القضاء وخطوات إلى الأمام
أ. د. رشود بن محمد الخريف
كما هو معروف تقوم الدولة الحديثة على ثلاث سلطات، تعمل في الأغلب باستقلالية عن بعضها: وهي التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وتمثل الحكومة السلطة الأولى من خلال تنفيذ الأنظمة والقوانين وإدارة شؤون الدولة، في حين تقوم السلطة التشريعية بوضع الأنظمة والتشريعات إلى جانب الرقابة والمساءلة، وأخيرا تعمل السلطة القضائية على الفصل في المنازعات بين الأفراد والمؤسسات. ومن الأمور المبهجة، ما يشهده مجال القضاء في المملكة من تطور كبير يذكر فيحق له الشكر والثناء، من حيث “مأسسة” هذا القطاع واستخدام التقنيات الحديثة بدرجة كبيرة ورائعة، ما سهل إنجاز كثير من معاملات المواطنين بسهولة ودون عناء. ومن جوانب التطور التي لا تخفى على كثيرين ما يلي:
(1) تطوير السجل العقاري بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، وهو عبارة عن قاعدة بيانات كبيرة تحتوي على الوحدات العقارية ومعلومات عنها، خاصة موقعها ومساحتها وحدودها بدقة كبيرة، وقد أسهم السجل العقاري في الحد من النزاعات وتداخل الملكيات، ومعرفة ملاكها وخصائصها.
(2) إصدار صكوك الأراضي بدقة مع إلغاء إمكانية تكرار إصدار الصكوك على الأراضي كما كان يحدث في الماضي، ويتسبب في كثير من الخلافات والمنازعات وضياع حقوق الناس أو التلاعب بها.
(3) إصدار صكوك الوكالات الشرعية دون عناء المواطنين، ودون متطلبات غير ضرورية، كما يحدث في بعض الجهات الحكومية.
وعلى الرغم من هذا التطور الكبير والجهود المشكورة، إلا أن هناك بعض القضايا التي لا تزال في حاجة إلى نظر المسؤولين لزيادة فاعلية هذا المرفق المهم، ومنها ما يلي:
1 – زيادة الاهتمام بتأهيل “القاضي” من النواحي التطبيقية، ليكون ملما بالقضايا المعقدة بين الأفراد وبين المؤسسات، وذلك من خلال تكثيف التدريب على رأس العمل، وكذلك من خلال عقد شراكات بين كليات الشريعة وكليات القانون، لإحداث تفاعل بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب في هذه الكليات، لكي يتخرج القاضي وهو ملم بجوانب الحياة والمشكلات كافة التي يمكن أن يواجهها عندما يمارس عمله الحقيقي، مع الاقتراح بتغيير أسماء كليات الشريعة لتصبح كليات “الشريعة والقانون”.
2 – تطبيق فكرة “المحكمة الصورية” وتعزيز وجودها في كليات الشريعة والقانون، وهي عبارة عن نموذج تطبيقي يحاكي المحاكم الحقيقية، فيقوم الطلاب بممارسة جميع الأدوار، خاصة القاضي ومحامي الدفاع ووكيل النيابة والشهود والقائم بالضبط، مع حضور بعض الطلبة، لتعزيز مفهوم المحاكمة العلنية.
3 – النظر إلى مسألة “الشهود” في القضايا المرفوعة أمام المحاكم، فمع زيادة تعقيدات الحياة الحضرية، خاصة في المدن الكبرى التي يختلط بها السكان من كل الفئات والجنسيات، ومع صعوبة حدوث تعارف فيما بينهم، فمنهم الشخص التقي النبيل الذي يخاف الله، ويتجنب الكذب خشية العقاب يوم الحشر، ومنهم الأشخاص الذين تباع وتشترى ذممهم بدراهم قليلة. هذا الأمر يدعو لضرورة وضع آليات صارمة لقبول “الشهود” في قضية ما، أو ربما استحداث وحدة خاصة بذلك لتخفيف عمل القاضي، تقوم بالبحث والتحري لتزكية الشهود، وعلاوة على ذلك النظر بوجه عام إلى ضرورة دورهم في بعض القضايا أمام المحاكم.
4 – العمل الجاد على تقليص المدة بين مواعيد جلسات المرافعة في قضية ما، فقد بلغني أن المدة الزمنية بين جلسة وأخرى قد تستغرق شهورا عديدة دون مبرر يذكر. فهذا الأمر مدعاة لتعطيل مصالح الناس، الأمر الذي لا يرضاه المسؤولون عن هذا المرفق الحيوي المهم في حياة الناس.
5 – الالتزام بالمواعيد وعدم تكليف المدعي – صاحب القضية- بتولي مهمة توصيل دعوة المحكمة للمدعى عليه -الخصم- لحضور جلسة المحاكمة، وفيه عناء كبير، وتكلفة مادية، وربما زيادة في التوتر بين الخصمين.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً