المفهوم القانوني لكفالة اليتيم في القانون العراقي
القاضي ناصر عمران
يُعرف اليتيم قانوناً: بأنه القاصر الذي يخضع لأحكام قانون رعاية القاصرين 78 لسنة 1980 المعدل، وكفالة اليتيم: هي رعاية وإعالة وتربية الطفل الذي فقد أبويه أو احدهم دون ان يلحق بنسب الكفيل وتعتبر هذه الرعاية جزءا من منظومة الثقافة الإنسانية القائمة على الود والرحمة والتي حثت عليها كل الديانات والشرائع السماوية والتشريعات القانونية الوضعية.
ولم يكن القانون العراقي بعيداً عن ذلك وبخاصة انه يتعكز على تاريخ حضاري رائد في مجال صناعة التشريعات والقوانين فقد تطرق إلى موضوع اليتيم والاهتمام به ونفقته ورعايته في كثير من القوانين، فقانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 تضمن مفهوما عاما للقاصر يدخل مفهوم اليتيم ضمن آلية عمل نصوصه القانونية فقد تضمن أحكاما خاصة بتصرفات الأولياء والأوصياء المرتبطة بأموال القاصرين ومحاسبتهم والترتيب القانوني للولاية والوصاية على القاصر وقبلها مفهوم القاصر.
وقد استمد القانون نصوصه متماهياً تأكيدا تارةً على المواد القانونية التي نص عليها القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1950 او مقيداً لها باعتباره قانونا خاصاً وقانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 وغيرها من القوانين والتشريعات التي نصت في بعض موادها القانونية على حالة اليتم الا ان مفهوم كفالة اليتيم كمنظومة اجتماعية وقانونية تتحقق في مفهوم الضم الوارد في قانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة (1983) المعدل والذي افرد له القانون الفصل الخامس في المواد من (39 ـ 46)، حيث أجاز القانون للزوجين أن يطلبا ضم الصغير يتيم الأبوين أو مجهول النسب إليهم وحسب المادة (23) من القانون والتي تنص على ان ( للزوجين ان يتقدما بطلب مشترك إلى محكمة الأحداث لضم صغير يتيم الأبوين اليهما، وعلى محكمة الأحداث قبل ان تصدر قرارها بالضم ان تتحقق من ان طالبي الضم عراقيان ومعروفان بحسن السيرة وعاقلان وسالمان من الأمراض المعدية وقادران على إعالة الصغير وتربيته وان يتوفر فيهما حسن النية).
والاجراءات العملية لتحقق حالة الضم هي الاكثر تحققا لمفهوم (كفالة اليتيم) كون طالبي الضم يسعيان لتقديم طاقتهما العاطفية لليتيم اضافة الى الاهتمام والرعاية المادية وتستدعي الاجراءات ان يقدم الطلب من أسرة قائمة مكونة من زوج وزوجة مجتمعين بطلب واحد مشترك ولا يجوز ان يقدم احدهم طلبا منفردا او أن يكون بينهم فراق او طلاق أثناء تقديم الطلب أي ان تكون هناك حالة الاستمرارية والاستقرار بالعلاقة الزوجية وهو شرط ضروري في تحقيق المناخ العائلي السليم لليتيم وأن يكون الزوجان عراقيين وهو شرط ضروري لا يتحقق الضم بتخلفه حتى وان كان احدهما عراقيا والاخر غير عراقي سواء اكان الزوج او الزوجة.
يضاف الى ذلك ان يكون الزوجان عاقلين بمعنى ان لا يكون احدهم او كلاهما مصابا بعارض او بعاهة عقلية تؤثر على سلامة قواه العقلية وان يكونا متمتعين بحسن السيرة وهذه تعتمد على البحث الاجتماعي والتحقيقات التي تجريها محكمة الاحداث من خلال المعلومات المتحصلة من مختار المحلة التي يسكن فيها او رب العمل أو زملائهم او بشهادة الشهود، والقرار مرتبط بالسلطة التقديرية للمحكمة على ان هذه السلطة خاضعة لرقابة محكمة التمييز اذ لكل متضرر من القرار سواء بالرفض او الايجاب الطعن بالقرار بواسطة تمييز القرار امام محكمة التمييز.
وسلامة الزوج والزوجة من الشروط الرئيسية ايضاً لطالبي الضم من الامراض المعدية او السارية وبموجب شهادة طبية صادرة من جهة طبية رسمية مختصة توفر المقدرة المالية في طالبي الضم لكي يتمكنا من رعاية الطفل وهذا الموضوع تتحقق منه محكمة الأحداث بواسطة التحري عن اموالهم ومصادر دخلهم وغيرها من الوسائل التي تثبت بها المقدرة المالية ولها سلطة تقديرية في ذلك.
وهناك شرط مهم على محكمة الاحداث إيلاؤه الاهمية الكبيرة وهو حسن النية بمعنى ان لا تكون لهما أهداف غير شرعية او أخلاقية من ضم اليتيم او ان يغلبوا مصالحهم الذاتية على مصلحة اليتيم او استخدام اليتيم واستغلاله في اعمال منافية للأخلاق او استغلاله لمصلحتهما و حسن النية مفترض لدى كل من طالبي الضم حتى يثبت العكس. واضافة لشروط طالبي الضم فهناك شروط لابد من توافرها في الطفل موضوع الضم وهي ان يكون الطفل اليتيم صغيرا، وهذا ما نصت علية المادة (39) من قانون رعاية الأحداث ان يكون اليتيم فاقد الأبوين فإذا كان فاقدا لأحدهم لا يمكن ضمه لان النص قد حدد حصرا ان يكون فاقد الأبوين وليس احدهم.
وبعد التحقق تصدر محكمة الاحداث قرارها بالضم بصفة مؤقتة ولمدة ستة اشهر يجوز تمديدها لستة أشهر أخرى، وخلال هذه الفترة ترسل المحكمة باحثا اجتماعيا الى دار طالبي الضم لمرة واحدة على الأقل كل شهر للتحقق من حسن رعايتهم للطفل وكذلك في بقاء الرغبة في الضم قائمة ويقدم تقرير مفصل بذلك إلى المحكمة فإذا عدل الزوجان عن رغبتهم او وجدت المحكمة ان مصلحة الطفل غير متحققة فتقرر تسليمه الى احدى المؤسسات الحكومية، اما اذا انقضت فترة التجربة وكانت مصلحة الطفل متحققة فتصدر قرارها بالضم. مع الملاحظة ان مؤسسات ودور الرعاية الاجتماعية الحكومية هي الجهات الملزمة قانوناً برعاية وكفالة من لا يجد له كفيل او معيل استنادا للنصوص القانونية التي تضمنها الدستور العراقي الدائم لعام 2005.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً