إجراءات التقاضي أمام المحاكم التجارية
الأستاذ حسن الحضري قاضي بالمحكمة التجارية بالرباط
بعد صدور القانون رقم 53.95 المنفذ بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.97.65 أصبح المغرب يتوفر على ثلاث جهات قضائية :
· جهة القضاء العادي الذي يتألف من محاكم الجماعات والمقاطعات والمحاكم الابتدائية وهي المحاكم ذات الولاية العامة ؛
· جهة القضاء الإداري الذي يتألف من المحاكم الإدارية المحدثة بمقتضى القانون رقم 41.90 في 1993.11.3 وهي محاكم عادية مختصة بالبث في المنازعات الإدارية ؛
· جهة القضاء التجاري الذي يتألف من المحاكم التجارية التي تم إدراجها في إطار التنظيم القضائي للمملكة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.98.118 بتاريخ 1998.9.22 وهي بدورها محاكم عادية مختصة بالبت في المنازعات التجارية.
وإذا كان عنوان المداخلة التي عرضت علينا قد يفيد بأن المشرع قد حدد للمتقاضين أمام المحاكم التجارية إجراءات خاصة بهم، إلا أن الأمر خلاف ذلك فالقانون المحدث للمحاكم التجارية حدد القواعد العامة للتقاضي أمام هذه المحاكم، وهي قواعد تخص جميع المتقاضين يتعين على الكل احترامها سواء فيما يتعلق بالاختصاص النوعي أو المكاني وكذا قواعد المسطرة أمام هذه المحاكم.
I. قواعد الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية.
إن الحديث عن إجراءات التقاضي أمام المحاكم التجارية يقتضي بالضرورة تحديد اختصاص هذه المحكمة كما تناولته المادة 5 من قانون 53.95 إذ أن هذه المحاكم باعتبارها محاكم خاصة بالمنازعات التجارية فلا تختص سوى بالمنازعات التي خصها بها المشرع على سبيل الحصر دون غيرها، إذ جاء في المادة أعلاه :
إن المحاكم التجارية تختص بالنظر في :
– الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية ؛
– الدعاوى التي تنشأ بين التجار المتعلقة بأعمالهم التجارية ؛
– الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية ؛
– النزاعات التي تنشأ بين شركاء في شركة تجارية ؛
– النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية.
ومن جهة أخرى فإن المادة 61 من نفس القانون حددت الاختصاص القيمي لهذه المحاكم في مبلغ ,0020.000 درهم.
وبذلك يتبين أن اختصاص المحاكم التجارية ينعقد للبت في النزاعات المتعلقة بالأعمال التجارية الأصلية وبالأعمال الشكلية أو التبعية، أي يتعين للقول باختصاص المحكمة التجارية تحديد طبيعة العمل التجاري موضوع النزاع. وفي هذا الإطار جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 1999.07.22 في الملف عدد 1182/99/9 “أنه بالرجوع إلى أوراق الملف يتجلى على أن الطرف المستأنف أبرم عقد التأمين بمناسبة العمل الذي يمارسه والذي يتجلى في تجارة مواد البناء.
وحيث أنه إذا كان إبرام عقد التأمين مع المستأنف عليها يشكل في حد ذاته عملا مدنيا، إلا أنه نظرا لصدوره عن التاجر على اعتبار أن المستأنفين يمارسون تجارة مواد البناء وارتباطه بهذا العمل التجاري فإنه يكتسب الصفة التجارية بالتبعية. تطبيقا لقاعدة أن الفرع يتبع الأصل”.
ومن جهة أخرى، فإن المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 5 أعلاه، أجاز الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر. إلا أنه في حالة عدم وجود هذا الاتفاق فإن السؤال الذي يثار هو ما إذا كانت هذه المحاكم لا تختص إلا في حالة وجود هذا الاتفاق أم يجوز للمدعى غير التاجر اللجوء مباشرة إلى المحاكم التجارية بخصوص الأعمال المختلطة.
من خلال العمل القضائي للمحاكم التجارية يتبين أنه لا إشكال في حالة كون المدعى عليه تاجرا لأن الذي يهم هنا هو المركز القانوني للمدعى عليه، إذ يكون للمدعي المدني الخيار بين اللجوء إلى القضاء المدني أو القضاء التجاري لمقاضاة المدعى عليه التاجر. وفي هذا الاتجاه ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، في القرار الصادر بتاريخ 18-3-1999 تحت عدد 317/99 في الملف عدد 232/99/10 أنه : حتى على فرض أن المستأنف ضده شخص مدني فإن له الخيار في اللجوء إلى محكمة الطاعنة التي لم تنازع في صفتها التجارية بحكم أنها شركة مساهمة تخضع لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة………وبما أن الطاعنة تاجرة وقد ارتكبت أفعالا حسب زعم المستأنف ضده بمناسبة نشاطها التجاري فإن الاختصاص يكون منعقدا للمحكمة التجارية”.
أما إذا كان المدعى عليه طرفا مدنيا فإن مآل النزاع يرتبط بإرادته، ففي حال قبوله بالمنازعة أمام المحكمة التجارية دون إثارة الدفع بعدم الاختصاص، فإن هذا الرضا ينزل منزلة الاتفاق المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 5 أعلاه، أما إذا رفض ذلك وأثار الدفع بعدم اختصاص المحكمة التجارية، فإنه في هذه الحالة يتعين التصريح بعدم الاختصاص، وعلى المدعي التاجر اللجوء إلى المحكمة المدنية لمقاضاته وفي هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 1998.11.5 في الملف عدد 10.98.413 : “حيث أنه بالرجوع إلى العقد المبرم بين الطرفين فإنه يتعلق ببناء فيلا … وأن هذا العقد إذا كان يعتبر عملا تجاريا بالنسبة للمدعية فهو عمل مدني بالنسبة للمدعى عليه خاصة و أن المستأنفة لم تدل بأية حجة تثبت اعتياد المستأنف ضده شراء العقارات قصد تغييرها وإعادة بيعها، مما يعتبر معه العمل مختلطا ينعقد الاختصاص للنظر فيه إلى محكمة المستأنف ضده الذي يعتبر العمل بالنسبة إليه عملا مدنيا”.
حالة أخرى فإن النزاع قد يتضمن جانبا مدنيا، إذ يحصل أن يكون النزاع في مجموعه بين تاجرين وبخصوص أعمالهما التجارية إلا أنه يتضمن جانبا مدنيا، المثال على ذلك عقود القرض المبرمة بين تاجرين التي تعرف تدخل طرف مدني باعتباره كفيلا، علما أن عقد الكفالة عقد مدني وبالتالي فإن الضامن قد يثير دفعا بعدم اختصاص المحكمة التجارية بعلة أنه غير تاجر. لهذا تدخل المشرع في المادة 9 من القانون المحدث للمحاكم التجارية ونص على أنه : “تختص المحكمة التجارية بالنظر في مجموع النزاع التجاري الذي يتضمن جانبا مدنيا.” وفي هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء : “أن الثابت من وثائق الملف أن كلا من المدعية الأصلية شركة كنكلي والبنك الشعبي للغرب تاجرين وأن النزاع القائم بينهما بسبب معاملاتهما التجارية وأن الكفيلين ….. وإن كانا شخصين مدنيين إلا أنهما كفلا شركة تجارية بمناسبة عملها التجاري يكون التزامهما اتجاه البنك متفرعا عن الالتزام الأصلي مما يبقى معه الاختصاص منعقدا للمحاكم التجارية للنظر في مجموع النزاع ولو كان الطرف شخصا مدنيا وهو المبدأ الذي كرسته المادة 9 من القانون المحدث للمحاكم التجارية بعد هذا يمكن القول بأن القول بأن شركات المساهمة باعتبارها شركات تجارية بحسب شكلها وكيفما كان غرضها طبقا للفقرة الأولى من المادة 15 من قانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة فإن جميع الأعمال التي تقوم بها والمرتبطة بنشاطها التجاري تكتسب صفة الأعمال التجارية بالتبعية، وبالتالي فإنها ما دامت مدعى عليها فإن الاختصاص ينعقد للمحاكم التجارية. وقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء :” إن المنازعة وإن انصبت على عقد مدني، إلا أنه اعتبارا لصدورها عن تاجر وارتباطها بنشاطه التجاري فإنها تكتسب الصفة التجارية بالتبعية، وما يعزز ذلك ما نصت عليه المادة 10 من مدونة التجارة التي تقر أن الوقائع والأعمال التي يقدم التاجر بمناسبة تجارته يفترض أنها تجارية ما لم يثبت ما يخالف ذلك”.
أما إذا كانت مدعية فإنه يتعين البحث في الصفة التجارية للمدعى عليه ومدى ارتباط النزاع بأعماله التجارية.
وهنا يأتي الحديث عن شركات العمران باعتبارها شركات مساهمة تملك الدولة أسهمها، فإنها متى أبرمت العقد بصفتها هذه، أي بصفتها شركة مساهمة أي شركة تجارية بحسب شكلها فإن الاختصاص في حالة النزاع يبقى منعقدا للمحاكم التجارية.
إلا أن هذه الأخيرة قد تبرم عقودا في إطار صفقات عمومية مع أشخاص القانون الخاص مع وجود أحد أطراف القانون العام.
وفي هذا الإطار جاء في أمر لقاضي المستعجلات للمحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 26-2-2007 في الملف عدد 37/3/2007 بين شركة ديار المنصور وهي شركة مساهمة وبين شركة ميتب وهي بدورها شركة مساهمة : “أنه بالرجوع إلى دفتر التحملات المدلى به من طرف المدعية نفسها يتبين أن الصفقة موضوع النزاع بين الطرفين تخضع للشروط الإدارية العامة وكذا لمنشور 6-10-1959 المتعلق بصفقات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، فهي بذلك صفقة عمومية وتعتبر تبعا لذلك عقدا إداريا.
وحيث إنه طبقا للمادة 8 من قانون إحداث المحاكم الإدارية فإن هذه الأخيرة تختص في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية مما يكون معه قاضي المستعجلات بالمحكمة التجارية بالرباط غير مختص للبت في النازلة.
2-الإجراءات المسطرية أمام المحاكم التجارية
تتميز المسطرة أمام المحكمة التجارية باعتمادها لقانون المسطرة المدنية كقانون عام، إذ جاء في المادة 19 من قانون إحداث المحاكم التجارية على أنه :”كما تطبق أمام المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص على خلاف ذلك” وبذلك فإن تقديم المقال الافتتاحي للدعوى وكذا المقال الاستئنافي وإجراءات الاستدعاء تخضع لقواعد المسطرة المدنية وكذا الشأن بالنسبة لاختصاصات رئيس المحكمة.
وبمقتضى المادة 13 من قانون إحداث المحاكم التجارية يلزم الترافع أمامها بواسطة محام وبمجرد تسجيل المقال تتبع الإجراءات التالية :
· يعين رئيس المحكمة حالا قاضيا مقررا ؛
· يحال الملف على القاضي المقرر خلال 24 ساعة ؛
· يعين القاضي المقرر تاريخ أقرب جلسة تعرض فيها القضية يستدعي لها الأطراف ؛
· إذا لم تكن القضية جاهزة للبت فيها، أمكن للمحكمة أن تؤجلها إلى أقرب جلسة أو ترجعها إلى القاضي المقرر ؛
· وجوب تحرير تاريخ النطق بالحكم عند وضع القضية في المداولة (المادة 17) ؛
· وجوب تحرير الحكم كاملا قبل النطق به ؛
· يتعين على المحكمة أن تبت بحكم مستقل في الدفع بعدم الاختصاص داخل 8 أيام ؛
· يستأنف الحكم بخصوص الدفع بعدم الاختصاص النوعي داخل أجل 10 أيام من التوصل ؛
· تستأنف باقي الأحكام الصادرة عن المحكمة التجارية داخل أجل 15 يوما من التوصل.
كما يتميز قانون إحداث المحاكم التجارية :
· بتحديد آجال قصيرة بالنسبة لإجراءات التنفيذ ؛
· بإمكانية الحكم بمبلغ مسبق من الدين ؛
· بإحداث مؤسسة القاضي المكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ.
كما أن قاضي المستعجلات يمارس، إضافة إلى الاختصاص العام المنصوص عليه في المادة 21 من قانون إحداث المحاكم التجارية، صلاحية البت في قضايا محددة بمقتضى نصوص خاصة وهي تلك المنصوص عليها في مدونة التجارة (المواد 363 و370 و373 و435) أو في قانون شركات المساهمة (المواد15-49-115-157-167-179-212-221) إضافة إلى الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة في مجال صعوبة المقاولة، خاصة تلك المرتبطة بالرقابة الخارجية للمقاولة المادة (548 من مدونة التجارة).
ونأكد في الأخير أن الإجراءات المسطرية أمام المحكمة التجارية هي إجراءات عامة تخص جميع المتقاضين أمامها.
اترك تعليقاً