضفة الغربية.
ويعتبر الوضع القانوني لمعظم أراضي الضفة الغربية كونها غير مسجلة رسميا في الدوائر المختصة (دوائر تسجيل الأراضي أو ما يعرف بالطابو) داعما أساسيا للحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها وهيأ لها المناخ الملائم للاستمرار في تطبيق سياسة وضع اليد على الأراضي و إنشاء المستوطنات والمعسكرات و توسيعها، و أكثر من ذلك فقد عمل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية على إبقاء هذا الوضع كما هو عليه أي دون تسجيل لأهمية ذلك في استكمال مشروع استملاك الأراضي، فقد اصدر الحاكم العسكري للضفة الغربية عام 1968 الأمر العسكري رقم 291 والذي بموجبه تم تعطيل أعمال التسوية التي شرعت بها الحكومة الأردنية لتسجيل أراضي الضفة الغربية عام 1956، فقد بلغت نسبة الأراضي المسجلة في الضفة الغربية منذ إعلان التسوية من قبل الحكومة الأردنية وحتى تعطيلها بموجب الأمر العسكري المذكور 30% فقط، أي أن حوالي 70% من أراضي الضفة الغربية لا زالت حتى ألان دون حماية قانونية.
ونتيجة هذا الوضع أصبح المواطنون يتصرفون بأراضيهم غير المسجلة عن طريق السندات العادية التي ينظمونها خارج دائرة تسجيل الأراضي إما عن طريق الاتفاقيات أوالوكالات الدورية، مما أدى إلى ظهور إشكاليات قانونية غذت المحاكم بعدد هائل من القضايا حول ملكية هذه الأراضي الأمر الذي أاثر سلبا على النمو الاقتصادي لعدم الثقة بهذه الطريقة في التعامل، فالاستثمار بحاجة إلى حماية وضمانات وخصوصا في ملكية الأرض التي سيتم عليها المشروع أي كان مجاله. كما إن هذا الوضع فتح المجال لضعاف النفوس من أصحاب الأراضي غير المسجلة لبيع أراضيهم للإسرائيليين نتيجة الإغراءات التي يقدمونها لهم بالأسعار المرتفعة للأراضي وعدم وجود رقابة على عملية البيع لأنها تتم كما سبق وإن ذكرنا خارج دائرة التسجيل.
وبالتأكيد فان عدم تسجيل الأراضي يشمل أيضا الأراضي الحكومية المملوكة للخزينة العامة وعدم تسجيلها يعني عدم السيطرة على أوجه التصرف بها وعدم القدرة على حمايتها وبالتالي فقدانها وضياع الكثير منها مما يشكل صورة من صور إهدار المال العام .
وعليه فإن إيجاد الحماية القانونية لملكية هذه الأراضي عن طريق تسجيلها في الدوائر المختصة واجب وطني على كل مواطن ومسؤول وفيه مصلحة اقتصادية للفرد و المجتمع.
لذلك فقد آن الأوان ليبدأ العمل العام الجاد لإيجاد سجلات رسمية للأراضي يتم بموجبها تسجيل الأراضي بأسماء مالكيها وبيان حدودها ومساحتها حتى يصبح التصرف بها فقط من خلال هذه الدوائر كما نص عليه القانون.
و وفقا للقوانين سارية المفعول في الضفة الغربية يتم تسجيل الأراضي التي لم يسبق تسجيلها في دوائر تسجيل الأراضي المختصة (الطابو) بإحدى هاتين الطريقتين :-
الطريقة الأولى: التسوية وفق أحكام قانون تسوية الأراضي والمياه رقم 40 لسنة 1952 و تعديلاته، وهذه الطريقة بدأت بها الحكومة الأردنية عام 1956 وتم تسجيل ما نسبته 30% من أراضي الضفة الغربية كان لمنطقة جنين النصيب الأكبر منها حيث بلغت نسبة الأراضي المسجلة نتيجة أعمال التسوية في جنين حوالي من 90%، و بإيجاز تتم هذه الطريقة وفق الإجراءات التالية:
يصدر مدير الأراضي و المساحة أمرا يسمى (أمر التسوية ) و ذلك بإعلان منطقة معينة بأنه سيتم فيها أعمال التسوية تسمى هذه المنطقة (منطقة التسوية ) ويتم تحديد تاريخ البدء بأعمال التسوية بإعلان لاحق.
فور تحديد التاريخ ينشر هذا الأمر في الجريدة الرسمية و يبلغ به أهالي منطقة التسوية عن طريق تعليقه بمكان بارز في المنطقة (و يسمى إعلان التسوية ).
بعد ذلك يبدأ أهالي المنطقة بتقديم ادعاءاتهم للمدير أو من يفوضه بذلك حول ملكيتهم لأي جزء من الأراضي المشمولة بأعمال التسوية و ينظم جدولا بذلك (يسمى جدول الادعاءات).
بعد إن يتم التحقق من الادعاءات يتم تنظيم جدول (يسمى جدول الحقوق) و يعلق هذا الجدول في دائرة التسجيل و مكان بارز في منطقة التسوية.
و يجوز لأي شخص له حق اغفل بيانه في جدول الحقوق إن يتقدم باعتراض إلى المدير مباشرة أو بواسطة مأمور التسجيل خلال 30 يوم من تعليق جدول الحقوق.
تقوم محكمة التسوية بسماع الاعتراض و البت فيه.
بعد البت في الاعتراضات يصدر المدير جدول الحقوق النهائي و يتم تصديقه من قاضي التسوية.
يرسل جدول الحقوق النهائي إلى المدير الذي ينظيم جدول يسمى جدول التسجيل.
يرسل جدول التسجيل إلى دائرة التسجيل المختصة التي تقوم بتنظيم سجل جديد للمنطقة و تصدر سندات تسجيل لأصحابها بعد استيفاء الرسوم و المصاريف.
ومع إن السلطة الفلسطينية قد بدأت بتجربة متواضعة بإعلان التسوية ببعض أحواض مدينة بيتونيا و محافظة بيت لحم، إلا إن عملية التسوية عملية مكلفة ماديًا وتحتاج إلى موارد بشرية كبيرة مدربة وصاحبة كفاءة ومؤهلات، والجهات الرسمية بما فيها سلطة الأراضي قد لا يتوفر لديها الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لإجراء عملية التسوية بالشكل المطلوب لتشمل جميع أراضي الضفة الغربية غير المسجلة.
و من ناحية أخرى فهي تحتاج إلى أمر يصدر عن مدير الأراضي و المساحة الذي يسمى حاليا (رئيس سلطة الأراضي) مما يعني إن هذا الأمر يحتاج إلى قرار سياسي و توفير تمويل مادي و قد يكون ذلك صعبا في هذه المرحلة لتشمل جميع أراضي الضفة الغربية لان ذلك و بالتأكيد يحتاج إلى موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
هذا فضلا عن أن إعلان التسوية وإن تم لن يشمل إلا جزءاً بسيطاً من أراضي الضفة وهو ما يعرف بمنطقة (أ) التي تشكل فقط ما نسبته 18% من أراضي الضفة الغربية نتيجة سيطرة قوات الاحتلال على باقي أراضي الضفة الغربية.
الطريقة الثانية: التسجيل الجديد للأراضي بموجب أحكام قانون تسجيل الأموال غير المنقولة التي لم يسبق تسجيلها رقم 6 لسنة 1964، وتجدر الإشارة هنا إلى انه لا تجري أية معاملات تسجيل جديدة على أرض لها تسجيل سابق أو مشمولة بأعمال التسوية.
و تتم هذه الطريقة وفق الإجراءات التالية:
1- يقوم طالب التسجيل (مالك الأرض) بتقديم طلب لدائرة تسجيل الأراضي التي يقع في دائرتها موقع الأرض وفق (نموذج معد سابقا في الدائرة) يطلب فيه تسجيل الأرض (أي إن يصبح لها سجل رسمي في دائرة التسجيل).
2- و يقدم الطلب إلى مأمور التسجيل و يتضمن الطلب اسم طالب التسجيل و أوصاف الأرض و حدودها ورقمها في دائرة ضريبة الأملاك إن وجد و مقدار الحصص المطلوب تسجيلها و مساحة الأرض على ارض الواقع.
3- يرفق بهذا الطلب سندات الملكية أو التصرف (إخراج قيد صادر عن دائرة ضريبة الأملاك – إن وجد – أو إخراج قيد من دائرة المساحة – التسوية غير المنتهية – إن و جد) والمستندات التي تثبت تسلسل الملكية حتى وصولها إلى طالب التسجيل مثل (الوكالات الدورية واتفاقيات البيع العادية وحجج حصر الإرث وحجج التخارج إن كانت الأرض انتقلت إلى طالب التسجيل عن طريق الإرث أو التخارج).
4- على طالب التسجيل تقديم مخطط مساحة معد من قبل مساح مرخص للأرض المطلوب تسجيلها مبين فيه حدود قطعة الأرض من الجهات الأربعة وأسماء المجاورين إن وجدوا بالإضافة إلى مساحتها الفعلية على أرض الواقع ويقوم بأخذ تواقيع المجاورين على صحة الحدود و يصدق هذا المخطط من دائرة المساحة قبل تقديم طلب التسجيل.
5- بعد ذلك يقوم مأمور التسجيل بإعلان تفاصيل هذا الطلب في صحيفة أو صحيفتين محليتين وفي مكان بارز في المدينة أوالقرية التي تقع بها الأرض، و يدعو في هذا الإعلان كل من له اعتراض أن يتقدم باعتراضه إلى مأمور التسجيل خلال خمسة عشر يوما من تاريخ نشر الإعلان.
6- بعد انقضاء المدة المذكورة يذهب مأمور التسجيل إلى موقع الأرض المطلوب تسجيلها بعد أن يكون قد بلغ المجاورين وأصحاب العلاقة بموعد الكشف و يدعوهم للحضور وذلك بهدف التحقق من جهة التصرف وأسبابه وسماع الاعتراضات إن وجدت وينظم محضرا بذلك ويوقعه من المجاورين وأهل الخبرة (المختار أو رئيس المجلس القروي أو البلدية حسب واقع الحال).
7- بعد ذلك ترفع المعاملة بكاملها إلى اللجنة البدائية للتسجيل التي تقوم بدورها بتدقيق المعاملة وسماع الاعتراضات والبت بها إن و جدت، و تصدر قرارها بتسجيل الأرض لطالب التسجيل أو رفض الطلب في حال قبول الاعتراض أو عدم اكتمال متطلبات التسجيل (و يكون قرار اللجنة البدائية قابلا للاستئناف أمام اللجنة الاستئنافية).
8- في حال قبلت اللجنة طلب التسجيل يقوم مأمور التسجيل المختص بتسجيل الأرض وفق قرار اللجنة ويعطى طالب التسجيل سند تسجيل رسمي بالأرض مبين فيه اسم المالك و مساحة الأرض و حدودها.
وتتميز هذه الطريقة في التسجيل بأن الطلب من صاحب العلاقة و ليست بحاجة إلى قرار سياسي أو إداري، وتتم على نفقة طالب التسجيل و ليست بحاجة إلى تمويل من السلطة، ويمكن بهذه الطريقة أيضا تسجيل الأراضي الواقعة ضمن المنطقة المصنفة (ج) أو(C)، إضافة إلى السرعة في إتمامها في حال انعقدت اللجنة البدائية للتسجيل بشكل دائم و منتظم و مستمر، وبالتالي يمكن الاعتماد على هذه الطريقة في الوقت الحالي لإيجاد حماية قانونية للأراضي غير المسجلة وحتى يتم تحقيق الهدف المنشود بتسجيل أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة الغربية في سجلات دوائر تسجيل الأراضي المختصة من خلال هذه الطريقة لا بد إن تعمل الجهات المختصة بتوعية الناس بأهمية وضرورة تسجيل أراضيهم وتشجيعهم على القيام بذلك.
وهذا يتطلب تفعيل دور لجان التسجيل البدائية في المحافظات بصورة اكبر بحيث يتم عقدها بصورة دائمة و مستمرة و منتظمة وعدم الاكتفاء بعقدها يوم واحد في الأسبوع كما هو معمول به حالياً.
اترك تعليقاً