تعريف جريمة الإرهاب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان :
فنّد تعريف جريمة الإرهاب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ، تتناول بالتحديد ، الموضوعين التاليين :
أولا :تعريـف جريمة الإرهاب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
أ- تعريف الإرهاب في القانون اللبناني المطبق بموجب النظام الأساسي.
عرفت المادة 314 من قانون العقوبات اللبناني الصادر عام 1943 ، الأعمال الإرهابية بما يلي :
” يعنى بالأعمال الإرهابية ، جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر ، وترتكب بوسائل ، كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية التي من شأنها أن تحدث خطرا عاما” .
وقد ورد في مشروع تعديل المادة 314 من قانون العقوبات اللبناني تعريف موسع في سرده للجرائم التي تدخل في بوتقة الإرهاب والأفعال الجرمية الإرهابية حيث ذكر المشروع:
يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام القانون : -استعمـال القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع تنفيذا لمشروع جرمي فردي أو جماعي ، يستهدف الإخلال بالنظام العام ، أو تعريض سلامة المجتمع أو أمنه للخطر أو دب الرعب بين الأهلين أو الاعتداء على حياتهم أو حرياتهم أكان أضرارا بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو النقل أو الأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة ، أو الإستيلاء عليها أو منع أوعرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم أو تطبيق الدستور أو القوانين والأنظمة .
– استعمال الأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو الحارقة والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شانها إحداث خطر عام بقصد إيجاد حالة ذعر أو هلع بين الناس .
وشرح أن الجريمة الإرهابية ترتكز إلى أكثر من قائم ، أهمها:
أ- استخدام وسائل عنيفة ، مخطط لها من قبل شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص .
ب -أن يكون هناك هدف معين للعمل الجرمي تمس بالنظام العام وتعرض أمن المجتمع وسلامته للأخطار .
ج- أن تنتج عن العمل الجرمي نتائج مؤذية تحددها المادة 314 .
– للمحكمة الخاصة صلاحية فرض عقوبات تصل إلى عقوبة السجن المؤبد مدى الحياة .
-نصت المادة 315 من قانون العقوبات على سلسلة عقوبات متعلقة بالأعمال الإرهابية وصولا في ذلك إلى عقوبة الإعدام إذا افضى الفعل الجرمي إلى موت إنسان أو هدم بناء فيه أشخاص .
-إن المادة السادسة من قانون 11/1/ 1958، جاءت لتشدد عقوبة الإرهاب ، حيث نصت على أن كل عمل إرهابي يستوجب الاشغال الشاقة المؤبدة ، وهو يستوجب الإعـدام إذا أودى إلى موت إنسان أو إذا نتج عنه التخريب ولو جزئيا في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى ، أو التعطيل في سبيل المخابرات والمواصلات والنقل ، وعاقبت المادة السابعة من القانون المذكور بالأشغال الشاقة المؤبدة ، من اقدم على مؤامرة بقصد ارتكاب الأفعال الإرهابية المذكورة .
واعتبر أن القانون اللبناني الأعمال الأرهابية ، جناية مشددة ، تستحق أقصى العقوبات نظرا لخطورتها وفداحة أضرارها .
وأشار إلى أن المادة 314 قد جاءت في إطار الفصل المتعلق بالجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي ويذهب الكثيرون إلى أن المشترع اللبناني قد ركز في تعريفه للإرهاب على الوسائل التي استعملت في القيام بالأعمال الإرهابية والأثر النفسي الذي تخلفه في شرائح واسعة من الناس وبما تحدثه من أخطار وأضرار .
ب – تعريف الإرهاب في القوانين العربية والدولية .
توصلا لتحديد تعريف الإرهاب ، بموجب النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان .
وعطفـا على التعريف المحدد بموجب القانوني اللبناني عموما والمشار اليه أعلاه .
وعطفا على العقوبات المحددة في قانون العقوبات اللبناني المطبق في العقوبات المفروضة بموجب النظامي الأساسي للمحكمة الدولية .
نستكمل جولة الأفق بالتطرق السريع إلى الإرهاب المحدد في أهم القوانين العربية والدولية .
– الإرهاب في القانون السوري وهو من أقدم التشريعات العربية والتي تناولت موضوع الأرهاب وأكثرها تطورا بين القوانين العربية مطابقا للقانون اللبناني ، وتضمن تعريفا شاملا للإرهاب تمثل في مادته ال 304 التي تنص على أن جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر ، وترتكب بوسائل ، كالأدوات المتفجرة والأسلحة الحربية والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة ، والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها أن تحدث خطرا عاما ويعتبر المشرع السوري أن الإرهاب جريمة شديدة الخطورة تصل عقوبتها إلى حدود إعدام مرتكبها .
-في القانون المصري : عرف هذا القانون الإرهاب في المادة 86 المضافة بالقانون رقم 97 سنة 1992 بما يلي : يقصد بالإرهاب في تطبيق هذا القانون ، كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع ، يلجأ إليه الجاني، تنفيذا لمشروع إجرامي فردي
أو جماعي ، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر ، إذا كان من شان ذلك ، إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم ، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر ، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الاتصالات أو بالمواصلات أو بالأموال أو المباني العامة الحاصلة أو الخاصة ، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها ، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لاعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح .
ويلاحظ أن القانون المصري قد أعطى للإرهاب تعريفا موسعا حيث ادخل إلى جانب الأعمال الإرهابية وجمعها مع بعض الجرائم التي لا تدخل في إطارها ، كإيذاء الأشخاص وتعريض حياتهم للخطر ، وهي بمفهومها الضيق ، جرائم عادية خاضعة للقوانين الجنائية ، كما يرى الدكتور مدحت رمضان ( جرائم الإرهاب في ضوء الحكام الموضوعية والإجرامية للقانون الجنائي الدولي والداخلي ) ان المشترع المصري لم يكن موفقا عندما حاول أن يضع تعريفا للإرهاب واختلق بعض الجرائم، انه قد اهتم بتجريم بعض الأفعال التي يرى أنها تمثل جرائم الإرهاب ، في حين أن بعض الأفعال تنظمها نصوص أخرى في قانون العقوبات.
وعليــه ، فقـد تطرقنا إلى بعض النماذج لتعريف الإرهاب في القوانين العربية متمثلة بشكل خاص في القوانين اللبنانية والسورية والمصرية مضيفين إليها ثلاث نماذج أخرى : في القانون الفرنسي وفي القانون الأميركي وفي القانون البريطاني ، توطئة للتطرق إلى تعريف الإرهاب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان .
في القانون الفرنسي : حددت المادة 421 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد الجرائم الإرهابية ذاكرا أنها تتشكل من :
أ- الاعتداء المقصود على حياة وسلامة الإنسان والاحتجاز وخطف الطائرات والسفن أو أية وسيلة نقل أخرى .
ب-السرقة والإبتزاز والتدمير والإتلاف ، بالإضافة إلى الجرائم المرتكبة في مجال المعلوماتية ، كما هي محددة في الكتاب الثالث من قانون العقوبات.
ج- الجرائم المتعلقة بالمجموعات المسلحة والحركات السياسية التي خلفها .
و-تصنيع أو حيازة الآلآت والأدوات القاتلة أو المتفجرات بالإضافة إلى الأسلحة الكيماوية والبيولوجية .
هـ – إخفاء ما ينتج عن الجرائم المذكور سابقا .
ويلاحظ أن المشترع الفرنسي لم يصدر قانونا خاصا متعلقا بالإرهاب ، بل جاءت معالجتـه للشـأن الإرهابـي فـي إطـار قانون العقوبات ، وحدد أفعالا جرمية وعينها بالتخصيص ، وأخضعها لقواعد شديدة وقاسية إذا كانت ذات علاقة بجرم إرهابي ،وبهدف الإخلال بالنظام العام وبهدف إحداث الذعر .
وبذلك يكون القانون الفرنسي الصادر عام 1996 الغى إيراد تعريف للأعمال الارهابية واكتفى بالنص على عدد من الجرائم .
في قانون الولايات المتحدة الأميركية .
يربط قانون الولايات المتحدة الإرهاب بالإفراد فحسب ، ويعرف الإرهاب بأنه نشاط موجه ضد شخص من أشخاص الولايات المتحدة يمارس من قبل فرد ليس من مواطني الولايات المتحدة أو من الأجانب المقيمين فيها بصورة دائمة ، وقد عرفت وزارة العدل الأميركية الإرهاب بانيه سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح ، التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف.
وعرفه مكتب التحقيقات الفدرالي بأنه عمل عنيف أو عمل يشكل خطرا على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دولة .
ولم يعتبر المشرع الأميركي الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة حتى صدور قانون عام 1996 وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ، وكان هناك تركيز خاص من قبله على مكافحة تمويل الإرهاب .
في القانون البريطاني :
عام 1996 ، صدرت جملة من القوانين المتعلقة بالإرهاب وهي : – قانون منع الإرهاب الصادر عام 1989 – قانون ايرلندا الشمالية الصادر عام 1996 – الأقسام 1-ع من قانون العدل الجنائي الصادر عام 1998
وقد توضحت من هذه القوانين جملة من المستجدات على هذا النطاق ، وبات الإرهاب أكثر شمولا حيث تضمن الأعمال الإرهابية ذات الباعث السياسي والايديولوجي والديني .
خلاصــــة :
يتبين مما تقدم أن تعريف الارهاب على مستوياته كافة أن أعمال الإرهاب المحلية والإقليمية والدولية ، قد عجز الفقهاء والمشرعون عن إيجاد تعريف موحد
وثابت لها ، وتعريف الإرهاب انما هو مرتبط بكل دولة أو بمجموعات من الدول ذات الظروف والأوضاع السياسية والأمنية والايديولوجية الواحدة ، من هنا الفروقات الشاسعة مثلا ما بين التعريفات والقوانين ذات العلاقة بالإرهاب في الولايات المتحدة الأميركية وبين معظم بلدان العالم ، حيث ذاق كل منها مرّ الإرهاب من خلال ظروفه وتوجهاته وممارساته السياسية سواء الهادف منها إلى مد شباكه وهيمنته على العالم بأسره ( الولايات المتحدة الأميركية ) وتصدي الجهات المتضررة له بوسائل العنف بعد أن ضاقت بها سبل المواجهة التقليدية ، أو الدول ذات المشاكل الداخلية المستفحلة كما هو الشأن في بريطانيا والمواجهات ما بينها وبين دعاة الانفصال أو الحكم الذاتي ،
فضلا عن المواجهات الإرهابية التي وصلت إليها نتيجة لسياساتها الخارجية وكذلك الأمر بالنسبة لاسبانيا ، والأمر نفسه بالنسبة لايطاليا وصراعاتها المافياوية ، مرورا بكثير من الدول التي يطاولها الإرهاب لسبب أو لآخر ، وصولا في ذلك إلى ما تلا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما نشهده منذ الحرب من أعمال إرهابية ، بعضها يمكن استثناؤه على أساس انه من أعمال المقاومة المشروعة للإحتلال ومنها ما هو ذو طابع إرهابي خالص ، يتخذ أشكالا ايديولوجية متطرفة وبعيدة عن كل منطق إنساني وديني ليضر بها جموعا من المواطنين الأبرياء والعزل .
وفـي مطلق الأحوال ، يجب ألا نغفل أن هناك بعض التوافقات التي تتضمنها معظم القوانين المتعلقة بالإرهاب في العالم ، وهي تتجلى في جملة من النقاط الجامعة ، أهمها : أ- أن الإرهاب يتسلح بالعنف ويمارسه- ب) انه يؤدي إلى خلق حالات من الذعر والخوف بين قطاعات واسعة من الناس – ج) وان أهدافه عموما ذات طابع مطلبي وسياسي مغلف بالايديولوجيا والدين.
وعليه ، ” …. كون الإرهاب هو مفهوم قانوني ذو بعد سياسي ، فإن هذا الأمر قد انعكس في مسألتين كانتا سببا في عدم التوصل إلى نتائج حقيقية بصدد إيجاد معالجة شاملة جامعة للقضاء على الإرهاب ، تمثلت الأولى في عدم تناسق الآراء الدولية بشأن تعريف موحد ، يعكس حقيقة المفهوم في ظل الوضع الدولي الحالي ، وصولا إلى وضع اتفاقية شاملة لمكافحة الإرهاب .
وعليه ، ومن منطلق التطرق إلى تعريف الإرهاب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ، ومن العودة إلى تفاصيل النظام الأساسي والى تقرير الأميـن العـام للأمم المتحدة بصدد إنشاء تلك المحكمة تحمل وثائقها وأوراقها والى تفرد هـذه المحكمـة بجملة من المستجدات والخصوصيات الناتجة عن ظروف الجريمة ( الجرائم ) التي أدت إلى إنشائها وإلى خلفياتها وأوضاع لبنان الخاصة والمعقدة والحافلة بعوامل مختلفة لعلها غير متوفرة في أي من بلدان العالم الأخرى، الأمر الذي أدى إلى محكمة قضائية دولية ذات أسس بعضها قديم ومعروف وبعضها جديد ومتطور في إطاراته وفي السند القانوني الذي قامت المحكمة عليه.
تعريف الإرهاب بموجب النظام الأساسي للمحكمة
تطرقنا في بداية هذا البحث إلى خضوع العقوبات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية إلى قانون العقوبات اللبناني ، وفصلنا إلى الحدود المرتبطة بالمحكمة الدولية ، تفاصيـل الإرتباط الذي أعطى للمحكمة ( فضلا عن بعض المبادئ والأوضاع الأخرى ) صفـة من التمازج ما بين القانون الدولي عموما ، بشقيه المدني والعرفي ،
والقانون اللبناني على نحو ما تم تفصيله في النظام الأساسي للمحكمة وما تناولناه في هذا البحث . كما تطرقنا إلى مفهوم الإرهاب عموما ، وبصورة خاصة تلك المفاهيم المطبقة في عدد من القوانين العربية والدولية ، واستنتجنا جملة من المفاهيم التي سنحاول استخلاصها وإدراج زبدتها في محاولتنا لتعريف الإرهاب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الدولية .وعليه ، : ” إن المحكمة الخاصة بلبنان المنشأة بموجب اتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية والمؤرخ في 29 آذار مارس 2006 والذي استجاب فيه المجلس لقرار مجلس الأمن 1664 لطلب الحكومة اللبنانية ، إنشاء محكمة ذات طابع دولي ، لمحاكمة جميع من تثبـت مسؤوليتهم عـن الجريمة الإرهابية التي أودت بحياة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وآخرين ، سوف تمارس عليها وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي .
مـا هي أهم مـعالم التعريف المتعلق بما ورد بشأنه في النظام الأساسي للمحكمـة الخاصـة بلبنـان ؟
ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المؤرخ في 15 نوفمبر تشرين الثاني 2006 في مقدمة البيان المذكور ، وفي الفقرة 6 من القرار رقم 1644/2005 توصيف للجريمة المرتكبة بحق رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين ، بأنها تفجير وعمل إرهابي ، وأن المحكمة التي ستنظر فيها هي ذات طابع دولي ، وورد توصيف العمل الإرهابي والصفة الدولية للمحكمة في أكثر من تعريف في فقرات النظام الأساسي وتقرير الأمين العام.
وشدد التقرير على أن الأمم المتحدة جاهدة عند تحديد الاختصاص الزمني لأية محكمة تابعة لها ، إلى وجوب ظهور المحكمة الخاصة بمظهر الإنصاف والنزاهة والموضوعية ، والى أن التغاضي عن النظر في اكثر من عشر هجمات أخرى ذات صلة إلى إثارة شكوك جدية حول موضوعية المحكمة ونزاهتها ، والى تجنب خلق انطباع بانتهاج عدالة انتقائية .
وأوضح تقرير الأمين العام ، انه لا توجد حجج كافية لإدراج الجرائم ضد الإنسانية ضمن موضوع اختصاص المحكمة ، ولهذا اقتصر تعريف الجرائم على الجرائم العامة ضمن قانون العقوبات اللبنانية . وعليه ، ومن هذه المنطلقات ، فان هذه الجريمة هي :
– جريمة إرهابية : ومن المعروف أن الفعل الإرهابي يكون إما داخليا محصور ضمن نطاق دولة ما ، أو دوليا يطاول المجتمعات الدولية ، من خلال دولة أو أكثر ، أو من خلال أفراد أو من خلال مجموعات سياسية .
-إن الجريمة المرتكبة تدخل في وجه من وجوهها في إطار الإرهاب الداخلي الذي تقوم به جماعات ذات أهداف محددة ومحدودة داخل نطاق الدولة نفسها وتستهدف إما تغيير النظام أو إحداث تحولات أساسية فيه ، وتقتصر أضرارها داخل الدولة نفسها، حيث تتحدد مسؤولية فاعلها وفقا للقوانين والإجراءات الداخلية . إلى هنا تكون هذه الجريمة جريمة داخلية بكل ما تمثلت به من كيان مادي ملموس ، حيث لا جريمة دون ركن مادي ، وحيث أن الركن المادي فيها يتألف من أفعال تؤدي بما استعملت فيها من وسائل خطرة بطبيعتها إلى إشاعة الرعب أو إلى خلق الشعور بترقب مخاطر بفعل ما أشاعته ، وبالظرف الذي استعملت فيه تلك الوسائل ( د. عاطف النقيب – محاضرات في قانون العقوبات اللبناني ص 62 ) ، ولم تحدد التشريعات الداخلية للدول الأعمـال الإرهابية على سبيل الحصر ، بل سردت نماذج منها ، ومن بين تلك القوانين ، قانون العقوبات اللبناني .
وهذه الجريمة تصبح جريمة دولية في حال تعدت الإطار الداخلي متجاوزة حدود الدولة التي وقع فيها العمل الإرهابي، والإرهاب الدولي هو الإرهاب الذي تتوافر له الصفة الدولية في أحد عناصره ومكوناته .
وإذا كان لهذه الجريمة ركن منادي متمثل بتجسيدها بشكل ملموس معين فإن ركنها المعنوي ، هو عبارة عن القصد الجرمي ، فهذه الجرائم هي من الجرائم المقصودة نظرا لطابعها القانوني ، حيث لا يمكن أن ترتكب الأعمال الإرهابية عن طريق الخطأ .
مما تقدم يستنتح أن جريمة اغتيال الرئيس الحريري وما تلاها من جرائم ، فيها من الطابع الداخلي الكثير من المعالم ، حتى إذا ما اتضح لاحقا من خلال التحقيقات التي أجريت من قبل المحققين الدوليين ، أن لها تشعبات دولية لجهة إمكانية أن يكون هناك مشاركون خارجيون فيها ، واستهدافات تتجاوز النطاق الداخلي إلى الخارج ، وتعلق تلك الجريمة أهداف لها علاقة بأحداث المنطقة والخارج عموما .
أما من حيث أشكال الإرهاب ، فالشكل الإرهابي إما أن يكون إرهابا من قبل الأفراد أو المنظمات وأما إرهاب دولة ، أو أن يقوم أفراد بأعمال إرهابية مدعومين من قبل دولة ما .
أما إرهاب الأفراد ، فهو كما يطلقون عليه إرهاب الضعفاء ، في الوقت الذي يطلق فيه على إرهاب الدولة ، إرهاب الأقوياء . فإذا ما اقتصرت العمليات الإرهابية التي أودت بحياة الرئيس الحريري ورفاقه على عدد من الأفراد أو المنظمات ، كان الأمر إرهابا فرديا ، وإذا ما كانت هناك مساهمات من دول أخرى أو منظمات وهيئات منتمية إلى دولة أخرى ، كنا بصدد إرهاب دولة ، ولتصنيف جرائم اغتيال الرئيس الحريري وآخرين ، وطالما أن القضاء لم يعط رأيه بعد في هذه الجرائم عقب سلسلة التحقيقات التي أجراها ، سواء بالنسبة للقرار الإتهامي أم بالنسبة للمراحل اللاحقة التي سيتم استقراء الوقائع والحقائق من خلالها ، فإنه سيكون من الصعب إعطاء التحديدات والتعريفات بمثل هذه التفاصيل التي نرجو أن تصل إلى العلم العام في قريب عاجل .
الحيدة والنزاهة والشفافية
وأكد أن نظام المحكمة الأساسي ينص على ضمانات منها إجراءات دقيقة وشفافة في تعيين الموظفين والقضاة والمدعى العام ، وتعيين قضاة لبنانيين ودوليين إلى آخر ما هناك من هيكلية إدارية وقضائية تراعي إلى أقصى قدر ممكن الظهور الواضح بمظهر الإنصاف والنزاهة والموضوعية والي تجنب خلق انطباع بوجود عدالة انتقائية ، ويركز معارضو إنشاء المحكمة الدولية عن أنها محكمة مسيسة تتصرف بوحي من خارجها ، وتسرب التقارير والمعلومات الأمر الذي يدل على اختراقات تطاولها ، ويستند هؤلاء بشكل خاص على معلومات نشرت في بعض الصحف العالمية حددت أن الاتهام يطاول حزب الله اللبناني بعد أن سبق وطاول السلطات والمراجع السورية ، فإذا بهذا الإعلام يبرئ السوريين ويحصر الاتهام بما قالتها الصحف ، كل ذلك في الوقت الذي لم يصدر فيه القرار الاتهامي حتى الآن ، ولم يصدر أي قول أو تصريح رسمي عن المحكمة يشير إلى الجهة الفاعلة ، وفي الوقت الذي نشرت تصريحات متناقضة ، حاصرة الإتهام بحزب الله لتعود وتوسعه بحيث يعود الأمر الإتهامي أيضا إلى الجهات السورية والإيرانية .
وختم بالقول: “هذا منهج لا علاقة له بالرصانة القانونية على الإطلاق ، إذ أن المنطق يذهب إلى وجوب أن تكون المعلومات المتعلقة بالمحكمة صادرة عن مراجعها المسؤولة وفقا لما ذكرنا أعلاه وإلا ، عرضنا العمل القضائي الجدي القائم إلي حملة من الإهتزازات التي ستلقى بعضا من الاضطراب في أجواء المحكمة ، إلا أنها لم تفلح في مس أساسها ودعاماتها وثباتها ، خاصة وأنها محكمة أنشأتها سلطة مجلس الأمن ، ويمكن ان يطالها مكروه في قيامها واستمراريتها وبقائها الا في حالة وحيدة ، يقتضي فيها أن يصدر مجلس الأمن قرارا يتناول المحكمة بما يشاء من تعديل وتحوير وإلغاء ذا شاء ، فهو وحده صاحب الصلاحية في ذلك ، وما هو دون هذا الموقع ، سيبقى خارج الأطر العملية والمنطقية والقانونية”.
اترك تعليقاً