تعريف قانوني للقتل في الشريعة الإسلامية
المستشار شريف النجار
القتل في اللّغة :
فعل يحصل به زهوق الرّوح يقال : قتله قتلاً : أزهق روحه ، والرّجل قتيل والمرأة قتيل إذا كان وصفاً ، فإذا حذف الموصوف جعل اسماً ودخلت الهاء نحو : رأيت قتيلة بني فلان . وفي لسان العرب نقلاً عن التّهذيب يقال : قتله بضرب أو حجر أو سمّ : أماته .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ ، قال البابرتيّ : إنّ القتل فعل من العباد تزول به الحياة .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ – الجَرْح :
الجَرح بالفتح مصدر جرح يجرح جرحاً : أثر بالسّلاح ونحوه .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ .
والجرح قد يكون سبباً من أسباب القتل .
ب – الضّرب :
من معاني الضّرب : الإصابة باليد أو السّوط أو السّيف أو بغير ذلك .
والضّرب قد يكون سبباً من أسباب القتل .
الحكم التّكليفيّ :
تجري على قتل الآدميّ الأحكام التّكليفيّة الخمسة :
فيكون القتل حراماً كقتل النّفس المعصومة بغير حقّ ظلماً .
ويكون واجباً كقتل المرتدّ إذا لم يتب بعد الاستتابة ، والزّاني المحصن بعد ثبوت الزّنا عليه شرعاً .
ويكون مكروهاً كقتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسمعه يسبّ اللّه أو رسوله .
ويكون مندوباً كقتل الغازي قريبه الكافر إذا سبّ اللّه أو رسوله .
ويكون مباحاً : كقتل الإمام الأسير فإنّه مخيّر فيه .
قتل النّفس المعصومة بغير حقّ :
قتل النّفس الّتي حرّم اللّه قتلها من أكبر الكبائر بعد الكفر باللّه ، لأنّه اعتداء على صنع اللّه ، واعتداء على الجماعة والمجتمع ، قال اللّه تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } وقال تعالى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } .
وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « اجتنبوا السّبع الموبقات ، قيل : وما هنّ يا رسول اللّه ؟ قال : الشّرك باللّه ، والسّحر ، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ، وأكل الرّبا ، وأكل مال اليتيم ، والتّولّي يوم الزّحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات » .
القتل المشروع :
القتل المشروع هو ما كان مأذوناً فيه من الشّارع ، وهو القتل بحقّ ، كقتل الحربيّ والمرتدّ والزّاني المحصن وقاطع الطّريق ، والقتل قصاصاً ، ومن شهر على المسلمين سيفاً ، كالباغي ، وهذا الإذن من الشّارع للإمام لا للأفراد ، لأنّه من الأمور المنوطة بالإمام ، لتصان محارم اللّه عن الانتهاك ، وتحفظ حقوق العباد ، ويحفظ الدّين ، وفي الحديث : « لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّي رسول اللّه إلاّ بإحدى ثلاث : النّفس بالنّفس ، والثّيّب الزّاني ، المفارق لدينه التّارك للجماعة » ، وروي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « من شهر سيفه ثمّ وضعه فدمه هدر » .
أقسام القتل :
يرى جمهور الفقهاء أنّ قتل النّفس بحسب القصد وعدمه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أ – قتل عمد .
ب – قتل شبه عمد .
ج – قتل خطأ .
ويزيد الحنفيّة على ذلك ما أجري مجرى الخطأ ، والقتل بسبب .
ويعتبر بعض فقهاء الحنابلة ما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب قسماً واحداً ، فالقتل عند بعض الحنابلة أربعة أقسام .
أمّا المالكيّة فالقتل عندهم نوعان : عمد وخطأ .
قتل غير الآدميّ :
يجري في قتل غير الآدميّ الأحكام التّكليفيّة الخمسة :
فقد يحرم كقتل الصّيد البرّيّ من المحرم ، ولقد اتّفق الفقهاء على أنّ قتل الصّيد البرّيّ حرام على المحرم في الحلّ والحرم ، لقوله تعالى : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } .
كما ذهب جمهورهم إلى حرمة قتل صيد الحرم من المحرم والمحلّ ، إلاّ ما استثني منها ، لقولـه صلى الله عليه وسلم : « هذا البلد حرام بحرمة اللّه ، لا يعضد شجره ، ولا ينفّر صيده » .
وقد يستحبّ كقتل الفواسق الخمس في الحلّ والحرم ، وهي : الحدأة ، والغراب الأبقع ، والعقرب ، والكلب العقور ، والحيّة ، لخبر عائشة رضي الله عنها قالت : « أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحلّ والحرم : الفأرة ، والعقرب ، والغراب ، والحديّا ، والكلب العقور » وكذا كلّ سبع ضار ، كالأسد ، والنّمر .
وقد يكره كقتل ما لا تظهر منه منفعة ولا مضرّة ، كالقرد ، والهدهد ، والخطّاف ، والضّفدع ، والخنفساء
وقد يكون جائزاً ، كقتل الهوامّ للمحرم والحلال ، كالبرغوث ، والبعوض والذّباب وجميع هوامّ الأرض ، لأنّها ليست صيداً بالنّسبة للمحرم .
وقد يكون واجباً كقتل الحيوان الصّائل الّذي يهدّد حياة الإنسان .
قَتْل بسبب
التّعريف :
القتل بسبب مركّب من كلمتين ، هما : القتل والسّبب .
وينظر تعريف كلّ واحد منهما في مصطلحه .
والقتل بسبب عند الحنفيّة هو القتل نتيجة فعل لا يؤدّي مباشرةً إلى قتل ، كحفر البئر ، أو وضع الحجر في غير ملكه ، وأمثالهما ، فيعطب به إنسان ويقتل .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ – القتل العمد :
القتل العمد هو قصد الفعل والشّخص بما يقتل قطعاً أو غالباً .
والعلاقة بينهما أنّ القتل العمد يكون بفعل مباشر يقتل غالباً ، والقتل بسبب يكون بفعل غير مباشر .
ب – القتل شبه العمد :
القتل شبه العمد هو قصد الفعل والشّخص بما لا يقتل غالباً .
والعلاقة أنّ القتل شبه العمد يكون بفعل مباشر لا يقتل غالباً .
والقتل بسبب يكون بفعل غير مباشر .
ج – القتل الخطأ :
هو ما وقع دون قصد الفعل والشّخص ، أو دون قصد أحدهما .
والصّلة أنّ القتل الخطأ يقع نتيجة فعل مباشر ، بخلاف القتل بسبب .
حالات القتل بسبب :
قسّم الفقهاء القتل أقساماً اختلفوا فيها ، وممّا اختلفوا فيه القتل بسبب ، فاعتبره الحنفيّة قسماً مستقلاً من أقسام القتل الخمسة عندهم ، لكنّ جمهور الفقهاء لم يجعلوه قسماً مستقلاً وإنّما أوردوا أحكامه في الأقسام الأخرى ومن ذلك الحالات التّالية:
أ – الإكراه :
القتل بسبب الإكراه أن يكره رجلاً على قتل آخر فيقتله .
ب – الشّهادة بالقتل :
إذا شهد رجلان على رجل بما يوجب قتله ، فقتل بشهادتهما ، ثمّ رجعا ، واعترفا بتعمّد الكذب وبعلمهما بأنّ ما شهدا به يقتل به المشهود عليه ، فعليهما القصاص عند الشّافعيّة والحنابلة وأشهب من المالكيّة ، لما روى القاسم بن عبد الرّحمن : أنّ رجلين شهدا عند عليّ كرّم اللّه وجهه على رجل أنّه سرق ، فقطعه ، ثمّ رجعا في شهادتهما ، فقال عليّ : لو أعلم أنّكما تعمّدتما لقطعت أيديكما ، وغرّمهما دية يده .
ولأنّ الشّاهدين على الرّجل بما يوجب قتله توصّلا إلى قتله بسبب يقتل غالباً ، فوجب عليهما القصاص كالمكره .
وعند الحنفيّة والمالكيّة غير أشهب لا قصاص عليهما بل عليهما الدّية ، لأنّه تسبّب غير ملجئ ، فلا يوجب القصاص ، كحفر البئر .
ج – حكم الحاكم بقتل رجل :
إذا حكم الحاكم على شخص بالقتل بناءً على شهادة شاهدين واعترف بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل دون الوليّ ، فالقصاص على الحاكم .
ولو أنّ الوليّ الّذي باشر قتله أقرّ بعلمه بكذب الشّهود وتعمّد قتله فعليه القصاص .
د – حفر البئر ووضع الحجر :
من صور القتل بسبب حفر البئر ونصب حجر أو سكّين تعدّياً في ملك غيره بلا إذن ، فإذا لم يقصد به الجناية وأدّى إلى قتل إنسان ، فذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه قتل خطأ وموجبه الدّية .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه قتل بسبب وموجبه الدّية على العاقلة ، لأنّه سبب التّلف ، وهو متعدّ فيه ، ولا كفّارة فيه ، ولا يتعلّق به حرمان الميراث ، لأنّ القتل معدوم منه حقيقةً ، فألحق به في حقّ الضّمان ، فبقي في حقّ غيره على الأصل ، وهو إن كان يأثم بالحفر في غير ملكه لا يأثم بالموت .
أمّا إذا قصد الجناية فذهب المالكيّة إلى أنّه إذا قصد هلاك شخص معيّن ، وهلك فعلاً ، فعلى الفاعل القصاص ، وإن هلك غير المعيّن ففيه الدّية .
وعند الحنابلة هو شبه عمد ، وموجبه الدّية ، وقد يقوى فيلحق بالعمد ، كما في الإكراه والشّهادة .
وذهب الشّافعيّة إلى اعتبار حفر البئر شرطاً ، لأنّه لا يؤثّر في الهلاك ولا يحصّله ، بل يحصل التّلف عنده بغيره ، ويتوقّف تأثير ذلك الغير عليه ، فإنّ الحفر لا يؤثّر في التّلف ، ولا يحصّله وإنّما يؤثّر التّخطّي في صوب الحفرة ، والمحصّل للتّلف التّردّي فيها ومصادمتها ، لكن لولا الحفر لما حصل التّلف ولا قصاص فيه .
قتل خطأ
التّعريف :
القتل الخطأ مركّب من كلمتين هما : قتل ، وخطأ ، وقد سبق تعريف كلّ منهما في مصطلحه .
والقتل الخطأ عند الفقهاء هو ما وقع دون قصد الفعل والشّخص ، أو دون قصد أحدهما .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ – القتل العمد :
القتل العمد هو قصد الفعل والشّخص بما يقتل قطعاً أو غالباً .
والفرق أنّ العمد يتوفّر فيه قصد الفعل والشّخص ، بخلاف الخطأ .
ب – الجناية :
الجناية في اللّغة : الذّنب والجرم ، وشرعاً : اسم لفعل محرّم حلّ بمال أو نفس . فالجناية أعمّ من القتل الخطأ .
ج – الإجهاض :
يطلق الإجهاض في اللّغة على صورتين : إلقاء الحمل ناقص الخلق ، أو ناقص المدّة سواء من المرأة أو غيرها .
والإطلاق اللّغويّ يصدق على ذلك ، سواء أكان الإلقاء بفعل فاعل أم تلقائيّاً .
ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة ” إجهاض ” عن هذا المعنى ، وكثيراً ما يعبّرون عن الإجهاض بمرادفاته : كالإسقاط والإلقاء والطّرح والإملاص .
والعلاقة أنّ الإجهاض جناية على الحمل وهو غير متيقّن الوجود والحياة ، وأمّا القتل الخطأ فجناية على متيقّن الوجود والحياة .
د – القتل شبه العمد :
القتل شبه العمد هو قصد الفعل والشّخص بما لا يقتل غالباً .
والعلاقة أنّ القتل شبه العمد فيه قصد بما لا يقتل غالباً ، بخلاف القتل الخطأ .
هـ – القتل بسبب :
القتل بسبب هو القتل نتيجة فعل لا يؤدّي مباشرةً إلى قتل .
والصّلة أنّ القتل الخطأ بفعل مباشر ، والقتل بسبب بفعل غير مباشر .
أقسام القتل الخطأ :
قسّم الحنفيّة القتل الخطأ إلى قسمين : الخطأ في الفعل ، والخطأ في القصد ، وذلك لأنّ الرّمي إلى شيء مثلاً يشتمل على فعل الجارحة وهو الرّمي وفعل القلب وهو القصد فإن اتّصل الخطأ بالأوّل فهو الخطأ في الفعل ، وإن اتّصل بالثّاني فهو الخطأ في القصد .
وذهب المالكيّة إلى أنّ القتل الخطأ على أوجه :
الأوّل : أن لا يقصد ضرباً ، كرميه شيئاً أو حربيّاً فيصيب مسلماً ، فهذا خطأ بإجماع . الثّاني : أن يقصد الضّرب على وجه اللّعب ، فهو خطأ على قول ابن القاسم وروايته في المدوّنة ، خلافاً لمطرّف وابن الماجشون .
وقال الشّافعيّة : الخطأ نوعان :
الأوّل : أن لا يقصد أصل الفعل .
والثّاني : أن يقصده دون الشّخص .
وقال الحنابلة : الخطأ على ضربين :
أحدهما : أن يرمي الصّيد أو يفعل ما يجوز له فعله فيئول إلى إتلاف حرّ مسلماً كان أو كافراً .
والضّرب الثّاني : أن يقتل في بلاد الرّوم من عنده أنّه كافر ويكون قد أسلم وكتم إسلامه إلى أن يقدر على التّخلّص إلى أرض الإسلام .
ما يترتّب على القتل الخطأ :
يترتّب على القتل الخطأ ما يلي :
أ – وجوب الدّية والكفّارة :
اتّفق الفقهاء على أنّ من قتل مؤمناً خطأً فعليه الدّية والكفّارة ، لقوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } .
ويجري هذا الحكم على الكافر المعاهد لقوله تعالى : { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً } .
قال الماورديّ : قدّم في قتل المسلم الكفّارة على الدّية وفي الكافر الدّية ، لأنّ المسلم يرى تقديم حقّ اللّه تعالى على نفسه والكافر يرى تقديم حقّ نفسه على حقّ اللّه تعالى .
كما اتّفقوا على عدم وجوب شيء في قتل كافر لا عهد له .
ب – وجوب الكفّارة فقط :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المؤمن الّذي يقتل في بلاد الكفّار أو في حروبهم على أنّه من الكفّار فعلى قاتله الكفّارة فقط لقوله تعالى : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } .
قال ابن قدامة : لا يوجب قصاصاً لأنّه لم يقصد قتل مسلم ، فأشبه ما لو ظنّه صيداً فبان آدميّاً ، إلاّ أنّ هذا لا تجب فيه دية إنّما تجب الكفّارة ، روي هذا عن ابن عبّاس رضي الله عنهما وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة والأوزاعيّ والثّوريّ وأبو ثور .
وفي قول عند المالكيّة ورواية عن أحمد أنّ فيه الدّية والكفّارة ، لقوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } .
وقال الشّافعيّة : إذا قتل إنساناً يظنّه على حال فكان بخلافه كما إذا قتل مسلماً ظنّ كفره ، لأنّه رآه يعظّم آلهتهم ، أو كان عليه زيّ الكفّار في دار الحرب ، لا قصاص عليه جزماً للعذر الظّاهر ، وكذا لا دية في الأظهر لأنّه أسقط حرمة نفسه بمقامه في دار الحرب الّتي هي دار الإباحة ، ومقابل الأظهر تجب الدّية لأنّها تثبت مع الشّبهة .
أمّا الكفّارة فتجب جزماً لقوله تعالى : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } .
ج – الحرمان من الميراث :
ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ القتل الخطأ سبب من أسباب الحرمان من الميراث ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « القاتل لا يرث » ، ولأنّ القتل قطع الموالاة وهي سبب الإرث .
وذهب المالكيّة إلى أنّ من قتل مورّثه خطأً فإنّه يرث من المال ولا يرث من الدّية .
وذهب الحنابلة إلى أنّ القتل المضمون بقصاص أو دية أو كفّارة لا إرث فيه فإن كان غير مضمون ، كمن قصد مولّيه ممّا له فعله من سقي دواء أو ربط جراحة فمات فيرثه ، لأنّه ترتّب عن فعل مأذون فيه ، وهذا ما ذهب إليه الموفّق .
قال البهوتيّ : ولعلّه أصوب لموافقته للقواعد .
د – الحرمان من الوصيّة :
اختلف الفقهاء في جواز الوصيّة للقاتل ، ولا فرق بين القتل العمد والخطأ في هذا . فذهب الشّافعيّة في الأظهر ، وابن حامد من الحنابلة إلى جواز الوصيّة للقاتل ، وبه قال أبو ثور وابن المنذر أيضاً لأنّ الهبة له تصحّ ، فصحّت الوصيّة له كالذّمّيّ .
ويرى الحنفيّة وأبو بكر من الحنابلة عدم جواز الوصيّة له ، لأنّ القتل يمنع الميراث الّذي هو آكد من الوصيّة ، فالوصيّة أولى ، ولأنّ الوصيّة أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه ، وبه قال الثّوريّ أيضاً .
وفرّق أبو الخطّاب من الحنابلة بين الوصيّة بعد الجرح ، والوصيّة قبله ، فقال : إن وصّى له بعد جرحه صحّ ، وإن وصّى له قبله ثمّ طرأ القتل على الوصيّة أبطلها ، وهو قول الحسن بن صالح أيضاً وهو المذهب .
قال ابن قدامة : هذا قول حسن ، لأنّ الوصيّة بعد الجرح صدرت من أهلها في محلّها ، ولم يطرأ عليه ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدّمت ، فإنّ القتل طرأ عليها فأبطلها ، لأنّه يبطل ما هو آكد منها .
وقال المالكيّة إن علم الموصي بأنّ الموصى له هو الّذي ضربه عمداً أو خطأً صحّ الإيصاء منه ، وتكون الوصيّة في الخطأ في المال والدّية ، وفي العمد في المال فقط ، فإن لم يعلم الموصي فتأويلان في صحّة إيصائه وعدمها .
أنواع القتل الّتي حكمها حكم الخطأ :
أ – عمد الصّبيّ والمجنون والمعتوه :
جمهور الفقهاء على أنّ عمد الصّبيّ والمجنون والمعتوه كالخطأ في وجوب الدّية على العاقلة ولا قصاص فيه ، لأنّهم ليسوا من أهل القصد الصّحيح .
والأصل في هذا قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « رفع القلم عن ثلاثة : عن النّائم حتّى يستيقظ ، وعن الصّبيّ حتّى يكبر ، وعن المجنون حتّى يعقل أو يفيق » .
ولأنّ القصاص عقوبة مغلّظة ، فلم تجب على الصّبيّ وزائل العقل كالحدود ، ولأنّهم ليس لهم قصد صحيح ، فهم كالقاتل خطأً .
وفرّق الشّافعيّة بين الصّبيّ المميّز وغير المميّز فقالوا : إنّ عمد الصّبيّ المميّز عمد في الأظهر أمّا الصّبيّ غير المميّز فعمده خطأ باتّفاقهم ، وأضافوا أنّ الصّبيّ مميّزاً كان أو غير مميّز لا قصاص عليه في القتل العمد ، ولكنّ الأمر يختلف في الدّية فهي على العاقلة في الخطأ ، وفي ماله إن اعتبر عمده عمداً .
ب – ما أجري مجرى الخطأ :
ذكر الحنفيّة ومن معهم من الحنابلة قسماً آخر للقتل سمّوه ما أجري مجرى الخطأ ، ويعتبر القتل الجاري مجرى الخطأ كالخطأ في الحكم ، فمثل النّائم ينقلب على رجل فيقتله يكون حكمه حكم الخطأ في الشّرع ، ولكنّه دون الخطأ حقيقةً ، لأنّ النّائم ليس من أهل القصد أصلاً ، فلا يوصف فعله بالعمد ولا بالخطأ ، إلاّ أنّه في حكم الخطأ لحصول الموت بفعله كالخاطئ .
وتجب فيه الكفّارة لترك التّحرّز عن نومه في موضع يتوهّم أن يصير قاتلاً ، والكفّارة في قتل الخطأ إنّما تجب لترك التّحرّز ، وحرمان الميراث لمباشرته القتل ، لأنّه يتوهّم أن يكون متناوماً ، ولم يكن نائماً ، قصداً منه إلى استعجال الإرث ، أمّا الّذي سقط من سطح فوقع على إنسان فقتله ، فمثل النّائم ينقلب على رجل فيقتله ، لكونه قتلاً للمعصوم من غير قصد فكان جارياً مجرى الخطأ .
وألحق المالكيّة والشّافعيّة وأكثر الحنابلة هذه الصّور بالقتل الخطأ .
اترك تعليقاً