يقصد بالمساهمة في الجريمة، او كما يسميها البعض، المساهمة الجنائية، هو أن يتعاون اكثر من شخص في ارتكاب جريمة واحدة. وبالتالي فهي حالة تعدد الجناة الذين يرتكبون نفس الجريمة. مما يعني ان لتحقق هذه الصور من صور ارتكاب الجريمة لابد من ان يتحقق امران هما :
1.تعدد الجناة مرتكبي الجريمة.
2.وحدة الجريمة.
1.تعدد الجناة مرتكبي الجريمة :-
ويتحقق عندما لا ينفرد شخص واحد في ارتكاب الجريمة، بل يتعاون عدة أشخاص على ارتكابها، بان يقوم كل منهم بدور المساهمة فيها. وفي هذه الحالة قد تكون ادوارهم متماثلة في الأهمية وقد تكون مختلفة كما لو حمل احد السراق بعض المال المسروق واخرجه من المنزل وحمل زميل له البعض الآخر منه ووقف ثالث في باب الدار يراقب الطريق.
2.وحدة الجريمة المرتكبة :
لا يكفي لتحقق المساهمة في الجريمة تعدد الجناة بل لابد لذلك أيضاً من ان تكون الجريمة المرتكبة نتيجة هذا التعاون بين الجناة هي جريمة واحدة. ومعيار وحدة الجريمة سهو وحدة الركن المادي ووحدة الركن المعنوي. ويعد الركن المادي للجريمة واحدا، اذا كانت النتيجة الجريمة التي حققها الجناة واحدة سواء كان ذلك بفعل مادي واحد (سلوك) او أفعال مادية متعددة. ونقصد بالنتيجة الجرمية، الاعتداء الذي يقع على حق يحميه القانون. ففي جريمة القتل قد تعدد الأفعال التي يرتكبها الجناة فاحدهم يحرض على الجريمة القتل قد تتعدد الأفعال التي يرتكبها الجناة فاحدهم يحرض على الجريمة والآخر يقدم السلاح الذي سترتكب به الجريمة والثالث يمنع المجني عليه من المقاومة والرابع والخامس يجهز ان على المجني عليه وهكذا تحصل جريمة القتل. ففي هذه الحالة نحن امام نتيجة جرمية واحدة وهي وفاة المجني عليه. ويعد الركن المعنوي واحدا، اذا قانت رابطة ذهنية واحدة تجمع بين المساهمين في الجريمة. وتتحقق هذه الرابطة اذا قام قصد التداخل في الجريمة لدى كل المساهمين لاجل تحقيق النتيجة الجرمية المطلوبة. وليس ضروريا لتحقيق هذا القصد ان يسبقه اتفاق او حتى تفاهم بين الجناة وان كان هذا هو الاعم الاغلب (1) فاذا هم شخص بطعن آخر بقصد قتله وتصادف مرور شخص ثالث يكره المجني عليه فعندما شاهد المنظر وعرف هوية المجني عليه وكتفه ليسهل عملية الطعن للجاني دون سابق اتفاق او تفاهم بينهما تتحقق المساهمة الجنائية لقيام قصد التداخل لديه. فان لم يقم قصد التدخل في الجريمة، فلا وجود للمساهمة الجنائية، وعندئذ يسأل كل شخص عن أعماله فقط. فلو ان شخصا استوقف آخر لضربه وضربه فعلا فجاء ثالث واجهز على المجني عليه لانه عدو له مستفيدا من تردي حالته نتيجة للضرب الذي أوقعه الأول، فلا يعد الأول مساهما في جريمة الثاني لعدم قيام قصد التدخل لديه في جريمته.
واذ كسر شخص باب منزل لسرقته فلما شعر بحركته هرب خوفا فانتهز آخر فرصة كون الباب مكسور فدخل وسرق فلا يسال الأول باعتباره مساهما في جريمة السرق الواقعة من الثاني بل يسال كل منهما عن جريمته. حيث يسال الأول عن جريمة شروع في سرقة ويسأل الثاني عن جريمة سرقة تامة. ووحدة الركن المعنوي، أي وحدة الرابطة الذهنية هذه، في الجرائم غير العمدية تتطلب شمول الخطأ غير العمدي الذي يتوافر لدى كل من الجناة الأفعال التي يرتكبها المساهمون معه في الجريمة وشمول النتيجة التي تترتب على هذه الأفعال. فمن يأمر سائق سيارة بتجاوز السرعة المسموح بها فيترتب على ذلك اصابة احد المارة يعد مساهما في جريمة غير عمدية الخطأ الذي توافر لديه قد شمل فعل زميله ونتيجة هذا الفعل. ولا يعتبر مجرد التوافق بين إدارة المتهمين وتوارد خواطرهم على الاعتداء اتفاقا بينهم كما انه لا يرقى الى مرتبة قصد التداخل في ارتكاب الجريمة مما يجعلهم مساهمين في جريمة واحدة، بل نكون بصدد جرائم متعددة ويكون كل منهم مسئولا عن النتيجة التي حققها بسلوكه. وعلى هذا اذا اعتدى عدة أشخاص على غير اتفاق او تفاقم سابق على خصم لهم بالضرب وتسبب عن الاعتداء وفاة المجني عليه فاننا نكون بصدد جرائم متعددة ويسال كل عن جريمته التي انتجها فعله. ان قصد التداخل انما يفيد تجاوب الفكرة الواحدة او القصد الواحد في اذهان كافة المساهمين في الجريمة وان يدرك المتدخل انه لا يستقل بهذه الفكرة وأنه يقصد المساهمة مع غيره في تحقيقها. وتعبير المساهمة الجنائية، لم يكن سائدا الى وقت قريب في الفقه العربي، فقد كان الكتاب يستعملون تعبير الاشتراك في الجريمة بدلا منه، غير ان الأول ادق في دلالته؛ لان الاشتراك ينصرف الى ما يقوم به الشريك أي المساهم التبعي من نشاط. ولا تزال اغلب قوانين العقوبات العربية تأخذ باصطلاح الاشتراك في الجريمة متأثرة بما كان سائدا في الفقه.
الاتجاهات الفقهية في المساهمة الجنائية :
تعني المساهمة الجنائية، تعدد الجناة الن يرتكبون الجريمة الواحدة. واذا كان سلوك كل مساهم لازم لتحقيق النتيجة الجرمية بالصورة التي تحدث بها فان دور بعض المساهمين قد يكون اكثر أهمية من دور البعض الاخر وهنا وبسبب ذلك تعددت الاتجاهات الفقهية كما اختلف مسلك التشريعات المعاصرة في معالجتها لأحكام المساهمة الجنائية.
ويمكن رد الاتجاهات المختلفة الى نظامين هما وحدة الجريمة في المساهمة الجنائية ونظام تعدد الجرائم في المساهمة الجنائية.
1.نظام وحدة الجريمة :
يقول انصار هذا المذهب : ان الجريمة التي يرتكبها الفاعلون الاصليون ويساعدهم فيها الشركاء هي جريمة واحدة. وتأتي مسؤولية الشركاء من استعارتهم فيها الجرمية من الفعالين الاصلين استعارة مطلقة. لان افعالهم التي يقومون بها في الاصل غير معاقب عليها (مباحة) ولكنها اصبحت معاقب عليها لعلاقتها بارتكاب الجريمة أي بأفعال الفاعلين الاصلين. ومدلول هذا القول، ان هؤلاء، اذا لم يرتكبوا الجريمة فان الشركاء لا يعاقبون. فجرمية الشركاء اذن تأتي من ارتكاب الفاعلين الجريمة فاذا اعار شخص سكينا لاخر ليقتل بها فهو شريك، اذا قتل المستعير، وغير معاقب اذا لم يقتل اما اعارة السكين بذاتها فليست جريمة في الاصل ولكنها اصبحت جريمة لعلاقتها بجريمة القتل. ولذلك قالوا : ان الشريك يستعير مسؤولية من فعل الفاعل الأصلي. ومذهب الاستعارة المطلقة هو مذهب القانون الفرنسي وعنه أخذت قوانين ايطاليا والمكسيك والبرازيل ويوغسلافيا ومصر. وينقل هذا لمذهب الى الشركاء جرمية المجرم الأصلي (الفاعل الأصلي) فيسألون كمسؤولية، كما ينقل إليهم الظروف المادية المشددة الخاصة بالجريمة، كظرف الكسر والتسور في حالة السرقة. ومع ذلك فانه بالرغم من مساواته بين الفاعلين والشركاء في المسؤولية والعقوبة (مبدئيا) غير ان القاضي، واحيانا نص القانون، يستطيع ان يفرض على كل واحد العقاب الذي يراه مناسبا له ضمن حدود القانون. ويؤخذ على هذا المذهب :-
أ – انه لا يعاقب الشريك الا اذا عوقب الفاعل الأصلي. فالمحرض لا يعاقب الا اذا ارتكب الفاعل الجريمة وهذا لا ريب حل مؤسف. لذلك اخرجت بعض القوانين الحديثة المحرض من زمرة الشركاء وعاقبته بعقوبة مستقلة.
ب – انه يساوي في العقوبة بين الفاعل والشريك ودور الشريك عادة اخف واقل خطرا من دور الفاعل.
جـ – انه يمد الى الشريك جميع ظروف الجريمة وظروف الفاعل. ان هذه الاعتبارات جعلت بعض القوانين تتخلى عن مذاهب الاستعارة المطلقة وتفضيل عليه مذهب الاستعارة النسبية الذي يخفف عقوبة الشريك بالنسبة لعقوبة الفاعل الأصلي. حيث ان بعض هذه القوانين تجعل هذا التخفيف الزاميا كالقانون الاسباني (مادة 53) والقانون اليوناني (مادة 47) بينما بعضها يترك في ذلك الجريمة للقاضي كالقانون الالماني (مادة 49) واليوغسلافي والسوري واللبناني والسويسري. وكذلك لا ينقل الى الشريك الى الظروف المادية للجريمة وبعض الظروف الشخصية. ويؤخذ على مذهب الاستعارة النسبية انها اعتبرت أفعال الاشتراك دوما، وبصورة مطلقة اخف من الأفعال الأصلية.
2.نظام تعدد الجرائم :
ان صاحب هذه النظرية الأول هو الفقيه الاسكندنافي Getz ثم ايدتها جماعة المدرسة الوضعية لتحل محل نظرية الاستعارة مارة الذكر تلك النظرية التي تقوم، حسب قولهم على الغرض والزعم FIXON. وتقوم هذه النظرية على فكرة تجزئة الجريمة الى ادوار متعددة، وكل دور يصبح جريمة قائمة بذاتها. وبذلك يسال كل مساهم فيها عن فعله فقط دون ان تؤخذ أفعال الاخرين بعين الاعتبار. ففي جريمة القتل مثلا يسال المحرض عن جريمة تحريض على قتل ويسال القاتل عن القتل. فاذا لم يرتكب الفاعل القتل ظل المحرض مسئولا عن جريمة مستقلة لا علاقة لها بالقتل، (هي التحريض على القتل). ويستتبع ذلك ان كل مساهم انما يؤخذ بظروفه التي احاطت فعل مساهمته دون ان يتأثر بظروف الاخرين من المساهمين. وبالرغم من ذياع شهرة هذا المذهب يؤخذ عليه انه ينسى وحدة المشروع في الجريمة الواحدة فيفتتها الى جرائم متعددة، كما انه يقضي على فكرة الخطورة المتأتية من المساهمة في الجريمة الواحدة (2). موقف القانون العراقي تكلم قانون العقوبات العراقي عن المساهمة الجنائية في الفصل الخامس من الباب الثالث من الكتاب الأول في المواد من 47 الى 54. حيث حدود في المادة 47 الفاعل وفي المادة 48 الشريك وبين في المادة (50) عقوبة الفاعل وجعلها هي نفسها عقوبة الشريك كل هذا يدل على ان قانون العقوبات العراقي انما اخذ بنظام وحدة الجريمة وأقر مذهب الاستعارة المطلقة حيث عاقب الشريك بالعقوبة المقررة قانونا للجريمة التي ساهم فيها (عقوبة الفاعل الأصلي) ومع ذلك فقد أخذ بضرورة التمييز بين الفاعل والشريك ورتب على هذا التمييز احكاما خاصة (مادة 50) كما ترك للقاضي حق تفريد العقوبة بالنسبة للفاعل والشريك ولم يطبق الظروف الشخصية المشددة للعقوبة الخاصة بالفاعل على الشريك الا اذا كان عالما بها وهذه من أسس مذهب الاستعارة النسبية. مما يعني ان هذا القانون وان اخذ بنظام وحدة الجريمة الا انه اختط له طريقا وسطا بين مذهب الاستعارة المطلقة ومذهب الاستعارة النسبية بل هو اقرب الى الثانية من الأولى. وقد اقر المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات عند بحثه لموضوع الاتجاه الحديث في فكرة الفاعل والشريك نظام وحدة الجريمة مع التفرقة بين طوائف المساهمين كما اخذ بفكرة الاستعارة على ان يحد من اطلاقها وهذا هو نفس ما سلكه القانون العراقي (3).
صور المساهمة في الجريمة :
للمساهمة في الجريمة صورتان هما :-
1.المساهمة الأصلية في الجريمة :
ويسمى كل من ساهم بارتكاب الجريمة بهذه الصورة (بالفاعل) في الجريمة (4) CO-AUTER، ويسمى عمله بالفعل الأصلي في الجريمة. وتتحقق بقيام المساهم بدور أساس في الجريمة.
2.المساهمة التبعية في الجريمة :
ويسمى كل من ساهم بارتكاب الجريمة بهذه الصورة (بالشريك) في الجريمة COMPLICE، ويسمى عمله بالاشتراك في الجريمة. وتتحقق بقيام المساهم بدور غير اساسي (ثانوي) في الجريمة (5).
________________________________
1- وقد ذهبت الى خلاف ذلك محكمة تمييز العراق وكذلك محكمة التمييز الفرنسية كما كانت تأخذ الى عهد قريب محكمة النقض المصرية، انظر كتابنا الوسيط ص555. وانظر كذلك الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق ص436 وانظر لنفس المؤلف، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية ص24، الدكتور رمسيس بهنام، المرجع السابق ص642. انظر كذلك نقض مصري 20 يناير 1948 مجموعة القواعد القانونية ج7 ن513 ص470.
ومما يخطئ هذا الراي ان القانون نفسه يجعل المساعدة على ارتكاب الجريمة وسيلة من وسائل المساهمة ….. بينما المساعدة لا يشترط ان يسبقها اتفاق او حتى تفاهم اذ قد تقع آنية في لحظتها.
2-انظر جارو، المرجع السابق ج3 ن879 ص12 – فيدال ومانيول، ج1 ن406 ص56 – دونديه دي فابر 454 ص265.
3-انظر الدكتور عبدالوهاب حومد، شرح قانون الجزاء الكويتي، القسم العام، ص177 – الدكتور احمد عبدالعزيز الالفي، المرجع السابق ص259.
4-ويسميه بعض (الفاعل الأصلي) في الجريمة.
5-انظر جارو، المرجع السابق، ج3 ن 882 ص17 – الدكتور محمود نجيب حسني، القسم العام، ص434 ن 439 – الدكتور علي حسين الخلف المرجع السابق ص558.
المؤلف : علي حسين خلف + سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً