الآثار القانونية لعدم الموافقة على الصفقة العمومية
هذه الآثار القانونية لا تخلو أن تتعلق بالصفقة التي لم تتم الموافقة عليها وبالحقوق المحتملة والمتعلقة بتعويض المرشح الذي كان من المفروض أن يتم التعاقد معه، وهو ما سوف نتطرق إليه في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: مصير الصفقة التي لم تتم الموافقة عليها.
المصير القانوني المقرر لهذه الصفقة هو عدم الإنعقاد، فلا ترتب أي أثر قانوني، والسبب في ذلك هو أن الأثر القانوني لا يترتب إلا من اليوم الذي تصبح فيه الصفقة نهائية، وهو ما لا يتحقق إلا من تاريخ الموافقة عليها، والمـادة 7 من المـرسوم الرئاسي 02-250 صريحة في هذا المجال فقد نصت على أنه: ” لا تصح الصفقات ولا تكون نهائية إلا من يوم الموافقة عليها من السلطة المختصة “.
ونـفس النتيـجة نتوصل إليها إذا ما اعتمدنا على نص المادة 50 من المرسوم الرئاسي 02-250 التي تنص على أنه: ” يجب أن تشير كل صفقة إلى التشريع والتنظيم المعمول بهما وإلى هذا المرسوم، ويجب أن تتضمن على الخصوص البيانات التالية:…تاريخ إمضاء الصفقة ومكانه….”، فهذه المادة تجعل من الإمضاء شكلا جوهريا في كل صفقة عمومية، وعلى الرغم من أنها لا تنص صراحة على الأثر المترتب عن عدم إمضاء الصفقة، والذي هو التعبير الشكلي عن موافقة الجهة المختصة بإصداره، إلا أن القواعد العامة للتعاقد تجعلنا نؤكد أن عدم الإمضاء معناه عدم وجود ما يثبت تعبير المتعاقد عن قبوله، وبالتالي عدم انعقاد الصفقة أصلا، فلا ترتب أي أثر قانوني.
ولذلك فإنه لا يحق للمؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، ولا للمرشح للتعاقد معها، الإدعاء بأي حق ناتج عن الصفقة أو الإدعاء في مواجهة الآخر بأي التزام مترتب عنها [1].
وفي مقابل ذلك يمكن لكل من الطرفين التمسك بعدم ترتيب الصفقة التي لم تتم الموافقة عليها لآثارها القانونية، والسبب في ذلك أننا أمام تصرف قانوني لا يتوفر فيه الشرط الضروري لانعقاده صحيحا، لأن الصفقة في هذه الحالة تكون غير نهائية، ودور القاضي في مثل هذه الحالة ينحصر في تقرير أن الصفقة لا ترتب أي أثر قانوني.
الفرع الثاني: الحقوق المحتملة في تعويض المرشح للتعاقد.
قد تختلف المواقف والآراء حول هاته الحقوق، وتنقسم إلى مجموعتين، بالنظر إلى الحجج القانونية والقضائية التي يمكن الإعتماد عليها [2]:
الرأي الأول: بما أنه يمكن للمؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، أن ترفض الموافقة لأسباب المشروعية أو لأسباب الملاءمة، من دون أن يترتب عن ذلك أية مسؤولية عليها، متى كان هذا الرفض مبررا.
هذه الوضعية هي التعبير الواضح عن الإختلال في مركز المتعهد الذي يبقى مجبرا على التعاقد إذا ما وافقت هذه الأخيرة طوال المدة التي تحددها في دفتر الشروط [3]، ويتحمل مسؤولية التراجع عن العرض الذي يقدمه، وتصل درجة الإختلال في المراكز إلى درجة أنه لا يمكنه الرجوع عليها حتى بما أنفقه من مصاريف لإنجاز ملف ترشحه [4]، بما في ذلك المبلغ الذي يدفعه للمصلحة المتعاقدة مقابل الحصول على دفتر الشروط، والذي يذهب لخزينتها.
والسبب في هذا الإختلال في المراكز يمكن تفسيره من الناحية التاريخية، كون الصفقة العمومية ارتبطت دائما بمفهوم المخاطر، التي يشكل رفض المصلحة المتعاقدة لإتمام إجراءاتها أحد أشكالها.
ومن الناحية القانونية، كون العرض الذي يقدمه المتعهد يعتبر الإيجاب في العقد، والموافقة الصادرة عن المصلحة المتعاقدة هي القبول، ولا يوجد أي نص قانوني يمكن الإعتماد عليه من أجل إجبار من وجه له العرض على قبوله، بينما العكس صحيح، ذلك أن الموجب ملزم بالبقاء على إيجابه طوال المدة المتفق عليها، والمقررة في دفتر الشروط [5].
والسبب الأخير أنه لا يمكن تكييف الأعمال السابقة لهذه المرحلة على أنها وعد بالتعاقد رغم اشتمالها على كل الشروط الجوهرية للصفقة، لأن في ذلك تغيير لمراكز الأطراف، أين يتحول الموجب قابلا، والقابل موجبا، ولتناقض هذا الوصف مع الغاية من تنظيم الصفقات العمومية، وهو حماية المال العام، الشيء الذي يبرر المبدأ القاضي بعدم إجبار المصلحة المتعاقدة على إتمام الصفقة، كما يبرر تمتعها بسلطة الملاءمة.
أما الرأي الثاني : فيمكن القول أنه وعلى الرغم من أن قرار المنح المؤقت لا يقيد المصلحة المتعاقدة، التي تبقى دائما حرة غير أنها قد تجد نفسها مسؤولة عن الضرر الذي يلحق المتعهد الذي صدر قرار المنح المؤقت لمصلحته [6]، إذا ما تعسفت في استعمال هذا الحق، كأن ترتكب خطأ في تقدير الوقائع أو تفسير القانون، فتسيء استعمال سلطتها في الملاءمة.
ذلك أنه في الحالة عدم موافقة المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري على الصفقة، فليس عليه تنفيذ أحكامها، فإن فعل فعليه تبعات ذلك، والمبدأ المقرر في القضاء الإداري الفرنسي أنه لا يحق له المطالبة بأية تعويضات، وأن عدم الموافقة لا يمكن استدراكها بتنفيذ العقد [7]، وأن الصفقة التي لا تتم الموافقة عليها لا يمكن أن ترتب المسؤولية العقدية [8]، غير أن الخدمات المنجزة يمكن أن تكون مصدر تعويض إذا تمت برضا المصلحة المتعاقدة، ولو لم تعبر عنه صراحة، كأن علمت بالشروع في التنفيذ ولم تعترض عنه.
فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي بأن أي استبعاد لتعهد من دون عرضه على اللجان المخولة قانونا وتقييمه يرتب الحق في التعويض، وأن أي تخصيص لصفقة لفئة معينة من المؤسسات ( الصغيرة، المتوسطة أو كبيرة ) فيه مساس بمبدأ المساواة بين المتنافسين، ذلك أن هذه السياسة غير مبررة ولا تتلاءم مع الهدف المتوخى من قانون الصفقات العمومـية [9]، وأن استبعاد أحد الساعين لتقديم عروض بدون وجه حق يرتب له الحق في التعويض لاسيما إذا أثبت أن حظوظه كانت قائمة في الحصول على الصفقة لو شارك في المنافسة [10].
كما قد يترتب له الحق في التعويض، وذلك في الحالة التي يكون قد شرع في تنفيذ الأشغال أو الخدمات أو التوريدات أو الدراسات محل الصفقة غير الموافق عليها، إذا ترتب عن هذا الشروع في التنفيذ حصول المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري على منفعة.
والتعويض المستحق في هذه الحالة يقدر وقت قيام المرشح للتعاقد بإنفاق المال الذي قام به من أجل القيام بتلك الخدمات، وبنسبة المنفعة التي تحصلت عليها المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري جراء ذلك، وذلك ما يعني تطبيق نظرية الإثراء بلا سبب، والتي ينظمها القانون المدني في المادتين 141 و142 منه [11].
اترك تعليقاً