تعريفات قانونية مختلفة للجريمة المنظمة
تعريفات الجريمة المنظمة متعددة ومتضاربة،فهي ظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد،البعض منها يركز على الأنشطة الجرمية وأبعادها الدولية،والبعض الآخر يجعل البنية الداخلية وتنظيم الجماعة الإجرامية محط اهتمامه،في حين يتجه اهتمام آخرين إلى الصيرورة الاجتماعية أو الخلفية الثقافية الكامنة وراء الظاهرة.
ومن التعريفات المنتشرة على نطاق واسع، نجد تحديد الجريمة المنظمة، بصورة تقريبية على أنها:”نشاط عصابة من المجرمين قارة ومهيكلة، تمارس أنشطتها غير المشروعة في شكل مؤسسة محترمة وتحتمي من المراقبة الاجتماعية عن طريق الإفساد”.هذا التحديد مثلا نجده في وثائق مؤتمر الأمم المتحدة الدولي حول الجريمة المنظمة عبر الوطنية المنعقد بسوزال بسوريا سنة:1991.
وإمعانا في الدقة،تعرف الموسوعة الجنائية الألمانية،الجريمة المنظمة على أنها:”تنفيذ مبرمج لأعمال إجرامية يهدف إلى تحقيق مكاسب مالية أو الحصول على سلطة، تكون بمفردها أو هي معا،ذات أهمية معتبرة يستدعي ارتكابها من قبل أكثر من شخصين يعملون بالتواطؤ فيما بينهم لفترة غير محددة أو طويلة الأمد.
وأوردت الموسوعة مجموعة من العناصر والقرائن التي يمكن أن يستدل من خلالها على وجود نشاط إجرامي منظم على النحو المعرف به.
ومن ذلك: التوزيع الدقيق للعمل في التنفيذ واستعمال بنيات تجارية أو شبه تجارية لممارسة الأنشطة الإجرامية من خلالها مزاولة أنشطة مشروعة إلى جانب التعاطي لأعمال إجرامية واعتماد تنظيم هرمي والتوظيف الاستراتيجي للرشة والتوجه نحو احتكار نشاط قطاعي أو الاستحواذ على مجال جغرافي معين والاستعمال الممنهج للعنف أو التهديد به والنزوع نحو اكتساب نفوذ سياسي أو التأثير على الحياة العامة أو على وسائل الإعلام أو في الحياة الاقتصادية أو على العدالة.
لابد من التنبيه إلى عدم الخلط بين أنشطة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبين مجرد اقتراف عدد كبير من الجرائم المدرة للربح من قبل أشخاص يعملون بالتواطؤ فيما بينهم، مهما بلغت درجة التنظيم والتخطيط التي اعتمدت في تهييىء وتنفيذ هذه الأنشطة.
وعلى العكس من ذلك،من الأجدى النظر إلى الإجرام المنظم كمجموعة متناغمة من التفاعلات الاجتماعية التي تنظمها وحدة الغرض:السعي نحو تحقيق الربح غير المشروع واكتساب المزيد من النفوذ والتأثير داخل مجالات تحركها.
ففي مجمل تجلياتها الحديثة، أصبحت الجريمة المنظمة عبر الوطنية في شكل هيئة أو مقاولة أو مشروع لإنتاج سلع أو تقديم خدمات أو هما معا، والغرض الأساسي لجماعات الإجرام المنظم يبقى دائما هو الحصول على الربح أو السيطرة على السوق باللجوء بصورة مدبرة إلى العنف أو الإفساد، حسب الأحوال، من هذه الناحية، لاشيء يميز جماعات الإجرام المنظم عن المشروعات الإنتاجية العادية، إن لم يكن غرضها غير المشروع.
الإجرام المنظم كنتاج اجتماعي، لايرتبط فقط بالاقتصاد ولكن أيضا بالحياة العامة. وفي كل الأحوال، فإن أنشطة الجريمة المنظمة لاتقتصر فقط على الأعمال الصادرة عن جماعات الإجرام المنظم، بل تشمل مجموع التفاعلات بين هذا الوسط الإجرامي وبين باقي الدوائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل محيط أو مجال ترابي محدد.
اترك تعليقاً