تعريف و مفهوم الغبن في القانون العُماني
المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
تحدثنا في زاويتنا السابقة عن التغرير من حيث مفهومه وأحكامه، وفي زاويتنا القانونية لهذا الأسبوع سنتحدث عن شيء ملازم للتغرير وهو الغبن. ويثور في الذهن سؤال: هل يلزم أن يكون التغرير مقروناً بعدم تساوي في الأداءات المتقابلة التي يؤديها كل طرف من أطراف العقد للآخر؟ أم أن التغرير المجرد وحده كافٍ لجعل العقد غير ملزم؟ وجواب ذلك أنه وبخلاف ما نهجته كثير من الأنظمة القانونية والتي ألزمت أن يكون التغرير مقروناً بغبن للقضاء بفسخ العقد، فإن قانون المعاملات المدنية وفق القراءة لأحكام مواده يتضح بأنه خلا من هذا التقييد حيث عدّ أن التغرير المجرد وحده كافٍ ليجعل العقد غير ملزم وقابل للفسخ لمصلحة المغرور، ولكن هل العكس صحيح، أي هل يكون الغبن كافيا لطلب الفسخ؟
وقبل الشروع في الإجابة عن التساؤل أعلاه يجب أن نقف أولا على المقصود بالغبن في العقود، فهو كما أسلفنا عدم تعادل الأداءات المتقابلة في العقد، أي عدم تكافؤ ما يؤديه المشتري للبائع من قيمة للمبيع، أو في عقود المبادلة أن يكون البدل أعلى قيمة من المبدل، أما في العقود الأخرى فهو عدم تعادل الحقوق التي يحصل عليها طرف مقارنة مع الالتزامات التي يتحملها الطرف الآخر، والغبن يأتي على صورتين الأولى غبن يسير، وهو ما يمكن تقديره ويتصور أن يحدث في العقود، والثاني ما يسمى بالغبن الفاحش، وهو ما لا يتصور كقيمة للشيء أو أن يكون هناك تباين كبير بينه وبين ما يحصل عليه الطرف الأول، وهذا ورد إجمالاً في نص المادة (106) من قانون المعاملات المدنية العماني التي نصت على: (1- الغبن هو عدم تعادل الحقوق التي يكتسبها متعاقد بالعقد مع الالتزامات التي يحمله إياها. 2- الغبن إما يسير وإما فاحش، فاليسير هو ما يدخل تحت تقويم المقومين، والفاحش هو ما لا يدخل تحته.).
وجواباً عن السؤال المطروح سلفاً فإنه وفق أحكام المادة (107) من قانون المعاملات المدنية، وبخلاف التغرير فإن الغبن لابد أن يكون مقترناً بتغرير ليكون للمغبون الحق في طلب فسخه، ولا يكون طلب الفسخ إلا في حالة الغبن الفاحش فقط، ولكن يستثنى من لزوم اقتران الغبن الفاحش المجرد بتغرير في ثلاث حالات وهي إذا ما ورد على مال المحجور عليه ومال الوقف وأموال الدولة، ففيها يكون مجرد الغبن الفاحش كافياً لطلب فسخ العقد، أما الغبن اليسير فلا مجال معه للفسخ، وبإمكان المغبون أن يطلب رفع الغبن عنه من القاضي، والحكم به يخضع لتقديره، أما في عقود المعاوضة وهي العقود التي تكون فيها أداءات متقابلة أي أن يرد التعاقد على بدلين يؤدي طرف بدل مقابل بدل يؤديه الطرف الآخر، فيمكن توقي فسخ العقد فيها بأن يعرض الطرف الغابن للمغبون ما ما من شأنه أن يرفع الغبن عنه، ومتى كفايته لرفع الغبن يخضع لتقديرات المحكمة التي تنظر الدعوى.
والحق بطلب الفسخ بالتغرير أو الغبن الفاحش يكون مقروناً بشخص المستفيد منه، أي إنه طلب فسخ العقد للتغرير أو الغبن لانتقل إلى خلف المغرور أو المغبون سواء العام أو الخاص، إذ هذا حق مقترنٌ بشخصه وإرادته هو عند إبرام العقد، وعلى ذلك يسقط الحق في التمسك بالفسخ للتغرير أو الغبن الفاحش حال وفاة المغرور أو المغبون أو باستعمال محل العقد أو التصرف فيه وذلك بعد العلم به، والذي في هذه الحالة يكون بمثابة إجازة لاحقة لما تم من تغرير أو غبن فالقاعدة تقول إن الإجازة اللاحقة كالإذن السابق، وعلى ذلك يسقط الحق في التمسك بالفسخ حال التصرف في المعقود عليه، بالإضافة إلى أنه إذا هلك المعقود عليه أو أصابه عيب فإن طلب الفسخ يسقط أيضاً ولكن في هذه الحالة فقط يحق للمغرور أو المغبون الرجوع إلى المتعاقد معه بالتعويض، ولابد أن يعلم من وقع ضحية التغرير أنه يجب عليه أن ينشط ويرفع دعوى الفسخ خلال شهر من تاريخ علمه بأنه وقع في التغرير، وإلا سقط حقه في طلب الفسخ، وكذلك يسقط حق طلب الفسخ بالغبن الفاحش، بعد مضي سنة تحسب من تاريخ العقد، وذلك وفق أحكام المادة (108) من قانون المعاملات المدنية العماني.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً