الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة
الفصل الأول : الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة
أراد المشرع المغربي من خلال ظهير 15 نونبر 1958 أن يكرس صراحة حرية الصحافة ، فهذه الأخيرة، وكما أسلفنا ، ترتكز على حرية الرأي وحرية التعبير عن الرأي، ويترتب على آنتفائهما انتفاء المعنى الحقيقي للصحافة، فالتشريعات المؤمنة بهذه الحرية لا تجعل من الإدلاء بالآراء جريمة، إلا أن ممارستها بشكل تعسفي ودون مراعاة حقوق المجتمع بمختلف مكوناته قد يخلف جرائم معاقبا عنها ، ومن تم لايمكن القول بوجود تناقض بين نصوص قانون الصحافة كجزء من ظهير الحريات العامة والفقرة الثانية من الفصل التاسع من الدستور ، والتي تنص صراحة على حريتي الرأي والتعبير .
إن أهم ما تعاني منه المؤسسة الصحفية – وعلى غرار مختلف المؤسسات هو خضوعها لمجموعة من القوانين ، فتخضع في أحد جوانبها- باعتبارها مقاولة – للقانون التجاري ومايخلفه ذلك من آثار، خاصة التقييد التجاري ، ثم لقانون الشغل في إطار العلاقة التي تجمع صاحب المؤسسة الصحفية باعتباره مشغلا مع الصحفيين العاملين تحت سلطته باعتبارهم أجراء ، ثم لقانون الإلتزامات والعقود في إطار تحديد المسؤولية المدنية لرجال الصحافة ، ثم للقانون الإداري إذا تعلق الأمر بمؤسسة إعلامية عمومية أو شبه عمومية ، أما من الناحية الزجرية ، فهي تخضع لظهير 15 نونبر 1958 بمثابة قانون الحريات العامة في شقها الخاص بقانون الصحافة من جهة ، ومن جهة أخرى فهي تخضع للقانون الجنائي ، ومن الناحية الإجرائية ، فالمسطرة المتبعة لمحاكمة الصحفي عن أفعاله الجرمية منصوص عليها في القسم الثاني من الباب الخامس الخاص بالمتابعات والزجر
( الفصول من 70 إلى 76)إضافة إلى قانون المسطرة الجنائية كنص عام.
لغل أهم مايلاحظه كل متصفح لمقتضيات قانون الصحافة هو ذلك العنوان الذي أعطاه المشرع للباب الرابع من القانون المذكور، جاء فيه : << في الجرائم أو الجنح المرتكبة عن طريق الصحافة أو غيرها من وسائل النشر>>.المثير للإستغراب بهذا الصدد هو أن المشرع لم يعتبر الجنح جرائم بل اعتبارها شيئا آخر مستقلا بذاته بآستعماله عبارة ” أو” التي تفيد التخيير وذلك ما يمكن اعتباره سهوا منه، إلا أنه عاد في القسم الأول من الباب المشار إليه ليضع له كعنوان < التحريض على إرتكاب الجرائم والجنح> وذلك ما ينفي سهو المشرع ، بل إصرارا منه على اعتبار الجنح المرتكبة عن طريق الصحافة فعلا آخر لا يدخل في إطار الجريمة وذلك ما يتعارض مع المستقر عليه فقها وقضاءا وكذا مختلف التشريعات ، إذ تقسم الجريمة إلى جنايات وجنح تأديبية وأخرى ضبطية مخالفات ، وبالتالي فقد كان أولى على واضعي قانون الصحافة تسمية هذا الباب: < الجنح والمخالفات المرتكبة عن طريق الصحافة والنشر > أو < الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة والنشر> وذلك ما حاولنا تفاديه ونحن بصدد تحليل الجرائم الواردة في هذا الباب.
من المعلوم أن ظهير 15نونبر 1958 في شقه الخاص بالصحافة لا يضمن أفعالا بمثابة جنايات إلا في حدود ضيقة ، إلا أن ذلك لا يعني أن الصحفي ، وهو بصدد مزاولة مهامه لا يرتكب جناية ، بل العكس من ذلك ، خاصة إذا تعلق الأمر بتوصله إلى سر من أسرار الدفاع الوطني والقيام بنشره خدمة لمصالح أجنبية معادية ، أو علمه بمؤامرة والتزامه الصمت حيالها ، إلى غيرها من الجنايات التي يمكن أن يؤتيها الصحفي وهو يزاول مهامه.
سنكتفي في هذا الفصل بتحليل الجرائم المنصوص عليها في قانون الصحافة فقط دون تلك المنصوص عليها في القانون الجنائي ، وبذلك سنتطرق للجرائم الماسة بالمصلحة العامة في مبحث أول ثم الجرائم الماسة بالمصلحة الخاصة في مبحث ثاني ، على أن نتطرق في مبحث ثالث للإستدراك وحق الجواب.
المبحث الأول : الجرائم الماسة بالمصلحة العامة .
وهو بصدد قيامه بوضع ترسانة قانونية كفيلة بتحقيق اللإستقرار داخل المجتمع بعد الإستقلال ، عمل المشرع المغربي على إعارة الإهتمام للقوانين الزجرية مقتديا في ذلك بالتشريع الفرنسي وبعض التشريعات الغربية محاولا تفادي اللامساواة التي كانت تطبع النظام القانوني خلال فترة الإستعمار، إلا أن أهم ما يعاب على المشرع المغربي وهو بصدد وضع هذه القوانين هو إستعماله لمفاهيم فضفاضة تحتمل تأويلات عديدة إذ يمكن أن يدرج في إطارها أفعالا لا يعتبرها المجتمع جريمة ، وتتكرر المفاهيم في العديد من نصوص القانون .
ويتعلق الأمر باصطلاحات من قبيل : << المصلحة العامة >> و << النظام العام >> و<< الشؤون العامة >> و << الأخلاق العامة >>.
أمام هذا الفراغ القانوني ، حاولنا تحديد المقصود بمفهوم مثل النظام العام بالرجوع إلى أجتهادات الفقه والقضاء ، إلا أنهما لم يهتديان إلى إيجاد تعريف دقيق للمصطلح ، وذلك راجع لما يكتنفه من غموض من جهة وتميزه بالمرونة والنسبية في جهة أخرى, لذلك قيل أن:<<النظام العام يستمد قوته وعظمته من ذلك الغموض المحيط به، فمن مظاهر سموه أنه ظل متعاليا على كل الجهود المبذولة لتعريفه>> .
يقترب مفهوم النظام العام من المصلحة العامة ، إلا أنه لايمكن القول بتطابقهما سواء كانت المصلحة سياسية أو إقتصادية أو أخلاقية ، فالنظام العام يمثل مجموع الدعائم والمصالح الأساسية التي يقوم عليها المجتمع ، وبصيانتها تتحقق المصلحة العامة.
بخصوص الشؤون العامة ، يعتبر المشرع المغربي كل مساس بالنظام الملكي أو شخص الملك أو أعضاء الأسرة الملكية ، وكذا كل ما تنافي مع الدين الإسلامي والوحدة الترابية للمملكة ، أما الآداب العامة ، فكل ما يمكن أن يقال عنها هو أنها تشكل الشق الأخلاقي الذي يعمل على تحقيق المصلحة العامة ، فهي مجموع القواعد الأخلاقية التي يحرص المجتمع غلى التمسك بها لضمان الإستمرارية في مكان وزمان معينين.
قبل ختم الحديث بخصوص هذه المفاهيم ، لا بد من إبداء ملاحظة هامة بخصوص النظام العام ، فهو فكرة تختلف بإختلاف ، الأزمنة والجماعات ، إذ يصعب تحديد مفهومها بصفة دقيقة نظرا لقابليتها للتغير تبعا لظروف الزمان والمكان ، فما يكون مخالفا للنظام العام والمصلحة العامة في مكان أو زمان معينين، قد لا يكون كذلك في زمان ومكان آخرين ، فالرق المباح في زمن ليس بالعبيد يعيد مخالفا للنظام العام في الوقت الحاضر ، كما أن تعدد الزوجات المسموح به في الدول الإسلامية لا يعد كذلك في الدول اللائكية ، فخلاصة القول إن إحترام النظام العام سيؤدي حتما إلى تحقيق المصلحة العامة .
أهم ما نختم به هذه المقدمة هو مناشدتنا المشرع المغربي العمل على تحديد المقصود بالمفاهيم السابقة الذكر بكيفية دقيقة ، خاصة وأن المغرب اختار مسار الديمقراطية الذي يستلزم تنوير الطريق أمام كل راغب في ممارسة الحريات التي يكفلها القانون الأسمى للبلاد.
في إطار المبحث الخاص بالجرائم الماسة بالمصلحة العامة والمرتكبة عن طريق الصحافة بالوسائل المتاحة لها ، نفصل الحديث إلى مطلبين ، الأول يهم التحريض على ارتكاب الجرائم والثاني يبين الجرائم المرتكبة ضد الشؤون العامة.
المطلب الأول : التحريض على ارتكاب الجرائم .
في إطار التحريض على ارتكاب الجرائم يجب التميز بين ذلك المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 129 في القانون الجنائي والمشكل للصورة الأولى من الصور الأربع للمشاركة في الجريمة ،وذلك المنصوص عليه بموجب قانون الصحافة ، فالتحريض الذي جاء في هذا الأخير يكون مستبعد التطبيق كلما صدر بوسائل غير عمومية كالوعود أو التشجيعات المقدمة لمجموعة أفراد ، إلا أن التحريض المنصوص عليه في قانون الصحافة يكون واجب التطبيق كلما ورد بوسائل المادة 38، ومطابقا لنوع من الأنواع المنصوص عليها في نفس القانون .
أولا : أنواع التحريض
نص المشرع المغربي على خمسة أنواع من التحريض في إطار قانون الصحافة ، أربعة منها وردة في القسم الخاص بالتحريض على ارتكاب الجرائم وواحدة منهم واردة في قسم الجنح المرتكبة ضد الشؤون العامة ويتعلق الأمر ب<< التحريض على سحب الأموال من الصناديق العمومية >> إلا أن المسؤولية عن هذه الجرائم تختلف حسب كل نوع وفق ما سنبينه.
• التحريض المتبوع بأثر .
• التحريض غير المتبوع بأثر .
• تحريض الجنود على عدم الطاعة .
• تحريض الناس على سحب الأموال من الصناديق العمومية .
• التحريض على الميز العنصري .
سنحاول تحليل كل جريمة بتوضيح عناصرها والجزاء المقرر من قبل المشرع .
1- التحريض المتبوع بأثر :
– انطلاقا من الفقرة الأولى من الفصل 38 من قانون الصحافة، يعاقب كشريك في ارتكاب عمل يعتبر جريمة سواء أكان جناية أو جنحة، كل من حرض مباشرة شخصا أو عدة أشخاص على ارتكاب الجريمة إذا كان لهذا التحريض مفعولا فيما بعد ، وذلك إما بواسطة الخطب أو الصراخ أو التهديدات المفوه بها في الأماكن العمومية أو الاجتماعات العمومية ، وإما بواسطة المكتوبان أو المطبوعات المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية ،وإما بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم ، أو بواسطة وسائل الإعلام السمعية والبصرية والإلكترونية .
– من خلال الفصل 38 من القانون المذكور ، يتضح أن قانون الصحافة لم يشر إلى التحريض الذي قد يتم بواسطة الرسوم والصور المنصوص عليه في الفصل 455 من القانون الجنائي ، والذي تناول التحريض على الإجهاض ، ولكن تتحقق جريمة التحريض يجب توافر العناصر الأساسية وهي كالتالي :
• أن يكون التحريض مباشرا : ويقتضي الدعوة إلى ارتكاب الجريمة أو مجموعة من الجرائم المحددة ، ويترتب عن عدم إثبات علاقة السببية بين التحريض والجنحة أو الجناية المقترفة عدم متابعة الشخص بالتحريض المباشر .
• أن يكون التحريض متبوعا بأثر: أي ضرورة وقوع الفعل الإجرامي الذي كان يسعى المحرض إلى وقوعه ويكفي هنا وقوع محاولة ارتكاب جريمة .
• أن يكون التحريض صادرا بسوء نية : غالبا ما تستنتج هذه النية من خلال العبارات التي استعملها المحرض وعلى المتهم إثبات العكس والبرهنة على حسن نيته.
• العلانية : تتحقق كلما جاءت عبر الوسائل المنصوص عليها بموجب الفصل 38 من قانون الصحافة.
بخصوص الجزاء المترتب على إتيان أحد الأفعال المنصوص عليها في الفصل 38 من قانون الصحافة ،يعاقب المحرض كشريك سواء تعلق الأمر بجنحة أو جناية، و بالرجوع إلى الفصل 130 من القانون الجنائي ، فإنه يعاقب الشريك بالعقوبة المقررة لهذه الجنحة أو الجناية .
2-التحريض غير المتبوع بإثر:
عكس الحالة السابقة الذكر، لا يعاقب المحرض في التحريض غير المتبوع بأثر كشريك، و إنما كفاعل رئيسي، وذلك راجع إلى خطورة الجرائم المتعلقة بهذا النوع من التحريض ¬¬وتتجلى أهم عناصره في المبينة أسفله:
-أن يكون التحريض مباشرا.
-أن يتم التحريض بإحدى طرق الفصل 38 من قانون الصحافة .
-ضرورة صدور التحريض بسوء نية .
-أن يكون موضوع التحريض إتيان أحد الجرائم المنصوص عليها بموجب المادة 39 من قانون الصحافة :والتي يعتبر بعضها ذات طابع سياسي وأخرى عادية ، فالسياسية تتجلى في تلك الأفعال الماسة بالأمن الخارجي للدولة المنصوص عليها في الفصول 181 إلى 200 من القانون الجنائي ، تم الجرائم الماسة بالأمن الداخلي للدولة المنصوص عليها بموجب الفصول 201 إلى 207 من القانون الجنائي ، أما تلك العادية ، فتتعلق بجرائم السرقة والنهب والقتل والحريق والتخريب بالمواد المفجرة ، دون إغفال التحريض على ارتكاب الجرائم الإرهابية المنصوص عليها بموجب مدونة الإرهاب.
كما سبق الذكر لا يعاقب المحرض إذا لم تتحقق الأفعال التي حرض على ارتكابها كشريك وإنما كفاعل أصلي ، ويتعرض لعقوبة تتراوح مدتها بين سنة وثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين 5.000 و100.000 درهم.
3-تحريض الجنود على عدم الطاعة
يتجلى هذا النوع من التحريض في حث الجنود البرية والبحرية والجوية وكذا أعوان القوة العمومية على الإخلال بواجباتهم العسكرية وعصيان رؤسائهم فيما يأمرون به لتنفيذ القوانين والضوابط ، وذلك بواسطة الوسائل المسنة بموجب المادة 38 من قانون الصحافة.
لكي تقوم جريمة التحريض المذكورة ، ويعاقب المحرض ، لابد من توافر العناصر الآتية :
1. أن يوجه التحريض إلى الجنود والقوات العمومية.
2. أن يستهدف العصيان والإخلال بالواجبات .
3. أن يتم بشكل علني بإحدى وسائل المادة 38 من قانون الصحافة.
4. توفر النية الإجرامية لدى المحرض.(أي سوء النية).
كلما توفرت العناصر المذكورة ، يعقب المحرض بالحبس لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات وغرامة تتراوح بين 5000 و100.000 درهم.
4-تحريض الناس على سحب أموالهم من الصناديق العمومية.
أدرج المشرع المغربي جنحة تحريض الناس على سحب أموالهم من الصناديق العمومية في إطار الجنح المرتكبة ضد الشؤون العامة ، كما عاقب تحريض الناس على سحب أموالهم من المؤسسات التي تباشر دفوعاتها بالصناديق العمومية ، وهذا النوع من الجنح يتحقق في صورتين :
الصورة الأولى: تكون فيها الجنحة مترتبة عن تعمد إذاعة أعمال زائفة أو وشاية أو وسائل مدلسة قد يكون من طبيعتها زعزعة الثقة في القيمة النقدية.
الصورة الثانية :تكون فيها الجنحة منتجة لآثارها بمجرد تحريض أو محاولة التحريض على سحب الأموال ، فهذا النص يحمل معنى واسعا ، حيث إن الجنحة تتحقق حتى ولو لم تترتب عن الأنباء النتائج التي يسعى المحرض إلى تحقيقها وذلك حرصا من المشرع على حماية السياسة المالية للحكومة،لكن هل يمكن اعتبار الإشهار الذي تقوم به البنوك والمصاريف تحث من خلاله الجمهور على إيداع أموالهم لديها تحريضا على سحب الأموال من الصناديق العمومية ؟ خصوصا وأن هذه البنوك والمصارف مؤسسات خاصة . نأمل من المشرع إيجاد جواب لهذا السؤال خصوصا وأن المغرب دخل الخوصصة من بابها الواسع.
5- التحريض على الميز العنصري
نص المشرع المغربي على هذه الجريمة تماشيا مع نظيره المصري الذي سماها << التحريض على البغض الطائفي >> ، ويعاقب عنها المشرع المغربي كلما وردت بإحدى وسائل المادة 38 ويهم التحريض هنا ، التحريض على الميز العنصري أو التحريض على الكراهية والعنف ضد شخص أو أشخاص إعتبارا لجنسهم أو أصلهم أو لونهم أو إنتمائهم العرقي أو الديني أو ساند جرائم الحرب ضد الإنسانية ، وذلك طبقا للفصل 39 مكرر من قانون الصحافة.
يعاقب عن الميز العنصري بالحبس لمدة تتراوح بين شهر وسنة وغرامة تتراوح بين 3000 و30000 درهم أو بإحداهما فقط .
ثانيا : وسائل التحريض .
كما سبق وأشرنا ، حتى تقوم جريمة التحريض المنصوص عليها في قانون الصحافة يجب أن تأتي طبق الوسائل المنصوص عليها في الفصل 38 من قانون المذكور والذي جاء فيه.
<<…..، وذلك إما بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية ، وإما بواسطة المكتوبات والمطبوعات المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الإجتماعات العمومية ، وإما بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية والإلكترونية ….>> .
إن الفصول اللاحقة للفصل 38 والتي تبين أنواع التحريض تحيل على الوسائل المشار إليها في الفصل أعلاه دون أن تتعداها إلى غيرها إلا في حالات ضيقة.
أهم ما يثير الانتباه في الفصل 38 هو تلك الأماكن والظروف التي يمكن أن يتحقق فيها التحريض المنصوص عليه في قانون الصحافة ، ويتعلق الأمر باصطلاح من قبيل << الأماكن العمومية >> أو << الإجتماعات العمومية >> ولم يحدد المشرع المقصود منها في هذه الفصول ، مما سيتدعي تحديد مفهومها ، وذلك تفاديا لكل خلط يقع بينها:
1- الأماكن العمومية : بالرجوع إلى الفصل 51 من ظهير 26 نونبر 1962 المتعلق بالقانون الجنائي ، نجده يعرف الطرق العمومية بأنها المسالك والمصاريف أو أي مكان آخر مخصص لاستعمال الجمهور الموجود خارج حدود العمران والتي يستطيع كل فرد التجول فيها ليلا أو نهارا دون معارضة قانونية من أي كان.
-أما الفقهاء ، فيعرفون المكان العمومي بأنه أي مكان سواء كان طريقا أو بناءا يمكن لكل شخص أن يوجد فيه بدون معارضة قانونية من أي كان .
-عرفت محكمة النقض والإبرام المكان العام بأنه كل طريق مباح للجمهور المرور فيه في كل وقت بغير قيد ولا شرط سواء كانت أراضيه مملوكة للحكومة أو الأفراد.
-انطلاقا من التعريفات السابقة ، يظهر لنا أن المكان العمومي وكما اعتبره الأستاذ محمد الإدريسي العلمي المشيشي، يصنف إليه ثلاث أصناف :
*أماكن عمومية بطبيعتها .
*أماكن عمومية بغاياتها .
*أماكن عمومية بالصدفة.
2- الاجتماعات العمومية
بالرجوع إلى الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 1.58.377 والخاص بالتجمعات العمومية ، نجده يعرف الإجتماعات العمومية بأنها جمع مؤقت مدبر مباح للعموم وتدرس خلاله مسائل مدرجة في جدول أعمال محدد من قبل إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحا يتمحور حول مدى انطباق هذا التعريف على قانون الصحافة في إطار الإجتماع العمومي الذي ينص عليه
وبناءا عليه لابد من الإشارة إلى أن العلانية عنصر يبقى ضروريا في كل جريمة من جرائم التحريض المنصوص عليها ، فبانتفاء عنصر العلانية تنتفي إحدى أهم ركائز هذه الجرائم.
المطلب الثاني : الجرائم المرتكبة ضد الشؤون العامة
خص المشرع المغربي للجنح المرتكبة ضد الشؤون العامة القسم الثاني من الباب الرابع من قانون الصحافة بموجب الفصول من 41 ، ويتعلق الأمر بكل مساس بكرامة الملك وكرامة أصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات، ثم الجرائم الماسة بالدين الإسلامي والوحدة الترابية ، إضافة إلى كل تأثير على إنضباط ومعنويات الجيوش دون إغفال جريمة نشر الأنباء الكاذبة.
سنتناول كل جريمة على حدة وفق مايلي:
أولا : المس بكرامة الملك والأسرة الملكية .
تتحقق هذه الجريمة إذا إستوفت العناصر الأساسية التي تقوم عليها ، ومتى تحققت ، يتعرض مرتكبها للعقوبة المبينة في قانون الصحافة بموجب الفصل 41.
تتجلى العناصر الأساسية لجريمة المس بكرامة الملك والأسرة الملكية فيما يلي:
-المساس بالكرامة : يعني الإساءة إلى الكرامة بكلام أو حديث جارح أو لاذع أو ينقصه الاحترام الواجب أن يكنه الجميع للملك والأسرة الملكية.
– ضرورة توجيه المساس بالكرامة إلى الملك شخصيا أو الأسرة الملكية دون غيرهم .
-ضرورة وقوع المساس بالكرامة بشكل علني وفق الوسائل المشار إليها في الفصل 38 من قانون الصحافة.
بمجرد تحقق العناصر الثلاثة المذكورة ،يتعرض الصحفي المرتكب للجريمة لعقوبة المادة 41 والتي تنص على الحبس لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات وغرامة يعد مقدارها بين 10.000و100.000 درهم.
ثانيا : المس بالدين الإسلامي والوحدة الترابية
إن كل مساس بأركان الدين الإسلامي وثوابته ومرتكزا ته الأساسية يعد جريمة معاقبا عنها بموجب المادة 41 في فترتها الثانية ، وهذا المساس يجب أن يأتي وفق الوسائل المنصوص عليها بموجب المادة 38 من قانون الصحافة ، كما أن المس بالوحدة الترابية للمملكة يشكلا فعلا مجردا بمقتضى نفس الفقرة المجرمة للمس بالدين الإسلامي في الفصل 41 ، ويعاقب كل من ارتكب هذه الجرائم بالحبس لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات وغرامة تقدر بين 10.000 و 100.000 درهم.
ثالثا : الإخلال بالنظام العام والتأثير على معنوية الجيش.
كما سبق وتطرقنا إلى ذلك ، يعتبر مفهوم النظم العام صعب التحديد من الناحية القانونية ، فربطناه بالمصلحة العامة والشؤون العامة والأخلاق العامة ، فقد اعتبر المشرع كل إخلال به – حسب المادة 42 من قانون الصحافة – جريمة كلما تأتى بوسائل الفصل 38 أو بنشر أو إذاعة ، كما أقره هذه المرة بمفهوم آخر وهو إثارة الفزع بين الناس ، ووضع المشرع كجزاء لمرتكبي هذه الأفعال عقوبة حبسية متراوحة بين شهر واحد وسنة واحدة وغرامة من 1200 درهم إلى 100.000 درهم أو بإحدى العقوبتين فقط ، إلا أن هذه العقوبة تختلف عن تلك الخاصة بإضعاف التأثير على معنويات الجيش رغم ورودهما في نفس الفصل ، إذا يعاقب طبقا للجريمة الثانية ، الصحفي الذي ارتكبها بالحبس من ستة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 1200 إلى 100.000 درهم. ودائما بالرجوع إلى ما نص عليه الفصل 38 من وسائل .
رابعا : نشر الإخبار الكاذبة
إذا كانت الصحافة أهم وسائل إطلاع الجمهور على ما يروج من أحداث ووقائع على مختلف المستويات ، وتحتم عليها وظيفتها هذه، الإلتزام بالصدق والموضوعية ونشر الأخبار الصحيحة ، لأنه أي تحريف فيما يتم نشره قد يرتب زعزعة ثقة الجمهور ومغالطته، واعتبارا لما سبق ، فإن ردع نشر الأنباء الزائفة والكاذبة يستسيغه المنطق ولا يعتبر قيدا على حرية الصحافة ، فحرية النشر ترتبط بحريات أخرى، ومن تما يعد تقيدها في حد ذاته تقيدا للحريات المرتبطة بها.
أهم ما يميز مهنة الصحفي هو السبق الصحفي و السرعة التي يستلزمها العمل المحيط بالمهنة ، مما يؤدي إلى نشر الأخبار دون مراجعتها والتأكد من صحتها ، وعلى هذا الأساس نجد المشرع المغربي لا يعاقب في قانون الصحافة على الأنباء الزائفة إلا إذا كان من شأنها الإخلال بالأمن العمومي أو ضعضعة النظام ومعنويات الجيوش والمنشورة بصفة علنية ، فالمشرع حدد بعض الأركان التي تنبني عليها هذه الجريمة ، ونكون إزاء جريمة نشر الخبر الكاذب فيما يلي من الحالات :
1. حالة كون النبأ كاذبا أو تعلق الأمر بمستندات مختلفة أو مدلس فيها أو كانت منسوبة إلى الغير ، ويكون النبأ كاذبا حالة تضمنه واقعة جديدة بإعتبارها حقيقة دون أن تكون كذلك ، أو حالة كونها حقيقة لكنها مزيفة ، أي إنتفاء التطابق بين الواقع والحقيقة .
2. عندما تكون علنية ، ولم يحدد المشرع العلنية المقصودة هنا مما يحيل إلى الفصل 38 كما أضاف النشر والإذاعة .
3. الإخلال بالأمن العمومي أو ضعضعة معنوية الجيوش يعد ركنا غير مدقق المفهوم وكل ما يمكن قوله إن لفظة “المعنوية” تعني الشعور بالواجب أو الحماس في القتال كما أن كلمة ” نظام “قد تعني إحترام التسلسل العسكري من حيث الدرجات كما قد تعني الإنضباط .
إن الجرائم التي تعرضنا لها وفق ماسلف ، تكتسي أهمية كبرى خاصة وأنها ترمي إلى صيانة وحماية مقومات المغرب من نظام ملكي ودين إسلامي ووحدة ترابية . إلا أن هناك جرائم أخرى لا تقل عنها أهمية والماسة أساسا بسير العدالة خاصة ما يتعلق بإنتهاكات سرية التحقيق من قبل الصحافة والتي تعكس الحياة اليومية وجودها دون أن تترتب عنها قانونا متابعات حقيقة في مواجهة مرتكبيها مما يجعلها مندرجة ضمن الرقم الأسود للإجرام علما أن هذا الأخير هو الفرق بين الجرائم المرتكبة فعليا والجرائم التي تصل إلى علم الضابطة القضائية
المطلب الثالث : الجرائم الماسة بالعدالة .
يكون الصحافي ملزما بالخضوع لمجموعة من الضوابط القانونية وهو يتابع وقائع وملابسات إرتكاب جريمة معينة ، أو بحثه حولة قضية رائجة أمام المحكمة ، وإن إن أبان ذلك عن شيئ ، فإنما يوضح رغبة المشرع الأكيدة في حماية الوقائع والأشخاص من سوء التفسير والتقدير والتعليق .
إبتداءا من تحقق واقعة إجرامية معينة وإلى حين الفصل فيها نهائيا من طرف القضاء ، يجب ألا يخضع عمل هذا الأخير لأي تأثيرات خارجية قد تبعده عن هدفه ومرماه ، وأي تسرب لمحاضر الإستنطاق ذات الطابع السري أو الوثائق الحاسمة في النزاع يعتبر إنتهاكا صارخا لمبدأ سرية التحقيق ، فالفصل 15 يلزم كل شخص ساهم في إجراء مسطرة البحث والتحقيق ( المشمولة بالسرية طبعا ). بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة بموجب المادتين 446 و 447 من القانون الجنائي ، فكيف يمكن تصور عدم معاقبة الصحفي عن إنتهاك مبدأ سرية التحقيق أمام معاقبة كل مساهم في إجراء مسطرة البحث والتحقيق المذكورة ؟
سنحاول جاهدين إيجاد إجابة للتساؤل المطروح انطلاقا مما موضح أسفله .
أولا : الأشخاص الملزمون بسرية التحقيق.
كما سبق وأشرنا ، ينص الفصل 15 من قانون المسطرة الجنائية على مبدأ سرية مسطرة البحث والتحقيق ، إذ ألزم كل شخص ساهم في إجراء المسطرة المذكورة بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي ، كما جرم الفصل 61 من القانون المذكور كل إفشاء أو إبلاغ لوثيقة وقع الحصول عليها من تفتيش إلى شخص ليست له صلاحية قانونية للإطلاع عليها ، يتم دون موافقة المشتبه فيه أو ذوي حقوقه أو الموقع على الوثيقة أو من وجهت إليه ولو كان لفائدة البحث ، ويعاقب كل من أتى هذا الفعل بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 1200 إلى 2000 درهم ، وترفع العقوبة – في إطار المادة 105 من قانون المسطرة الجنائية من شهرين إلى سنتين وغرامة من 5000 إلى 30000 درهم إذا تعلق الأمر بوثيقة محصل عليها في إطار إجراءات التحقيق التي تكون بين يدي قاضي التحقيق .
بعد الإطلاع على الإطار القانوني لمبدأ السرية ، يمكن الجزم بأن الأشخاص المشمولين بمقتضيات هذه الفصول تكون لهم إما علاقة مباشرة بإجراءات التحقيق أو تكون هذه العلاقة غير مباشرة ، فبخصوص الطائفة الأولى، فيتعلق الأمر بقضاي التحقيق وقضاة النيابة العامة سواء داخل المحكمة الإبتدائية أو الإستئنافية أو المجلس الأعلى في حالات خاصة ، إضافة إلى قضاة الأحكام فيما يصل إلى علمهم من إجراءات تهم البحث والتحقيق علما بأنهم ملزمون بعدم إفشاء سرية المداولات ، وهو أمر لا يقل أهمية عن سرية التحقيق ، ويمتد مفعول هذا الإلزام لشمل حكام الجماعات والمقاطعات دون إغفال ضابط الشرطة القضائية وأعوانهم. وفيما يخص الطائفة الثانية من الأشخاص المشمولين بالسرية ، والذين لا تكون لهم بالبحث والتحقيق علاقة مباشرة ، فيتعلق الأمر بالمحامون والترجمان والشهود طبقا للحالات المنصوص عليها في الفصل 60 من قانون المسطرة الجنائية ، إضافة إلى الخبراء بمختلف أنواعهم ( خبراء طبيون – الخبراء الخطيون ….إلخ) .
ثانيا : مدى إلزامية الصحفي بمبدأ سرية التحقيق .
للنظر في مدى وحدود إلزامية الصحفي بمبدأ سرية البحث والتحقيق، نرى ضرورة التطرق إلى ما يقضي به القانون الجنائي والمسطرة الجنائية من جهة ثم ما يقضي به قانون الصحافة من جهة أخرى .
1- في إطار نصوص القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية .
بالرجوع إلى ما تقتضي به الفصول 15 و60 و61 و105 من قانون المسطرة الجنائية ، لا نجد ولا واحدا منها يحيل على إلزامية الصحفي بالسرية ، إلا أن الفرضية التي نقيمها بهذا الصدد تكمن في كون الصحافي من بين الشهود الوارد ذكرهم بموجب المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية ، إذاك ، يعد ملزما بكتمان ما جاء في مسطرة البحث ليس بإعتباره صحفيا – طبعا – ولكن بإعتباره شاهدا، ونضيف فرضية أخرى في حصوله على معلومات متعلقة بالبحث والتحقيق من أحد الأشخاص الملزمين بالسرية سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة باستعمال طرق إحتيالية أو تدليسية ، وذلك ما يجعله معرضا لعقوبات المواد 61 و105 من قانون المسطرة الجنائية ومقتضيات أخرى الواردة في قانون الصحافة.
أما القانون الجنائي ، وبمقتضى الفصلين 446 و447 فإنه لم يورد الصحافي من بين الأشخاص الذين سردهم وألزمه بالسرية بل لم يورد ولو بعبارة غامضة ، ما يفيد أن المقصود منها هو الصحفي .
2- في إطار نصوص قانون الصحافة .
حسنا عمل المشرع المغربي حينما خصص الفصلين 54 و55 من قانون الصحافة للنص على الجزاءات الموقعة على كل صحفي خالف ما تقضي به هذه المواد ، فالفصل 54 يمنع نشر وثائق الاتهام وغيرها من الوثائق المتعلقة بالمسطرة الجنائية أو الجنحية قبل مناقشتها في جلسة عمومية تحت طائلة غرامة تتراوح بين 5000 و50.000 ، وتطبق نفس العقوبة حالة ثبوت المخالفة عما ينشر بجميع الوسائل من صور شمسية ومنقوشات ورسوم وصور الأشخاص تكون الغاية منها التشهير والتشخيص الكلي أو الجزئي لظروف جريمة ما ، وقتل أو إغتيال للأصول أو الفروع أو تسميم أو تهديدات أو ضرب أو جرح أو مس بالأخلاق والآداب العامة أو إحتجاز قسري ، غير أنه لا تكون هناك جنحة إذا وقع النشر بطلب كتابي من قاضي التحقيق ، يبقى هذا الطلب مضافا إلى ملف التحقيق.
من خلال ما تعرضنا له ، يتضح جليا أن المشرع المغربي راعى المراكز القانونية الآتية أسفله ، وهو بصدد وضع هذه المقتضيات .
عدم المساس بحرمة التحقيق : فمحاضر الشرطة القضائية ومحاضر التحقيق يكتنفها الطابع السري ، وهو أمر مؤكد بنص القانون حفاظا على ما قد ينتج من أثر سلبي قد ينعكس على مآل القضية كإخفاء الشهود أو تبديد المعلومات المفيدة في القضية الرائجة .
عدم المساس بالأشخاص : فالأصل في الأشخاص الماثلين أمام المحاكم هو البراءة ، ونشر أأخبارهم و صورهم والظروف التي أرتكبت فيها الجريمة يمكن أن يؤثر على سمعتهم .
يمنع الفصل 55 من قانون الصحافة منعا باتا نشر أخبار عما يدور حول قضايا القذف والسب وكذا المرافعات المتعلقة بدعاوى إثبات الأبوة والطلاق وفصل الزوجين ، ولا يطبق هذا المنع على الأحكام التي يسوغ نشرها دائما ، إلا أنه يجوز للمحاكم نشر بيان عن المداولات الداخلية إما لهيئات الحكم أو المجالس القضائية والمحاكم وكذا ما قرر القانون أو المحاكم سماعه في جلسة سرية ، ويعاقب على مخالفة هذه المقتضيات بغرامة تتراوح ما بين 1200 و 3000 درهم.
إن هاجس السبق الصحفي الذي يشكل حلم كل صحفي قد يؤثر سلبا على إحترام الصحافة لمبادئ قانونية يلزم بإحترامها رجال السلطة أنفسهم ، خصوصا وأن الفصل الأول من قانون الصحافة يؤكد على حق الصحافة في الوصول إلى مصادر الخبر ما لم تكن هذه الأخبار مكونة من المعلومات المحاطة بالسرية بمقتضى القانون ، وذلك ما تم التنصيص عليه بموجب الفصول 15 و 61 و60 105 من القانون المسطرة الجنائية ، والفصلين 54 و 55 من قانون الصحافة ، كل هذه الفصول يجمعها مبدأ هام ألا وهو ” مبدأ سرية التحقيق ” .
أهم ما يعكسه الواقع اليومي للصحافة في إطار علاقتها بالمحاكم هو ضآلة، إن لم نقل إنعدام متابعة الصحافيين عما يقترفونه من جرائم خاصة نشر صور المتهمين والانتهاكات الصارخة لسرية التحقيق مع العلم بما يرتب ذلك من إساءة إلى سمعة المتهم وإدانته من قبل الرأي العام قبل إدانته من قبل القضاء.
نشير هنا إلى أن الجرائم الماسة بالعدالة تدخل في إطارها جرائم أخرى غير المذكورة ويتعلق الأمر بإخلال بسير الجلسات أو المس بكرامة القضاة وغيرها من الأعمال المنافية للقانون والماسة بالعدالة التي لا يستدعي المقام تفصيل القول فيها.
قبل ختم هذا المطلب الخاص بالجرائم الماسة بسير العدالة نرى ضرورة طرح مجموعة من التساؤلات آملين إيجاد أجوبة وردود معقولة لها ، سواء من قبل المشرع أو الجهات الأخرى المعنية بما سيأتي بها :
1-إلى متى ستبقى الندوات الصحفية لممثلي النيابة العامة قائمة بعد كل جريمة مؤثرة على الرأي العام ، كما هو الشأن بالنسبة للوكيل العام الإستئنافية البيضاء والرباط بعد أحداث 16 ماي 2003 ، وكذا الوكيل العام الإستئنافية فاس بعد حادث إغتيال السائح الفرنسي من طرف مواطن مغربي ثم أليس من شأن ذلك المساس بمبدأ سرية التحقيق ؟
2-ألا يمكن أن يؤدي تدخل لجان التحقيق الأجنبية في جرائم واقعة بتراب المملكة المغربية إلى المساس بمبدأ سرية التحقيق .
3- ألم يحن الوقت بعد لتعلم الصحافة أنها تخرق القانون – وهو على أية حال لم يأتي إلا لتنظيم حريتها- في كل جريدة أو مجلة ، خاصة ما يتعلق نشر صور الأظناء قبل توجيه التهم إليهم ( حالة عبد العلي الحاضي والسليماني والعفورة ومنير الرماش ومن معه وغيرهم…) ؟
4- ألم يحن الوقت بعد لتفعيل المتابعات المنصوص عليها قانونا في حق كل من خالف ما تفضي به المواد المنظمة والمكرسة لمبدأ سرية التحقيق ؟
5-ألا يتدخل أحد لإيقاف إدانات الصحافة للمتهمين قبل إدانتهم من الجهات المخول لها ذلك بموجب الفانون ؟
6-ألم يعد المشرع المغربي ملزما بالتدخل لسد بعض الفراغات التشريعية في المادة الصحفية والتي تخدم مصلحة الراغبين في تصفية الحسابات السياسية مع خصومهم؟
الفصل الأول : الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة
المبحث الثالث : حق الرد
يقع في كثير من الحالات أن تنشر الصحف بقصد أو بدونه ، بعض الأنباء غير الصحيحة حول تصرفات أحد رجال السلطة مثلا أو تصرفات شخص عادي ، ويكتسي هذا النشر صفة جنحة حالة تضمنه قذفا ، وآنذاك تطبق عليه المقتضيات المترتبة على الجنح المرتكبة بواسطة الصحافة ، ولكن هذا النبأ الكاذب قد لا يكتسي صفة الجنحة ، ومن تم لا يكون من المعقول أن يبقى هذا الخطأ عالقا بأذهان القراء ، ولتفادي هذا الأمر جاء الفصلان 25 و26 من ق ص للتأكيد على أحد الحقوق الهامة التي يتمتع بها الأشخاص في مواجهة الصحافة آلا وهو: ” حق الاستدراك والجواب “. فحسب الفصل 25 يتعين على مدير النشر ، أن ينشر مجانا في نفس المكان والصفحة التي نشر فيها الخبر في العدد الموالي من الجريدة أو النشرة وبنفس الحروف التصحيحات الموجهة من أحد الأشخاص المسندة إليهم مباشرة السلطة العمومية بشأن أعمال متعلقة بوظائفهم تكون الجريدة أو النشرة قد تحدثت عنها بكيفية غير صحيحة، وفي حالة مخالفة هذا المقتضى ، يعاقب المخالف بغرامة قدرها 1000 درهم عن كل عدد لم ينشر فيه التصحيح.
إذا تعلق الأمر بأعمال لاعلاقة لها بالوظيفة تطبق عليها مقتضيات حق الجواب المخول لكل شخص عادي.
يلزم الفصل 26 من قانون الصحافة مدير النشر بإدراج ردود كل شخص ذكر آسمه أو أشير إليه في الجريدة أو النشرة الدورية خلال الثلاث أيام الموالية للتوصل بها أو في أقرب عدد إن لم يصدر أي عدد قبل انصرام الأجل المذكور ، وإلا فالعقوبة تقدر ب 5000 درهم عن كل عدد لم ينشر فيه الرد بصرف النظر عن العقوبات الأخرى والتعويضات التي يمكن صرفها للمتضرر.
لعل أهم ما يلاحظ بهذا الخصوص هو عدم التمييز بين الرد الخاص بالأشخاص العاديين والاستدراك الصادر عن رجال السلطة بعدما كان الأمر مخالفا من ذي قبل لذلك ، فالرد يكون في مكان نشر الخبر الأول أما الاستدراك الخاص برجال السلطة ، فكان لازما أن ينشر في الصفحة الأولى ، وذلك ما يمكن اعتباره تعديلا إيجابيا أتى به قانون 77.00 المعدل لظهير 15 نونبر 1958.
اترك تعليقاً