وسائل الطعن في مادة الطلاق في ظل القانون والممارسة
مـا من شك أن دعوى الطلاق تنقسم إلى ثلاثة أنواع فالطلاق إمّا أن يكون انشاء أو للضرر أو بالاتفاق .
– فالطلاق بالاتفاق هو الذي يتفق فيه الطرفان أي الزوج والزوجة على فك العصمة ووضع حدّ للحياة الزوجية فيحضران لدى قاضي الأسرة في جلسة صلحية ويتم التحرير عليهما لمحاولة اصلاح ذات البين ثم وفي صورة تمسك كلّ طرف بالطلاق فان قاضي الأسرة يضمن ذلك بمحضر الجلسة يكون سندا فيما بعد للقضاء بالطلاق بالاتفاق.
هذا وتجدر الاشارة في هذا السياق وأن كل الاتفاقات التي تحصل بين الزوجين خارج المحكمة في خصوص الطلاق لا يعمل بها ولا يعول عليها فالموافقة على الزواج لا بد أن تكون لدى القضاء ويتلقاها قاضي الأسرة المختص.
– أما الطلاق للضرر فهي الدعوى التي يرفعها أحد الزوجين بالاستناد إلى وجود ضرر مـا حاصل له جراء التصرفات التي أتاها الطرف الآخر ويجب على من يدعي الضرر اثباته ومهما يكن من أمر فان سلطة المحكمة التقديرية لثبوت الضرر من عدمه تبقى هي الفيصل.
هذا وفي صورة ثبوت ذلكم الضرر تقضي المحكمة بالطلاق للضرر وفي صورة انتفاء الضرر المدعي به فان المحكمة تقضي بعدم سماع الدعوى.
– في حين أن دعوى الطلاق انشاء أو دعوى الطلاق التعسفي كيفما تسمى في البلاد الفرنسية تؤسس على رغبة أحد الطرفين لفك العصمة بدون لزوم لإثبات الأسباب الداعية لذلك أو حتى الافصاح عنها للسيد قاضي الأسرة وهو الطلاق برغبة.
– وحيث تضمن الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية جملة من الحقوق للأطراف المتداعية في دعوى الطلاق وتختلف تلك الحقوق حسب نوعية الدعوى وحسب مراكز الأطراف فخول المشرع للطرف المتضرر في دعوى الطلاق للضرر أي المدعي في صورة ثبوت الضرر المدعي به المطالبة بغرم الضرر اللاحق به من جراء الطلاق ويكون الضرر المذكور ضررا ماديا ومعنويا وإذا كانت الزوجة هي المدعية ولها حضانة الأبناء فإن جبر الضرر يمكن ان يمتد حتى للمطالبة بمنحة السكن ونفقة الأبناء.
في حين أنه وفي دعوى الطلاق انشاء فانه يخول للمدعى عليه المطالبة بغرم الضرر المادي والمعنوي اللاحق به وكذلك ببعض الفروع الأخرى كنفقة الأبناء ومنحة السكن إذا كانت المدعى عليها الزوجة وحاضنة للأبناء.
هذا وقد خول قانون 01 أوت 1957 في فصله 40 الطعن بالاستئناف وبالتعقيب في أحكام الطلاق على أن يكون أجل الطعن بالاستئنـاف 30 يوما من تاريخ صدور الحكـم الابتدائي وبالنسبة للتعقيب 30 يوما من تاريخ صدور القرار الاستئنافي.
مع الملاحظ وأن وسيلتي الطعن المذكورتين يمكن أن تسلط على مبدأ الطلاق وفروعه أي على الحكم برمته كما يمكن لصاحب الحق الطعن في الفروع أو أحد فروعه دون الطعن في مبدأ الطلاق وهذه الاجراءات وان كانت بسيطة في ظاهرها ولا تطرح أي اشكالات قانونية إلا أنها في الواقع تطرح العديد من المشاكل.
– وحيث إن هذه المشاكل تكمن في حقيقة الأمر والواقع في تحديد صفة القائم بالطعن وفي موضوع الطعن أي مـا يمكن تسليط الطعن عليه.
