أوجه القصور في تحرير العقود
زهير بن سليمان الحربش
تلعب العقود التي يتم إبرامها دوراً مهماً في الحياة، فهي الوعاء الذي يعبر عن إرادة أطرافه ويبين التزامات وواجبات كل طرف من هؤلاء الأطراف. وحتى تكون هذه الالتزامات والواجبات واضحة بالكامل فإنه لابد من كتابة العقد وفق رغبة أطرافه وحتى لا يظهر بينهما مستقبلاً تنازع أو اختلاف سواء في تفسير العقد وما احتواه من شروط وأحكام أو في التنفيذ لتلك الشروط والأحكام. لهذا لابد من أن تتم صياغة العقد بطريقة تتضمن تعبيراً دقيقاً عن ارادة أطرافه، فمن خلال الممارسة العملية يلاحظ أن كثيراً من النزاعات تحدث عند التنفيذ بسبب عيوب الصياغة والتي تتمثل إما في عدم الدقة أو الغموض. كما أسلفنا أعلاه فإن صياغة العقود صياغة واضحة وجيدة هي الأداة القانونية التي يُعبر بها تعبيراً حقيقياً عن رغبات وإرادة أطراف العقد.
وإذا نشأ العقد واكتملت أركانه كافة وخلا من عيوب الصياغة نشأ صحيحاً وترتبت بموجبه الآثار القانونية التي قصد الأطراف إنشاءها, وبالتالي سهل تنفيذه دون نزاعات ومشكلات أو اختلاف في التفسير أو التأويل، حيث إنه خلافاً لأعلاه تنشأ بين أطراف العقود التي يشوبها عيب في الصياغة نزاعات أمام القضاء معقدة في موضوعها ويطول أمدها ينتج عنها إهدار كثير من الوقت والجهد والمال ليس على طرفي العقد فقط بل الغير. من المعلوم أنه توجد أنواع كثيرة من العقود تقسم إلى تقسيمات كثيرة ولكن إذا كان التقسيم حسب موضوعاتها نجد أن هذه العقود تتمثل في عقود البيع والإيجارة والمقايضة والشراكات والشركات والعقود الفنية (خدمات وصيانة وترخيص)
وعقود الصلح والتسوية والتسهيلات الائتمانية والمقاولة والوكالة وغيرها. وهذا مجال واسع لابد أن تكون فيه الواجبات والالتزامات واضحة لا لبس فيها. خلاصة هذه المقدمة أن العقود تمثل القانون الخاص الذي ارتضاه المتعاقدون ليحكم العلاقة بينهما، ولهذا يردد البعض القول الشائع “إن العقد شريعة المتعاقدين”، لأن العقد المكتوب هو المرجع الذي يعول عليه الأطراف لتفسير كل ما يصعب فهمه من واجبات والتزامات وحقوق، وهو دليل الإثبات الأول إذا حدثت نزاعات حول تفسيره أو تنفيذه وبالتالي فإن عدم صياغته بالشكل السليم الواضح والدقيق يفقده هذه الأهمية.
على الرغم مما أوردنا من أهمية في صياغة العقود، إلا أنه يلاحظ وقوع البعض سواء كانواً أفراداً أو شركات في بعض الأخطاء التحريرية التي قد تضعف من مكانة هذه العقود لإثبات الحقوق عند حدوث نزاع، الأمر الذي قد تترتب عليه خسارة كل أو بعض من هذه الحقوق التي كفلها العقد، وقد لمست ذلك من خلال ما صادفته في حياتي المهنية، وعليه، فإنني سأتطرق وبشكل عام من خلال هذه المقالة لأبرز العناصر التي يتعين توافرها لتتم صياغة العقود على نحو سليم مع إلقاء الضوء على أبرز الأخطاء الشائعة في العقود بصرف النظر عن أقسامها. تحديد نطاق المسؤولية العقدية لأطراف العقد: ويعني هذا توضيح موضوع العقد ومسؤوليات والتزامات وواجبات كل طرف من أطراف العقد واتفاق الأطراف على تحديد موضوع التعاقد تحديداً دقيقاً واضحاً نافياً للجهالة وبشكل عام لابد أن يكون موضوع العقد متوافقاً مع الشرع والنظام، ففي عقود بيع الأراضي مثلاً يتم توضيح حدود الأرض وملكيتها، وأن الغرض من العقد هو بيع الأرض وأن على المشتري سداد سعر الأرض وعلى البائع تسليم الأرض ونقل ملكيتها فهذا هو الذي يحدد مسؤوليات الأطراف. #2# أهلية المتعاقد وصلاحية التوقيع: وهذا يعني إقرار الأطراف بأهليتهما الشرعية والنظامية للتعاقد والاتفاق والالتزام.
وهذه المادة لابد أن تخضع لمراجعة دقيقة، ففي بعض العقود يكون المتعاقد أصيلاً كأن يوقع عن المؤسسة الفردية مالكها، فلابد من التأكد من ملكيته المؤسسة، وقد يكون المتعاقد من خلال وكيل أو نائب عنه، في الحالتين يلزم التأكد جيداً من صلاحية المتعاقد في إبرام وتوقيع العقد ويزداد الحرص بالنسبة للوكيل حيث يتعين الاطلاع جيداً على الوكالة الشرعية في حال ما إذا كانت النيابة اتفاقية وذلك بأن تتضمن الوكالة الصلاحيات التي تخول حاملها التوقيع على العقد الذي يراد إبرامه من حيث الموضوع والقيمة المالية وغيره، كما يلزم التأكد من سريان هذه الوكالة وحداثتها.
أيضاً فيما يخص التأكد من صفة المتعاقد نجد أن من بين الأخطاء التي تحدث في العقود التي يكون أحد أطرافها شركة تضامن مثلاً أن ينص العقد على أن صفة الموقع عن شركة التضامن رئيس مجلس الإدارة وهذا خطأ حيث لا يوجد مجلس إدارة في شركات التضامن. ومن مخاطر عدم توافر الصفة للوكيل على وجه الخصوص مثلاً هي أن يتبرأ أو يتنصل الأصيل من العقد المحرر وبالتالي انتفاء أي مسؤولية عليه استناداً إلى عدم صلاحية الوكيل لإبرام العقد، أيضاً وعلى سبيل المثال في مسائل الاقتراض البنكي لا يجوز للقاصر والمحجور عليه الاقتراض من البنك ، فإذا منح البنك مثل هذا القرض لهذا القاصر دون التأكد من أهليته، يتحمل البنك تبعات ذلك.
مرفقات العقد: تمثل مرفقات العقد مثل الملاحق ومستندات نطاق العمل وأحيانا الشروط العامة والعروض جزءاً لا يتجزأ من العقد ولذا تسمى أحيانا بمستندات العقد وعليه تلزم الإشارة إليها بكل وضوح في العقد, وإنها تمثل جزءاً أصيلاً منه وعلى سبيل المثال يلزم الإشارة في اتفاقية التسوية إلى أن جدول السداد يعد جزءاً لا يتجزأ من العقد ويعد مكملاً له وذلك حتى لا يحدث خلاف حول كيفية سداد الأقساط وتواريخ استحقاق كل قسط. ولابد من الإشارة في حالة الاختلاف بين مواد العقد وبين ملاحقه أيهما يسود وذلك لتجنب التضارب في تفسير وتنفيذ العقود.
القانون الواجب التطبيق والاختصاص: ان النص على هذه المادة في العقد مهم جداً حيث إن هذه المادة توضح ما القانون الذي يتحاكم إليه أطراف العقد وما هي المحكمة المختصة بنظر النزاع عند حدوث خلاف. لابد من الاتفاق على هذه المادة مسبقاً بين الأطراف وأن يراعى فيها مصلحة أطراف العقد مجتمعة، ويستوجب بذل عناية خاصة في اختيار القانون الواجب التطبيق والاختصاص.
فمثلا عندما يكون طرفي العقد من بلدين مختلفين كأن يكون البائع (أمريكياً) والمشتري (سعودياً), ويحدث نزاع أو خلاف يتطلب تدخل القضاء عندها لا يكون تحديد القانون والاختصاص سهلاً كما لو كان منصوصاً على ذلك صراحة في العقد. المعروف أن الاختصاص القضائي الدولي ليس من النظام العام ولذلك لابد من النص عليه، ولذا يجوز لطرفي العقد – وخاصة إذا كان أحدهما أجنبياً – أن يتفقا على اختصاص قضاء دولة أجنبية بنظر النزاع الذي ينشأ عن العقد، وهذا جيد ولكن يتضمن مشكلة القانون الواجب التطبيق. أن ما لا ينتبه إليه الأطراف في هذا الشأن أن هناك فرقاً بين الاتفاق على تطبيق قانون أجنبي على النزاع، وبين الاتفاق على اختصاص قضاء دولة أجنبية بنظره. ففي بعض الدول حين يرد النص في الاتفاق على تطبيق قانونها على النزاع – كما هو الحال في مصر – لا يعني أن يختص تلقائياً قضاؤها بنظر النزاع لعدم النص على ذلك صراحة في العقد الموقع بين طرفيه.
وفي دول أخرى يعني النص في الاتفاق على تطبيق قانونها أن يختص أيضاً قضاؤها بنظر النزاع دون حاجة إلى النص صراحة على هذا الاختصاص القضائي، ومن تلك الدول إنجلترا حيث ينص الأمر رقم (11) من قواعد المحكمة العليا الإنجليزية – وهي ملزمة للمحاكم كافة – أن النص على تطبيق القانوني الإنجليزي على النزاع يجعل الاختصاص بنظره للقضاء الإنجليزي . ومن مشكلات النص على تطبيق قانوني بلد أجنبي غير بلد الأطراف الجهل بقوانين تلك البلاد وربما الرسوم العالية والوقت اللازم لصدور الحكم. ولذا ينبغي أن يكون النص المتعلق بالقانون الذي يطبق على النزاع وبالقضاء المختص بنظر النزاع واضحاً في العقد الموقع بين طرفيه شاملاً القانون الذي سيطبق على النزاع، وللقضاء الذي سينظر هذا النزاع، ويرد هذا النص على سبيل المثال في الصياغة التالية: “أي نزاع ينشأ عن تنفيذ هذا العقد أو تفسير أي شرط من شروطه يطبق عليه النظام ……..، ويختص بالفصل فيه القضاء ………”.
كما تبرز أهمية تحديد الاختصاص القضائي في تحديد المحاكم المختصة، والتي قد يكون لديها الخبرة والدراية الفنية في موضوع الدعوى ، حيث ينعقد الاختصاص القضائي للجان الأوراق التجارية في نظر المطالبة المتعلقة بالسند لأمر في حين تملك لجنة تسوية المنازعات المصرفية حق نظر الخلاف المتعلق بالقرض المصرفي من واقع كشوف الحساب وعقود التسهيلات الائتمانية. هنا يلزم أن تكون هناك مرونة في تحديد المحاكم المختصة بحيث لا يتم التخصيص والتقييد في محكمة واحدة بل التنويع بحسب موضوع الدعوى ونوع المستند المراد الاعتماد عليه في المطالبة القضائية ، فعدم تحديد المحاكم المختصة قد يضيع كثيراً من الوقت والجهد والمال على أطراف العقد في حال حدوث خلاف كأن يلجأ المقترض إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بشأن نزاع حول تسهيلات ائتمانية (نزاع مصرفي) بدلاً من الذهاب إلى لجنة تسوية المنازعات المصرفية باعتبارها الجهة القضائية المختصة بنظر القضايا ذات الصفة المصرفية، ينبغي لتفادي أعلاه صياغة المادة المتعلقة بالاختصاص القضائي من قبل استشاري متخصص في الأنظمة السعودية.
السرية وعدم الإفشاء: يتطلب إبرام وتنفيذ غالبية العقود قدراً من السرية إما لخصوصية موضوع العقد أو لاعتبارات أخرى (المنافسة مثلاً)، ولتحقيق مبدأ السرية وعدم الإفشاء فإنه يلزم النص على ذلك صراحة في العقد ويمكن أن يشمل هذا النص تعريف المعلومات والبيانات التي تعد بالنسبة لطرفي العقد معلومات سرية لا يجوز إفشاؤها للغير ويمكن إضافة بعض الاستثناءات لذلك النص مثل إمكانية إفشاء المعلومات السرية للأفراد الذين يلزمهم تنفيذ موضوع العقد، كما يتم توضيح الحالات التي لا تعد فيها المعلومات سرية ولا يشملها نطاق المادة، كما يشمل نص المادة على أن يكون شرط السرية قائماً، ليس خلال فترة العقد فحسب وإنما بعد انتهاء العقد لمدة يحددها العقد المحرر، ويلاحظ أن مبدأ السرية وعدم الإفشاء شائع في عقود تقنية المعلومات والبنوك كثيراً.
إن عدم النص الصريح على مبدأ السرية وعدم الإفشاء يجعل الباب مفتوحاً لتسرب أسرار عمل طرفي العقد وأسرار بعض المسائل الفنية التي تخص العقد. حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع: أهمية النص على هذه المادة تكمن في الحماية التي توفرها لطرفي العقد في حالة الادعاء من الغير بأن موضوع وتنفيذ العقد يعتدي على حقوق وبراءات مسجلة باسم الغير، ولذا يتم النص في عقود الترخيص وتقنية المعلومات والخدمات وغيرها بأن الحقوق وبراءات الاختراع اللازمة كافة والمقدمة في العقد ملك لمقدمها ولا تعتدي على أي حقوق وبراءات مسجلة لآخرين ويحمي ويدافع الأطراف عن بعضهم بعض من أي شكوى أو دعوى أو مطالبة في هذا الخصوص وغالباً ما تأتي الحماية مثلا في عقود الترخيص من الطرف المرخِّص أو مقدم التقنية أو الخدمة ولهذا إذا لم ينص على هذه الحماية والمدافعة صراحة في العقد فإن الطرف المرخَّص له يفقد هذه الحماية والمدافعة، وقد يتعرض لدعاوى وشكاوى ومطالبات كبيرة.
هويات وبيانات أطراف العقد: تتمثل البيانات المطلوبة في هذه الجزئية ذكر رقم السجل التجاري للشخص المعنوي ورقم الهوية الوطنية للشخص الطبيعي لتفادي أي ازدواجية قد تحصل في تشابه الأسماء وكذلك لتسهيل عملية اتخاذ الإجراءات التحفظية والتنفيذية بحق الطرف المدين, حيث تساعد بيانات الهوية على الإسراع في اتخاذ الإجراءات المطلوبة، وهذه مسألة يلمسها كثيراً من يباشر دعاوى التنفيذ. ونضيف في هذا السياق أيضاً أن النص على العنوان الكامل لأطراف العقد مهم جداً ويساعد عند التقاضي بالنسبة للإعلان ويساعد كذلك عند تنفيذ الأحكام.
الصياغة بأفعال الماضي والمضارع: يلزم عند صياغة عقد ما أن تحرر (بقدر ما يسمح المجال) مواده كافة بصيغة المضارع لا الماضي لأن أحكام وشروط العقد تنفذ بعد التوقيع عليه من أطرافه وبالتالي لا يجوز أن تكون صيغة تلك الأحكام بالماضي, حيث إن ذلك يدل على تنفيذها مسبقاً. كما أن الإشارة للمذكر والمؤنث توجد أحياناً بعض الإشكاليات في الصياغة وعليه لتفادي ذلك نجد أن كثيراً من العقود تنص على أن الإشارة إلى المذكر تشمل أيضاً المؤنث.
التوقيع والتأشير على كل صفحة من صفحات العقد: وهذا يؤكد بوضوح أن الأطراف قد اطلعوا وقرأوا وفهموا وكانت لديهم الفرصة الكافية للاستفسار والمناقشة على كل أحكام وشروط العقد الواردة في كل صفحة وورقة من صفحات وأوراق العقد.
وهذا ينفي الجهالة وينفي التزوير والادعاء بإضافة أحكام وشروط لم تكن واردة عند توقيع العقد. هناك بعض البنود المهمة التي يتعين النص عليها في العقد ولا يتسع المجال للتفصيل فيها جميعاً ولكن نذكر على سبيل المثال المواد الخاصة بتحديد المقابل المادي وطريقة دفعه والشروط الجزائية في العقود التي يستلزم وجود شرط جزائي فيها وكذلك المواد المتعلقة بإنهاء وانتهاء العقد ومادة تعديل العقد.
ختاماً، أرجو أن أكون قد وفقت من خلال هذه المقالة في إلقاء الضوء على أبرز المسائل المراد مراعاتها عند صياغة العقود لتلافي الوقوع في أحد الأخطاء الشائعة، وكما يلاحظ القارئ، فإن المقال أعلاه لم يركز على نوع واحد من العقود بل جاء المقال على نحو عام ليستفيد منه القارئ العادي أياً كانت اهتماماته. واللـه الموفــق ،،،
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
22 نوفمبر، 2018 at 12:25 م
شكرا جزيلا على هذا التوضيح .. ولكن سؤالي هل وجود الشهود في توقيع العقد ضروري ام يكتفي القانون بتوقيع الطرفين …. السؤال الثاني ما القيمة القانونية للعقد البيع والشراء للدور واراضي من مكاتب الدلالية ….. السؤال الثالث متى يكون من حق القاصر التوقيع في المعاملات البيع والشراء … مع جزيل الشكر والتقدير للجميع