أسباب بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي والانتقادات الموجهة له
إن البطلان بصفة عامة هو الجزاء المقرر قانونا لأي إجراء تم به خرق قاعدة قانونية آمرة أو تم به خرق حقوق الدفاع، فماهي إذن أسباب بطلان إجراءات التحقيق في القانون المغربي؟ (المطلب الأول) وماهي الانتقادات الموجهة لمؤسسة قاضي التحقيق؟ (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الأسباب التي تؤدي إلى بطلان إجراءات التحقيق
حسب المادة 211 ق م ج فإن الذين لهم حق إثارة البطلان هم:
– قاضي التحقيق, النيابة العامة والمطالب بالحق المدني وأيضا المتهم (الذي سنقتصر على حالته)، ومتى توفرت أسباب كافية تؤدي إلى بطلان إجراءات التحقيق.
وأسباب البطلان في إجراءات التحقيق على نوعين:
1- بطلان بسبب خرق قواعد حددها المشرع وأوجب احترامها تحت طائلة البطلان.
2- بطلان بسبب خرق حقوق الدفاع المخولة لأطراف الدعوى العمومية أو ما يسمى بالبطلان القضائي.
الفقرة الأولى: البطلان بسبب خرق قواعد حددها المشرع وأوجب احترامها:
إن المادة 210 ق.م.ج هي التي نصت على هذه الأسباب، والبطلان في هذه الحالة ضمانة للمتهم أساسا ثم للطرف المدني كذلك، ومن تم فإن عدم احترام أي إجراء منها يؤدي إلى البطلان، وللغرفة الجنحية وحدها حق تقدير هذا البطلان، بالقول ما إذا كان هذا البطلان طال الإجراء المعيب وحده، أم أن العيب الذي كان سببا في البطلان امتد وتعدى إلى إجراءات أخرى كلها، أو بعضها حسب ما أشارت إليه المادة 211 من نفس القانون.
كماأن المادة (210) المذكورة أحالت على المواد 59و 60و 62و 101 من نفس القانون- وباستقراء المادة المذكورة والمواد التي أحالت عليها يلاحظ أن حالات البطلان المقررة بموجب هذه المادة تتلخص فيما يلي:
* حسب المادة 134 ق.م.ج في حالة :
– عدم إشعار المتهم عند مثوله أمام قاضي التحقيق وقبل استنطاقه بحقه في اختيار من يؤازره من المحامين تحت طائلة تعيين محام له إن لم يقم هو بتعيينه.
– عدم إشعار المتهم بالأفعال المنسوبة إليه.
– عدم إشعار المتهم عند مثوله أمام قاضي التحقيق أنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح.
– عدم ذكر موجب الاستعجال إن قرر قاضي التحقيق البدء في استنطاق المتهم أو إجراء مواجهته.
– عدم الاستجابة لطلب المتهم كان رهن الحراسة النظرية، أو دفاعه الرامي إلى إحالته على خبرة طبية.
* حسب المادة 139 ق.م.ج في حالة :
– الاستماع للمتهم وللطرف المدني أو مواجهتهما دون حضور دفاعهما، أو بعد استدعائه بصفة قانونية، أو تنازل أحد الطرفين أو كلاهما صراحة عن ذلك.
* حسب المواد 59، 60، 62، 101 ق.م.ج في حالة:
– عدم احترام القواعد والضوابط المتعلقة بتفتيش المنازل سواء الذي أجراه ضابط الشرطة القضائية أو الذي أجراه قاضي التحقيق.
الفقرة الثانية: البطلان بسبب خرق حقوق الدفاع
هذا الحق مخول لأطراف الدعوى، ويعبر عنه بالبطلان القضائي ونصت عليه المادة 212 ق.م.ج، وهي حالات دون الحالات المذكورة أعلاه، ولا ترقى إليها بالنسبة للمساس بالضمانات الأساسية للتحقيق، وإنما المس بها يؤدي إلى المساس بحقوق الدفاع لأطراف الدعوى ليس إلا، على اعتبار أن مبدأ المحاكمة العادلة يستوجب إعطاء الحق للمتهم في المحاكمة العادلة، كما هو متعارف عليه عالميا، احتراما لما أوجبته المواثيق الدولية.
فبالوقوف على حرفية المادة 212 قانون المسطرة الجنائية يلاحظ أنها لم تحدد الحالات التي تعتبر خرقا لحقوق الدفاع خلافا للمادة 210 المشار إليها قبل حين، وإنما صياغتها جاءت عامة لما قالت: يترتب كذلك البطلان على خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من الأطراف.
ولما كان الحق في الدفاع خاص بأطراف الدعوى، كان لهؤلاء الحق في التنازل عنه، لذلك جاء المشرع بالفقرة الثانية من المادة 212 ق.م.ج لتخول لهم الحق في التنازل عن ادعاء البطلان المقرر لفائدتهم.
ولما ارتأى المشرع أنه لابد من الجزم في هذا الأمر، اشترط أن يكون هذا التنازل مكتوبا، وبحضور دفاع المعني بالأمر، أو على الأقل بعد استدعائه طبقا للقانون، بل وأن هذا التنازل يبقى بدون أثر إلا بعد عرضه على الغرفة الجنحية للمصادقة عليه وفق المادة 211 ق.م.ج[1].
والذي يفهم من صياغة المادة 212 ق.م.ج أنها تركت للغرفة الجنحية الصلاحية في تقييم إجراء من إجراءات قاضي التحقيق للقول إنه مس بحقوق الدفاع أم لا وإن كان الأمر بالإيجاب تقرر البطلان[2] .
المطلب الثاني: الانتقادات الموجهة لمؤسسة قاضي التحقيق
إن قانون المسطرة الجنائية أبقى على مؤسسة التحقيق الابتدائي رغم ما تعرفه بعض الأنظمة من نقاش حول إبقاء أو إلغاء مؤسسة قاضي التحقيق على أساس أن هذه المؤسسة تعد حديثة بالمقارنة بالعديد من المؤسسات وأن بعض الأنظمة القانونية مازالت تنيط التحقيق بأجهزة غير قضائية[3]، ومن هنا نتساءل :
ما جدوى التحقيق في ظل المادة 457 ق.م.ج بصفة خاصة )أولا)؟
وما جدوى بقاء قضاء التحقيق في ق.م.ج بصفة عامة (ثانيا)؟
أولا: جدوى التحقيق في ظل المادة 457 ق.م.ج:
إنه بالإطلاع على قانون المسطرة الجنائية الجديد يتضح بأنه أضاف المادة 457 التي أقرت نظام التقاضي على درجتين في القضايا الجنائية.
وعلى ضوء المادة المذكورة سنناقش مدى أثرها على التحقيق آخذا بعين الاعتبار آراء الممارسين حول جدوى بقاء التحقيق في هذه المادة بصفة خاصة، وفي ق.م.ج بصفة عامة. وانقسم الفقه الخصوص بهذاإلى اتجاهين.
1- الاتجاه الأول ينادي بإلغاء قضاء التحقيق اعتبارا لكون النتائج المحصل عليها من عملهم ليست دائما مجدية وأن الفترة التي يستغرقها التحقيق تعتبر تطويلا للمسطرة وتمديدا للآجال رغم أن نتيجة التحقيق لا تكون في غالب الأحوال أحسن مما أنتجه بحث الضابطة القضائية وفي بعض الأحيان تكون تكرارا له.
2- الاتجاه الثاني: يعتبر التحقيق دعامة أساسية لحقوق الإنسان وركيزة مهمة في تحقيق المحاكمة العادلة وذلك لما يوفره من ضمانات للمتهم ولما يتيحه من ضمانات للدفاع بجعل البحث الجنائي بمنآى عن أي انتقاد ويعطيه مصداقيته.
وقد كان الاتجاه الثاني هو عين الصواب فيما ذهب إليه وذلك في ظل قانون المسطرة الجنائية المعدل على اعتبار أن هذا الأخير لا يوفر للمتهمين الذين تتم محاكمتهم أمام غرفة الجنايات لدى محاكم الاستئناف سوى درجة وحيدة للتقاضي، بالإضافة إلى الطعن بالنقض الذي هو طعن غير عادي.
إلا أنه في ظل قانون المسطرة الجنائية الحالي (22.01) وخاصة المادة (457) التي تبيح لكافة الأطراف الحق في استئناف القرارات الباثة في الجوهر والصادرة عن غرفة الجنايات، أمام محكمة الاستئناف أضحى الاتجاه الثانيغير ذي أهمية وأصبحت كفة الاتجاه الأول هي الأرجح على أساس أنه بمقتضى المادة 457 المذكورة أعلاه أصبح التقاضي في الجنايات على درجتين على غرار باقي المتهمين المتابعين بالجنح وتوفرت بذلك ضمانات كبيرة وأهمها أن التقاضي أصبح على درجتين إضافة إلى كون القضاة الذين يبثون فيها سواء ابتدائيا أو استئنافيا لهم تجربة بحكم أنهم قضوا مدة كافية في ممارسة العمل القضائي علاوة على باقي الإجراءات المسطرية وخاصة فيما يتعلق بتقدير قيمة وسائل الإثبات واعتبار المحاضر مجرد بيانات.
وبذلك يتضح بأن التحقيق في المادة 457 ق.م.ج فقد أهميته التي كان يتوفر عليها في ظل قانون المسطرة الجنائية المعدل والتي كانت تتجلى فيما يوفره من ضمانات للمتهم خصوصا وأن محاكمة هؤلاء كانت تتم أمام غرف الجنايات لدى محاكم الاستئناف على درجة وحيدة للتقاضي، وأصبح في ظل المسطرة الجنائية الجديد تطويلا للمسطرة ليس إلا باعتبار المدة التي يستغرقها التحقيق نفسه والمدة التي تستغرقها المحاكمة الأولى والمدة التي تستغرقها المحاكمة الثانية عند استئناف قرار المحاكمة الأولى طبقا لمقتضيات المادة 457 ق.م.ج بالإضافة إلى الفترة التي يستغرقها الطعن بالنقض وإن كان طعنا غير عادي.
وخلاصة القول أنه مادام أن المشرع بإضافته للمادة 457 التي أقرت درجتين للتقاضي في قضايا الجنايات أصبح التحقيق فارغا من محتواه، ومن الغاية التي أنشئ من أجلها، وبالتالي مساهما في إطالة فترة المحاكمة التي تسعى جميع الفعاليات الحقوقية إلى تقليصها والبث في القضايا في أقرب الآجال لتحقيق مقاصدها، وبعد الوقوف على المآخذ المسجلة على قضاء التحقيق من خلال المادة 457 ق.م فإن الأمر يستوجب إلقاء نظرة على قانون م.ج المسطرة الجنائية بصفة عامة.
ثانيا: ما جدوى بقاء قضاة التحقيق في ظل قانون المسطرة الجنائية
إن قانون المسطرة الجنائية أبقى على مؤسسة التحقيق الاعدادي رغم ما تعرفه بعض الأنظمة من نقاش حول إبقاء أو إلغاء مؤسسة قضاء التحقيق على أساس أن هذه المؤسسة تعد حديثة مقارنة بالعديد من المؤسسات وأن بعض الأنظمة القانونية مازالت تنيط التحقيق بأجهزة غير قضائية.
ورغم أن المرحوم الزعنوتي اعتبر أن بقاء المشروع على مؤسسة قضاء التحقيق لكونها من المكتسبات، ولما توفره هذه المؤسسة من ضمانات قانونية للمتهم وللمجتمع على حد سواء … فإن الأمر ليس كذلك، وخاصة فيما يتعلق بما أسماه بالضمانات القانونية الممنوحة للمتهم وللمجتمع، فهذه الضمانات إن كانت جزئيا موجودة لهما فهي مهضومة وغير محترمة بالنسبة للدفاع، ذلك أنها لا ترقى إلى المتعارف عليها دوليا وإقليميا بين الدول الموقعة والمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات، وخاصة ما يهم المملكة المغربية، بل أكثر من هذا فإن ضعف حقوق الدفاع تتجلى أيضا في غياب تكافؤ الوسائل بين النيابة العامة والمتهم، وتدخل النيابة العامة في أعمال التحقيق بشكل يجعل منها خصما وحكما في نفس الوقت، فضلا على أن المادة 130 ق.م.ج من المشروع تتضمن تكريسا لإمكانية حضور النيابة العامة لأعمال التحقيق في حين أن المشكل الحقيقي هو عدم حضور المتهم ودفاعه لهذه الأعمال مما يعني استمرار اللامساواة وعدم تكافؤ الوسائل بين النيابة العامة والمتهم…[4].
