دكتور ليث كمال نصراوين يكتب عن تعديل الدستور حاجة ملحة قبل إجراء الانتخابات
إذا كان صحيحا ما يقال بأن الأردن قد استشعر الربيع العربي قبل قدومه وأنه قد تعامل معه على خير ما يرام من خلال سلسلة من الإصلاحات السياسية التي بدأتها الحكومات الأردنية المتعاقبة، فإنه وفي خضم تسارع مجريات الأحداث و تصاعد وتيرة الإصلاح السياسي في الأردن، لا بد من وقفة مراجعة لما تحقق من إنجازات وما هو قيد العمل والتنفيذ.
بدأت عملية الإصلاح السياسي في الأردن من قمة الهرم القانوني وتحديدا الدستور الذي خضع إلى عملية قيصرية أزالت الجزء الأكبر من التشوهات الدستورية التي تراكمت جراء الأحداث التاريخية التي عاصرتها الدولة الأردنية من الوحدة بين الضفتين عام 1951 والإتحاد الهاشمي مع العراق عام 1958. فكانت المراجعة غير مسبوقة من خلال تعديل ما يزيد عن ثلث نصوص الدستور الأردني. ومن ثم توالت الإصلاحات السياسية والتي استندت على نصوص الدستور المعدل والمتمثلة في إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات وإصدار قانون جديد للأحزاب السياسية وللمحكمة دستورية، ويجري العمل حاليا على إقرار قانون جديد للانتخاب مجلس النواب.
إلا أنه ومن خلال قراءة دستورية متعمقة لواقع الإصلاحات السياسية التي أنجزت حتى الآن، نجدها متعارضة مع بعضها البعض وبحاجة ماسة إلى معالجة فورية تضمن تحقيق الغاية منها، وبالأخص التناقض بين نصوص الدستور الأردني وقانوني الانتخاب والأحزاب الساسية. فقد حظرت التعديلات الدستورية الأخيرة ازدواج جنسية النائب والوزير وما رافق هذا التعديل من آراء مختلفة تراوحت بين مؤيد لها على أساس ثبوت الولاء المطلق للدولة الأردنية، وبين معارض كونها تقوم على تمييز سلبي بين الأردنيين وتحرم كفاءات أردنية من تولي المناصب السياسية لأسباب أقل ما يمكن وصفها بأنها أسرية وعائلية جراء ولادة الفرد من أبوين أردنيين ولكن أوين في دولة أجنبية. إلا أن الملفت للنظر أن المشرع الأردني لم يراع هذا القيد على العضوية في السلطتين التشريعية والتنفيذية في مشروع قانون الأحزاب السياسية الذي يسمح لمزوجي الجنسية من الأردنيين بتأسيس الأحزاب السياسية والإنضمام إليها، وهو ما من شأنه أن يصطدم بحظر ازدواج الجنسية الأجنبية.
فمن حق أي من مؤسسسي الحزب السياسي أو الأعضاء فيه أن يترشح عن الحزب في الانتخابات التشريعية كنائب ومن ثم كرئيس وزراء أو وزيرا في الحكومة البرلمانية، ذلك أنه قد اكتسب مركزا قانونيا بمجرد انضمامه للحزب السياسي يسمح له بالعضوية في أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية. فلا يجوز بعد أن يتقرر قبوله للحزب أن يحرم من الترشح للانتخابات التشريعية أو أن يحظر عليه العضوية في السلطة التنفيذية بحجة حمله لجنسية أجنبية. فقد كان الأولى بالمشرع الأردني أن يمنع ذلك الشخص من تأسيس الحزب والإنضمام إليه في مرحلة مبكرة، لا أن يقبله في الحزب ومن ثم يحرمه من حقه في تمثيل ذلك الحزب كنائب في البرلمان ومن ثم كوزير في السلطة التنفيذية.
أما بخصوص التعديل الدستوري المثير للجدل في المادة (74/2) من الدستور والذي يلزم الحكومة التي تحل مجلس النواب بأن تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل وأن يحظر على رئيس الوزراء تشكيل الحكومة التي تليها، فإنه يشكل حجر عثرة في طريق الإصلاح السياسي المنشود المتمثل في البدء بتطبيق نظام الحكومة البرلمانية والتي تعطي الحق لرئيس الحزب الفائز بالانتخابات بتشكيل حكومة برلمانية. فمثل هذا الحظر على تولي رئيس الوزراء الذي حل البرلمان رئاسة الحكومة التي تليها يعني أن الحزب السياسي الحاكم سيضطر إلى تغيير شخص رئيسه في كل انتخابات برلمانية لعدم دستورية إعادة تكليف نفس رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة التالية بعد الحل، وهو ما لا يتوافق مع مبادئ الحكومة البرلمانية.
فشخصية رئيس الحزب السياسي دائما ما تكون محل اعتبار للحزب وليس من السهل أن يتم التضحية بها وتغييرها بعد كل أربعة سنوات. ولنا في الديمقراطية البريطانية خير دليل على صحة كلامنا، إذ أن رؤساء الوزراء فيها يخدمون لسنين طويلة دون تغيير أشخاصهم كون رئاستهم للحزب قد أصبحت جزءا لا يتجزأ من أيديولوجيته التي على أساسها سيصوت الناخبون لذلك الحزب من عدمه. فكل من المرأة الحديدة مارغريت تاتشر وتوني بلير قد خدما سنين في رئاسة حزبي المحافظين والعمال على التوالي، دون أن يفرض الدستور البريطاني على الحزب السياسي تغيير شخصية رئيسه مع كل انتخابات تشريعية تجرى.
ومن العوائق الدستورية الأخرى التي تقف في وجه الإصلاح السياسي في الأردن نص المادة (74/3) من الدستور التي تفرض على الوزير الذي ينوي ترشيح نفسه للانتخابات أن يستقيل قبل ستين يوما على الأقل من تاريخ الانتخاب. إن مثل هذا الحكم الدستوري يتنافى مع فكرة الحكومة البرلمانية والتي تقوم على أساس ترؤس حزب سياسي معين للحكومة طيلة فترة عمر مجلس النواب، وأن يتم محاسبة تلك الحكومة من خلال صناديق الإقتراع في الانتخابات التشريعية المقبلة، بحيث إذا ما رغب الناخب في الإبقاء على الحزب السياسي في سدة الحكم فإنه يقوم بالتصويت له وإلا فإنه يختار غيره. من هنا يثور التساؤل عن جدوى الطلب من الوزير الذي يرغب بالترشح لمجلس النواب أن يستقيل قبل ستين يوما من تاريخ الانتخاب، طالما أن التصويت لا يكون لشخص المرشح بنفسه بل لعضويته في حزب سياسي معين.
إن الحكمة من وراء الطلب من الوزير أن يستقيل قبل أن يترشح لمجلس النواب بفترة ستين يوم تتمثل في منع ذلك الوزير من استغلال منصبه الحكومي لخدمة حملته الانتخابية. إلا أن هذه الحكمة تنتفي عند تطبيق مفهوم الحكومة البرلمانية، ذلك أن العبرة ليس في شخص المرشح بالدرجة الأساسية بل بعضويته في حزب سياسي معين. كما أن التساؤل الأكبر يبقى فيمن سيعين وزيرا في الحكومة البرلمانية خلال فترة الستين يوما بعد أن يستقيل أحد الوزراء لخوض الانتخابات التشريعية، فهل سيبقى المنصب شاغرا أم سيعين خلفا له، وفي تلك الحالة من سيقبل التعيين في المنصب الوزاري لفترة مؤقتة خاصة وأنه سيحرم من الترشح للانتخابات المقبلة باعتباره عضوا في الحكومة ولم يلتزم بالنص الدستوري الذي يوجب عليه الاستقالة قبل ستين يوما من تاريخ الانتخاب.
إن الخلل الذي سيحدثه الإبقاء على النص الدستوري السابق يكمن في أنه سيقسم أعضاء الحزب السياسي إلى فئتين، فئة يسمح لها الترشح للانتخابات التشريعية إما لعدم تواجدها أصلا في الحكومة أو لتواجدها ولكنها قد قدمت استقالتها من منصبها الوزاري قبل ستين يوما من الانتخاب، وفئة من أعضاء الحزب السياسي الذين سيحظر عليهم الترشح للانتخابات على اعتبار أنهم أعضاء حاليين في الحكومة البرلمانية ولم يتقدموا باستقالاتهم الحكومية خلال مدة الستين يوم قبل تاريخ الانتخاب.
لذا فهنالك حاجة ماسة لتعديل الدستور فيما يتعلق بحظر ازدواج الجنسية الأجنبية وحظر تكليف رئيس الوزراء الذي نسب بحل البرلمان بتشكيل الحكومة التالية بعد الحل وحكم استقالة الوزير الذي ينوي الترشح لمجلس النواب قبل ستين يوما من تاريخ الانتخاب والتي تصطدم مع تطبيق فكرة الحكومة البرلمانية وذلك في القريب العاجل قبل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة والتي حدد موعدا أوليا لها قبل نهاية العام الحالي.
* محام وأستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
اترك تعليقاً