المرأة في قانون العقوبات العراقي
القاضي عامر حسن شنته
تحتل قضايا المرأة أهمية متنامية على مر العصور، وتناضل الحركات النسوية ومسانديها، من اجل الوصول الى المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات. وقد ظهرت الحركات النسوية (feminism) أول الامر في المجتمعات الغربية، ثم ما لبثت أن تحولت إلى ظاهرة عالمية. شرعت لها المواثيق والمعاهدات الدولية، ومنها (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة –سيداو-)التي صادق العراق على الانضمام أليها بموجب القانون رقم (66 لسنة 1986)مع تحفظه على بعض بنودها.
ويصرح النسويون والنسويات بأنهم يسعون للقضاء على أشكال القهر المتصل بالنوع الاجتماعي (الجندر). والذي يتمثل في ابسط تعريفاته: “بالخصائص المتعلقة بالرجال والنساء والتي تتشكل اجتماعيا، مقابل الخصائص التي تتشكل بيولوجيا مثل الإنجاب”.ويعدون المرأة النوع الذي يحتاج إلى تعديل دوره الاجتماعي
وإزاء ماتقدم فقد كتب الكثيرون عن تصوراتهم لتمكين المرأة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية.وترجمت تلك الأفكار إلى نصوص اعتمدتها الدساتير ومنها الدستور العراقي، إذ نصت المادة (14)منه على أن “العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس……” والمادة (29/4)منه التي نصت على منع أشكال العنف والتعسف في الأسرة والدولة والمجتمع.
أما في مجال التشريعات فلا يكاد يخلو قانون من الأحكام المتعلقة بالمرأة مثل القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية وقانون الانتخابات وغير ذلك كثير.وان بحث موقف المشرع من قضايا المرأة في جميع تلك القوانين يخرج هذا المقال المختصر عن غايته. لذلك سنقتصر على بيان موقف المشرع من المرأة في قانون العقوبات دون غيره.لاعتقادنا بأهمية الأحكام الواردة فيه والمتعلقة بحق المرأة في الحياة وسلامة الجسد.والتي هي من أقدس الحقوق وأسماها.إذ جاءت أكثر نصوصه مؤكدة للمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات،وكانت متوازنة وموضوعية في نظرتها للمرأة، بل إنها تضمنت حماية مغلظة للمرأة في جرائم الاغتصاب،وهتك العرض، ولم تجز توقيف المرأة في الجرائم غير العمدية (قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 101لسنة 1999).غير أنها تضمنت في الوقت نفسه أحكاما عدها المدافعون عن حقوق المرأة انتهاكاً صارخاً لكل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة.وهدراً واضحاً لكرامتها الإنسانية.
ومنها حق تأديب الزوج لزوجته المنصوص عليه في المادة (41/1)من قانون العقوبات والتي أباحت للزوج تأديب زوجته ووضعتها في النص جنباً إلى جنب مع الأولاد القصر. ومنها تلك المتعلقة بوقف تحريك الدعوى أو وقف تنفيذ العقوبة بحق الخاطف إذا تزوج من المخطوفة، المادة (427) منه. واعتبار الزواج عذراً مخففاً يستلزم تخفيف العقوبة بحق مرتكبي جرائم الاغتصاب،المادة (398)منه. والاحكام الواردة في المادة (377)منه والتي فرقت في التجريم بين زنا الزوجة وزنا الزوج.إذ جرمت الزوجة الزانية مطلقاً، ولم تجرم الزوج إلا في حال ارتكاب الزنا في منزل الزوجية.
والأحكام المتعلقة بالقتل غسلاً للعار وغير ذلك. وبذلك نجد أن المشرع العراقي وعلى الرغم من نظرته الموضوعية المتزنة للمرأة في قانون العقوبات،فان بعضاً من نصوصه مثلت خروجاً على تلك النظرة. وانحازت بشكل واضح إلى جانب الرجل.
الأمر الذي يقتضي مراجعة شاملة لتلك النصوص تمهيداً لتعديلها وبما ينسجم مع المواثيق الدولية وحفظ حياة المرأة وكرامتها الإنسانية.وان تحفظ العراق على الفقرات (و- ز)من المادة (2) من اتفاقية (سيداو) المتعلقة بإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة في التشريعات والأحكام الوطنية، لا يحول دون إجراء التعديل المنشود في قانون العقوبات.طالما التزم العراق بذلك بموجب (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية )دونما تحفظ.وطالما تمت تلك التعديلات تحت مظلة الدستور الذي كفل المساواة لجميع العراقيين.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً