تشريع قانون للتبرع بالأعضاء
نقص في عدد الواهبين والأقربون أولى بالمعروف
التبرع بالأعضاء.. دعوات لقانون والاختلافات الشرعية بالمرصاد
محمد الخالدي
دعا اختصاصيون في قطاعات الطب والاجتماع والقانون ومواطنون إلى تبني توجه نحو الاستفادة من نقل الأعضاء البشرية بالتبرع بها إنقاذاً لأرواح المرضى.
على أن آراء علماء الدين اختلفت حول جواز نقل الأعضاء إلى المرضى عدمه.
وشهدت البحرين عدداً من عمليات نقل الأعضاء بين الأقرباء خصوصاً خلال الفترة الماضية، لكن المعضلة تكمن في تقبل الأفراد مسألة نقل أعضائهم لمن هم دون دائرة القرابة.
ووسط موروث اجتماعي وثقافي إسلامي عربي يمنع التبرع أو يحد منه تأثراً بالعاطفة العائلية أو التحريم الديني، ذهب مواطنون إلى ضرورة سن قوانين ناظمة للتبرع بالأعضاء، وإجازة التبرع والنقل باعتبارها ستنقذ أرواحاً بشرية من الهلاك، فضلاً عما يناله المتوفى وذووه من صدقة لأنها ”جارية”.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الشخص الذي يتم الاستفادة من أعضائه هو المتوفى دماغياً، والذي عرفه استشاري أمراض وزراعة الكلى بمجمع السلمانية الطبي الدكتور صادق عبدالله بأنه: ”حالة معينة تحدث في جذع المخ، وكما هو معروف أن الجذع يربط كل مراكز التحكم في الجسم ومتى ما حدثت الوفاة دماغياً فهي وفاة طبية”، مشيراً إلى أن ”هناك اعتقاداً لدى العامة أن الوفاة تأتي نتيجة توقف القلب عن العمل، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ لوجود 3 أعضاء في الجسم هي القلب والدماغ والرئة إذا توقفت جميعها أو إحدها عن العمل يعتبر الشخص توفى رسمياً”.
أنواع زراعة الأعضاء
ولفت عبدالله إلى أن هناك نوعين حالياً من زراعة الأعضاء في البحرين، الأول نقل الأعضاء بين الأقارب، والثاني التبرع من مريض متوفى دماغياً إلى مريض بحاجة إلى عضو ما للاستمرار في الحياة، إذ شهد عام 2001 أول عملية من هذا النوع قام بإجرائها بنفسه.
وبين أن الفترة الممتدة من سنة 2001 إلى 2007 تخللها 18 حالة نقل كلى من متوفيين دماغياً إلى أصحاء ليتوقف البرنامج عام 2007 ”لأسباب معينة”.
أول عملية نقل كلى
وذكر أن أول عملية نقل الكلى وزراعتها شهدتها البحرين كانت العام ,1995 مضيفاً أن مثل هذه العمليات تزداد وتقل بين سنة وأخرى بشكل متفاوت ولكن بفضل التطور في مجال الطب وانحسار المراكز التي تنقل الأعضاء بغرض الاتجار بها والمروجين لها، وبعد طرح مذكرة إسطنبول المنبثقة من الأمم المتحدة، والتي أقرت مبدأ وقف الاتجار بالأعضاء تزداد أعداد المتبرعين لتبدل هذه النظرة عن السابق.
دعوة رسمية للتبرع
وكان وزير الصحة الدكتور فيصل الحمر دعا إلى تبني مشروع لزراعة الأعضاء وخاصة الكلى، لما له من فائدة على الوطن والمواطنين.
وحث الوزير دائرة الشؤون القانونية في الوزارة على تسريع إعداد القانون الذي طلبته الوزارة، لتنفيذ سياسة زراعة الكلى من المتوفين دماغياً، وكذلك أوصت الوزارة بمنح أقارب المتوفين دماغيا مكافآت تشجيعية، معتبرا أن عمليات زراعة الكلى، التي يضطر المريض للخضوع إليها مرهقة جدا له ولأهله، إضافة إلى أنها عبء كبير على الخدمات الصحية.
وأكد وزير الصحة أن مشروع زراعة الأعضاء يحظى بدعم الوزارة كامتداد لدعم الحكومة، معتبرا أنه في ظل قوانين عدم السماح للاتجار بالأعضاء، أصبح من الأفضل والمناسب تبرع أقارب المرضى بأعضائهم، علما أن الوزارة تزخر بالكفاءات الطبية والتمريضية والتي تسمح بإجراء هذه العلميات بنجاح كبير بمملكة البحرين، وخير دليل على ذلك نجاح العمليات الستة التي أجريت خلال هذا الشهر.
جهود رسمية لإقرار القانون
ورأى عبدالله أن قانون زراعة ونقل الأعضاء من المتوفيين دماغياً إلى المرضى الأصحاء شهد تحركاً ملموساً منذ عام، متمثلاً بوزير الصحة والدكتور أمين الساعاتي والدكتور أحمد العريض اللذين قاموا بجهود كبيرة في إقناع الجهات القانونية بضرورة تبني هذا القانون، متوقعاً أن تشهد البحرين مستقبلاً باهراً لتشمل بقية الأعضاء كالكبد والبنكرياس طالما كانت البداية بنقل عضو من شخص متوفى دماغياً فالمجال صار مفتوحاً.
مركز مستقل لنقل الأعضاء
وتابع عبدالله: ”هناك توجه لدعم برنامج زراعة الأعضاء خصوصاً أن الأشهر الأخيرة شهدت إقبالاً كبيراً على هذا البرنامج بعد الدعم الذي قدمه رئيس الأطباء بمجمع السلمانية الطبي”. وأكد أن البحرين الثالثة خليجياً بعد السعودية والكويت برغم عدم وجود مركز مختص بنقل وزراعة الأعضاء، إذ يتم إجراؤها داخل مستشفى السلمانية، مناشداً الجهات المعنية أن يكون هناك مركز مستقل متخصص بنقل وزراعة الأعضاء بالإضافة إلى وجود قسم عمليات ووحدة عناية خاصة بالمرضى ليستقطب بقية الأعضاء المراد نقلها، منوهاً بضرورة وجود خطة خاصة وإمكانيات مالية وبشرية.
الأقرباء مصدر التبرع فقط
وأكد عبدالله أن مصدر الكلى المتبرع بها هم الأهالي المقربون لبعضهم أو من المتوفيين دماغياً، مشيراً إلى أن هناك نقصاً شديداً في أعداد المتبرعين بحيث إن أكثر العمليات التي تجرى تتم بين الأقرباء ومن دون ذلك لا يجدون متبرعاً لهم خصوصاً أن أعداد المنتظرين تزداد يومياً، وتقدر أعدادهم بـ250 منتظراً يعانون حالات فشل كلوي نهائي.
وأشاد بالتعاون القائم بين البحرين والسعودية في مجال تبادل الخبرات وطلبات النقل للأعضاء كون السعودية مصدراً مهماً لهذا المجال.
تعريف آخر للميت دماغياً
وأوضح رئيس دائرة الحوادث والطوارئ بمجمع السلمانية الطبي جاسم المهزع أن المتوفى دماغياً : ”المريض الذي تعمل أعضاؤه الحيوية بطريقة تلقائية أو بمساعدة الأجهزة الطبية كالجهاز التنفسي الذي يعمل بالجهاز الطبي ولكن استجابته للمؤثرات الخارجية خارجة عن النطاق”.
فوائد تعود على المتبرع
أما الناشط الاجتماعي أسامة الشاعر، فرأى أن البحرين تتوفر بها جميع المقومات لتجري بها مثل هذه العمليات، إذ إن دعم الحكومة والصحة أضحت توفر على المواطن عبء السفر للخارج. مبيناً أنه زار المريضة التي تبرعت بكليتها لأبيها مؤخراً، لافتاً أن السعادة كانت تخيم على الأسرة بعد إنقاذها لأبيها لترد له جزءاً من الجميل الذي قدمه لها.
وأضاف أن التبرع بين الناس يوثق الروابط والعلاقات بينهم لتزداد معها روابط الحب والأخوة على اعتبار أننا جميعاً إخوة في الدين والدم.
الغرب أكثر تقبلاً للفكرة
وفي ما يخص تقبل المجتمع لهذه العمليات، تقول أستاذة علم الاجتماع بجامعة البحرين الدكتورة سوسن كريمي إن العلاقات المجتمعية العربية أكثر قوة من الغربية، ولكن لا يوجد توظيف عملي وظيفي يخدم المجتمع، منوهة أن التفكير الوظيفي لدى الغرب يؤدي المهمات والوظائف، إذ ينظرون للمسألة على أنها تخلق المسؤولية الاجتماعية عن طريق إمداد الشخص الحي المتضرر بعضو يساعده على الاستمرار بالحياة.
عثرة الموروث الاجتماعي
وتضيف كريمي أن هناك العديد من المحتاجين لأعضاء أناس توفوا فعلاً لكن الفكرة مرتبطة بمنهج التفكير في المجتمع المتردد لقبول هذه الفكرة المرتبطة بالموروثات الثقافية والانتماء العائلي من الناحية العاطفية التي تؤثر على مشاعرنا.
”ففي الغرب”، تضيف كريمي ”تقدم الجامعات أثناء الدراسة بطاقة (الدونر) وهي عبارة عن شهادة يقر بها الشخص أنه يوافق على نقل أعضائه إذا تعرض إلى الوفاة دون الرجوع إلى موافقة الأهل”، مشيراً إلى أنها اقتنعت شخصياً بالفكرة ولكن المعضلة تكمن برفض الأهل لها.
خير مثال
وكانت شابة بحرينية ”22 عاماً” تبرعت بإحدى كليتيها سعياً نحو إنقاذ والدها المصاب ”48 عاماً” بفشل كلوي نهائي. وأكد استشاري أمراض وزراعة الكلى في مجمع السلمانية الطبي الدكتور صادق عبدالله أن المتبرعة تماثلت للشفاء وخرجت من المستشفى أمس بعد ثلاثة أيام من إجراء العملية لها بتقنية المنظار، وهي في حالة صحية ومعنوية عالية، وتتابع حالة أبيها أولاً بأول، موضحاً أن الكلى المزروعة وفي أقل من 48 ساعة نقلت حالة الأب الصحية من مرحلة الفشل الكلوي النهائي إلى الشفاء من الفشل الكلوي وسط انبهار فريق أطباء زراعة الكلى لسرعة تقبل الجسم للكلى المزروعة وسرعة عملها بتصفية الدم، حيث انخفضت نسبة الكرياتنين في الدم من 730 إلى المستوى الطبيعي في الجسم 110 في غضون 32 ساعة من إجراء العملية..
لا قانون لتنظيم نقل الأعضاء
أكد المحامي محمد التاجر أنه لا يوجد قانون ينظم عملية نقل الأعضاء، مضيفاً أن عمليات النقل ترتكز على بروتوكولات واتفاقيات وفقهيين ينظمون ويجيزون عملية النقل من الشخص المتوفى بعد موافقة الورثة، إذ لا بد أن ترتكز على جانب التبرع فقط دون دفع أموال لأهالي المتوفى.
الحي أولى من الميت
ويوافقه في الرأي المحامي موسى البلوشي، الذي رأى إجازة التبرع بالأعضاء بناءً على طلب المتبرع قبل وفاته، ورفض حالة عدم وجود موافقة من قبل المتوفى قبل وفاته رابطاً ذلك بالاعتداء على حرمة الميت.
وذكر أن مبدأ ”الحي أولى من الميت” ضروري في إنقاذ حياة إنسان معرضة للخطر على اعتبار أن المتبرع انتقل إلى رحمة الله، لافتاً أن القانون البحريني لا يوجد فيه نص قانوني صريح والإشكاليات القانونية بعيدة كل البعد عن عمليات النقل.
الدين .. آراء ومواقف شائكة
ويعتقد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة البحرين الدكتور عبدالستار الهيتي أن موضوع نقل الأعضاء متشعب وشائك ويعتمد في جوازه على العضو نفسه، لافتاً أنه ”لا يوافق على نقل أعضاء من المتوفى دماغياً كون الشخص في النهاية حياً ويتنفس من خلال الأجهزة ولذلك سحب الأجهزة منه حرام، وبالتالي نقل الأعضاء كذالك حرام والأخبار شهدت لنا حالات لمرضى ماتوا دماغياً وعادوا للحياة بعد فترة طويلة من الزمن”.
وأضاف أن ”المحرمات في عمليات النقل هو نقل الأعضاء التناسلية باتفاق العلماء لأنها تؤدي لاختلاط الأنساب على اعتبار أنها عامل يساعد على الإنجاب بالإضافة إلى نقل القلب والرئتين لأنها من الأعضاء الحيوية التي بدونها لا يستطيع العيش”.
جواز نقل البلازما والدم
أما الأعضاء التي أجاز الفقهاء عملية نقلها فهي البلازما أو الدم للمسلم وغير المسلم كلاهما سواء كونهما من بني آدم ومكرمون من عند الله، إذ إن هذين العضوين من الأعضاء المتجددة التي تنمو مع نمو الإنسان.
جواز النقل بموافقة الورثة
أما نقل الأعضاء كالكبد أو الكلية وغيرها، فيرى الهيتي جواز النقل فيها بشرط أخذ موافقة المتوفى قبل وفاته سواءً بشهود أو نص مكتوب وفي حالة عدم وجود موافقة من قبله يستحسن أخذ رأي ورثته وذلك احتراماً لحرمة الميت، لافتاً أن الأعضاء هي ملك لله تعالى وليس للإنسان سلطة عليها، إذ إن نقلها من شخص لآخر هي في النهاية ترجع لملكية الله لها ونقلها لا خلاف فيه.
وقال إن الآونة الأخيرة شهدت نوعاً جديداً من خلال المتوفين مجهولي الهوية في الحروب مثلاً، وهذه الفئة لا يجوز النقل منها إلا في حالات الضرورة القصوى كوجود موت جماعي، وطرأت حاجة لنقل الأعضاء بعد أخذ موافقة الجهات المعنية كولي الأمر والقضاء.
اختلاف في المواقف
ويوافق أستاذ الإسلاميات بجامعة البحرين ناجي العربي سابقه في الرأي، ويقول: ”المسألة خلافية بين الفقهاء المعاصرين وإن كان الأكثر يميل إلى الجواز فهو يقف موقف المعارض لها”، مضيفاً أن لكل من الفريقين أدلته التي لا يستوعبها المقام.
مواطنون.. النقل لإنقاذ الأرواح
من جانبهم، أجمع مواطنون على جواز عملية نقل الأعضاء بقصد إنقاذ روح كانت ستزهق لما له من أجر كبير عند الله على اعتبار أنها صدقة جارية.
وقال المواطن حسين الأحمد إن المتوفى الذي مات دماغياً وأراد أهله التبرع بأعضائه لأحد المتضررين فأجر المتوفى وأهله عند الله كبير خصوصاً أن نقل الأعضاء من الصدقات الجارية، مضيفاً أن العلماء اتفقوا على عدم جوازها ولكنه يرى أن التبرع سوف يسهم في إنقاذ روح.
ويتفق المواطن محمد صديف مع هذا الرأي، ويؤكد أهمية سن قانون يتيح للمواطنين حرية التبرع بأعضائهم على غرار الدول الغربية التي تتيح لمواطنيها بطاقة خاصة بالمتبرعين، فبعد وفاة صاحب الطلب تستطيع إدارة المستشفى نقل أعضاء العضو لأي شخص متضرر
اترك تعليقاً