الأسناد التجارية
الأسناد التجارية les effets de commerce (أو الأوراق التجارية كما يطلق عليها في تشريعات بعض البلدان العربية) هي صكوك محررة وفق أشكال معينة قابلة للتداول بالطرق التجارية، وتمثل حقاً بمبلغ معين من النقود[ر] يستحق الوفاء لدى الاطلاع أو بعد أجل. وهي على ثلاثة أنواع: السفتجة، والسند لأمر، والشيك. وهذه الأسناد تختلف من جهة عن القيم المنقولة (الأوراق المالية)[ر]، كما تختلف من جهة أخرى عن الأوراق المصرفية (النقود).
السفتجة
الشكل (1)
تعريفها: السفتجة (كلمة فارسية) كما هي التسمية في سورية ولبنان والجزائر والعراق، أو الكمبيالة في باقي التشريعات العربية، هي صك محرر وفق شكل معين، يأمر بموجبه شخص اسمه «الساحب» شخصاً آخر اسمه «المسحوب عليه» بأن يدفع في مكان محدد مبلغاً نقدياً في تاريخ معين أو بمجرد الاطلاع، لأمر شخص ثالث اسمه «المستفيد». وتصاغ السفتجة بالطريقة المبينة في الشكل (1) أو ما يماثلها:
يظهر من هذا الشكل أن السفتجة عند إنشائها تفترض وجود ثلاثة أشخاص هم: الساحب (موفق الأزرق) وهو الآمر بالدفع، والمسحوب عليه (سليمان الحموي) وهو المأمور بالدفع، والمستفيد (عزت الخلايلي) وهو من صدر الأمر بالوفاء لمصلحته أي إنه الدائن بقيمة السفتجة.
إنشاؤها: يخضع إنشاء السفتجة لتوافر نوعين من الشروط. شروط موضوعية تتمثل بأن يكون الموقع على السفتجة أهلاً قانوناً للالتزام بها، وبأن يكون رضاه خالياً من عيوب الإرادة، ولالتزامه محل وسبب صحيحان. وشروط شكلية تتمثل بأن تحرر السفتجة بصك مكتوب، على نسخة واحدة أو عدة نسخ، يتضمن عدداً معيناً من البيانات الإلزامية إضافة لما قد تتضمنه من بيانات أخرى اختيارية.
والبيانات الإلزامية تشمل مايلي: ذكر كلمة سفتجة في متن السند وباللغة المستعملة في تحريره وأمر غير معلق على شرط بأداء مبلغ من النقود واسم المسحوب عليه وتاريخ الاستحقاق ومكان الأداء واسم المستفيد وتاريخ إنشاء السفتجة ومكانه وتوقيع الساحب. وإذا ماخلا سند ما من أحد البيانات المذكورة فإنه لا يعتد به كسفتجة إلا في حالات ثلاث: الأولى حالة السفتجة الخالية من ذكر تاريخ استحقاقها، وتعد مستحقة الدفع لدى الاطلاع عليها، والثانية حالة السفتجة الخالية من بيان مكان الأداء، ويعدّ المكان المذكور بجانب اسم المسحوب عليه مكاناً لوفائها، والثالثة حالة السفتجة الخالية من ذكر مكان إنشائها، وتعدّ منشأة في المكان المذكور بجانب اسم الساحب. أما البيانات الاختيارية فمنها:
ـ شرط الوفاء في محل مختار: وهو يفترض أن السفتجة مسحوبة على شخص لكنها تدفع في موطن شخص آخر قد يكون في جهة تختلف عن جهة موطن المسحوب عليه. وهذا ما يسمى بتوطين السفتجة، ويلجأ عادة إلى توطين السفتجة من أجل خدمة مصالح المسحوب عليه الذي يكون على سفر متواصل. فخوفاً من أن تتم المطالبة بتاريخ الاستحقاق وهو غائب فينظم الاحتجاج لعدم الوفاء ضده، فإنه ينيب مصرفه الذي يتعامل معه ليقوم بالوفاء عوضاً عنه. وقد يحقق التوطين فائدة لمصلحة الحامل إذا كان موطن المسحوب عليه بعيداً. فيختار مكاناً آخر للوفاء يكون قريباً من موطن الحامل المذكور.
ـ شرط عدم الضمان: الأصل أن جميع الموقعين على السفتجة هم ضامنون وفاء قيمتها إذا تخلف المسحوب عليه عن ذلك. إلا أن القانون أجاز للمظهرين اشتراط إعفائهم من الضمان. لكن المظهر الذي يضمّن السفتجة مثل هذا الشرط لا يستفيد منه إلا هو من دون غيره.
ـ شروط الرجوع من دون مصاريف: ليتمكن حامل السفتجة من الرجوع على الملتزمين بالسفتجة إذا رفض المسحوب عليه الوفاء أو القبول، عليه أن ينظم احتجاجاً لعدم القبول أو لعدم الوفاء. لكن تفادياً لما يرتبه الاحتجاج المذكور من تكاليف ونفقات وما قد يلحقه من إساءة إلى سمعة وائتمان المنظَّم بحقه، فإن القانون أجاز للساحب أو للمظهِّر أو للضامن الاحتياطي تضمين السفتجة شرط الرجوع من دون مصاريف أو من دون احتجاج، بمعنى أن رجوع الحامل على الملتزمين بالسفتجة يكون بناء على الثقة بكلامه أن المسحوب عليه لم يقبل أو لم يفِ السفتجة.
تداولها بالتظهير: تمثل السفتجة حقاً بمبلغ معين من النقود. فهي تنتقل إذن، ككل حق مالي، عن طريق الإرث والوصية أو بطريق حوالة الحق. لكن، لما كان التنازل عنها بهذه الطرق لا يرتب لحاملها الضمانات الكافية باستيفاء قيمتها، ولا ينسجم مع ما تتطلبه التجارة من سرعة وسهولة، فإن التعامل التجاري ابتدع طريقة أيسر وأفضل هي التظهير.
والتظهير، الذي يطلق عليه في ليبية «التدوير» وفي مصر «التحويل» وفي الأوساط التجارية «التجيير» المأخوذ عن الكلمة الإيطالية giro، هو تصرف قانوني تنتقل بموجبه السفتجة من المظهِّر إلى المظهَّر له.
ويثبت هذا التصرف ببيان يدل عليه ويُدوَّن عادة على ظهر الصك، ومن هنا أتت تسمية التصرف المذكور باسم التظهير.
وهو على ثلاثة أنواع: تظهير ناقل للحق، وتظهير توكيلي، وتظهير تأميني.
1 ـ التظهير الناقل للحق: وهو التظهير الذي يهدف إلى نقل الحق الثابت بالسفتجة من المظهِّر إلى المظهِّر له، وهو أكثر أنواع التظهير شيوعاً. ويشترط بهذا التظهير أن يقع على كامل مبلغ السفتجة، فالتظهير الجزئي باطل، وأن يكون باتاً غير معلق على شرط، فكل شرط يعلق عليه التظهير يجعل الشرط باطلاً ويبقى التظهير صحيحاً.
ويكتب التظهير على السفتجة نفسها أو على ورقة متصلة بها. ويتم صوغه باستخدام إحدى العبارات التالية أو ما هو بمعناها مثل: «وعنّي دفع المبلغ لأمر فلان» أو «ظُهِّرت لفلان». وتوضع العبارة في أي مكان من السفتجة سواء على صدرها أو على ظهرها. لكن العادة جرت أن تدون عبارة التظهير على ظهر الصك تفادياً للوقوع في الالتباس مع التصرفات الأخرى التي ترد على صدر الصك كالقبول أو الضمان. وتذيّل العبارة المستعملة بتوقيع المظهر.
أما تحديد هوية المظهر له، فقد أجاز القانون، أن يعين المظهر اسم المظهر له فيقال إن التظهير اسمي، كأن يكتب المظهر «وعني دفع المبلغ لأمر السيد أحمد السريالي» ثم يوقع، أو ألاّ يعين اسم المظهر له ويكتفي بتوقيعه على ظهر السفتجة فيقال إن التظهير على بياض، أو أن يضع المظهر توقيعه مسبوقاً بعبارة «وعنا دفع المبلغ للحامل» فيقال إن التظهير للحامل. تجدر الإشارة إلى أن التظهير للحامل والتظهير على بياض تنطبق عليهما الأحكام نفسها.
وينقل التظهير الناقل للحق جميع الحقوق الثابتة بالسفتجة من المظهر إلى المظهر له. وللمظهر له أن يظهر السفتجة من جديد. وهو بهذه الحالة يلتزم ضمان وفاء المسحوب عليه لها ما لم يشترط إعفاءه من ذلك. أما إذا استبقى المظهر له السفتجة معه، فله أن يطالب المسحوب عليه بقيمتها في تاريخ استحقاقها، فإن لم يفها الأخير جاز له أن يرجع على أي من الموقعين السابقين عليها.
2ـ التظهير التوكيلي: إنه التظهير الذي يخوِّل المظهَّر له الحق بتسلم مبلغ السفتجة لمصلحة المظهِّر. وهو ذائع في عالم التجارة. فقد يكون التاجر على سفر، أو كثير المشاغل، الأمر الذي يعرضه إلى إغفال المطالبة بالسفاتج التي يحملها في مواعيد استحقاقها، أو قد تكون السفاتج تستحق في مناطق بعيدة عن موطنه. لذلك كله يعمد التاجر المذكور إلى تظهير هذه السفاتج إلى المصرف الذي يتعامل معه ويكلفه قبض قيمتها وتسجيلها في حسابه بمقابل مبلغ معين يسمى عمولة التحصيل. ويشترط في هذا التظهير أن يتضمن صراحة ما يفيد معنى قبض السفتجة بالوكالة. كأن يكتب المظهر «وعني دفع المبلغ لأمر زيد والقيمة للتحصيل» أو «القيمة للقبض» ثم يوقع تحت العبارة المستعملة.
3ـ التظهير التأميني: ويقصد منه رهن الحق الثابت بالسفتجة ضماناً لوفاء دين للمظهَّر له بذمة المظهِّر أو بذمة شخص آخر. ويصاغ هذا التظهير باستعمال عبارة تدل على معناه، كأن يكتب «التظهير على سبيل الضمان» أو «القيمة موضوعة رهناً» أو غير ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التظهير نادر الوقوع في الحياة العملية لأسباب متعددة أهمها عدم الثقة بملاءة من رهن السفتجة، الأمر الذي يقلل من إقبال الناس على التعامل بها.
ضمانات وفاء السفتجة: أحاط القانون وفاء السفتجة بسياج من الضمانات لكي يطمئن حاملها بالحصول على قيمتها في ميعاد استحقاقها، وتتمكن بالتالي من أداء وظيفتها أداةً للوفاء تقوم مقام النقود.
فقد أقرّ القانون مبدأ استقلال التواقيع الذي يقضي بأن السفتجة إذا تضمنت تواقيع أشخاص لا تتوافر لهم أهلية الالتزام بها، أو تواقيع مزورة، أو تواقيع أشخاص وهميين، فإن التزامات الموقعين الآخرين عليها تظل مع ذلك صحيحة.
كما تبنّى قاعدة تطهير الدفوع التي لا يجوز بمقتضاها للمدين بالسند التجاري أن يمتنع عن الوفاء لحامله الحسن النية مستنداً إلى الدفوع التي كان بإمكانه التمسك بها تجاه أحد الموقعين السابقين. بمعنى أن تداول السند التجاري يعمل على نقل الحق الثابت به من المظهر إلى المظهر له خالياً مطهراً من الدفوع.
ولم يقف القانون عند هذا الحدّ، بل عني بزيادة ضمانات الحامل، إذ نقل إليه الحق بمقابل الوفاء، وأجاز له أن يعرض السفتجة على المسحوب عليه لقبولها، وأن يطلب تقديم ضمانة احتياطية. وجعل جميع الموقعين على السفتجة ملتزمين بالتضامن فيما بينهم للوفاء بقيمتها إزاءه.
مقابل الوفاء: مقابل الوفاء هو دين بمبلغ معين من النقود مترتب للساحب في ذمة المسحوب عليه. وهو يمثل علاقة مستقلة عن سحب السفتجة.
تنشأ السفتجة في الأصل لتسوية علاقة قانونية سابقة بين الساحب والمستفيد، ويفترض أن الساحب أصبح بمقتضاها مديناً للمستفيد بمبلغ معين من النقود. والساحب من أجل إبراء ذمته من هذا الدين، يقوم بسحب السفتجة لمصلحة المستفيد، ويتعهد له بأنه سيقبض قيمتها من المسحوب عليه الذي وجه له أمراً بالدفع. ومن الطبيعي عندئذ أن يلتزم الساحب المذكور بأن يقدم للمسحوب عليه الوسيلة أو الأداة (مقابل الوفاء) التي تمكنه من تنفيذ الأمر الصادر إليه. ويشترط في هذا المقابل أن يكون مبلغاً من النقود، وأن يكون موجوداً لدى المسحوب عليه في تاريخ استحقاق السفتجة ومساوياً على الأقل لمبلغها. والقانون، زيادة في حماية المتعاملين بالسفتجة، أقر انتقال مقابل الوفاء إلى حملتها المتعاقبين.
القبول: هو تعهد المسحوب عليه بدفع قيمة السفتجة بتاريخ استحقاقها. صحيح أن السفتجة تتضمن أمراً موجهاً من الساحب إلى المسحوب عليه لدفع مبلغ معين من النقود إلى المستفيد في ميعاد الاستحقاق، لكن هذا الأمر لا يرتب التزام المسحوب عليه بالوفاء. فالأصل أن الإنسان يلتزم بإرادته لا برغبة الغير. ولهذا فالمسحوب عليه الذي لم يقبل السفتجة لا يستطيع الحامل مطالبته إلا بمقابل الوفاء الذي انتقل إليه بحكم القانون، ويحق للمسحوب عليه في هذه الحالة دفع مطالبة الحامل بجميع الدفوع المتعلقة بالمقابل المذكور، كالدفع بعدم مشروعية سببه مثلاً.
لكن إذا وقع المسحوب عليه على السفتجة بقبولها، فإنه يدخل دائرة الالتزامات الصرفية بها وينشأ في ذمته التزام صرفي مباشر إزاء الحامل. وهذا الالتزام مستقل ومنقطع الصلة بالتزامه السابق إزاء الساحب. ولذلك لا يكون في وسع المسحوب عليه دفع مطالبة الحامل بالحجج التي كان بإمكانه أن يدفع بها تجاه الساحب.
وللحامل من حيث المبدأ، الخيار في أن يعرض السفتجة على المسحوب عليه لقبولها أو لا. فقد يقدر أن المسحوب عليه لن يمتنع عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق، لذلك فإنه يصرف النظر عن عرضها عليه للقبول. لكن ترد على هذا المبدأ بعض الاستثناءات فأحياناً يلزم الحامل بعرض السفتجة على المسحوب عليه للقبول: كأن تكون السفتجة قد تضمنت شرطاً من الساحب أو أحد المظهرين بضرورة تقديمها للقبول، أو تكون مستحقة الدفع بعد مدة معينة من الاطلاع عليها إذ يجب على الحامل هنا عرضها على المسحوب عليه لقبولها كي يمكن تحديد تاريخ استحقاقها. وأحياناً أخرى يحظر على الحامل عرض السفتجة للقبول كأن يكون الساحب قد ضمنها شرطاً بهذا الحظر.
وفي كل الأحوال، فإن المسحوب عليه ليس ملزماً بقبول السفتجة. فقد لا يكون وصله مقابل الوفاء من الساحب، أو أنه يفضل أن يدفع قيمتها بتاريخ الاستحقاق من دون أن يلتزم بها التزاماً صرفياً قبل ذلك.
تتحدد المدة التي يجوز أن يقع فيها القبول بين تاريخ تحرير السفتجة واليوم الذي يسبق تاريخ الاستحقاق. وقد يرد القبول على جزء من قيمة السفتجة لكن لا يصح تعليقه على شرط.
ويحرر القبول على السفتجة نفسها ويعبر عنه بكلمة «مقبول» أو أية عبارة أخرى تدل على معناه، مثل «قبلت» أو «سأدفع» وغير ذلك، ثم تذيل العبارة المستعملة بتوقيع المسحوب عليه.
وأهم ماينتج عن هذا القبول التزام المسحوب عليه بالوفاء، واتخاذ هذا القبول قرينة على وصول مقابل الوفاء إليه من الساحب.
الضمان الاحتياطي: الضامن الاحتياطي هو الشخص الذي يكفل وفاء السفتجة على وجه التضامن مع من ضمنه إذا تخلف المسحوب عليه عن الأداء وغالباً ماتنهض المصارف بالضمان خدمة للذين يتعاملون معها.
يقع الضمان على السفتجة أو بصك مستقل. ويجب أن يحدد فيه اسم الشخص المضمون ساحباً أو مظهّراً أو مسحوباً عليه، فإن أغفل ذلك، يعد الضمان حاصلاً لمصلحة الساحب على أساس أن الوفاء من الساحب أو ضامنه يبرئ جميع المظهّرين.
ويترتب على عملية الضمان أن يلتزم الضامن الاحتياطي بكل ما يلتزم به الشخص المضمون. كما أن الضامن، إذا نفذ الضمان ووفى قيمة السفتجة فإنه يكتسب جميع الحقوق الناشئة عنها تجاه الشخص المضمون والموقعين السابقين له.
تضامن الموقعين: من المبادئ المهمة في قانون الصرف (وهو مجموعة القواعد التي تنطبق على الأسناد التجارية) أن كل من يوقع على سند تجاري فإنه يضمن وفاءه لحامله إذا تخلف المدين بالسند عن هذا الوفاء. ففي السفتجة قضى القانون بأن ساحبها ومظهّرها وقابلها وضامنها الاحتياطي مسؤولون جميعاً قِبَل حاملها على وجه التضامن. ولحاملها مطالبتهم منفردين أو مجتمعين من دون أن يلتزم بمراعاة ترتيب التزام كل منهم.
وفاء السفتجة: الأصل أن يطالب حامل السفتجة بوفاء قيمتها بتاريخ الاستحقاق. فليس له أن يلزم المسحوب عليه بوفائها قبل هذا التاريخ. كما ليس للمسحوب عليه المدين بها أن يجبر الحامل على تسلّم قيمتها قبل الميعاد المحدد للوفاء.
لكن يجوز أن يمتد أجل الوفاء اتفاقياً إذا رضي الحامل بذلك، أو قانونياً كما لو حدثت قوة قاهرة، أو صادف وقوع الاستحقاق في يوم عطلة رسمية فيمتد أجل الوفاء حكماً إلى ما بعد زوال القوة القاهرة أو إلى أول يوم عمل بعد العطلة الرسمية.
يتحدد مبلغ الوفاء بالقيمة المدوّنة في السفتجة. ومع ذلك يجوز الوفاء الجزئي وإذا مارفض الحامل وفاء جزئياً فإنه يُحرم الرجوع على الملتزمين بالسفتجة بقدر الجزء الذي عرضه المسحوب عليه للوفاء. ثم إذا وقع تحريف في مبلغ السفتجة فالحكم، على أن الأشخاص الموقعين عليها بعد التحريف يلزمون بما تضمنه النص المحرف. أما الموقعون قبل التحريف فلا يلزمون إلا بما ورد في النص الأصلي.
ويثبت وفاء السفتجة عادة بأن يسترجع المدين بها صكّها موقعاً عليه من الحامل بما يفيد التخالص أو الإبراء من الدين. وفي حال ضياع السفتجة الأصلية، فإن الوفاء يتم بموجب نسخة أخرى عنها أو بموجب أمر من المحكمة.
وإن كان الوفاء يحصل عادة من المسحوب عليه المدين الأساسي بالسفتجة، فإنه يمكن أن يقع من شخص آخر يتدخل لهذا الغرض يسمى « الموفي بطريق التدخل».
الامتناع عن الوفاء والرجوع: إذا رفض المسحوب عليه وفاء قيمة السفتجة بتاريخ استحقاقها يحق للحامل الرجوع على الملتزمين بها لأنهم ضامنون متضامنون في وفائها. لكن لكي يستطيع الحامل ممارسة حق الرجوع يكون عليه أن يثبت امتناع المسحوب عليه عن الوفاء باحتجاج رسمي ينظم لدى الكاتب العدل يطلق عليه الاحتجاج (بروتستو) لعدم الوفاء. ويجب أن يحرر هذا الاحتجاج في يومي العمل التاليين لتاريخ الاستحقاق. وقد يعفى الحامل من تنظيم الاحتجاج المذكور إذا تضمنت السفتجة شرط الرجوع من دون نفقات.
وإذا كان للحامل حق الرجوع على الملتزمين بالسفتجة لعدم وفاء المسحوب عليه بتاريخ الاستحقاق، فإن الحق المذكور يثبت له حتى قبل تاريخ الاستحقاق كما لو حصل امتناع المسحوب عليه عن قبول السفتجة أو أفلس، أو أفلس الساحب المشترط عدم تقديمها للقبول.
أما المبلغ الذي يجوز للحامل الرجوع به على الملتزمين فيتضمن قيمة السفتجة مضافة إليها الفوائد القانونية ونفقات الاحتجاج وغيرها من النفقات. ومتى استوفى الحامل المبالغ المذكورة من أحد الملتزمين كان من حق الأخير الرجوع على الملتزمين الذين يضمنونه بجميع ما دفعه إضافة إلى الفوائد المترتبة من يوم الوفاء والنفقات التي تحملها.
والحامل يطالب الملتزمين إزاءه، إما بالطريق الودي، أو بطريق إقامة الدعوى. لكن لما كان ولوج طريق القضاء يحتاج إلى وقت للحصول على حكم، ولكي لا يتمكن المدين من تهريب أمواله وتبديدها في المدة الواقعة بين رفع الدعوى وصدور الحكم بها، فإن للحامل أن يوقع الحجز التحفظي بل الاحتياطي على منقولات كل ملتزم بالسفتجة ليمكن من التنفيذ عليها بعد صدور الحكم.
سقوط حق الرجوع: يسقط حق الحامل بالرجوع على الملتزمين بالسفتجة لعلتي الإهمال والتقادم.
فالحامل يُعدّ مهملاً إذا لم يراع المواعيد التي حددها القانون للقيام ببعض الإجراءات مثل تقديم السفتجة للقبول أو للوفاء، وتنظيم الاحتجاج لعدم القبول أو الوفاء ضمن المواعيد المحددة لها. ويترتب على إهمال الحامل سقوط حقوقه الصرفية إزاء المظهرين والضامنين الاحتياطيين والساحب الذي يثبت وجود مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه بتاريخ الاستحقاق، باستثناء المسحوب عليه القابل.
ومن جهة أخرى، فإن المشرع التجاري، بغية تصفية مراكز الملتزمين بالسفتجة بسرعة وعدم بقائهم مهددين بالرجوع عليهم مدة طويلة، أقر أجلاً قصيراً لحياة هذا السند، فلم يجز سماع الدعوى الناشئة عنه بعد انقضاء مواعيد معينة. فقد قضى بأن جميع الدعاوى الناشئة عن السفتجة والمرفوعة على المسحوب عليه القابل تسقط بمضي ثلاث سنوات على تاريخ الاستحقاق. كما تسقط دعاوى الحامل على المظهّرين والساحب بمضي سنة من تاريخ الاحتجاج المقدم في المدة القانونية، أو من تاريخ الاستحقاق إن تضمنت السفتجة شرط الرجوع من دون نفقات. أما دعاوى المظهرين بعضهم على بعض أو على الساحب فتسقط بمضي ستة أشهر ابتداء من اليوم الذي يفي فيه المظهر قيمة السفتجة أو من يوم رفع الدعوى عليه.
السند لأمر
تعريفه وصوغه: يعرف السند لأمر، ويطلق عليه في بعض البلدان العربية «السند الإذني»، بأنه صك يتعهد بموجبه شخص اسمه «المحرر» بأن يدفع في مكان وزمان معينين، مبلغاً معيناً من النقود، لأمر شخص آخر اسمه «المستفيد».
ويحرر السند لأمر عادة بالصيغة المبينة في الشكل (2) أو بما يقابلها:
الشكل (2)
ويتضح من الشكل (2) أن السند لأمر يختلف عن السفتجة في عدة نقاط أهمها مايلي:
ـ تتضمن السفتجة إنشاء علاقة بين ثلاثة أشخاص هم الساحب والمسحوب عليه والمستفيد، أما أشخاص السند لأمر فهما اثنان المحرر والمستفيد.
ـ تشتمل السفتجة على أمر موجه من الساحب إلى المسحوب عليه بالدفع، في حين يتضمن السند لأمر تعهداً من المحرر بالدفع.
ـ تختص السفتجة بأربع ضمانات هي: القبول ومقابل الوفاء والضمان الاحتياطي وتضامن الموقعين، في حين يقتصر السند لأمر على ضمانتين هما الضمان الاحتياطي وتضامن الموقعين. أما القبول ومقابل الوفاء فلا محل لهما في السند لأمر لأنهما مرتبطان بوجود الشخص الثالث في السفتجة وهو المسحوب عليه.
مدى تطبيق أحكام السفتجة على السند لأمر: درجت أغلب التشريعات التجارية على عدم وضع قواعد خاصة بالسند لأمر واكتفت بالقول إن الأحكام المتعلقة بالسفتجة من حيث التظهير والوفاء والرجوع تتبع جميعاً في السند لأمر فيما عدا الأحكام الخاصة بالسفتجة التي تتعارض مع ماهيته.
الشيك
الشكل (3)
التعريف بالشيك: هو صك يأمر بموجبه شخص يسمى «الساحب» شخصاً آخر هو «المسحوب عليه» ويكون عادة مصرفاً، بأن يدفع لدى الاطلاع مبلغاً معيناً من النقود لأمره أو لأمر شخص آخر أو للحامل، وهو المستفيد.
وتأخذ صيغة الشيك عادة الصورة المبينة في الشكل (3):
إن كان الشيك، كما يتضح، يتضمن وجود علاقة بين ثلاثة أشخاص، ساحب، ومسحوب عليه ومستفيد، شأنه في ذلك شأن السفتجة، فإنه على الرغم من ذلك يختلف عنها في نقاط كثيرة أهمها مايلي:
ـ يجب أن يكون المسحوب عليه في الشيك دائماً مصرفاً، أما المسحوب عليه في السفتجة فقد يكون مصرفاً أو شخصاً عادياً.
ـ يجب أن يكون الشيك مستحق الوفاء لدى الاطلاع دوماً، أما السفتجة فقد تستحق الدفع لدى الاطلاع أو بعد أجل.
ـ يجب أن يكون لساحب الشيك مقابل وفاء (رصيد) كاف لدى المسحوب عليه عند إصداره تحت طائلة التعرض للعقوبة الجزائية، في حين ليس من عقاب جزائي على انتفاء مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه بالسفتجة.
ـ يحرر الشيك باسم شخص معين أو لحامله، في حين يجب ذكر اسم المستفيد بالسفتجة، بمعنى أنه لا يجوز سحبها للحامل.
إنشاء الشيك: يشترط في من يسحب الشيك أن يكون أهلاً قانوناً وأن تكون إرادته سليمة غير مشوبة بعيب من عيوب الرضى، وأن يكون سبب التزامه مشروعاً، ومحل الالتزام دفع مبلغ من النقود.
ويجب أن يتضمن صك الشيك عدداً معيناً من البيانات هي:
ذكر كلمة شيك في متن السند وباللغة التي يكتب بها، وذكر أمر غير معلق على شرط بأداء مبلغ من النقود واسم المسحوب عليه ومكان الأداء ومكان إنشاء الشيك وتاريخه، وتوقيع الساحب.
وقد اعتادت المصارف أن تسلم المتعاملين معها دفاتر شيكات ذات أرومة تحتوي على عدد معين من الصكوك المطبوعة، متسلسلة الأرقام. وهي تحمل اسم الزبون ورقم حسابه ويترك فيها اسم المستفيد والمبلغ وتاريخ السحب ومكانه فارغاً يملأ عند الاستعمال. وقد سمح التقدم التقني المعاصر بأن تضع المصارف بعض الإشارات المغنطيسية على هذه الصكوك تستطيع بوساطتها عند تمرير الصكوك المذكورة داخل آلات إلكترونية كشف كل تحريف أو إضافة إليها والحصول على معلومات سريعة عن حالة الزبون من جهة الرصيد.
تداول الشيك: الشيك أداة وفاء وليس أداة ائتمانِ. فهو يستحق الدفع لدى الاطلاع. لذلك من الطبيعي ألا تمتد حياته كثيراً ولا يكون تداوله بحجم تداول السفتجة والسند لأمر، ولاسيما إذا عُلم أن مهل تقديم الشيك للوفاء هي مهل قصيرة نسبياً.
وتختلف طريقة تداول الشيك تبعاً للشكل الذي أفرغ فيه. فإن كان محرراً لحامله فإن تداوله يتم بطريقة المناولة أي بالتسليم اليدوي. أما إذا كان محرراً باسم شخص معين أو لأمره فإن تداوله يتم عن طريق التظهير. لكن إذا كان محرراً باسم شخص معين وتضمن صراحة عبارة «ليس لأمر» أو أية عبارة أخرى مماثلة، ففي هذه الحالة لا ينتقل الشيك بالتظهير بل بطريق حوالة الحق المدنية. وإن أحكام تداول الشيك تخضع في معظمها لما هو عليه الأمر في السفتجة لذلك فلا حاجة لتكرارها هنا.
ضمانات وفاء الشيك: تقتصر ضمانات الوفاء في الشيك على الضمان الاحتياطي وتضامن الموقعين ومقابل الوفاء. أما القبول فلا محل له في الشيك. والضمانات المذكورة تنطبق عليها جميع الأحكام السالف ذكرها في سياق بحث السفتجة. وتجدر الإشارة إلى أنه إذا سحب شخص عدة شيكات وقدمت في آن واحد وكان ما لدى المسحوب عليه من مقابل وفاء غير كافٍ لوفائها جميعاً، فالنصوص تقضي بوفاء الشيك الأسبق تاريخاً في الإصدار، وإذا تساوى تاريخ الإصدار وكانت الصكوك مفصولة من دفتر واحد فالأولوية بالوفاء تكون للشيك الأسبق رقماً. إضافة إلى تعرض الساحب في هذه الحالة لعقوبة جريمة إصدار شيك من دون مقابل وفاء (من دون رصيد).
وفاء الشيك: الشيك يستحق الوفاء لدى الاطلاع ولذلك أوجب القانون ضرورة تقديمه للوفاء في مدة قصيرة من تاريخ تحريره. وقد تم تحديد هذه المدة في سورية على النحو التالي:
ـ الشيك المسحوب بسورية والواجب الوفاء فيها، يجب تقديمه للوفاء في غضون ثمانية أيام من تاريخ إصداره.
ـ الشيك المسحوب خارج سورية والواجب الوفاء بسورية يجب تقديمه للوفاء في غضون عشرين يوماً إذا كانت جهة إصداره واقعة في أوربة أو في أي بلد يقع على شاطئ البحر المتوسط، وفي غضون سبعين يوماً إذا كانت جهة إصداره واقعة في أي بلد آخر.
ومع ذلك إذا أهمل الحامل تقديم الشيك للوفاء في هذه المواعيد فإن حقه لا يسقط تجاه المسحوب عليه الذي يتوافر لديه مقابل الوفاء، طوال مدة التقادم المحددة بثلاث سنوات من تاريخ انتهاء مهلة التقديم. ولكي يكون وفاء الشيك صحيحاً، على المصرف المسحوب عليه أن يتأكد من صحة الشيك وصحة توقيع الساحب وذلك بمقارنته مع نموذج توقيعه المحفوظ لديه. ويجب على المصرف أن يتأكد من هوية حامل الشيك ليعرف هل هو صاحب الحق فيه؟ وللمصرف الذي يوفي الشيك أن يطلب استرداده من الحامل موقعاً عليه بما يفيد الوفاء.
أما إذا امتنع المصرف عن الوفاء لعدم وجود مقابل الوفاء لديه، فللحامل حق الرجوع على المظهّرين والساحب وغيرهم ممن يضمن وفاء قيمة الشيك شريطة تنظيم احتجاج لدى الكاتب العدل، أو تقديم بيان صادر عن المصرف مؤرخ ومكتوب على الشيك يفيد عدم الأداء مع ذكر يوم التقديم.
التقادم في الشيك: تسقط دعوى حامل الشيك على المصرف المسحوب عليه بمرور ثلاث سنوات على تاريخ انقضاء مهلة تقديم الشيك للوفاء. أما دعوى الحامل على المظهرين والساحب الذي أوجد مقابل الوفاء فتسقط بمرور ستة أشهر على تاريخ انتهاء مهلة التقديم. وكذلك تنقضي دعوى الموقع الموفي تجاه ضامنيه من الموقعين السابقين بمضي ستة أشهر على يوم الوفاء.
أنواع خاصة من الشيكات
الشيك المسطر: وهو الشيك الذي يوضع على صدره خطان متوازيان بينهما فراغ، وهذا الشيك لا يجوز فيه للمسحوب عليه أن يؤدي قيمته إلا إلى أحد زبائنه أو إلى مصرف. والحكمة من التسطير هي اتقاء خطر تزوير الشيك أو سرقته أو ضياعه إذ يتعذر على من يقوم بالتزوير أو يعثر عليه أو يسرقه أن يحصله إلا إذا كان زبوناً للمصرف المسحوب عليه. وهذا أمر قد لا يقدم عليه خوفاً من افتضاح أمره.
الشيك المقيد في الحساب: هو الشيك الذي يدون فيه الساحب أو الحامل عبارة «لقيده في الحساب» على ظهر الشيك أو أية عبارة أخرى مماثلة. وعندئذ لا يجوز للمسحوب عليه وفاء قيمة الشيك نقداً بل يسجله في حساب المستفيد إذا كان له حساب مفتوح عنده، أو يشعر مصرف المستفيد كي يسجل قيمته في الحقل الدائن لحساب الأخير.
الشيك المصدق: هو الشيك الذي يؤشر عليه المصرف المسحوب عليه بالاعتماد. ويترتب على تصديق الشيك (أو اعتماده أو توثيقه) اعتراف المسحوب عليه بوجود مقابل الوفاء وقت التصديق والتزامه بحجز أو تجميد هذا المقابل لمصلحة الحامل إلى حين تقديمه للوفاء. وبهذا يضمن المستفيد استيفاء قيمة الشيك من دون أن يتعرض لخطر عدم وجود رصيد أو وجود رصيد غير كاف. ويستعمل هذا النوع من الشيكات ضماناتٍ تطلبها الدولة من منفذي العقود التي تعلن عنها.
شيك المسافرين: هو الشيك الذي يستخدمه السياح بدلاً من نقل النقود معهم وتعرضهم لمخاطر الضياع أو السرقة. فالسائح الذي يود السفر لبلد أجنبي يذهب إلى المصرف الذي يصدر مثل هذه الشيكات ويسلمه مبلغاً معيناً من النقود. وهذا المصرف يزوده بشيك مسحوب على مصرف يتعامل معه في البلد الذي يود السفر إليه بعد أن يوقع عليه أمام أحد موظفيه. فعندما يصل السائح إلى البلد الآخر ويتقدم إلى المصرف المسحوب عليه لصرف قيمة الشيك، يوقع من جديد أمام أحد موظفيه الذي يجري مقارنة التوقيع الأخير مع التوقيع الأول ويصرف له الشيك عند المطابقة.
اترك تعليقاً