وغني عن البيان أنه إذا ما تم الإبقاء على التحقيق بثنائيته في قانون المسطرة الجنائية، فسنكون أمام إجراءات تستغرق وقتا طويلا، فضلا عن أن التحقيق أمام محاكم الاستئناف لا يكون إلا تكرارا لما جاء في محاضر الضابطة القضائية إلا فيما نذر ولا ينتج عنه إلا التطويل للمسطرة وتمديد الآجال دون الوصول إلى الغاية المنشودة من النص عليه وهي توفير ظروف محاكمة عادلة وضمان حقوق الدفاع[5]، و أن عدم اللجوء إليه يساعد في تيسير الإجراءات وسرعتها، وتمشيا مع ذلك فإنه ليس من الغريب أن يتم التحقيق في جناية خطيرة كالقتل عن طريق النيابة العامة.فقط والشرطةومن أمثلة هذا الاتجاه أن العمل في هولندا، جرى على استبعاد خضوع الجنايات لتحقيق ابتدائي، ولا يتم اللجوء إليه بصفة استثنائية[6].
وبذلكفإنه من المناسب -ونحن في إطار حقوق الدفاع- الإشارة إلى مقولة الأستاذ هنري موتولسكي من” أن حق الدفاع من المبادئ التي لا تموت، إذ لا يمكن تحقيق العدالة إلا بمراعاة هذا المبدأ”. في حين يؤكد “ديل فيشيو” من: أن حق الدفاع ينتمي إلى الشعور الإنساني قبل انتمائه إلى العلوم القانونية”. وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ 8/12/1976 على احترام حقوق الدفاع حتى بدون حاجة إلى نص قانوني نظرا لقدسية هذا المبدأ العام[7].
هذا، وتأكيدا لكل ما سبق، نشير إلى قول جلالة الملك محمد السادس في الرسالة السامية التي وجهها إلى المشاركين في أشغال الدورة الثانية السنوية للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب بالدار البيضاء بتاريخ 20/11/2000 ومن جملة ما جاء فيها:
“…واعتبارا لهذه المبادئ السامية للمحاماة، كرست القوانين الداخلية والمواثيق الدولية مبدأ الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة تأكيدا للرسالة الكونية للمحاماة”[8].
[1] – محمد قادري، تقرير حول حقوق الدفاع بالمغربب مجلة المعيار، العدد 37، سنة 2007، ص XVII.
[2] – محمد المرابط: قراءة في بعض نصوص م.ج (22.01) مجلة الإشعاع العدد 33 يونيو 2008 ص 63و 64.
[3] – عبد الصمد الزعنوني، قضاء التحقيق في مشروع قانون المسطرة الجنائية، جريدة العلم عدد 18771 الصادر بتاريخ 10-10-2001.
[4] – شادية شومي مقال حول حقوق الدفاع في المرحلة التمهيدية عدالة اليوم وعدالة الغد. جريدة العلم العدد 18785 بتاريخ 24/10/2001 والعدد 18793 بتاريخ 01/11/2001 ضمن صفحة “المجتمع والقانون” ومجلة المحاماة العدد 46 ماي 2002. ص 253.
[5] – التهامي القائدي، مستجدات طرق الطعن في قانون المسطرة الجنائية، الندوة التي نظمتها بمراكش جمعية هيئات المحامين بالمغرب يومي 28و 29 سبتمبر 2001 ، مجلة المحاماة ، العدد 46 حول العدالة الجنائية ومتطلبات الإصلاح، غير منشور.
[6] – عمر سالم. نحو تيسير الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية القاهرة 1997 ص 134.
[7] – سعيد خالد علي الشرعي. حق الدفاع أمام القضاء المدني، سعد سمك للنسخ والطباعة 1997 (بدون مكان الطبع) ص 6 وما بعدها.
[8] – الرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب في دورته الثامنة لسنة 2000 المنعقد في ضيافة هيئة الدار البيضاء من 20 إلى 24 نونبر 2000.
جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 6314 بتاريخ 22/11/2000 ص 2. ومجلة المحاكم المغربية الصادرة عن هيئة المحامين بالدار البيضاء. عدد 85 نوفمبر/دسمبر 2000.ص 5
اترك تعليقاً