– وحيث اقتضى الفصل 19 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية ما يلي:”حق القيام لدى المحاكم يكون لكل شخص له صفة وأهلية تخولانه حق القيام بطلب ما له من حق وان تكون للقائم مصلحة في القيام.
غير أنه في المادة الاستعجالية يمكن قبول القيام من طرف القاصر المميز اذا كان هناك خطر ملم.
ومن واجب المحكمة رفض الدعوى اذا تبين لها من اوراق القضية ان أهلية القيام بها منعدمة أو لم تكن للطالب صفة القيام بها.
غير أنه إذا كان شرط الأهلية المقيدة هو المختل عند القيام فان تلافيه أثناء نشر القضية يصحح الدعوى. وتقضي المحكمة فيما وقعت اثارته في هذا الشأن طبق ما هو مبين بالفصل 16″.
– وحيث يتضح إذن وأنه يجب ان تتوفر في القائم بالطعن بالاستئناف أو بالتعقيب الصفة والأهلية والمصلحة.
– وحيث إن هذه الأهلية والمصلحة والصفة وإن كانت لا تطرح أي اشكال على الصعيد النظري إلا أنها تطرح أكثر من اشكال فيما هو مسموح به على الصعيد التطبيقي في خصوص الطلاق انشاء.
على الصعيـد الـنظـري:
– حيث إذا أردنا تناول المسألة من هذه الزاوية فان الأمر يكون على غاية من الوضوح كل ذلك تطبيقا لأحكام الفصل 19 من م.م.م.ت فإذا صدر حكم بالطلاق انشاء تضمن:
أولا: التصريح بالطلاق.
ثانيا: التصريح بتغريم المدعي لفائدة المدعى عليها بغرم ضرر مادي وغرم ضرر معنوي وبنفقة لأبنائها مشفوعة بمنحة سكن استجابة لدعوى المعارضة المرفوعة منها.
فالطعن بالاستئناف أو بالتعقيب في هذا الحكم يكون محدد ولا يمكن ان يكون هكذا في المطلق.
– فمبدأ الطلاق الانشاء المقضي به ابتدائيا لا يمكن الطعن فيه إلا من قبل من تقدم به أي المدعي وهذا المبدأ لا يطرح مبدئيا أي اشكال قانوني ضرورة أنه من حقه ذلك ولربما يكون بإمكانه مراجعة موقفه والرجوع في الطلاق كما يحق له بالتوازي مع ذلك تسليط طعنه على كل الفروع الأخرى من حضانة ونفقة ومنحة سكن وغرم ضرر مادي ومعنوي لطلب الحط من المبالغ المحكوم بها أو القضاء بعدم سماع الدعوى في احداها لانتفاء الموجب.
– وبالتوازي مع ذلك فانه يكون من حق الزوجة في هذه الحالة الطعن في كل فروع الطلاق التي تتعلق بها من غرم ضرر مادي ومعنوي وحضانة ونفقة ومنحة سكن… إلخ فقط أي أنه لا يمكن لها الطعن في مبدأ الطلاق لأنه من متعلقات القائم بالدعوى.
إلا أنه وما نشهده اليوم في عمل المحاكم ويمكن القول أنه أصبح بمثابة فقه القضاء هو كونه خول للمدعى عليها في دعوى الطلاق انشاء القائمة بالدعوى المعارضة والمقضي لها بجملة من فروع الطلاق الطعن في الحكم برمته أي أنها تطعن في مبدأ الطلاق الذي لا علاقة له بالدعوى المعارضة التي دفعت بها وهذا يتسبب في عدة آثار منها الايجابي ومنها السلبي.
فالآثار الايجابية تكمن في عدم الاسراع بالطلاق فيظل الطلاق متوقفا على النظر بالاستئناف أو بالتعقيب وتكون هنالك فرصة أو فرص للتفكير مليا في مسألة الطلاق وتحديد موقف نهائي إزائه بالرغم من صدور حكم ابتدائي بالطلاق خاصة إذا كان هنالك أبناء وحفاظا على الروابط الأسرية فالفرصة تكون متوفرة طيلة أطوار النزاع الذي قد تدوم سنتين أو ثلاث للرجوع في الطلاق والعدول عنه.
أما الآثار السلبية فهي تتمثل في تطويل النزاع أحيانا بدون موجب وتتحول الاجراءات (الجاري بها العمل السالفة البيان) أي تمكين الزوجة من الطعن بالاستئناف أو بالتعقيب في الحكم برمته أي في مبدأ الطلاق (والحال أن مصلحتها وما يهمها لا يتعدى فروع الطلاق) مدعاة لإثارة العديد من المشاكل ولتعقيد الأمور أكثر باعتبار وان إصرار الزوج على موقفه يقابله تنكر الزوجة واستعمال الاجراء المذكور لغاية تعطيل الزوج وجعله رهين مشكل الطلاق أكثر مـا يمكن من الوقت نكالة فيه فتكثر المشاكل وتتعدد القضايا من عنف بين الأزواج إلى قذف بأبشع النعوت والى مسّ بالشرف والأعراض أحيانا أخرى هذا علاوة عن سعي الزوجة من وراء الطعن بالاستئناف والتعقيب في حكم الطلاق برمته للظفر أكثر وقت ممكن بالنفقة باعتبار وأن الزوج يكون مجبرا بحكم القانون على الانفاق على زوجته حتى صدور حكم بـات بالطلاق وحتى انتهاء أمـد العدة المحدد بثلاثة أشهر بعد تاريخ صدور حكم الطلاق أو القرار الاستئنافي إذا لـم يتم الطعن بالتعقيب أو القرار التعقيبي في صورة وجود طعن بالتعقيب.
– وحيث يتضح إذن وأن المعادلة صعبة بين مـا يحتمه القانون وبين مـا فرضته الممارسة وكرسه فقه القضاء فيبدو في رأينا أنه لا بد من الابتعاد عن كل الحلول التي تمس من سلامة الاجراءات وجعل الاجراءات سيد الموقف واعتبار أن الطعن بالاستئناف أو بالتعقيب في الحكم القاضي بالطلاق انشاء بخصوص مبدأ الطلاق خاص بصاحبه أي بالمدعى في الدعوى دون سواه والاكتفاء بالنسبة للمدعى عليه او المدعي عليها التي يحكم لها بجملة من فروع دعوى الطلاق أن تحصر استئنافها أو تعقيبها في ذلك فقط لتفادي كل عمل يهدف الى غاية لا تتماشى ومصلحة الأسرة والأبناء.
– وحيث وبالنسبة للطلاق بموجب الضرر فان نفس الاشكالات التي تعرضنا اليها آنفا في الطلاق الانشاء تبقى قائمة باعتبار وأن من يرفع دعوى في الطلاق بموجب الضرر وحتى في صورة صدور الحكم لصالح دعواه فانه بإمكانه الطعن بالاستئناف في الحكم برمته أي في مبدأ الطلاق والفروع المقضي بها وكذلك الشأن ايضا بالنسبة لتعقيب نفس الحكم.
– وحيث وبخصوص الطلاق بالاتفاق فان الطعن بالاستئناف في هذا الفرع من الطلاق لا يخلو هو الآخر من طرح بعض الاشكالات القانونية والتي تتمثل اساسا في كونه بعد صدور الحكم بالطلاق بالاتفاق يعمد أحد الزوجين إلى الطعن بالاستئناف في الحكم المذكور باعتبار وأن القانون خول له ذلك الحق طالما وأن الحكم الذي يصدر هو حكم ابتدائي الدرجة وغالبا مـا تكون الغاية من ذلك هو طلب الرجوع في الطلاق ونقض الحكم الابتدائي لحصول صلح بعد صدور الحكم الابتدائي أو لتراجع أحد الزوجين في موقفه أي في الموافقة على الطلاق التي كان صرح بها أمـام القضاء.
ففي الحالة الأولى التي يحصل فيها صلح بين الزوجين وتقارب بين الطرفين على الرجوع في الطلاق واستئناف الحياة الزوجية فانه على محكمة الاستئناف التحقق من ذلك بالتحرير على الطرفين ثم الحكم بنقض الحكم الابتدائي القاضي بالطلاق.
أما الحالة الثانية والتي أثارت إشكالا قانونيا عندما يعمد أحد الزوجين إلى الطعن بالاستئناف والتمسك أمـام القضاء برجوعه في الموافقة على الطلاق المتلقاة من طرف السيد قاضي الأسرة والتي تتضمن موافقة الطرفين على الطلاق وتعتبر قانون الطرفين وهي بمثابة العقد وهو مـا اقره فقه القضاء في العديد من القرارات بل أكثر من ذلك فإن فقه القضاء استند في قضائه صراحة للفصل 242 من مجلة الالتزامات والعقود وأكد أن ما انعقد على الوجه الصحيح يعتبر قانون الطرفين ولا يمكن الرجوع فيه إلا باتفاق الطرفين فرجوع طرف فقط في ذلكم الاتفاق لا يعمل به ولا يعول عليه.
– وحيث يبدو على خلاف الطعن بالاستئناف أو بالتعقيب من طرف المدعى عليه او المدعى عليها في خصوص مبدأ الطلاق والذي كان فقه القضاء فيه مراعيا مصلحة العائلة والأسرة أكثر من الحرص على تطبيق المبادئ العامة للإجراءات وخاصة منها شروط الفصل 19 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية كيفما بينا ذلك أعلاه فإن فقه القضاء في خصوص من صرح بموافقته على الطلاق أمـام القضاء وأراد الرجوع في ذلك أمـام محكمة الاستئناف كان اكثر صرامة وانتهى إلى تطبيق القانون تطبيقا صارما وسليما بدون مراعاة لبعض الخصوصيات كأن تدّعي الزوجة مثلا أنه تـم التغرير بها من طرف الزوج للموافقة على الطلاق أو كأن تؤكد أن الزوج كان وعدها بأمر مـا كتمكينها من مبلغ مالي أو غيره لقاء موافقتها… إلخ ثم لـم يف بوعده وفي بعض الأحيان يكون الأمر أكثر جدية كأن يتمسك الزوج أو الزوجة الذي يروم الرجوع في موافقته على الطلاق بمصلحة الأبناء مثلا وتفادي الانعكاسات السلبية للطلاق على الأبناء ونموهم ودراستهم لكن استناد محاكمنا لأحكام الفصل 242 من مجلة الالتزامات والعقود واعتباره قانونا للطرفين حال دون امكانية قبول الرجوع الأحادي في الموافقة على الطلاق أمـام محكمة الاستئناف ويبقى الحل البديهي لاستئناف الحياة الزوجية هو ابرام عقد صداق جديد.
– وحيث ومن جهة أخرى فإن الموافقة على الطلاق وفي نفس هذا السياق اثارت اشكالا آخر تمثل أساسا في كونه بعد تلقي السيد قاضي الأسرة موافقة الطرفين على الطلاق في اطار جلسة صلحية وقبل التصريح بالحكم يتمسك أحد الطرفين في احدى الجلسات الحكمية بالرجوع في موافقته وتسجيل معارضته للطلاق وأمـام هذه الحالة فان فقه القضاء لـم يستقر فهنالك من اعتبر وأن مـا ضمن بمحضر الجلسة الصلحية من موافقة يقوم مقام القانون ولا يمكن الرجوع فيه طبق أحكام الفصل 242 من مجلة الالتزامات والعقود كيفما أشرنا لذلك آنفا وهنالك من المحاكم من اعتبر وأنه طالما لم يتم الحكم فانه بإمكان كل طرف تحوير طلباته طبق الفصل 84 من م.م.م.ت الذي تضمن ما يلي:”يمكن للمدعي تغيير جزء من الدعوى أو الزيادة فيها او تحريرها في الأجل المبين بالفصل قبله” فالعبرة بالطلبات الأخيرة ويجب الأخذ بالرجوع في الموافقة المذكورة.
بقلم أ/ حسن الذيب المحامي لدى التعقيب
اترك تعليقاً