تشكيل الحكومات وفق الأغلبية البرلمانية في الدستور الاردني
الحكومة البرلمانية .. لحظة تاريخية مقبلة في المملكة
كتب : حمزة العكايلة
لا يوجد نص مانع في الدستور الأردني لتشكيل الحكومات وفق الأغلبية البرلمانية. والتصورات التي طالما أرادت لها القوى السياسية أن تكون ملموسة بتغير آلية تشكيل الحكومات في المملكة، سوف تصبح واقعاً جديداً مغايراً لتشكيل الحكومات في السابق، حيث سيتم التشكيل على أساس الكتل البرلمانية، في خطوة هامة تؤسس لنواة حقيقة تثبت مفاهيم جديدة ستدخل على العملية السياسية في البلاد.
التطلعات بأن يشكل الانتقال إلى الحكومة البرلمانية لحظة تاريخية في المملكة، كما عبر عن ذلك جلالة الملك في حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية قبل أيام، ما يضع للقراءة وسبر غور تفاصيل الدستور الأردني بتعديلاته الجديدة نهماً أكبر تجاه الفهم والإدراك العميقين لجهة تغيرات حصلت وأخرى مازالت متاحة للبرلمان القادم، حيث يكون المأمول دستورياً من الحكومة البرلمانية أن يتم اختيار البرلمان القادم عبر انتخابات شفافة وحرة، مما يوفر الفرصة لهذا البرلمان لتعديل القانون وإعادة النظر في النظام الانتخابي بمجمله، ليضع ذلك العملية في حاضنتها الطبيعية بين يدي الشعب الذي سيقرر من خلال ممثليه المنتخبين شكل القانون الانتخابي القادم ليستمر في البحث عن مناحي وخطوط وشكل العمل السياسي وأطره ومحدداته الديمقراطية التي يتطلع إليها.
يرى أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية الدكتور ليث نصراوين أن الدستور الأردني نص صراحة بإمكانية تشكيل الحكومات البرلمانية من خلال المادة (52) التي جاء في متنها أنه «لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضواًً في أحد مجلسي الأعيان والنواب حق التصويت في مجلسه وحق الكلام في كلا المجلسين»، ما يعني إمكانية أن يكون الرئيس أو الوزراء أعضاء في كلا المجلسين، وما يمثل بشكل ما الحكومة البرلمانية، مدللاً بالقول إن رئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت شكل حكومته قادماً من عضويته في مجلس الأعيان، وكذلك الحال بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي الدكتور فايز الطراونة.
إلا أن نصراوين الذي استطرد في سرد أشكال عدة للحكومات البرلمانية الحزبية في دول عظمى ديمقراطية من مثل بريطانيا، يرى أهمية النظر مستقبلاً بنص المادة (74) الفقرة (2) التي تنص على «أن الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها»، معتبراً ذلك حائلاً لخيار الحزب في استمرار رئيسه أو من يختاره للبقاء في رئاسة الحكومة للمدة التي يختارها ويرى أنها ملائمة لتطبيق برنامجه، حيث يحتم عليها تغيير رئيس الحكومة الحزبية كل أربع سنوات (مدة مجلس النواب).
ويؤكد نصراوين أهمية التفريق بين الحكومة الحزبية والحكومة البرلمانية، ففي ظل عدم مقدرة حزب على الظفر بالأغلبية وتشكيل الحكومة من قبل ائتلافات وكتل نيابية لا يمكن وصف تلك الحكومة بأنها برلمانية.
ولدى النظر إلى التجربة البريطانية منذ العام 1979، نرى تعاقب خمسة رؤساء على حكومة المملكة المتحدة، حيث تمكنت مارغريت تاتشر (المرأة الحديدية) من ترؤس الحكومة في الفترة ما بين (1979- 1990) كرئيسة لحزب المحافظين، ثم أعقبها جون ميجور حتى العام 1997، ثم تولى توني بلير الرئاسة، في الفترة من العام (1997-2007) كرئيس لحزب العمال، ثم جوردون براون لدورة واحدة، وأخيراً ديفيد كاميرون، ولدى مقارنة تلك الأرقام لذات الفترة من العام (1979- 2012) نرى أنه قد تعاقب على الأردن 25 رئيساً للوزراء، وسُجِّل في تاريخ الدولة الأردنية تشكيل حكومة برلمانية واحدة تحديداً العام 1956 وهي حكومة سليمان النابلسي.
إن المتتبع والفاحص لدلالات تلك المقارنات يدرك حجم الحاجة وضرورتها للوصول إلى مبدأ تشكيل الحكومات وفق الأغلبية البرلمانية والحزبية، لتتمكن من تنفيذ برامجها ومحاسبتها على تقصيرها، لا أن تكون الحجج جاهزة على الرفوف بأنها لم تتمكن من ذلك نتيجة ضيق الوقت.
ولما كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن قرب حل البرلمان وبالتالي رحيل الحكومة، جاء الحسم الملكي بوضوح غير قابل للاجتهاد بأنه سيكون لدى الأردن برلمان جديد مع بداية العام، وهذا وما سلفه من شروحات يؤكد النية الحقيقية تجاه الوصول إلى حياة برلمانية وحزبية حقة، تكون فيها الحكومة مسؤولة أمام البرلمان الذي يمنحها الثقة من عدمها. وهنا، لدى الغوص مجدداً في التعديلات الدستورية التي أنجزت العام الماضي تبدو الاحتمالات مفتوحة لخيارات لجهة بقاء أو رحيل الحكومة التي ستشرف على الانتخابات القادمة، فالدستور الذي أوجب على الحكومة التي يحل البرلمان في عهدها بالرحيل وحظر على رئيسها تشكيل الحكومة الجديدة، لم ينص على رحيل أو استقالة الحكومة المشرفة على الانتخابات.
اترك تعليقاً