صلاحيات قاضي تنفيذ العقوبة في مجال الإكراه البدني
نصت المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية الجديد على أنه: ” لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال، ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك :
1- توجيه إنذار من طرف طالب الإكراه إلى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، دون نتيجة بعد مرور أكثر من شهر واحد من تاريخ التوصل به
2- تقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني يرمي إلى الإيداع في السجن
3- الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين إذ لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات مع مراعاة مقتضيات المادة 641 بعده .
وهكذا يبدو أن المشرع حاول إحاطة نظام الإكراه البدني بسياج عتيد، وحذر شديد بما استلزمه من شروط نصت عليها أيضا المادة 639، كما حاول الانسجام مع باقي الأنظمة القانونية المغربية المنظمة له، وذلك في انتظار إيجاد بديل للنظام .
إن محاولة مشرع قانون المسطرة الجنائية الجديد تبني مبادئ حقوق الإنسان والحريات الشخصية بادية للعيان من خلال ما تقدم، كما أنها كرست مبدأ سبقها إليه الفقه الإسلامي والقانون الدولي ومدونة تحصيل الديون العمومية، وع ذلك فقد أصبحت مقتضيات القانون الجديد ذات أهمية كبيرة في مادة الإكراه البدني، وذلك بجعل قاضي تطبيق العقوبات حارسا أمينا للمواد المنظمة لها بما وفرت له من حق الموافقة أو الرفض على تطبيقها على المدين .
إذا كانت الأنظمة المقارنة التي تبنت نظام قاضي تنفيذ العقوبات قد كيفت وجود المؤسسة مع نظام العقوبات الواردة في قوانينها الجنائية وذلك بالنص على العقوبات البديلة بمختلف أنوا عها، فإن تبني المشرع المغربي للمؤسسة لم يصاحبه هذا النوع من التكييف القانوني.
وإذا كان من الممكن استساغة عدم القيام بإدراج العقوبات البديلة ضمن القانون الجنائي المغربي، مع ما ارتأى مشرع قانون المسطرة الجنائية الجديد من تقليص لصلاحيات هذا القاضي، فإن التطبيق العملي سيثبت لا محالة ضرورة التعجيل بتوسيع اختصاصاته، وإدراج بدائل العقوبات ضمن القانون الجنائي بشكل سريع، ولربما هذا ما يهدف إليه من خلال صياغة المادة 596 في فقرتها الأخيرة
” يمارس مهامه حسب هذا القانون وكذا بموجب أي نصوص أخرى ” نظرا لما سوف يتطلبه الأمر من تكريس لمكانة هذا القاضي ولدوره في أهداف الإدماج وإعادة الإدماج بالنسبة لخريجي المؤسسات السجنية .
وإنه لمن دواعي الاعتزاز الإشارة إلى أن المشرع المغربي فطن مؤخرا إلى أن المؤسسات الدخيلة
على القانون الوطني، والتي لم تنبع من خصوصيات عملنا القضائي واحتياجاتنا اليومية، يلزم أن يتم تبنيها بنوع من الحيطة والحذر وعلى مراحل حتى يتسنى تكييفها مع خصوصياتنا .
ومهما يكن من أمر فإن نجاح المؤسسة يتوقف على شخص قاضي تطبيق العقوبات بما يتطلبه دوره من حنكة التصرف بمرونة مع الإمكانيات التي يتيحها القانون الجنائي الحالي، وكذا النصوص المنظمة لسير المؤسسات السجنية، وما يمكن أن تمليه عليه قناعته من خلال معاينة ومعايشة السجين نفسه .
وتبقى عملية إحداث المؤسسة بداية عمل لم ينته منها المشرع المغربي، كما يفضل التحفظ في تقييم التجربة إلى ما بعد استكمال معالمها والشروع فيها، وهو ما سوف يسمح حينئذ بإيجاد الجواب لعدة إشكاليات منها الرقابة على عمل قاضي تنفيذ العقوبات، وتحديد الطبيعة القانونية للقرلرات التي يصدرها ومدى قابليتها للطعن ./.
اترك تعليقاً