تعرف على مفهوم الدولة الفيدرالية
إن بناء هيكلية سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية لدولة ناشئة تطمح أن تفرض نفسها على الساحة الدولية أمر دقيق ومصيري، ويتطلب الكثير من الجهد والعناية، فضلاً عن المعرفة بتجارب الدول الأخرى المحيطة والمنافسة ومصالحها وواقعها.
ويزداد هذا الأمر أهمية في حال كانت الدولة الوليدة تضم العديد من القوميات وتتقاسمها مجموعة من المصالح، إذ تكون حينها عرضة للكثير من التجاذبات السياسية الإضافية، فتزداد الحاجة فيها إلى دراسة متأنية لإيجاد وثيقة قانونية تنظم العلاقات وتوزع المسؤوليات حتى يتم تأمين آلية اتخاذ القرار، وبالتالي التقليل من الخلافات، على أن تراعي هذه الوثيقة مجموعة العوامل التاريخية والاقتصادية والثقافية، وتصهرها في بوتقة فعالة، وهذه الوثيقة هي الدستور.
ينقسم المجتمع السوري الى طوائف وإثنيات، وتشعر معظم هذه الطوائف من الغبن نتيجة السياسة التي اتبعها النظام خلال سنوات حكمه الأربعين، والتي اتسمت بالطائفية تجاه الطوائف غير العلوية والعنصرية تجاه القوميات غير العربية ما جعل هذه الطوائف والإثنيات تعيش مع بعضها مكرهة نتيجة تسلط النظام الحاكم.
وهذه الكراهية النسبية تفتح الباب واسعا أمام تقسيم البلاد بعد سقوط الأسد، رغم أن الثورة السورية حاولت منذ بداياتها الأولى أن تكون ثورة سورية عامة إلا أن انحياز الغالبية العظمى من العلويين الى النظام وصمت قسم كبير من باقي الطوائف جعل من الثورة تحمل في أحد أوجهها الوجه الطائفي، إضافة الى الشعور الكوردي بالاضطهاد، جعل الحديث عن دولة علوية في شمال غرب سوريا ودولة كوردية في شمال شرقها ينتشر كالنار في الهشيم.
نجحت معظم الدول التي تتسم بالتعدد الطائفي والعرقي والتي عاشت حروبا أهلية شرسة وطويلة بتجاوز هذه المحنة التي تمر بها سوريا الآن، من خلال اعتماد الفيدرالية كأساس لنظام ديموقراطي مدني يحترم جميع مكونات الشعب، وهو ما يجعل من هذا الخيار احتمالا منطقيا بالنسبة الى سوريا.
أولا: تعريف الدولة:
الدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة. وبالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة والاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها. وتتسم الدولة بخمس خصائص أساسية تميزها عن المؤسسات الأخرى:
· ممارسة السيادة: فالدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع، وهي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة. وقد دفع ذلك توماس هوبز إلى وصف الدولة بالتنين البحري أو الوحش الضخم.
· الطابع العام لمؤسسات الدولة: وذلك على خلاف المؤسسات الخاصة للمجتمع المدني. فأجهزة الدولة مسئولة عن صياغة القرارات العامة الجمعية وتنفيذها في المجتمع. ولذلك تحصل هذه الأجهزة على تمويلها من المواطنين.
· التعبير عن الشرعية: عادة ما ينظر إلى قرارات الدولة بوصفها ملزمة للمواطنين حيث يفترض أن تعبر هذه القرارات عن المصالح الأكثر أهمية للمجتمع.
· الدولة أداة للهيمنة: حيث تملك الدولة قوة الإرغام لضمان الالتزام بقوانينها، ومعاقبة المخالفين. ويُبرز ماكس فيبر أن الدولة تحتكر وسائل “العنف الشرعي” في المجتمع.
· الطابع “الإقليمي” للدولة: فالدولة تجمع إقليمي مرتبط بإقليم جغرافي ذي حدود معينة تمارس عليه الدولة اختصاصاتها. كما أن هذا التجمع الإقليمي يعامل كوحدة مستقلة في السياسة الدولية.
ثانيا: عناصر الدولة:
1. الشعب:
يعد الشعب أهم عناصر الدولة، اذ لا يمكن تصور دولة في العالم لا سكان فيها بغض النظر عن عددهم، حيث ان هناك دولا كثيرة السكان كالصين ودول قليلة السكان كدولة قطر. والشعب يتبع لدولة معينة مثل الشعب الأردني، اما الشعوب التي تشترك بروابط مشتركة يطلع عليها الامة مثل الامة العربية.
2. الإقليم:
لا يمكن قيام دولة بدون إقليم ثابت ومحدد، كما ان مساحة الإقليم في الدولة الحديثة متفاوتة، فمنها ما يغطي مساحة كبيرة من الكرة الأرضية ومنها ما هو ضئيل المساحة.
ويقسم الإقليم إلى ثلاثة اجزاء هي:
· الأرضي: يشمل مساحة الأرض ذات الحدود الواضحة سواء اكانت طبيعية ام مصطنعة كما يشمل الإقليم طبقات الأرض وما في باطنها من خيرات وثروات.
· المائي: يتكون من الانهار والبحيرات التي توجد داخل حدود الدولة إضافة إلى اجزاء من البحار والمحيطات المتلاصقة لحدود الدولة وهو ما يطلق عليه المياه الإقليمية، وقد اختلفت الدول في تحديد المياه الإقليمية للدول ما بين 3 اميال إلى 12 ميلا أو أكثر.
· الجوي: هو الفضاء الذي يعلو مساحة الإقليم الأرضي والمائي دون تحديد ارتفاعه، ونتيجة لزيادة استخدام الطائرات عقدت دول اتفاقية فيما بينها لتنظيم حركة مرور الطائرات في الإقليم التابع للدولة.
3. السلطة السياسية:
لا يكفي لنشأة الدولة وقيامها وجود شعب يسكن إقليما معينا، وانما يجب أن توجد هيئة حاكمة تكون مهمتها الاشراف على الإقليم ومن يقيمون عليه (الشعب)، وتمارس الحكومة سلطتها وسيادتها باسم الدولة، بحيث تكون قادرة على إلزام الافراد باحترام قوانينها وتحافظ على وجودها وتمارس وظائفها لتحقيق اهدافها.
ثالثا: أشكال الدولة:
تختلف دول العالم في اشكالها فمنها ما هو بسيط من حيث تكوينها ومنها المركبة التي يصعب الفصل بين ظواهرها بدقة وتعود الاختلافات في اشكال دول العالم إلى نظام الحكم المطبق فيها هل هو حكم موحد ام أنظمة حكم متعددة في الدولة الواحدة. ولذلك تنقسم دول العالم إلى دول موحدة ودول اتحادية كما يأتي:
1. الدولة الموحدة:
الدولة التي تكون الحكومة فيها موحدة فتظهر الدولة وحدة واحدة من الناحية الخارجية أو الناحية الداخلية مثل الأردن. وتتميز الدولة الموحدة بمجموعة من الخصائص هي:
· وحدة التحكم: تتكون وحدة التحكم من حكومة واحدة تمارس السيادة الخارجية وتتركز في يدها السلطات الثلاث، وتستند الى دستور واحد.
· وحدة القوانين: جميع المواطنين في الدولة يخضعون لنفس القوانين والانظمة والتعليمات المستمدة من الدستور.
· وحدة الاقليم: تخضع جميع الاقاليم والمحافظات في الدولة إلى الحكومة المركزية فيها.
2. الدولة الاتحادية
تتألف الدولة الاتحادية من اتحاد دولتين أو أكثر وفقا لدستور أو اتفاقية لتحقيق اهداف مشتركة مع خضوع الدول الداخلة في الاتحاد لحكومة مشتركة تتوزع بموجبها مسؤوليات الحكم في الدولة الاتحادية، وأبرز أشكال الدولة الاتحادية هي:
الدولة الكونفدراليةConfederation State:
مفهوم الاتحاد الاستقلالي أو التعاهدي وهو ما يطلق عليه عادة اسم الكونفدرالية، يتكون هذا الاتحاد الكونفدرالي نتيجة لاتفاق دولتين أو أكثر بغرض التنسيق بينهما في مجالات محددة تخدم مصالح محددة لهذه الدول مع احتفاظ كل دولة من دول الاتحاد الاستقلالي بسيادتها واستقلالها، ولذلك تمت تسمية هذ الاتحاد بالاتحاد الاستقلالي، لأنه يضم دولا مستقلة أو بمعنى آخر أن الدول الأعضاء في هذا الاتحاد الكونفدرالي تمتع بكامل استقلالها، أي أنه لا يؤثر في استقلال الدول المنضوية تحت عضويته حيث تتمتع الدول الداخلة فيه بكامل شخصيتها الدولية من تمثيل دبلوماسي وغيره من مظاهر السيادة الأخرى، كما أن الاتحاد الاستقلالي لا يتمتع في هذه الحالة بشخصية دولية أو يعتبر دولة تعلو شخصيتها على باقي الدول المكونة له، أي بمعنى آخر أنه لا يترتب على قيام الاتحاد الاستقلالي قيام شخصية دولية جديدة في الساحة الدولية كما أنه لا يعتبر دولة مركبة بل يعتبر عبارة عن اتحاد دول فقط لا غير، ويترتب على استقلال الدول الداخلة في اتحاد استقلالي أنه إذا نشبت حرب بين دولتين من الدول الأعضاء في الاتحاد الاستقلالي فإنها تعتبر حربا دولية ولا تعتبر حربا أهلية لأن هذه الحرب تصنف على أنها حرب نشبت بين دول مستقلة وليست ضمن بلد واحد، كما أنه يترتب على استقلالية الدول الداخلة في اتحاد كونفدرالي أن يكون لها الحق في أن تنسحب من هذا الاتحاد متى رأت أن الانسحاب من هذا الاتحاد يصب في خانة تعزيز وحماية مصالحها، ويعتبر مواطني كل دولة من دول الاتحاد الاستقلالي ايضا أجانب بالنسبة للدول الأخرى المكونة للاتحاد الاستقلالي، أي أن دخول مواطني أي دولة تابعة للاتحاد الاستقلالي لدول الاتحاد الأخرى يخضع للقواعد العامة التي تحكم دخول الأجانب لهذه الدولة، من هنا يتضح لنا أن دور الاتحاد الاستقلالي يتحدد في المسائل والقضايا التي تحددها الدول المتعاهدة في هذا الاتحاد أي بمعنى آخر في الشؤون التي ترغب دول الاتحاد في تنسيق سياستها اتجاهها. وعند تكوين مثل هذا الاتحاد يتفق أعضاء الاتحاد الاستقلالي على تشكيل هيئة تعمل على تسيير شؤون الاتحاد المتفق عليها والتي غالبا ما يطلق عليها اسم مؤتمر الاتحاد أو مجلس الاتحاد، كما تتخذ قرارات الاتحاد الاستقلالي غالبا بالإجماع كما أنها لا تتطبق إلا عبر حكومات دول الاتحاد الكونفدرالي التي تتولى تطبيقها حسب نظم الحكم المتبعة فيها أي أنه لا يمكن لمجلس الاتحاد الاستقلالي تطبيق قراراته مباشرة على الدول المنضوية تحت عضويته، ومن ناحية أخرى يعمل الاتحاد الاستقلالي على تغطية نفقاته المالية من اشتراكات الدول الداخلة في عضويته حيث أن الاتفاقية المكونة للاتحاد هي التي تحدد نفقات تسيير أعمال الاتحاد، أما من ناحية التكييف القانوني فهناك من يرى من رجال الفقه أن للاتحاد الاستقلالي شخصية دولية وآخرين يرون أنه ليست له أي شخصية دولية، ولكن الشائع في الفقه المعاصر أن الاتحاد الاستقلالي يفتقد لعنصر الشخصية الدولية لذلك اتصفت الكونفدرالية دائما بضعف نموذجها، باستثناء الاتحاد الأوربي الذي يعتبر نموذجا كونفدراليا مختلفا عما سبقه من الاتحادات الكونفدرالية ليشكل قوة عالمية تعمل على تحقيق مصالح الدول المنضوية تحت عضويته.
اترك تعليقاً