المؤسسات النقدية الدولية
مع نهاية الحرب العالمية الثانية بدأ التفكير في خلق مؤسسات اقتصادية دولية ، بهدف ضبط الاقتصاد العالمي والسهر على استقرار النظام النقدي الدولي. (SMI)وكذا تمويل العجز الذي يعرفه ميزان الأداءات لبعض الدول، وأيضا قصد إعادة بناء الاقتصادات التي دمرتها الحرب بواسطة قروض لتمويل مشاريع التنمية.
وهكذا تم خلق صندوق النقد الدولي (FMI)والبنك العالمي(BM) في يوليوز من عام 1944، على اثر اتفاق بروتن وودز(Bretton Woods ) ، الذي احتضنت مفاوضاته الولايات المتحدة الأمريكية وحضرته 44 دولة في إطار الندوة النقدية والمالية الدولية للأمم المتحدة.
موازاة مع ذلك انصب التفكير على تأسيس منظمة دولية للتجارة (OIC).لكن، وأمام رفض الكونغريس الأمريكي، اجتمعت 23 دولة بهافانا عام 1947 وأعطت ميلاد الاتفاق العام للتعريفة الجمركية والتجارة، المعروف بالغات (GATT).
وفي ابريل 1994، على اثر اتفاق مراكش، تم خلق المنظمة العالمية للتجارة (OMC) التي ستدخل حيز التطبيق مع بداية عام 1995 من أجل ضبط التجارة العالمية، إدارة الاتفاقات التجارية وحل النزاعات التجارية القائمة ما بين الدول الأطراف. لكن الدور غير المعلن للمنظمة العالمية للتجارة يتجلى في تحرير جميع قطاعات الأنشطة الاقتصادية.
أولا: هيكلة وطريقة اشتغال المؤسسات المالية الدولية
تتجلى المهام الأساسية لصندوق النقد الدولي في إدارة نظام النقدي وكذا منح التمويل للدول الأعضاء التي تعرف عجزا مؤقتا في ميزان الأداءات. وأما البنك العالمي فقد كلفه اتفاق بروتن وودز بمهمة إضافية تتجلى في إعادة بناء الاقتصادات ما بعد الحرب، بواسطة قروض خاصة بتمويل مشاريع التنمية. هذه الأموال الممنوحة خصت في البداية فقط الدول الأوروبية.
قراران أمريكيان سيغيران جذريا هذه الأدوار:
أولا، مخطط مارشال لعام 1948 الذي سيحل محل البنك العالمي من أجل إعادة بناء أوروبا ليترك لهذا الأخير العالم الثالث كمجال لتدخله.
ثانيا، قرار الرئيس نيكسون لعام 1971 بوضع حد لتحويل الدولار إلى ذهب، ليقتصر بذلك دور صندوق النقد الدولي على مهمته الثانية المتمثلة في منح قروض العجز التجاري. وبعد اندلاع أزمة الديون سنة 1980 سيعود الصندوق للعب دور تدبير المديونية بواسطة برامج التقويم الهيكلي. وعلى اثر الأزمات المالية منذ 1990 سيتحول صندوق النقد الدولي إلى ” شبكة الإنقاذ ” المستثمرين والمؤسسات المالية للدول المتقدمة، على حساب شعوب الدول الضعيفة التي سيجبرها على سداد ما بذمتها من ديون.
1 – صندوق النقد الدولي:
تم خلق صندوق النقد الدولي للسهر على استقرار النظام المالي الدولي. وهو يشغل أزيد من 2700 شخص ويضم 184 دولة أعضاء. وتتعدى ميزانية تسييره 600 مليون دولار.
أ – أجهزة صندوق النقد الدولي :
– مجلس الحكام : اعلى هيئة بصندوق النقد الدولي . يجتمع مرة واحدة في السنة وهو مكلف باتخاذ القرارات ذات الاهمية كقبول انخراط دول جديدة ، إعداد الميزانية … وهذا المجلس مشكل من ممثلي الدول الاعضاء (وزراء المالية او مديري الابناك المركزية ).
– المجلس الاداري : مكلف بالمهام التي يفوضها له صندوق النقد الدولي . هذا المجلس يتكون من 24 عضوا ، من بينهم 8 لهم امتياز تعيين “متصرف” ممثلا لهم (الولايات المتحدة – اليابان – المانيا – فرنسا – المملكة المتحدة – العربية السعودية – الصين – روسيا ) في حين يتم تعيين 16 عضو المتبقين عن طريق “مجموعات الدول ” (يوجد المغرب في المجموعة العربية التي تضم 7 بلدان ).
ويجتمع المجلس الاداري ثلاث مرات في الاسبوع ، وهو الذي ينتخب المدير العام لصندوق النقد الدولي لمدة 5 سنوات .
– اللجنة النقدية والمالية الدولية CMFI : تضم الـ 24 ممثلا للدول المشكلة للمجلس الإداري . وتجتمع مرتين في السنة (الدورة الربيعية والدورة الخريفية) . ويتجلى دورها في إعطاء نصائح وتوجيهات لصندوق النقد الدولي فيما يخص النظام النقدي الدولي .
ب – الوحدة النقدية:
يتوفر صندوق النقد الدولي، منذ 1969، على وحدة نقدية خاصة به تنظم أنشطته المالية مع الدول الأعضاء، وتسمى ب ” حقوق السحب الخاصة” (DTS). فهي إذن بمثابة عملة خاصة بالصندوق يتم تقييمها يوميا انطلاقا من عدد من العملات القوية: الدولار، الين، الأورو، الليرة الإسترلينية…
ج – حصة المساهمة: Quote-part
كل عضو مطالبة بدفع حصة مساهمتها في رأسمال صندوق النقد الدولي. غير أن هذه الحصة ليست حرة أو تلقائية، وإنما يتم احتسابها بحسب الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية لأي بلد. يتم دفعها بنسبة 25 % من حقوق السحب الخاصة أو أية عملة صعبة تتشكل منها، ونسبة ال 75 % المتبقية من العملة المحلية للبلد العضو.
د – اتخاذ القرارات : حق التصويت
تتخذ القرارات صندوق النقد الدولي عن طريق التصويت. وحصة المساهمة هي التي تحدد نسبة الحق في التصويت لكل بلد. فهي تساوي 250 صوت زائد صوت واحد لكل 100 ألف من حقوق السحب الخاصة. بتعبير آخر أنها تناسب: “دولار واحد = صوت واحد”. أي لكل بلد الحق في التصويت بقدر مساهمته في رأسمال الصندوق وعلى هذا الأساس تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية نسبة 17.08 % من حق التصويت ، متبوعة باليابان ( 6.13 %) وألمانيا (5.99 %)، فرنسا (4.95 %) … وأخيرا مجموعة الدول الإفريقية التي تضم 24 دولة من إفريقيا السوداء، وتمثل أزيد من 140 ملون نسمة، لا تمتلك إلا نسبة 1.41 % من حق التصويت!
وقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية، التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية، أن تمرر في مفاوضات بروتن وودز قرارا ذا أهمية يقضي بفرض أغلبية 85 % لجميع القرارات المهمة التي تهم مستقبل النقد الدولي، كالزيادة في حقوق السحب الخاصة أو إلغائها، رفع أو خفض عدد الحكام المنتخبين في إطار المجلس الإداري، تغيير حصة المساهمة… والولايات المتحدة الأمريكية، إذ تتوفر لوحدها على أزيد من 15 % من حق التصويت فإن بإمكانها إيقاف أية محاولة لإجراء أي تغيير بصندوق النقد الدولي.
2 – البنك العالمي:
يضم البنك العالمي بدوره 184 دولة أعضاء. هيكلته مشابهة لصندوق النقد الدولي، ولكن طريقة اشتغاله تختلف نسبيا. وتجدر الإشارة إلى أنه يجب التمييز بين البنك العالمي ومجموعة البنك العالمي. هذه الأخيرة التي تضم خمسة منظمات:
o البنك الدولي لإعادة البناء والتنمية(BIRD) : تم خلقه لمساعدة أوربا ما بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن دوره تطور تدريجيا مع مرور الوقت بحيث أصبح يمول التنمية بدول العالم الثالث.
o الشركة المالية الدولية (SFI) التي ظهرت عام 1956 لتمول القطاع الخاص بالدول النامية.
o الجمعية الدولية للتنمية(AID) تقوم منذ 1960 بتقديم قروض للدول الأكثر فقرا.
o المركز الدولي لفض النزاعات المتعلقة بالاستثمارات (CIRDI) ظهر سنة 1966 لتدبير نزاعات المصالح.
o الوكالة المتعددة الجنسية لضمان الاستثمارات، تم خلقها سنة 1988 لتأهيل وتشجيع الاستثمار بالدول النامية.
وأما فيما يخص مصطلح البنك العالمي، فإنه يضم كل من البنك الدولي لإعادة البناء والتنمية(BIRD) والجمعية الدولية للتنمية (AID) ، ويشغل البنك العالمي ما يناهز 10 آلاف شخص بواشنطن، وحوالي 3 آلاف عامل بمائة (100) مكتب له عبر أرجاء العالم.
. أجهزة البنك العالمي:
– مجلس الحكام: يجتمع مرة واحدة في السنة (الخريف)، ويحدد التوجهات الكبرى.
– المجلس الإداري: يتكون من 24 عضوا حسب نفس القواعد لدى صندوق النقد الدولي. وهو مكلف بالتسيير اليومي للبنك العالمي، وينتخب مديرا عاما للبنك لمدة 5 سنوات . منصب مخصص لمرشح من أمريكا الشمالية، على عكس صندوق النقد الدولي الذي ينتخب مديرا من أوربا. وهي قاعدة ضمنية غير ديمقراطية.
ب. طريقة التصويت للبنك العالمي:
توزيع الحق في التصويت ما بين الدول الأعضاء مشابه لما هو قائم بصندوق النقد الدولي، إذ يرتكز على مبدأ “دولار واحد = صوت واحد” وقاعدة أغلبية 85 % سارية المفعول أيضا بالبنك العالمي. فالولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بسلطة الحسم في أي تغيير محتمل، بحيث تملك نسبة الحق في التصويت تصل إلى أزيد من 16 % ، متبوعة باليابان (حوالي 8%)، ثم مجموعة بلجيكا ( 10 دول ) بحوالي 5 % ، فألمانيا (4.5 % ) وفرنسا (4.3 %)، في حين تتوفر مجموعة الجزائر (7 دول) على نسبة 3.35 % من حق التصويت. وأخيرا مجموعة الدول الإفريقية (24 دولة) بنسبة 2 % فقط من حق التصويت.
ج. طريقة اشتغال البنك العالمي:
تختلف طريقة اشتغال البنك العالمي عن صندوق النقد الدولي. فإذا كان صندوق النقد الدولي يعتمد في تقديم القروض على موارده التي يعود مصدرها لمساهمات الدول الأعضاء في راسماله، فإن البنك العالمي يحصل على الإمدادات المالية الضرورية لتقديم القروض من الأسواق المالية. فهو يحصل على الأموال من الدول الغنية بنسب فائدة مشجعة، ويمنح قروضا للدول المحتاجة بنسب مرتفعة نسبيا لمدة تتراوح ما بين 15 و 20 سنة.
3 – سياسات المؤسسات المالية الدولية إزاء المرافق العمومية:
تغيرت مهام المؤسسات المالية الدولية بشكل جذري وأصبحت متشابهة، فمنذ 1980 نهجت المؤسسات استراتيجية تهدف إلى التقليص من دور الدولة إلى أدنى حد، عن طريق خوصصة المؤسسات العمومية، وإزالة كل تدخل للحكومات في الاقتصاد.
من أجل تدبير أزمة الديون يتدخل صندوق النقد الدولي بواسطة “قروض الإنقاذ”، ولكن أيضا بفرض شروطه عبر برامج التقويم الهيكلي. وأما البنك العالمي فيلعب دور “المستشار” للدول الخاضعة ل “العلاج الطبي” لصندوق النقد الدولي حول الطريقة المثلى لخفض العجز في الميزانية، تعبئة الادخار الداخلي، تحفيز المستثمرين الأجانب وتشجيع الاستثمارات الخارجية، تحرير الصرف والأثمنة، خوصصة المقاولات العمومية، إلخ. وبالإضافة إلى ذلك فإن البنك العالمي يساهم في برامج التقويم الهيكلي عبر تقديم قروض بشروط قاسية للدول الأعضاء.
وهكذا أصبحت المؤسسات الماليتان في موقع قوة ولا تتوانيان لحظة في فرض شروطهما على الدول في إطار برامج التقويم الهيكلي، والضغط عليها لتطبيق إجراءات من قبيل تحرير اقتصادياتها، وبخاصة التخلي عن مراقبة حركة رؤوس الأموال وإلغاء مراقبة الصرف، خوصصة المقاولات العمومية، وما إلى ذلك مما أدى إلى تراجع الدولة عن القطاعات الإنتاجية التنافسية. فحسب منطق صندوق النقد الدولي “لا مكان للدولة أينما يمكن تحقيق ربح” وعليها أن تنسحب من جميع القطاعات المدرة للربح (الماء، الكهرباء، النقل، تكنولوجيا الإعلام والاتصال، الصحة، التعليم…) وتقتصر على القمع وضبط الاستقرار (الأمن، العدالة).
إن مسألة الخوصصة ينظر إليها من داخل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بمنظور إيديولوجي: تسريع الخوصصة، الأمر الذي أدى في الكثير من الحالات إلى خوصصة بعض الخدمات حتى قبل وضع الإطار القانوني لضمان المنافسة الحرة والنزيهة.
وعموما تتم الخوصصة، التي غالبا ما يستفيد منها المستثمرون الأجانب، بواسطة مراسيم بدون موافقة البرلمان ودون حد أدنى استشارة للمنظمات والحركات الاجتماعية والمواطنين.
ثانيا: هيكلة وطريقة اشتغال المنظمة العالمية للتجارة
أمام تعذر تأسيس منظمة دولية للتجارة، إلى جانب مؤسستي بروتن وودز الماليتين، بسبب رفض الكونغريس الأمريكي، اجتمعت 23 دولة بهافانا عام 1947 وأسست ما يعرف بالكاط ، أي الاتفاق العام حول التعريفة الجمركية والتجارة. General Agreement of tarifs and traid – GATT
وكان الجات عبارة عن اتفاقيات تجارية تمر عبر دورات، بدأت من جونيف عام 1947 وانتهت بدورة الأوروغواي سنة 1994 بمراكش بالمغرب ، إعلانا بميلاد المنظمة العالمية للتجارة (OMC) ، والتي ستدخل حيز التطبيق الفعلي ابتداء من فاتح يناير 1995 .
وتختلف المنظمة العالمية للتجارة عن الكاط ، إضافة إلى اعتبارها مؤسسة بآلياتها وهياكلها، في حين ظل الكاط عبارة عن اتفاقيات، بكونها ستشمل إضافة إلى تجارة السلع ، الفلاحة والخدمات. كما تتميز المنظمة بكونها تتوفر على جهاز لفض النزاعات : ORD (Organe de règlement des différends). يتجلى دوره في الحسم في النزاعات ما بين الدول الأطراف.
1 – هيكلة وطريقة اشتغال المنظمة العالمية للتجارة :
أسست المنظمة العالمية للتجارة أولا للقيام بمهام معينة، مرتكزة على ثلاثة مبادئ أساسية:
أ- المهـــام :
– إدارة وتنفيذ الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف.
– فض النزاعات التجارية .
– مراقبة السياسات التجارية الوطنية والتعاون مع المؤسسات الدولية من أجل وضع السياسات الاقتصادية العالمية.
– فحص السياسات التجارية.
– تأطير المفاوضات التجارية.
ب- المبـــادئ :
– التجارة بدون تمييز.
. – الولوج المتوقع والتصاعدي للأسواق.
– المنافسة الشريفة وتشجيع التنمية والإصلاحات الاقتصادية.
ج- أجهزة المنظمة :
* المؤتمر الوزاري : هو أعلى هيئة تقريرية للمنظمة العالمية للتجارة ، ويجتمع على الأقل مرة كل سنتين ، بمشاركة جميع الدول الأطراف التي تمثل بوزراء خارجيتها .
* المجلس العام : يضم ثلاثة أجهزة : – مجلس السلع .
– مجلس التجارة والخدمات
– مجلس حقوق الملكية الفكرية في علاقاتها بالتجارة .
بالإضافة إلى الكاط ، تشمل المنظمة العالمية للتجارة ما يناهز 12 اتفاقا ، أهمها :
– الاتفاق العام حول تجارة الخدمات (AGCS )
– الاتفاق الخاص بحقوق الملكية الفكرية في علاقتها مع التجارة (ADPIC)
– الاتفاق المتعلق بالاستثمارات في علاقتها مع التجارة (Trims)
د) – اتخـــاذ القرارات :
تتخذ القرارات من داخل المنظمة العالمية للتجارة بالإجماع، أو بالتصويت بحسب صوت لكل بلد عضو. لكن لم يحدث أبدا أن استعمل التصويت بالأغلبية لاتخاذ القرارات، بحيث يتم الضغط على الدول الأعضاء لتحقيق إجماع حول القضايا المطروحة.
2 – دور المنظمة العالمية للتجارة في تدمير الخدمات العمومية:
إن أخطر اتفاق للمنظمة العالمية للتجارة هو الاتفاق العام حول تجارة الخدمات (AGCS)، الذي يشكل تهديدا مطلقا للمواطنين. ذلك أن الهدف الأساسي من هذا الاتفاق يتمثل في خوصصة جميع الخدمات العمومية وبوثيرة سريعة.
يشمل هذا الاتفاق مجموع الأنشطة الإنسانية ، أي جميع الخدمات الموجودة أو القابلة للوجود، والتي يمكن تقسيمها إلى اثني عشرة قطاعا وحوالي مائة وستون (160) قطاعا صغيرا تابعا لها، من صحة، تعليم، ماء، كهرباء، تكنولوجيا الاتصال، النقل، البيئة، السياحة، الثقافة، الطاقة، الرياضة، المالية، السكن…
إن الاتفاق العام لتجارة الخدمات يهدد كل القطاعات العمومية، باستثناء تلك التي تقدم في إطار ممارسة السلطة الحكومية بدون أن تنبني على قاعدة تجارية ولا أن تخضع للمنافسة. بتعبير آخر أن الاتفاق العام لتجارة الخدمات يخص المرافق العمومية المؤدى عنها من قبل المرتفقين (الطاقة، النقل، الماء، البريد…) أو أيضا تلك الخاضعة لمنافسة القطاع الخاص (المصحات ، المؤسسات التعليمية…). وبهذا المنطق فإن كل شيء خاضع للتسليع ما عدا الأمن (الشرطة، الجيش…)، العدالة، البنك المركزي والحالة المدنية.
بعض قواعد الاتفاق العام لتجارة الخدمات تطبق على جميع الخدمات ، وبعضها يتوقف تطبيقها على حدود التزامات الدولة من داخل المنظمة العالمية للتجارة، لفتحها أمام المنافسة الأجنبية. لكن الدول النامية تظل خاضعة لضغط الدول المتقدمة التي تفرض عليها تحرير جميع قطاعاتها. وهو ما حدث في قمة الدوحة بقطر عام 2001، حين تمكن الاتحاد الأوروبي من فرض ما يعرف ب “لوائح الطلب” و “لوائح العرض”. فبات بإمكان كل دولة عضو أن تقدم لأي بلد آخر لائحة الخدمات التي تود أن يخضعها هذا البلد أو ذاك للتحرير التجاري. وفي نفس الوقت تعرض هي لائحة الخدمات التي تلتزم بإخضاعها للتحرير التجاري أي ـ بتعبير أدق ـ للخوصصة. وسيصبح هذا الإجراء إجباريا منذ القمة الأخيرة للمنظمة العالمية للتجارة بهونكونغ.
وخلاصة القول أن صندوق النقد الدولي، البنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة / الاتفاق العام لتجارة الخدمات تسعى جاهدة إلى إزالة كل العراقيل أمام التجارة العالمية وتحرير الأسواق، بما فيها إعادة النظر في القوانين الداخلية للبلدان الأعضاء التي ” تعيق المنافسة الدولية “. وبالتالي فإن هذه المؤسسات الاقتصادية العالمية تهدف إلى تدمير الخدمات العمومية أينما وجدت ووضع حد.
اترك تعليقاً