التعريف بالمسؤولية
الإنسان ـ من حيث المبدأ ـ حر في تصرفاته. ولكن هذه الحرية قد تصطدم بحاجز منيع هو عدم الإضرار بالغير، ومن هنا منشأ نظرية التعسف في استعمال الحق.
ويترتب على ذلك أن الحرية في التصرف تتقيد بحدود، وهذه الحدود قد تفرضها الأخلاق، وقد يفرضها القانون. وبمجرد تجاوز هذه الحدود ـ سواء أكانت أخلاقية أم قانونية ـ فإن الشخص يتحمل تبعة ذلك، وهذه هي المسؤولية la responsabilité. ويتبين من ذلك أن المسؤولية إما أن تكون أدبية، أي أخلاقية، وإما قانونية.
التمييز بين المسؤولية الأدبية والمسؤولية القانونية
تترتب المسؤولية الأدبية حينما يخل الشخص بالتزام تفرضه عليه القواعد الأخلاقية، ومثال ذلك الكذب، والضحك في مأتم.
أما المسؤولية القانونية فتترتب نتيجة لإخلال الشخص بالتزام قانوني. ويستخلص من ذلك أن المسؤولية الأدبية تختلف عن المسؤولية القانونية في النقاط الآتية:
1ـ تقوم المسؤولية الأدبية على عنصر ذاتي وهو الضمير، وهي مسؤولية أمام الله أو أمام الضمير ذاته، ومن ثمّ فإن المسؤول فيها هو خصم وحكم في الآن ذاته. في حين أن المسؤولية القانونية تقوم على عنصر موضوعي وهي مسؤولية شخص أمام شخص آخر.
2ـ تعد المسؤولية الأدبية أعم من المسؤولية القانونية وأوسع نطاقاً منها؛ وذلك لأنه لا يشترط فيها الإضرار بالغير. وبالمقابل فإن المسؤولية القانونية لا تقوم إلا إذا كان هناك ضرر لحق بالغير الذي يمكن أن يكون فرداً بذاته أو المجتمع بأكمله.
3ـ لا يمكن الإفلات من العقاب في المسؤولية الأدبية، حتى لو خالف الإنسان قاعدة أخلاقية في الخفاء؛ وذلك لأنها تقوم على الضمير، والفاعل فيها هو الخصم والحكم. في حين أنه يمكن الإفلات من العقاب في المسؤولية القانونية في حال ما إذا خالف الشخص قاعدة في السر، وذلك لأن العقاب في مثل هذه الحال تفرضه السلطة العامة، وإذا لم تعلم هذه السلطة بالمخالفة التي وقعت لا يمكن لها أن تتدخل وتعاقب الفاعل .
أنواع المسؤولية القانونية
تقسم المسؤولية القانونية إلى مسؤولية مدنية ومسؤولية جزائية ومسؤولية إدارية.
أولاً ـ المسؤولية المدنية: وهي الجزاء الذي يترتب على المدين نتيجة إخلاله بالتزامه الذي أدى إلى إلحاق الضرر بالدائن وإفقار ذمته. وتعرف أيضاً بأنها: «الالتزام بتعويض الضرر الذي يسببه إخلال المدين بالتزامه».
أ ـ خصائص المسؤولية المدنية: تمتاز المسؤولية المدنية بالخصائص الآتية:
ـ تقوم المسؤولية المدنية على الضرر الذي يلحق بالفرد، ومن ثم يكون الجزاء فيها تعويض المضرور عن ذلك الضرر. ويحق للمضرور أن ينزل عن التعويض أو يتصالح عليه. وينتقل هذا التعويض إلى ورثة المضرور في حالة وفاته.
ـ تخضع المسؤولية المدنية ـ من حيث المبدأ ـ للقاعدة التي مفادها أن كل خطأ ألحق ضرراً بالغير يلزم مرتكبه التعويض. ومن ثم فإن صور الخطأ المدني غير محصورة؛ مما يجعل مجال هذه المسؤولية واسعاً جداً.
ـ تقوم المسؤولية المدنية ـ في بعض الحالات ـ دون المسؤولية الجزائية، كما هو عليه الحال فيما يتعلق بالضرر الناجم عن المنافسة غير المشروعة.
ب ـ أنواع المسؤولية المدنية: تقسم المسؤولية المدنية إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية.
1ًـ المسؤولية العقدية: وهي التي تنشأ نتيجة الإخلال بالتزام تعاقدي سابق، فمثلاً في عقد البيع المنجز إذا لم يقم المشتري بدفع الثمن على الرغم من استلامه المبيع يعد مسؤولاً عن الأضرار التي تلحق بالبائع نتيجة ذلك.
شروط تحقق المسؤولية العقدية: لا تتحقق المسؤولية العقدية إلا إذا توافرت الشروط الآتية:
الشرط الأول: وجود عقد صحيح بين الدائن والمدين: فإذا انتفى العقد، أو كان باطلاً أو قابلاً للإبطال وتقرر إبطاله، فلا تقوم المسؤولية العقدية. وكذلك لا تتحقق المسؤولية العقدية إذا وقع خطأ بعد انتهاء العقد.
الشرط الثاني: أن تقوم المسؤولية العقدية بين الدائن والمدين طرفي العقد. أما إذا أثيرت المسؤولية من شخص أجنبي عن العقد، فلا تعد هذه المسؤولية ـ من حيث المبدأ ـ عقدية. ويعد الخلف العام والخلف الخاص للمتعاقد وكذلك المنتفع من العقد بمنزلة طرف في العقد. فإذا أثار أحد منهم مسؤولية المتعاقد الآخر؛ فتكون هذه المسؤولية عقدية.
الشرط الثالث: أن يكون الضرر الذي لحق بالدائن ناشئاً من عدم تنفيذ التزام ناتج من العقد.
أركان المسؤولية العقدية: تقوم المسؤولية العقدية على الأركان الآتية:
الركن الأول: الخطأ العقدي: وهو عدم تنفيذ التزام ناشئ من العقد، أو تنفيذه بشكل معيب، أو التأخر في تنفيذه. ويقوم الخطأ سواء أكان عدم التنفيذ عمداً أم ناجماً عن إهمال.
وإثبات الخطأ العقدي يتوقف على تحديد طبيعة التزام المدين. في الواقع، تقسم الالتزامات ـ عموماًـ من حيث هدفها إلى نوعين:
النوع الأول: التزام بتحقيق غاية أو التزام بالسلامة، كالتزام شركة النقل تجاه المسافرين.
النوع الثاني: التزام ببذل عناية أو التزام بوسيلة ، كالتزام المحامي بالدفاع عن مصالح موكله، وكذلك التزام الطبيب بمعالجة مريضه.
ويكون تنفيذ الالتزام بغاية بتحقيق تلك الغاية، فإذا لم تتحقق كان الملتزم واقعاً في خطأ عدم التنفيذ. أما في الالتزام ببذل عناية، فيعد الملتزم أنه قد نفذ التزامه متى بذل في سبيل ذلك العناية التي يبذلها الرجل المعتاد، سواء تحققت النتيجة المرجوة أم لم تتحقق، ما لم ينصّ القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك. ويترتب على ذلك أن إثبات عدم التنفيذ في الالتزام بتحقيق غاية يتم بمجرد إثبات عدم تحقق الغاية، ومثال ذلك إذا أصيب المسافر في أثناء السفر بضرر يعد الناقل مسؤولاً؛ وذلك لأن الغاية من التزامه لم تتحقق؛ وهي وصول المسافر بالسلامة. وأما في الالتزام ببذل عناية، فعلى الدائن أن يثبت أن المدين لم يبذل القدر الواجب من العناية، وبمعنى آخر أن يثبت الخطأ في جانب المدين.
وللمدين الحق في أن يدفع المسؤولية عن نفسه بإثبات أن عدم التنفيذ يرجع إلى سبب أجنبي، كالقوة القاهرة[ر].
الركن الثاني: الضرر: ويقع عبء إثبات الضرر ـ من حيث المبدأـ على عاتق الدائن. ولكن إذا كان التعويض اتفاقياً (وهي حالة الشرط الجزائي)، فبمجرد وقوع الخطأ، يعد الضرر مفترضاً. وعلى المدين في مثل هذه الحال أن يثبت أنه لم يلحق بالدائن ضرراً. وكذلك الحال إذا كان الضرر ناتجاً من التأخر في أداء مبلغ من النقود، حيث يكون الضرر هنا أيضاً مفترضاً، ولكنه لا يقبل إثبات العكس، ومن ثم يستحق الدائن التعويض ـ وهو فائدة النقود ـ دون أن يكلف إثبات الضرر. والضرر إما أن يكون مادياً؛ وهو ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة، أو أن يكون أدبياً؛ وهو ما يؤذي الشخص في نواح معنوية كالعاطفة والكرامة والشرف. ويشترط في الضرر أن يكون محققاً أي أكيداً ومباشراً ومتوقعاً وقت التعاقد. ولا يسأل المدين في المسؤولية العقدية عن الضرر غير المتوقع إلا إذا كان ناشئاً من غش أو من خطأ جسيم، وهذا ما ذهبت إليه مثلاً المادة 222/2 من القانون المدني السوري.
الركن الثالث: علاقة السببية بين الخطأ والضرر: ومعنى ذلك أنه يجب أن يكون الخطأ العقدي الذي ارتكبه المدين هو السبب في إلحاق الضرر بالدائن.
ويجب على الدائن إثبات هذه العلاقة. إلا أنه متى أثبت الدائن الخطأ والضرر؛ تعد علاقة السببية بينهما مفترضة قانوناً. ولكن هذا الافتراض يقبل إثبات العكس، ومن ثم يمكن للمدين أن يثبت أن الضرر لم ينشأ من خطئه. وإنما نشأ من سبب أجنبي، ويترتب على ذلك دفع المسؤولية عنه.
2ًـ المسؤولية التقصيرية: وهي التي تنشأ نتيجة الإخلال بالتزام قانوني عام يفرض عدم الإضرار بالغير.
أنواع المسؤولية التقصيرية: تتضمن المسؤولية التقصيرية أنواعاً عدة، وهي:
ـ المسؤولية عن العمل الشخصي: وتعد القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية، وتقوم على المبدأ الذي مفاده أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، وهذا ما جاء مثلاً في المادة /164/ من القانون المدني السوري والمادة 1382 من القانون المدني الفرنسي.
أركان المسؤولية عن العمل الشخصي: تقوم المسؤولية عن العمل الشخصي على ثلاثة أركان، وهي:
الركن الأول: الخطأ: يقوم الخطأ في المسؤولية التقصيرية على عنصرين، وهما:
العنصر المادي: وهو التعدي: الخطأ هو انحراف في السلوك، وبالتالي فهو تعد. وهذا الانحراف إما أن يكون ناجماً عن عمد أو عن إهمال. والتعدي الذي يقع بالعمد معياره ذاتي، حيث ينظر إلى نية الفاعل نفسه. أما التعدي الذي يقع بالإهمال فمعياره موضوعي، حيث يقاس فيه سلوك الفاعل بسلوك شخص مجرد هو الشخص العادي من الناس، وجد في الظروف الخارجية ذاتها، فإذا كان الفاعل لم ينحرف في سلوكه عن المألوف من سلوك الشخص العادي، فلا يعدّ فعله تعدياً. وهذا هو معيار الرجل المعتاد.
العنصر المعنوي: وهو الإدراك: مناط المسؤولية هو الإدراك. فلا يكفي توافر التعدي؛ كي يقوم ركن الخطأ، وإنما لابدّ من أن يقع التعدي من شخص مدرك لنتائج أعماله. ومن ثمّ يجب أن يكون المعتدي مميزاً. ومن انعدم الإدراك والتمييز لديه لا يعد مسؤولاً إذا قام بفعل غير مشروع. وسنّ التمييز في القانون السوري هي سبع سنوات في المسؤولية المدنية. ومن حيث المبدأ لا يعد عديم التمييز مسؤولاً؛ إلا أنه يقر القانون مسؤوليته في حالات استثنائية؛ وذلك إذا لم يتمكن المضرور من الحصول على التعويض من المكلف برقابة عديم التمييز.
وتنتفي صفة الخطأ عن العمل غير المشروع في حالات معينة كالدفاع الشرعي، وحالة الضرورة.
الركن الثاني: الضرر: سبق الإشارة إلى أنواع الضرر وشرائطه عند الكلام عن المسؤولية العقدية. ولكن يجب الإشارة هنا إلى أن التعويض يشمل في المسؤولية التقصيرية الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع.
الركن الثالث: علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ـ المسؤولية عن عمل الغير: وهي على نوعين مسؤولية متولي الرقابة ومسؤولية المتبوع عن أعمال التابع.
1ـ مسؤولية متولي الرقابة: ويشترط لقيام هذه المسؤولية توافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص الرقابة على شخص آخر: وتستند هذه الرقابة إما إلى القانون، كرقابة الولي على النفس على القاصر، أو إلى الاتفاق؛ كرقابة رب العمل على الصانع. وسبب الرقابة إما أن يكون القصر أو الحالة العقلية والجسمية. ويعد القاصر بحاجة إلى الرقابة ـ في القانون السوري مثلاًـ إذا لم يبلغ خمس عشرة سنة من عمره، أو بلغها وكان لايزال في كنف القائم على تربيته.
الشرط الثاني: قيام الخاضع للرقابة بعمل غير مشروع أضر بالغير.
وتكون مسؤولية متولي الرقابة إما أصلية، وذلك عندما يكون الخاضع للرقابة غير مميز، أو تبعية؛ وذلك عندما يكون الخاضع للرقابة مميزاً، وهنا تكون مسؤولية الخاضع للرقابة أصلية، ومن ثم يمكن للمضرور الرجوع على الاثنين معاً (متولّي الرقابة والخاضع لها)؛ وذلك لأن مسؤوليتهما هي تضامنية.
وتقوم مسؤولية متولي الرقابة على خطأ مفترض يقبل إثبات العكس، وهو الخطأ في رقابة القاصر. ويستطيع متولي الرقابة أن يدفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة، أو أثبت أن الضرر كان سيقع حتى لو قام بواجب الرقابة.
2ـ مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع: ويشترط لتحقق هذه المسؤولية توافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: علاقة التبعية بين المتبوع والتابع : ومضمون هذه العلاقة هو خضوع التابع للمتبوع، بحيث تكون للمتبوع على التابع سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه، ومثال ذلك علاقة العامل (وهو التابع) برب العمل (وهو المتبوع).
الشرط الثاني: ارتكاب المتبوع عملاًً غير مشروع نتج منه ضرر أصاب الغير في حال تأدية وظيفته أو بسببها. ويترتب على ذلك أنه لا تتحقق مسؤولية المتبوع إلا إذا قامت مسؤولية التابع، ولا تقوم مسؤولية التابع إلا إذا توافرت أركان المسؤولية عن العمل الشخصي وهي: الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما. ولا تقوم مسؤولية المتبوع إلا إذا وقع الخطأ من التابع في أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ومثال ذلك أن يصدم سائق السيارة أحد المارة في أثناء قيامه بعمله.
ومسؤولية المتبوع عن أعمال التابع هي مسؤولية تبعية تقوم إلى جانب مسؤولية التابع التي تعد أصلية. ومن ثمّ يحقّ للمضرور أن يلاحق كلاً من التابع والمتبوع بالتعويض؛ وذلك لأن مسؤوليتهما عن الضرر هي تضامنية. ويجيز القانون عادة للمتبوع الرجوع على التابع بما دفعه.
وأساس مسؤولية المتبوع عن عمل التابع هو الخطأ المفترض غير القابل لإثبات العكس، ومعنى ذلك أن المتبوع لا يستطيع أن ينفي المسؤولية عن نفسه بإثبات أنه لم يخطئ. ولا يمكن له أن يدفع المسؤولية عن نفسه إلا بإثبات السبب الأجنبي، كالقوة القاهرة وخطأ المضرور وفعل الغير.
المسؤولية الناشئة من فعل الأشياء: وتتضمن ثلاثة أنواع، وهي:
ـ مسؤولية حارس الحيوان: ويشترط لقيام هذه المسؤولية توافر شرطين:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة حيوان: ويقصد بحارس الحيوان من له السلطة الفعلية في رقابة الحيوان وفي توجيهه، ويكون له حق التصرف في أمره، ومن ثمّ يكون زمام الحيوان في يده. وليس بالضرورة أن يكون حارس الحيوان هو المالك، فالسارق يعد في نظر القانون حارساً للحيوان، ولكن مالك الحيوان هوـ من حيث المبدأ ـ الحارس. وإذا كانت الحراسة قد انتقلت إلى الغير بشكل قانوني أو غير قانوني، فيقع عبء إثبات ذلك على المالك.
أما الحيوان فيقصد به أي حيوان، مستأنساً كان أو ضارياً، كبيراً أو صغيراً، خطراً أو أليفاً، ويمكن أن يكون من الدواجن أو الطيور ويشترط أن يكون الحيوان حياً.
الشرط الثاني: إحداث الحيوان ضرراً للغير: يشترط من أجل قيام مسؤولية حارس الحيوان أن يكون الضرر ناجماً عن فعل الحيوان، ومن ثمّ هذا يقتضي أن يقوم الحيوان بفعل إيجابي، أما إذا اقتصر دوره على فعل سلبي فلا تقوم مسؤولية حارس الحيوان، ومثال ذلك إذا اصطدم شخص بحيوان واقف، وأصيب بضرر.
ـ مسؤولية حارس البناء: وتتحقق هذه المسؤولية بتوافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة بناء: وحارس البناء هو من له السيطرة الفعلية عليه، ويكون هو المتصرف في أمره. وهنا أيضاً مالك البناء ـ من حيث المبدأـ هو الحارس. ولكنه يستطيع أن يثبت أن الحراسة ـ وقت وقوع الضرر بسبب تهدم البناء ـ كانت قد انتقلت للغير، كالمقاول أو الدائن المرتهن رهناً حيازياً. ويبقى المالك في حالة الإيجار أو الإعارة حارساً للبناء؛ لأن السيطرة الفعلية عليه تكون له وليس للمستأجر أو المستعير.
الشرط الثاني: وقوع الضرر بسبب تهدم البناء: ويقصد بالبناء كل ما أنشأه الإنسان إذا ما كان متصلاً بالأرض اتصال قرار، كالمنازل والمخازن والسدود والأنفاق. ويجب أن يكون سبب التهدم راجعاً إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه.
وأساس مسؤولية حارس البناء هو الخطأ المفترض الذي يقبل إثبات العكس، ومن ثم يمكن للحارس أن يدفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أن تهدم البناء لم يكن راجعاً إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه. كما يمكن له أن ينفي المسؤولية عن نفسه بإثبات السبب الأجنبي.
ـ مسؤولية حارس الأشياء غير الحية: وتقوم هذه المسؤولية بتوافر شرطين، وهما:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة شيء تتطلب حراسته عناية خاصة أو حراسة آلة ميكانيكية؛ وهذا ما نصت عليه مثلاً المادة /179/من القانون المدني السوري والمادة /178/من القانون المدني المصري. وحارس الشيء هو من له السيطرة الفعلية عليه.
وهنا أيضاً يعد مالك الشيء، من حيث المبدأ، حارساً له. ولكنه يستطيع أن يثبت أن الحراسة انتقلت للغير بشكل قانوني أو غير قانوني وذلك بانتقال السيطرة الفعلية على الشيء له، كالمشتري والسارق.
ويشترط في الشيء أن تتطلب حراسته عناية خاصة كالمواد المتفجرة مثلاً.
الشرط الثاني: وقوع الضرر بفعل الشيء؛ ويقتضي ذلك أن يكون هناك تدخل إيجابي من الشيء ومن ثم لا يكفي التدخل السلبي للشيء لقيام مسؤولية حارس الأشياء غير الحية، فإذا اصطدم شخص بسيارة واقفة في مكان مسموح به قانوناً، وأصيب بضرر فلا ينسب الضرر إلى فعل الشيء ومن ثم لا تتحقق مسؤولية حارسه.
3ًـ التمييز بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية: تفترق المسؤولية العقدية عن المسؤولية التقصيرية في نقاط عدة، أهمها:
ـ لا تتحقق المسؤولية العقدية إلا بكمال الأهلية، في حين أنه يكفي التمييز لتحقق المسؤولية التقصيرية.
ـ يعد الأعذار ـ من حيث المبدأـ شرطاً لقيام المسؤولية العقدية دون المسؤولية التقصيرية.
ـ يجوز في المسؤولية العقدية الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو تخفيفها؛ في حين أنه لا يجوز مثل هذا الاتفاق في المسؤولية التقصيرية، ويعد باطلاً إذا وقع .
ـ يكون التعويض في المسؤولية العقدية ـ من حيث المبدأ ـ عن الضرر المباشر المتوقع؛ في حين أنه يشمل التعويض في المسؤولية التقصيرية الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع.
ـ تتقادم المسؤولية العقدية بخمس عشرة سنة؛ في حين أن المسؤولية التقصيرية تتقادم بثلاث سنوات أو بخمس عشرة سنة حسب الأحوال.
ـ إذا تعدد المسؤولون في المسؤولية العقدية فلا يفترض التضامن بينهم؛ في حين أنه إذا تعدد المسؤولون في المسؤولية التقصيرية، فيقوم التضامن بينهم بحكم القانون.
ثانياًـ المسؤولية الجزائية: هي الجزاء الذي يترتب على الشخص الذي أخل بقاعدة من قواعد قانون العقوبات أو أي نص جزائي خاص آخر.
أ ـ خصائص المسؤولية الجزائية: تختص المسؤولية الجزائية بالخصائص الآتية:
1ًـ لا تقوم المسؤولية الجزائية إلا إذا كان هناك ضرر أصاب المجتمع. ويترتب على ذلك أن الجزاء في المسؤولية هو عقوبة، وتطالب بها النيابة العامة بصفتها ممثلة عن المجتمع. ولا تمتلك النيابة النزول عن الدعوى أو الصلح فيه.
2ًًُـ تخضع المسؤولية الجزائية لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات والذي مفاده لا جريمة ولا عقوبة دون نص قانوني، وهو مبدأ دستوري.
3ًـ تعد النية ركناً في المسؤولية الجزائية، ولكن القانون لا يعاقب على محض النية.
ب ـ شروط المسؤولية الجزائية: لا تتحقق المسؤولية الجزائية إلا بتوافر شرطين، وهما:
1ًُـ الإدراك: ويقصد به الأهلية الجزائية. ويعني الإدراك أيضاً الفهم والتمييز. ولا يكون الإنسان مدركاً إلا إذا كان قادراً على فهم ماهية الفعل الذي قام به، وتقدير النتائج المترتبة عليه. ويترتب على ذلك أن الصغير غير المميز والمجنون والمعتوه ليسوا أهلاً للمسؤولية الجزائية. وكانت سن التمييز في المسؤولية الجزائية في القانون السوري سابقاً هي سبع سنوات. ولكن المشرع السوري تدخل في عام 2003 ورفع سن المسؤولية الجزائية إلى عشر سنوات.
2ًُـ حرية الاختيار: و تعني القدرة على توجيه السلوك نحو فعل معين أو امتناع عن فعل معين بمعزل عن مؤثرات خارجية من شانها أن تحرك الإرادة، وتوجهها دون رضاء صاحبها. ويترتب على ذلك أن الإكراه ينفي المسؤولية الجزائية، وكذلك الحال فيما يتعلق بحالة الضرورة.
ثالثاً ـ المسؤولية الإدارية: وهي مسؤولية الإدارة عن الأضرار التي تلحق بالغير. وهي على نوعين، وهما:
أ ـ المسؤولية الإدارية القائمة على أساس الخطأ: وتقوم على الأركان ذاتها التي تقوم عليها المسؤولية عن العمل الشخصي في القانون المدني، وهي: الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما. ولكن أصالة المسؤولية الإدارية هنا تعود إلى ركن الخطأ. حيث يميز الفقهاء بين الخطأ المرفقي (وهو خطأ الإدارة) والخطأ الشخصي (وهو خطأ الموظف). ولا تقوم المسؤولية الإدارية إلا إذا تعلق الأمر بخطأ مرفقي، والخطأ المرفقي هو الذي ينسب إلى الإدارة ذاتها، حتى إن كان الذي ارتكبه مادياً أحد الموظفين لديها مادام لا يعد خطأً شخصياً؛ لذلك قيل: أن الخطأ المرفقي هو «الخطأ الذي يرتكبه الموظف بقصد تحقيق غرض إداري».
ويبدو الخطأ المرفقي في الصور الآتية: سوء سير المرفق العام، عدم أداء المرفق العام[ر] الخدمة المتوجبة عليه والتأخر في أداء الخدمة.
ب ـ المسؤولية الإدارية القائمة على أساس المخاطر: وتعد هذه المسؤولية استثناء من القاعدة العامة التي تقيم المسؤولية على أساس الخطأ.
ولا تقوم هذه المسؤولية إلا إذا لحقت الأضرار الناجمة عن نشاط الإدارة بفرد معين بذاته أو بأفراد معينين بذاتهم. ويجب أن تكون هذه الأضرار على قدر كبير من الجسامة. ومن الأمثلة على ذلك مسؤولية الإدارة عن إصابات العمل، وكذلك مسؤوليتها عن أضرار الأشغال العامة، ومسؤولية الإدارة عن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية لاعتبارات تتعلق بالأمن العام.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً