المــوطــن في القانون الدولي الخاص الإنكليزي :
يعرف الانكليز الموطن بأنه “القطر الذي يعتبره القانون الإنكليزي مقره الدائم” والقانون الإنكليزي هو الذي وضع مبدأ الموطن وهو المحل الذي اتخذه الفرد وطنا دائما له (وكلمة وطن) لها معنى خاص بالإنكليزية فهي مرتبطة بالأسرة والأصل ويمكن لشخص أن يكون بعيداً عن وطنه مدة طويلة ولكن ما دام يحفظ لنفسه ولو (أملا) في الرجوع إلى مقر أسرته ، فيعرف هذا المقر بالموطن(1). ويعتبر الموطن في إنكلترا داخلا ضمن عناصر الحالة وهي ثلاث : حالة الحرية ، حالة العائلة ، حالة التوطن ، فالبريطاني يتمتع بالجنسية البريطانية ومع ذلك فان قانون أحواله الشخصية هو قانون موطنه الذي يصح أن يكون القانون الفرنسي مثلا ، ولم يضع المشرع الإنكليزي أية قواعد تشريعية بشأن الموطن بل ترك الأمر للمحاكم واجتهاد الفقهاء(2).وذهب الفقيه الإنكليزي ( Murray) رداً على الاتجاه الفقهي الذي ظهر في إنكلترا (3). الى أن رابط الموطن تعتمد عليه القواعد الخاصة بتعدد الجنسيات وانعدامها وان قواعد الموطن ذات ضرورة بالغة في الدول الفيدرالية ومن ضمنها المملكة المتحدة وان حقيقة الموطن هي باعتباره الرابط المناسب لتطبيقه من قبل السلطة القضائية الذي يعتد بحرية الشخص ورغبته . وعليه فان القول بإلغاء الموطن كعامل رابط في القواعد الخاصة بالقانون الدولي الخاص واستبداله بالسكن أو الإقامة قول مرفوض (4).ويتكون الموطن في القانون الإنكليزي من عنصرين : احدهما ، مادي وهو الإقامة ، والآخر معنوي وهو نية البقاء والاستقرار سواء أكانت هذه النية ايجابية هي نية الإقامة الدائمة أو الإقامة غير محددة المدة أم أخذت صورة سلبية هي عدم توافر النية الحاضرة في مغادرة القطر نهائيا وعليه فان الموطن في القانون الإنكليزي يقوم على تصوير حكمي لذلك فإنه يمكن أن يكون موطن الشخص في قطر ومع ذلك لا يكون هذا القطر هو مقره ، ويظهر أن الموطن يتحدد بقطر وليس من الضروري بعد ذلك أن يتحدد بمكان معين في هذا القطر ، ويترتب على التصوير الحكمي للموطن في القانون الإنكليزي ما يلي :
1-إن لكل شخص موطناً منذ ولادته وهذا هو الموطن الأصلي وهو للولد موطن أبيه وللولد الطبيعي موطن أمه ، وللقيط مكان وجوده ويلازمه الموطن الأصلي إلى أن يكتسب موطناً جديداً اختيارياً ، وإذا أراد تغيير موطنه الاختياري واكتساب موطن آخر فان موطنه الأصلي يحيا ليلازمه طوال الفترة ما بين فقده موطنه الاختياري الأول وتمام اكتسابه موطنه الاختياري الثاني ، وهذا ما يعبر عنه بفكرة إحياء الموطن الأصلي (5).
2-لا يكون للشخص أكثر من موطن ، وذلك لضرورة تحديد النظام القانوني الذي يخضع له الشخص .
3-إن القانون الإنكليزي هو الذي يحكم الموطن ولا مجال لتطبيق قانون أجنبي(6).
وان تفضيل الإنكليز للموطن يستند إلى أساسين قانونيين بارزين الأول أن الموطن يعني أو يشير إلى البلد أو الدولة التي انشأ فيها الشخص مسكنه الدائم ، والثاني أن الموطن يقدم الاختيار العملي في حالة الوحدات السياسية كالمملكة المتحدة وكندا واستراليا والولايات المتحدة (7). ومع تزايد الهجرة إلى أوربا الغربية منذ الحرب العالمية الثانية ، إذ أدى ذلك إلى أن يكون للموطن دور متميز يفوق بذلك على الجنسية(8).
ومن القضايا الرئيسية التي توضح فكرة الموطن في القانون الإنكليزي قضية (بيشانس ضد مين) ففي هذه القضية كان الموطن الأصلي للشخص في اسكوتلاندا ثم انخرط في الجيش البريطاني وخدم خارج البلاد عدة سنوات ، بعد تقاعده عن خدمة الجيش جعل إقامته في الفنادق في بلاد متعددة ولم يعد إلى اسكوتلاندا ، وقد قضى السنوات العشرين من حياته في فنادق إنكليزية فقط وتوفي نهائيا بأحدها فالمحكمة قررت انه مات وموطنه اسكوتلاندا لأنه لم يتخذ إنكلترا وطنا ثابتا له وان إقامته هناك لم تكن بحسب الظروف كافية للحكم بأنه قصد الإقامة الدائمة فيها،وفي قضية (توتال) قيل إن شخص هذه الدعوى كان بريطانيا جعل موطنه الدائمي مع الجالية البريطانية في الصين ، فقررت المحكمة أن الشخص يجب أن يتخذ موطنه في قطر وليس في جالية، وان البريطاني لا يمكنه أن يجعل الصين موطنا له حتى لو كانت إقامته دائمة ، وبالنتيجة فان هذا الشخص لم يفقد موطنه في إنكلترا(9) .
______________________________
[1]- المستر فريدريك م. كودي ، نقل إلى العربية ، حسن صدقي الدجاني وصلاح الدين العباسي ، القانون الدولي الخاص في فلسطين والشرق الأدنى ، مطبعة القدس ، 1991، ص75-76 .
2- د.حامد زكي ، أصول القانون الدولي الخاص المصري ، ط3 ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، 1944، ص366 وما بعدها .
3- الاتجاه الفقهي الذي ظهر في إنكلترا ، كان يذهب إلى ضرورة أن تحتل الجنسية موقعاً قريباً جداً من الموقع الذي يحتله الموطن الآن في إنكلترا وأخذه كأساس للسلطة القضائية باعتبار أن مفهوم الجنسية يسهل فهمه من قبل أكثرية الأشخاص واستبدال مفهوم الإقامة المعتادة أو السكن بدلاً من الموطن . انظر ، The law commission and the Scottish law.
Commission ( law com . no . 168 ).
( Scot . law com . no . 107 ).
Private international law (the law of domicile) p 10.
4- انظر ، بالتفصيل رأي الفقيه الانكليزي (Murray) في بحث بعنوان (The law of domicile) منشور على موقع الانترنت : www.harvard.edu
5- د. ممدوح عبد الكريم الحافظ ، مصدر سابق ، ص166 .
6- د.عز الدين عبد الله ، مصدر سابق ، ص309 وما بعدها .
7- انظر ، (Registration of children as British citizen) وهو منشور على موقع الانترنت :
www.londonoc.com
8-Cheshire and Norths، private international Law، 1992، London، Dublin،Edinburgh ص165
9- المستر فريدريك م. كوري ، مصدر سابق ، ص78-79 .
المــوطــن في القانون الدولي الخاص الأمريكي :
لا تختلف فكرة الموطن في الولايات المتحدة الأمريكية عنها في سائر البلاد الأنكلو أمريكية ، فوفقا للقانون الدولي الخاص الأمريكي(1). يعرف الموطن بأنه “المكان الذي تتوافر فيه للشخص رابطة ثابتة لأغراض قانونية لان به مقره ، أو لان القانون يحدده له” فموطن الشخص الذي له مقر واحد هو في مكان هذا المقر ، وموطن الشخص الذي له أكثر من مقر هو في مكان مقره الرئيسي ، ومقر الشخص هو سكنه الذي يتصل به بصلة وثيقة ، وإذا لم يكن للشخص مقر كان موطنه هو في المكان الذي يحدده القانون وتتلخص قواعد الموطن في القانون الأمريكي فيما يلي:
1-لكل شخص في أي وقت موطن ، فالشخص يكسب منذ ميلاده موطنا هو موطن أبيه وقت الميلاد إن كان ولداً شرعياً ، وموطن أمه إذا كان ولداً طبيعياً ، وللشخص متى اكتملت أهليته أن يكتسب موطنا غير موطنه الأصلي وله أن يستبدل هذا الموطن الاختياري الأول بموطن اختياري ثانٍ ، ولا يفقد موطنه الاختياري الأول إلا إذا تم له كسب الموطن الاختياري الثاني ، فهو لا يأخذ بفكرة إحياء الموطن الأصلي (2) .
2-أن الشخص لا يكون له أكثر من موطن .
3-إن القانون الذي يتحدد به الموطن هو قانون القاضي .
ويظهر مما تقدم أن الموطن في القانون الأمريكي يقوم على تصوير حكمي(3) .
_______________
[1]- د. عز الدين عبد الله ، مصدر سابق ، ص 311 ، المقصود بقوانين الولايات المتحدة الأمريكية : أن القانون الدولي الخاص الأمريكي لا تفرضه سلطة عليا فوق الولايات ، بل لكل ولاية قانونها الخاص الذي يكون فرعا من سائر فروع قانونها الداخلي ، بمعنى أن لكل ولاية أن تضبط قانونها الدولي الخاص وذلك في حدود ما وضعه الدستور الاتحادي من قيود ، نظراً لان هذه الولايات تتبع نظاما قانونيا واحدا لذلك فان الكثير من قواعد القانون الدولي الخاص في مختلف الولايات واحدة .
2 – د.غالب علي الداؤدي ، د. حسن الهداوي ، مصدر سابق ، ص183 .
3- د.عز الدين عبد الله ، مصدر سابق ، ص539-540 .
المؤلف : ريا سامي سعيد الصفار
الكتاب أو المصدر : دور الموطن في الجنسية
الجزء والصفحة : ص21-22
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً