الركن المعنوي لجرائم الصرف
إن للركن المعنوي في جرائم الصرف ميزة خاصة تنفرد بها جريمة الصرف عن بقية الجرائم، فإن الركن المعنوي قد يغير من طبيعة الجريمة من جريمة عمدية إلى جريمة مادية بحتة تبعا لما إذا تطلب المشرع لقيامها توافر القصد الجنائي أم لا، إذ أن المشرع قد فرق ما بين جرائم الصرف التي تكون محلها نقودا أو قيما والتي تكون محلها معادن ثمينة أو أحجار كريمة فأعفى لقيام الأولى من توافر القصد الجنائي في حيث أوجب في الثانية توافر القصد الجنائي لقيامها[1].
المطلب الأول: الركن المعنوي لجرائم الصرف التي محلها نقود
جعلت المادة 01 من الأمر 03-01 من جرائم الصرف التي يكون محلها نقودا كريمة جريمة مادية فجاءت بالمادة 01 أعلاه عبارة “لا يعذر المخالف بحسن نيته” وينتج عن ذلك نتيجتين أساسيتين:
– إعفاء النيابة من عبء إثبات سوء نية المخالف من جهة،
– وعدم تمكن المخالف من التذرع بحسن نيته للإفلات من العقوبة ونفي الجريمة.
ويرى الدكتور أحسن بوسقيعة أن موقف المشرع في ذلك كان تأثرا منه بالتشريع الجمركي بالتحديد م281 منه قبل تعديل 1998[2] مع أنه كان من المنتظر منه الرجوع بالمخالفات الجمركية إلى القانون العام بتخليه نهائيا عن عدم الأخذ بحسن نية المخالف وعوضا من ذلك اكتفى المشرع باستبدال العبارة بعبارة ألطف التي هي “عدم جواز تبرئته المخالف استنادا إلى نيته” كما انه طبق نفس حكم م 281 ق.ج الملغاة على جرائم الصرف[3].
يسجل أيضا إشكالية فيما يخص صدور حكمين متناقضين تماما فيما يخص جرائم الصرف فيما إذا قارننا م 1/1 من الأمر رقم 03/01 وفقرتها الأخيرة، ففي الأولى يجرم ويعاقب المشرع الشروع في جريمة الصرف، بينما نجده في الفقرة الأخيرة يستبعد نية المخالف كركن لقيام الجريمة. في حين من الثابت قانونا أن الشروع يتطلب توافر عناصر ومن بينها العدول غير الاختياري للجاني وهو الركن الذي يقتضي “وقف التنفيذ أو خيبة أثر الأفعال نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها”[4].
وأن الإرادة عنصر من عناصر القصد الجنائي وبالتالي كيف التحدث عن الشروع في جريمة لا يعتد فيها بالقصد الجنائي؟ في هذا الصدد يجمع الفقهاء على أنه لا يمكن الحديث عن محاولة إلا في الجرائم القصدية التي تقتضي توافر قصدا جنائيا على أساس أن تكون هناك محاولة ارتكاب جريمة مادية[5].
المطلب الثاني: الركن المعنوي لجرائم الصرف التي محلها معادن أو أحجار ثمينة.
من قراءتنا لنص المادة 02 من الأمر رقم 03-01 الخاصة بصور جريمة الصرف المنصبة على المعادن الثمينة والأحجار االكريمة نلاحظ أن المشرع لم يحدد بصريح العبارة اشتراط توافر القصد الجنائي في مثل هذه الصور، كما لم يضمنها أيضا ما يفيد عكس ذلك، أي عدم الأخذ بنية الجاني، في هذه الحالة الجريمة تقتضي توافر خطأ يتمثل عموما في مجرد خرق ما يأمر به القانون أو التنظيم، وتبعا لذلك تظهر نتيجتين:
– الأولى أنه لا يقع على النيابة عبء إثبات الركن المعنوي
– والثانية فإنه لا يوجد ما يمنع المخالف من التذرع بحسن نيته.
[1] – لم يكن هذا التمييز موجودا في ظل الأمر 96-22 بل لم يشر إلى الركن المعنوي بتاتا في جرائم الصرف سواءا التي يكون محلها نقودا أو تلك التي يكون محلها معادن أو أحجار ثمينة.
[2] – القانون رقم 98-10 المؤرخ في 22/08/1998 المعدل لقانون الجمارك جاءت فيه م 281 تجعل من حسن نية المخالف سببا لإفادته بالظروف المخففة مع الإبقاء على استبعاده كسيب للحكم بالبراءة.
– د.أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، ص174 .[3]
[4] – د/ أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي العام، ص 96.
[5] – د/ أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص 174.
اترك تعليقاً