ان الفقهاء قد تعرضوا لتعريف المساعدة كوسيلة من وسائل الاشتراك التي نصت عليها القوانين العقابية ولكنهم انقسموا بشأن ذلك الى اتجاهين:
الأول: يعرفها المساعدة من خلال الاشتراك بالمساعدة وقد ذهب أصحابه الى تعريف المساعدة بأنها (تقديم العون- أيا ً كانت صورته الى الفاعل فترتكب الجريمة بناء عليه)(1). وعرفت أيضا ً بأنها (تقديم العون … أيا ً كانت صورته الى الفاعل فترتكب الجريمة بناءً عليه)(2). في حين عرف آخرون المساعدة بأنها (تقديم العون الى الفاعل بعمل ثانوي يترتب عليه ارتكاب الجريمة)(3). يلاحظ على هذا التعريف انه لا يزيد عن سابقه إلا في التأكيد على ان المساعدة تكون عملاً ثانوياً، ويقترب منه تعريف فقهي آخر هو ان المساعدة هي (تقديم العون للفاعل في ارتكاب الجريمة، سواء كان بالتجهيز أم تسهيل ارتكابها أو تذليل ما قد يعترضه من عقبات)(4). وعرفت أيضا ً بأنها (تقديم العون الى الفاعل تمكيناً له من ارتكاب الجريمة أو تسهيل ذلك أو إزالة ما قد يعترضه من عقبات)(5). نلاحظ ان هذا التعريف لا يختلف عن التعريف السابق بشيء ما، بل هو تكرار لما ورد فيه. وعرفت بأنها (تقديم العون الى الفاعل بأية صورة يكون من شأنها جعل تنفيذ الجريمة أكثر سهولة أو أكثر أماناً سواء بتقديم وسيلة أو القيام بعمل ما يسهل طريقة التنفيذ أو يزيح عقبة كانت تعترضه أو يقلل من تأثيرها)(6). وعرفت بأنها (كل عمل من شأنه ان يسهل للجاني ارتكاب الجريمة سواء انصب ذلك على تقديم العون أو الوسائل التي تساعد على تسهيل ارتكاب الواقعة الجرمية)(7).
فان التعريفات المارة الذكر لا تختلف من حيث المعنى عن التعريفات السابقة في تناولها لتعريف المساعدة، ولكن تناولت المساعدة المسهلة فقط دون ان تشير الى صور المساعدة الأخرى كالمساعدة المجهزة أو المتممة. أنصار الاتجاه الثاني يعرف الشريك المساعد مباشرة، فمنهم من ذهب الى ان الشريك هو (من يقدم للفاعل مساعدة تبعية بقصد ارتكاب الجريمة وهذه المساعدة قد تكون سابقة على التنفيذ أو معاصرة له، وقد تكون لاحقة متى كان الاتفاق عليها قبل ارتكاب الجريمة أما المساعدة اللاحقة التي لم يتفق عليها قبل ارتكاب الجريمة- كالإخفاء يعاقب عليه كجريمة خاصة)(8). وقد اعتنق المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات والمنعقد في أثينا عام 1957 هذا التعريف، فقد عرف الشريك بالمعنى الدقيق (هو من يشترك بالمساعدة السابقة على التنفيذ أو المعاصرة له، قد تكون لاحقة إذا تم الاتفاق عليها قبل ارتكاب الجريمة)(9). وعرفت المساعدة أيضاً (هي كل عون تبعي يقدمه الشخص الى الفاعل من اجل تمكينه على ارتكاب الجريمة)(10). وعرف جانب من الفقه الفرنسي الاشتراك بالمساعدة بأنه (تقديم العون الى الفاعل الأصلي في الأعمال المسهلة أو المتممة لتنفيذ جناية أو جنحة دون الاشتراك في التنفيذ ذاته)(11). وعرفها جانب آخر بأنها (تقديم العون أو المساعدة للفاعل في الأفعال المسهلة أو المتممة لتنفيذ الجريمة)(12).
ويؤخذ على غالبية هذه التعريفات إنها تجاهلت المساعدة المجهزة كصورة من صور المساعدة، واقتصرت على الأعمال المسهلة والمتممة فقط. كان عليها ان تتناولها في تعريفها لمفهوم المساعدة، لان العون من قبل الشريك لم يقيده القانون ما إذا كان سابقاً أو معاصراً ، فكان على التعريف الفقهي ان يكون ملماً بما ورد في النص التشريعي من خلال الوصول الى هدف المشرع في صياغة ذلك النص، وان يكون شاملاً غير مقتصر على جانب واحد فقط دون غيره. أما نحن فإننا نؤيد ما اتجه إليه أصحاب الاتجاه الأول، وذلك لان الاتجاه الأخير لم يبين لنا ماهية الاشتراك بالمساعدة بشكل واضح في جميع التعريفات الفقهية السالفة الذكر، ولم يبين طرق الاشتراك وصورها ما إذا كانت المساعدة التي قدمت الى الفاعل هي مساعدة ايجابية أم سلبية، وهل هي معنوية أم مادية. وإنما يوضح لنا الطبيعة القانونية للاشتراك بالمساعدة، بأنها عمل تبعي أو ثانوي في ارتكاب الجريمة، في حين الاتجاه الأول يبين لنا وبشكل واضح ما لم يبينه الاتجاه الثاني ويوضح أيضا ً لنا قصد المساهمة الجنائية لدى الشريك المساعد في ارتكاب الجريمة بعبارة (من اجل تمكينه على ارتكاب الجرمية بسهولة) ويوضح علاقة السببية وذلك لان الجريمة ترتكب بناءً على هذه المساعدة. لذلك فإننا نعرف المساعدة بأنها كل نشاط ثانوي يقدمه الشريك عوناً لفاعل الجريمة أو للفاعلين أيا ً كانت صورته مادية أو معنوية من اجل تمكينه من ارتكاب الجريمة. ومن التشريعات الأجنبية التي أخذت بالاتجاه الأول قانون العقوبات الفرنسي في المادة (60) الفقرة الثالثة منه الاشتراك بالمساعدة على انه ( تقديم العون أو المساعدة للفاعل في الأفعال التي تسهل إتمام تنفيذ الجريمة)، وعرفت المادة (32) من مشروع قانون العقوبات لسنة 1978 الفرنسي والذي صدر بعده على انه (يكون شريكاً في جناية أو جنحة أو مخالفة من الدرجتين الأولى والثانية ويعاقب كفاعل من سهل بمساعدته أو مشاركته في التحضير للجريمة أو إتمامها مع علمه بذلك)(13).
ويلاحظ جانب من الفقه(14) بان المشرع كان عليه ان يكتفي بلفظة المساعدة aid لوحدها كون ان المشاركة assistance تكون من وسائل الاشتراك الأخرى كالتحريض. ونؤيد ما ذهب إليه البعض(15) بان الفقه الفرنسي يميز بين مصطلح aid ومصطلح assistance فيقصد في الأول بان المساعدة تكون في المرحلة السابقة على تنفيذ الجريمة لتقديم الوسائل اللازمة لارتكابها، كالأسلحة والآلات وغيرها، في حين يقصد في الثاني ان يكون الشخص شريكاً متى كان موجوداً مع الفاعلين في مكان ارتكاب الجريمة. وقد أخذت المادة (121/7) من مشروع قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1986 بالاتجاه الثاني فعرفت المساعدة بأنها (من سهل ارتكاب الجريمة أو إتمام الجناية أو الجنحة بمساعدته أو معاونته قدمها وهو عالم بذلك). وجاءت المادة (121/7) من قانون العقوبات الفرنسي الجديد والذي أصبح ساري المفعول منذ الأول من مارس عام 1994 والذي اعتنق الاتجاه الثاني فعرفت، المساعدة بأنها (يعتبر شريكاً في جناية أو جنحة ، الشخص الذي بعلم منه يساعد أو يعاون في الأعمال المجهزة أو المتممة للجريمة)(16).
ويندرج قانون العقوبات العراقي في الأخذ بالاتجاه الأول، حيث عرفت الشريك بالمساعدة في المادة (48) الفقرة (3) منه يعد شريكاً في ارتكاب الجريمة (من أعطى الفاعل سلاحاً أو الآلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعده عمداً بأي طريقة أخرى من الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها). وكذلك قانون العقوبات المصري، والليبي، والجزاء الكويتي ،والمغربي، والجزائري والسوداني(17). أما القضاء في تعريفه للمساعدة نجد ان محكمة النقض الفرنسية عرفت الاشتراك بالمساعدة بأنه (الفعل الذي يساعد في الأعمال التحضيرية أو ما يماثلها من الأعمال التي تسهل ارتكاب الجريمة التي وقعت)(18). وعرفت محكمة النقض المصرية الاشتراك بالمساعدة بأنه (يتحقق بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق فيه معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعل المشرع مناطاً لعقاب الشريك)(19). إذاً لا تقوم المسؤولية الجنائية للشريك إلا بتقديمه العون الى الفاعل سواء كان ذلك في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها على ان يكون عالماً بارتكاب الفاعل للجريمة.
______________________
[1]- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات – القسم العام، دار النهضة العربية بالقاهرة، ط6، 1989، ص441.
2- د.علي حسين الخلف و د. سلطان الشاوي، المباديء العامة في قانون العقوبات، 1982، ص215.
3- د. فوزية عبد الستار، شرح قانون العقوبات- القسم العام/ النظرية العامة للجريمة، دار النهضة العربية بالقاهرة، 1992، ص405.
4- د.عبد الرؤوف مهدي، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات، دار الفكر العربي بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1986، ص487.
5- د.محمد عيد غريب، شرح قانون العقوبات- القسم العام، دار النهضة العربية بالقاهرة، ج1، 1999-2000، ص826.
6- د.احمد عوض بلال، مباديء قانون العقوبات- القسم العام، دار النهضة العربية بالقاهرة، 2005، ص473.
7- د. هدى حامد قشقوش، شرح قانون العقوبات- القسم العام نظرية المساهمة الجنائية ونظرية المسؤولية، دار الثقافة الجامعية، 1999، ص71.
8- د.محمود محمود مصطفى، أصول قانون العقوبات في الدول العربية، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1970، ص84.
9- أشار إليه د. رؤوف عبيد، مباديء القسم العام في التشريع العقابي، دار الفكر العربي بالقاهرة، ط4، 1979، ص445.
10- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، دار النهضة العربية بالقاهرة، ج1، 1996،ص638.
11- والنص بالفرنسي
“Cette complicite consiste dans l’aide et…..l’assistance prettee al’auteur principal pour les actes qui ont facilite l’execution du crime ou delit sans qui’l soit”. Vidal (Georges) et Magnol(Josephe): course de droit criminelet de no .420،p.516:science penitentiaire،T.libraie Arthur Rousseau9eme-ed-Paris -1949.
12- والنص بالفرنسي
” cette complicite dans l’aide ou assistance prttee’ al’auteur…. Pour les actes qui ont facitite ou consommé le’xcution de l’infraction” Marc Paech،droit penal general،Paris، Librairie delacou de cassation no1024،p.371.
13- المشار إليه في مؤلف د.محمد رشاد أبو عرام، المساعدة كوسيلة للمساهمة التبعية في الجريمة دراسة مقارنة، دار النهضة العربية بالقاهرة، ط1، 2003، ص26 وما بعدها.
14- د.محمود محمود مصطفى، تعليقات على مشروع قانون العقوبات الفرنسي- القسم العام، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعين 1980، ص60. ويشير الى ان المشروع الفرنسي لم يأخذ لا بالمساعدة اللاحقة ولا بالاتفاق كون ان الأولى لا تمثل وسيلة من وسائل الاشتراك أما الاتفاق فلا يعد مؤثراً في تنفيذ الجريمة إذا كان مجرداً.
15- د.مدحت محمد عبد العزيز، المسؤولية الجنائية للشريك بالمساعدة (دراسة مقارنة بين التشريعين الفرنسي والمصري)، دار النهضة العربية بالقاهرة، ط1، 2004، ص9. و د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر السابق، ص27.Desportes Fre’de’ric et legune hc Francis،lemourean droit pe’nal،Tome I، driotpe’nal،ge’ne’ral،sixieme edition ovrrages a’jou raul er ،octobre،1999، r p.358،p.4.
16- انظر مؤلف د.علاء الدين راشد، الاشتراك في الجريمة بين القانون الوضعي والفقه الإسلامي، دار النهضة العربية بالقاهرة، 1997، ص195. و د.مدحت محمد عبد العزيز، مصدر السابق، ص9.
17- انظر المواد التالية المادة (40) الفقرة ثالثاً من قانون العقوبات المصري المرقم 58 لسنة 1937 المعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1962 والمادة (100) الفقرة (2) الليبي لسنة 1953 والمادة (48) الفقرة (3) الكويتي المرقم 16 لسنة 1960 والفصل (41) المغربي لسنة 1963 والمادة (42) الجزائري لسنة 1966 والمادة (83) السوداني رقم 64 لسنة 1974.
18- مشار إليه عند ، د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص28.
19- نقض 13/ أكتوبر/ 1981 مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية / السنة الثالثة والثلاثون رقم 123، ص692 لسنة 1981.
المؤلف : تركي هادي جعفر الغانمي
الكتاب أو المصدر : المساهمة بالجريمة بوسيلة المساعدة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً