تعريف السلطة القضائية ونشأتها

السلطة القضائية

تعريفها ونشأتها

السلطة القضائية le pouvoir judiciaire، هيئة مستقلة تختص بتوزيع العدالة بين الناس، عن طريق الفصل في المنازعات المعروضة عليها، وبذلك فإن القاعدة القانونية هي التي تنشئ الحقوق، والقضاء هو الذي يحميها، ولكن البشرية لم تهتد إلى ذلك إلا بعد تطور طويل، فقد كانت القوة محور العلاقات لدى أفراد الجماعات البدائية، وسادت عندئذ قاعدة: القوة تنشئ الحق وتحميه، فكل اعتداء على ما يعتبره الشخص حقاً له، يعتبر إهانة لا يغسلها سوى القوة، فإذا ادعى شخص حقاً قبل الغير استوفاه بنفسه. ومع ارتقاء البشرية، بدأت الوظيفة القضائية تظهر في صلب المجتمع الإنساني، حيث أصبحت من اختصاص شيخ القبيلة، قبل ظهور نظام الدولة، ومن اختصاص الملك بعد ظهور نظام الدولة في العصور القديمة، فيلاحظ أن شعوب الرافدين القديمة، قد نظرت إلى العدالة أصلاً، على أنها إحدى الوظائف الإلهية، فالإله كان في نظرهم القاضي الأعظم، وهو يفوض إلى الملوك القيام بهذه المهمة على الأرض، كما يلاحظ أن أول تميُّز في التاريخ للوظيفة القضائية، من باقي وظائف الحكم والإدارة، إنما كان في عهد الامبراطورية السفلى (من 284م حتى 565م).

ممارسة السلطة القضائية

ينهض بعبء توزيع العدالة بين الناس مجموعة من الموظفين الذين تعينهم الدولة وفقاً لمعطيات الدستور والقانون، وهؤلاء هم القضاة الذين يمارسون عملهم ضمن نطاق مكاني رسمي هو المحكمة tribunal، ويختلف تشكيل المحاكم في الدول المختلفة، فهناك محاكم تشكل من قاض فرد juge unique ويكون ذلك في نطاق محاكم الدرجات الدنيا، وهناك محاكم ذات تشكيل جماعي collégiale أي أنها تتشكل من عدة قضاة، ويراعى ذلك عادة في تشكيل المحاكم في درجاتها العليا، وتقوم المحاكم العليا عادة بالتعقيب على أحكام المحاكم الدنيا، وهو ما يعرف بمبدأ التقاضي على درجات، وذلك من حيث الواقع والقانون، أو من حيث القانون فقط، وتوجد دائماً في نطاق النظم القانونية الحديثة محكمة عليا تعمل على توحيد الاجتهاد القضائي، ومنع التضارب في الاجتهاد، وهذه المحكمة هي محكمة النقض cour de cassation في فرنسا ومصر وسورية وغيرها. وقد تتولى جهة قضائية واحدة على اختلاف درجات محاكمها مهمة الفصل في جميع المنازعات، سواء تلك التي تنشأ بين الأفراد، أو تلك التي تنشأ بين الحكومة والأفراد (كما هي الحال في إنكلترا، وأمريكا، والمغرب)، وهو ما يعرف بنظام القضاء الموحد، أو توجد في الدولة جهتان قضائيتان، تتولى إحداهما الفصل في المنازعات بين الأفراد أياً كان نوعها وتسمى جهة القضاء العادي، والأخرى في المنازعات بين الأفراد والحكومة، وتسمى جهة القضاء الإداري، وذلك تحت لواء نظام القضاء المزدوج، ويلاحظ أنه توجد، في ظل هذا النظام الأخير، محكمة مختصة تقوم على حسن توزيع الاختصاص بين جهتي القضاء العادي والإداري، وهذه المحكمة هي محكمة التنازع tribunal des conflits، كما هي الحال في سورية وفرنسا.

استقلال القضاة

من الأمور المسلمة في العصر الحديث استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، استقلالاً تاماً، طبقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وينتج من ذلك أنه لا سلطان على القاضي وهو يؤدي مهمته لغير القانون، وليس لأحد أن يملي عليه سوى ضميره، ويترتب على ذلك أنه ليس للسلطة التنفيذية أي حق في التدخل في الشؤون الخاصة بالسلطة القضائية، ولاتملك صلاحية نزع اختصاص من الاختصاصات المخولة لها، كما لا يحق لها أن تقوم بمنع المحاكم من النظر في طعون محددة، أو سماع الدعوى بشأن منازعات معينة. ومن ناحية أخرى لا تملك السلطة التشريعية الحق في إصدار تشريعات تمنع القضاء من النظر في دعاوى بذاتها، أو أن تسلبه الحق في التصدي لمنازعات بعينها، وقد اتبعت الدساتير الحديثة مبدأ استقلال القضاة، ومن هذه الدساتير دستور الجمهورية العربية السورية (المادتان 131 و133 منه).

حق التقاضي والحق في المساواة أمام القضاء

يعدّ حق التقاضي من الحقوق الدستورية والتي تنص عليه بوضوح الدساتير المعاصرة، ومنها الدستور السوري، والذي نص صراحة على أن حق التقاضي وسلوك سبل الطعن، والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون (المادة 18 منه)، كما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 8 منه)، ومسوّغ ذلك أن هذا الحق حق أصيل، ويستحيل دونه أن يأمن الأفراد على حرياتهم، أو يردوا على ما يقع عليها من اعتداء، كما لا يمكن أن يعد نظام الحكم في دولة ما ديمقراطياً، إلا إذا كفل حق التقاضي الذي يطمئن الأفراد على حقوقهم، ويزيل الظلم من نفوسهم، وبناء عليه، فإن أي مصادرة لحق التقاضي تعد عملاً غير مشروع، وأي نص تشريعي يمس هذا الحق هو نص باطل وغير دستوري، لخروجه عن المبادئ الدستورية التي أقرت هذا الحق.

ولا يكفي الاعتراف بحق التقاضي للأفراد، بل يجب أن يكون هؤلاء متساوين أمام القضاء عندما يمارسون حقهم في التقاضي، بمعنى أن يمارس جميع مواطني الدولة حق التقاضي على قدم المساواة أمام محاكم واحدة، وبلا تمييز أو تفرقة بينهم بسبب الأصل أو الجنس أو اللون، أو العقيدة، أو الآراء الشخصية.

حق التقاضي أمام القاضي الطبيعي

يجب أن يتم التقاضي أمام القاضي الطبيعي le juge naturel، أي القاضي المعين بصورة أصلية ومسبقة للفصل في المنازعات بين المواطنين، ووفقاً للأصول والإجراءات التي استقرت عليها النظم القانونية المعاصرة، وعلى رأسها مراعاة حق الدفاع، والعلانية، ومبدأ التقاضي على درجات.

شارك المقالة

1 تعليق

  1. هل العدالة توزع؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.