الالتزامات بوجه عام
الأحكام التي تنظم الالتزامات بوجه عام، تتسم بأهمية قصوى في دنيا القانون ككل. فهي التي تقوم عليها المعاملات المالية، أيًا ما كانت طبيعتها بل إن الأسس التي ترسيها نظرية الالتزام كثيرًا ما تراعى في غير المعاملات المالية من مظاهر حياة الناس، وإن لحقها تعديل هنا أو هناك وفقًا لما تقتضيه طبيعة العلاقة المحكومة.
ولأن أحكام الالتزامات بوجه عام، تُرسي الأسس التي تقوم عليها المعاملات المالية، فإن تطبيقها لا يقف عند حدود القانون المدني، بل يتجاوزها أي غيره من فروع القانون الأخرى بوجه عام، لا سيما فروع القانون الخاص، وعلى رأسها القانون التجاري، ثم قانون العمل.
ولقد كان من شأن الأهمية القصوى لأحكام الالتزامات أن أفردت لها بعض الدول مدونة خاصة بها، إما وحدها وإما مع العقود المسماة، بيد أن إفراد مدونة مستقلة لأحكام الالتزام بوجه عام ليس أمرًا ضروريًا، فيمكن لهذه الأحكام أن تجد مكانها المرموق بين دفتي مدونة القانون المدني. فالقانون المدني هو الفرع الأصيل في دوحة القانون الخاص، ومن ثم يمكن لمدونته أن تضم، الأحكام القانونية التي من شأنها أن تسري داخل نطاقه، كما تسري في نطاق غيره من فروع القانون الأخرى، وهي مهمة يضطلع بها بالفعل من قديم في الأغلبية الكبرى من البلاد.
وقد ارتأى المشروع أن يسلك هذا النهج فيتضمن بين نصوصه أحكام الالتزامات بوجه عام، أو أحكام نظرية الالتزام وبهذا تتاح الفرصة لمدونة قانون التجارة الكويتية الجديدة المزمع إصدارها أن تترك هذه الأحكام، لتحل في مكانها الطبيعي المألوف، بعد أن اتسعت لها دفتا مدونة قانون التجارة الحالية.
فقد رأى المشروع الكويتي، عند إصدار قانون التجارة في عام 1961، أن تشمل مدونته نصوصًا تتضمن أحكام نظرية الالتزام، أو أحكام ” الالتزامات بوجه عام “ كما شاء هو أن يقول، وهو وضع فريد لا يُعرف له مثيل، ولكنه كان أمرًا ضروريًا ليس عنه غناء، فقانون التجارة يتضمن لحكم المعاملات التجارية نصوصًا مستقاة من القانون المعاصر، فلا بد إذن من إرسائها على أسس هي بدورها معاصرة.
ولكن ورود أحكام نظرية الالتزام في مدونة قانون التجارة مع تضمين هذه المدونة نصًا يقضي بقصر سريان ما تضمنته من أحكام على المعاملات التجارية أثار شيئًا من التناقض من وجه، والكثير من التناقض من وجه آخر. فمن وجه أول، أصبحت المعاملات المالية مختلفة في حكمها باختلاف صبغتها المدنية أو التجارية، ليس في الجزئيات والتفريعات فحسب، كما هو الشأن في البلاد المختلفة، بل في ذات الأسس التي تقوم عليها أيضًا، ومن وجه آخر، ثار الجدل حول ما إذا كان يمكن لأحكام نظرية الالتزامات أن تسري خارج نطاق التجارة والتجار، وعلى الأخص كأساس للقواعد التي جاءت بها التشريعات الحديثة التي صدرت في الكويت مؤخرًا، وهي تتضمن أحكامًا مستقاة من القانون المصري، كقانون التسجيل وقانون التأمينات العينية وقانون العمل وقانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع وقانون إدارة شؤون القصر وقانون إيجار العقارات والأماكن.
وغني عن البيان أن نظرية الالتزامات تتضمن الأحكام المتعلقة بالالتزام بوجه عام، من غير أن تُعنى بالتزام بعينه، فهي تضم بين رحابها القواعد العامة الأساسية التي تسري على الالتزامات في مجموعها، بغض النظر عن ذاتية كل التزام، مدنيًا كان أم تجاريًا.
والنهج المنطقي لسرد الأحكام الداخلة في رحاب نظرية الالتزام يقتضي السير مع هذا النظام القانوني في مراحل حياته، فيواجه أولاً الالتزام في نشأته وهذا ما يدعو إلى البدء بمصادره على أن تليها الأحكام المتعلقة بآثاره، ثم تلك الخاصة بأوصافه وبانتقاله. وتأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة التي يواجهها الالتزام بالضرورة وهي مرحلة انقضائه، وهو ما التزمه المشروع في عرضه لتلك الأحكام.
وهذا النهج من المشروع ليس مبتدعًا، فقد سارت عليه من قبل مدونة القانون المدني المصري، والمدونات العربية الأخرى التي استوحتها، كمدونة القانون المدني السوري ومدونة القانون المدني العراقي، ومدونة القانون المدني الليبي، ومدونة القانون المدني الأردني، وهو نفس النهج الذي سار عليه بدوره قانون التجارة الكويتي.
ولم يشأ المشروع أن يعرض لقواعد الإثبات، لا بين الأحكام المتعلقة بنظرية الالتزام، ولا بين غيره من أحكامه الأخرى. فقد وجد من الملائم أن يفرد قانون خاص يجمع كافة قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية على السواء.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً