بقلم ذ ميمون بوكرين
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بالناظور كاتب عام بالمجلس الجهوي بمحكمة الاستئناف بوجدة سابقا
أتعاب المفوض القضائي إحدى ركائز استقلاليته وحمايته واستمراريته في زمن الحديث عن إصلاح منظومة العدالة، وفي زمن الحديث عن القدرات المؤسساتية وما تبدو عليه من مؤشرات الضعف ومحدودية المؤهلات المهنية، ونقص الكفاءات التخصصية وفي زمن الحديث عن تأهيل المهن القضائية تزامنا مع التطورات والتجاذبات التي بات يعرفها حراك إصلاح منظومة العدالة في إطارها الشمولي والعميق.
يأتي تخصيص محور تطوير المهن القضائية كمحور مستقل، ضمن محاور إصلاح منظومة العدالة لأهميته القصوى، وكتأييد للدور المحوري التخصصي والأساسي المنوط بهذه الفئة وكواقع وجب التعامل معه بكثير من الواقعية بغية كسب رهان التنمية والتحديث.
ومهنة المفوضين القضائيين كسائر المهن القضائية الأخرى تتبوأ مكانة مميزة داخل النسيج القضائي المغربي، ويعتبر معززا لهيبة القضاء وسلطته القانونية، لما له من صلاحيات مهمة يتوقف عليها عمل القضاء بما يخدم ويساهم في تحقيق الأمن القضائي والعدالة المنشودة لتحقيق مبدأ القضاء في خدمة المواطن.
وانسجاما مع هذه التطلعات والمرامي الهادفة إلى تقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية والقانونية وتحسين خدماتها بما يضمن ثقة المواطن بها، كان للمفوضين القضائيين موعد مع صدور قرار تعديل تعريفة أجورهم رقم 1129.06 بتاريخ 15 يونيو 2006 بالقرار المشترك لوزير العدل والحريات ووزير الاقتصاد والمالية رقم 14-4306 صادر في 3 صفر 1436 ( 26 نونبر 2014 بتحديد تعريفة أجور المفوضين القضائيين المنشور بالجريدة الرسمية تحت عدد ( 6318 ) عن الأعمال التي يقومون بها في الميادين المدنية والتجارية والإدارية الذي بموجبه تم نسخ قرار الأجور السابق الذي تمت الإشارة إليه سابقا.
ولعل أول ما يحسب ويسجل لهذا القرار، على سابقه أنه جاء في وقت أقل بكثير من التعديل الأول، إذ جاء بعد أقل من تسع سنوات، في حين أن فترة التعديل الأول الفاصلة والمسجلة بين المرسوم رقم 02.85.736 بتاريخ 25/12/1986 والقرار رقم 1129.06 بتاريخ 15/06/2006 قد قطع بالسادة المفوضين القضائيين شوطا كبيرا بلغ عقودا من الانتظار والمعاناة.
واعتقد أن هذا التعديل وإن كنا نتحفظ عليه لأنه لم يستجب لتطلعات وطموحات المفوضين القضائيين، إلا أننا نسجل أن تنزيله جاء في الوقت المناسب في ظل التطورات التي بات يعرفها المجتمع المدني في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، على أن يبقى هاجس تحسين الوضعية المادية للمفوضين القضائيين من ضمن مرتكزات إصلاح منظومة العدالة في إطارها الشمولي والعميق، بما يلائم المهام الجسيمة الملقاة على عاتق المفوضين القضائيين.
إذ لم يعد مقبولا ولا مستساغا تبخيس عمله أو عدم إنصافه باعتبار أن أتعاب المفوض القضائي إحدى ركائز استقلاليته وحمايته واستمراريته بما يحفظ كرامته.
فما هي خصائص ومميزات هذا القرار؟ وهل فعلا استجاب إلى طموحات المفوضين القضائيين على وجه الخصوص؟
خصائص ومميزات قرار الأجور .
-التنصيص على تحديد تعريفة أجور المفوضين القضائيين خلافا لمقتضيات قرار وزير العدل والحريات رقم 1129.06 الصادر بتاريخ 15 يونيو 2006 ، المحدد لتعريفات عقود المفوضين القضائيين في الميادين المدنية والتجارية والإدارية، يلاحظ أن قرار تعديل الأجور الأخير رقم 4306.14 الصادر بتاريخ 26 نونبر 2014 ثار على بنية قرار الأجور السابق، إذ تعمد تحديد أسعار جميع الإجراءات والأعمال التي تدخل ضمن اختصاصاته، والتي لم يقع تحديدها سابقا كالعروض العينية والإنذارات الاستجوابية ومختلف الإجراءات الأخرى المتعلقة بتنفيذ الأوامر والأحكام، والقرارات القاضية بالقيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل، باستثناء إجراءات تبليغ الإنذارات ومحاضر المعاينات المحررة بناء على طلب من الخواص،
بذلك يكون المشرع المغربي عندما تعمد تحديد تعريفات عقود المفوضين القضائيين، وضع حدا وبشكل نهائي، لخضوع بعض الأعمال والمهام التي كان يقوم بها المفوض القضائي سابقا إلى أي تسوية حبية بين الأطراف، ونتيجة لذلك يكون المشرع المغربي، أسس لنفسه توجها خاصا تفادته مقتضيات المادة 14 من قانون التعريفة الفرنسية، التي نصت على أن الأعمال والمهام التي يمكن للمفوض القضائي القيام بها والتي لم تشملها التعريفة المذكورة، تخضع للتسوية الحبية بين الأطراف إذا لم يقم بتحديدها رئيس المحكمة التي يرتبط بدائرتها المفوض القضائي، وهذا ما تميل إليه نسبيا مقتضيات الفصل 18 من القرار المشترك التونسي المؤرخ في 07/02/91 الذي جاءت فيه الرسوم التي لم يقع التعرض إليها صراحة لهذه التعريفة، فأجورها تحتسب بطريق القياس، وفي صورة وقوع نزاع فإن هذه الأجور تحددها المحكمة الابتدائية التي يوجد بها محل إقامة العدول.
2 – توضيح كيفية استخلاص أتعاب المفوضين القضائيين أثارت مستحقات المفوضين القضائيين عن بعض الإجراءات والأعمال التي يقومون بها في الميادين المدنية والتجارية والإدارية حول طريقة وكيفية استخلاص أتعابهم، الكثير من الجدل والنقاش في ظل قانون الأجور السابق رقم 1129.06 الصادر بتاريخ : 15/06/2006 بتقديم تفسيرات متضاربة تخدم أغراضا ومصالح ضيقة، نتيجة عدم توضيح كيفية استخلاص مستحقات المفوضين القضائيين عن الأعمال التي يقومون بها خاصة عندما يتعلق الأمر بتعدد استدعاء الأطراف بموطن واحد، أو تعددهم بذكر مواطن مختلفة، بالإضافة إلى إعادة تبليغ الاستدعاءات أو القرارات أو الإنذارات أو الأوامر أو الأحكام أو القرارات التي تعذر تبليغها بسب لا يرجع إلى المفوض القضائي، وفي تقديري الخاص، أن من حسنات هذا القرار أنه عمل على حسم مثل هذا الإشكال، وأكد أن المفوض القضائي يستحق عنها أتعابه كاملة بالتعريفة نفسها المحددة لكل إجراء، وبذلك يكون المشرع المغربي أسس لقاعدة جوهرية مفادها أن المفوض القضائي مطالب ببذل العناية وليس بتحقيق نتيجة.
كما تم التنصيص عليه صراحة بمقتضى المادة الثانية في ميدان الإجراءات المختلفة فقرة (ج) بإسناد مهمة القيام بالاستجوابات القضائية والعروض العينية من قبل المفوضين القضائيين، خلافا لمقتضيات القرار السابق الذي استثنى هذين الإجراءين من تعريفة أجور المفوضين القضائيين مع اعتبار، عند احتساب مستحقات المفوض القضائي، ما إذا كان للمستجوبين موطن أو محل إقامة واحد أو العكس كتعدد موطن أو محل إقامة المعروض عليهم.
– التنصيص عن استحقاق المفوض القضائي التعويض عن التنقل أغفل قرار وزير العدل المحدد لتعريفات عقود المفوضين القضائيين في الميادين المدنية والتجارية والإدارية توضيح كيفية احتساب التعويض «الكيلومتري» المحدد في القرار السابق الصادر عن وزير العدل بتاريخ 15 يونيو 2006 رقم 06/1129، وأجده خير ما فعل عندما استدرك هذا الإغفال، بالتنصيص على احتساب هذا التعويض على أساس المسافة المعتمد عليها في التعويض «الكيلومتري» ذهابا وإيابا بمقتضى قرار الأجور الجديد رقم 14-4306 مادام المفوض القضائي لن يقتصر على الذهاب فقط للقيام بمهامه إذ المناسبة في تنقله، هو الإجراء المتعلق به التعويض، بالإضافة إلى أن مقتضيات المادة 5 قد استبعدت تماما بعد مكان الإجراء عن مقر المحكمة الابتدائية بأكثر من خمسة كيلومترات لاستحقاق المفوض القضائي التعويض عن التنقل، وأقرت استحقاقه للتعويض المذكور عن التنقل ذهابا وإيابا انطلاقا من مقر المحكمة.
بقلم ذ ميمون بوكرين
مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بالناظور كاتب عام بالمجلس الجهوي بمحكمة الاستئناف بوجدة سابقا
اترك تعليقاً