ماهية مبدأ مشروعية الدليل الجنائي
المؤلف : بن لاغة عقيلة
الكتاب أو المصدر : حجية ادلة الاثبات الجنائية الحديثة
يعتبر مبدأ الشرعية الجنائية أو ما يعرف بمبدأ احترام القانون من الأصول الدستورية الكبرى في نظام الدول الديمقراطية، وهو يعني التزام الحاكم والمحكوم بالقواعد القانونية التي تصدرها السلطة المختصة، وهذا المبدأ يميز بين دولة القانون عند الدولة البوليسية أو الدكتاتورية، ونعتبر الشرعية الجنائية فرع من ذلك الأصل العام ومفادها أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، إذ لا يمكن توجيه اتهام لشخص ما، لارتكابه فعلا معينا ما لم يكن منصوصا على تجريم هذا الفعل في القانون، كذلك لا يمكن توقيع العقوبة ما لم تكن محددة من قبل(1) وبالرغم من أن هذه القاعدة تمثل إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها كل التشريعات الجنائية إلا أنها لا تكفي وحدها لحماية حرية الإنسان، في حالة القبض عليه أو حبسه أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاكمته، لذلك كان من الضروري تدعيم هذه القاعدة الدستورية بقاعدة ثانية تحكم تنظيم الإجراءات التي تتخذ ضد المتهم بطريقة يضمن بها احترام الحقوق والحريات الفردية.
وهذه القاعدة سميت بالشرعية الإجرائية أو قاعدة مشروعية الدليل وهي تعني:” ضرورة اتفاق الإجراء مع القواعد القانونية والأنظمة الثابتة في وجدان المجتمع المتحضر” (2) ويتضح لنا مما تقدم أنه طبقا لهذا المبدأ فإن الدليل لا يكون مشروعا، ومقبولا في عملية الإثبات، إلا إذا كانت عملية البحث عنه أو الحصول عليه قد تمت بالطرق التي حددها القانون.
لذلك فلقد أكدت على وجوب مشروعية الدليل توصيات المؤتمر 22 / أيلول 1979 / الدولي الثاني عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات المنعقد في 16 في هامبورج بجمهورية ألمانيا الاتحادية على: “أن قبول الدليل في الدعاوى الجزائية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كمال النظام القضائي وحقوق الدفاع ومصالح المجني عليه ومصالح المتهم”(3) وبما أن قاعدة مشروعية الدليل الجنائي تعني ضرورة اتفاق الإجراء مع القواعد القانونية نجد أن المشرع الجزائري نص على هذا في المادة 47 من الدستور بقوله : ” لا يتابع احد، ولا يوقف أو يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون وطبقا للأشكال التي نص عليها”(5)، وترتيبا على ما تقدم فإن قاعدة مشروعية الدليل الجنائي تغاير قاعدة الشرعية الجنائية، ولكن تظل هذه الأخيرة هي الأصل الذي تتفرع منه كل القواعد(6) ولهذا يجب على القاضي الجنائي ألا يثبت توافر سلطة الدولة في عقاب المتهم إلا من خلال إجراءات مشروعه تحترم فيها الحريات، ولا يحول دون ذلك أن تكون الأدلة ثابتة في حق المتهم طالما كانت هذه الأدلة مشبوهة، وان كان الأمر كذلك بالنسبة للإدانة فهل ينطبق هذا القول على البراءة؟
____________
1- مروك نصر الدين، محاضرات في الإثبات الجنائي، الجزء الأول، دار هومة، الجزائر، 2003 ، ص 519
2- أحمد أبو القاسم، الدليل الجنائي المادي ودوره في إثبات جرائم الحدود والقصاص، الجزء الأول، أطروحة دكتوراه، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض، 1993 ، ص 308
3- عبد الله بن صالح بن رشيد الربيش، سلطة القاضي الجنائي في تقدير أدلة الإثبات بين الشريعة والقانون، الرياض، أكاديمية نايف العربية للعلوم المنية، ص 141
4- مروك نصر الدين، المرجع السابق، ص 520 .
5- أحمد أبو القاسم، المرجع السابق، ص 307
6- مروك نصر الدين، المرجع السابق، ص 522 ، 523، 524 ،525.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً