تفاصيل قانونية حول تعديلات قانون هيئة مكافحة الفساد
أ.د. فياض القضاه
إنطلاقا من الدعم المستمر لهيئة مكافحة الفساد قام مجلس الهيئة بإقتراح تعديلات عديدة على قانون الهيئة رقم 62 لسنة 2006 بهدف تفعيل دور الهيئة في الوقاية من الفساد ونشر الوعي بمخاطر الفساد على الاقتصاد والمجتمع وفي محاربة مرتكبيه وتحويلهم الى القضاء ليقول كلمته الفصل.
وبالرغم من ان التعديلات المقترحة والتي ارسلت الى الحكومة للسير في الاجراءات الدستوريه قد تم عرضها بشكل سريع على اللجنة القانونية الحكومية ومن ثم ارسلت الى مجلس النواب بعد ان أدرجت على جدول أعمال الدورة الاستثنائية والذي قرر تحويلها الى لجنته القانونية للنظر فيها والتنسيب بما تراه منها لعرضه على مجلس الأمة، إلا ان الأماني باعتماد التعديلات المرسلة من قبل هيئة مكافحة الفساد سرعان ما تبخرت عند مناقشتها سواء في اللجنة القانونية للحكومة أو من قبل مجلس النواب. ويبدو بان الشيء الوحيد الذي حاز على إتفاق الحكومة مع مجلس النواب هو ذلك التشذيب والتهذيب الذي نال من التعديلات المقترحة من قبل هيئة مكافحة الفساد وصلاحياتها بحيث تبقى ضمن السيطرة القانونية والعملية.
ففي المرحلة الأولى من عملية التشذيب قامت اللجنة القانونية الحكومية (السابقة) والتي لم يكن من بين أعضائها الوزراء أي قانوني أو حقوقي –بمن فيهم وزير العدل آنذاك- بشطب العديد من النصوص التي اقترحتها هيئة مكافحة الفساد بصفتها صاحبة الصلاحية في التوصية لمجلس الوزراء باعتماد مشاريع القوانين. فقد شطبت تلك اللجنة نصا مقترحا يرمي الى توسيع نطاق التحقيق في هيئة مكافحة الفساد بحيث يشمل أعضاء مجلس الأمة (النواب والأعيان في حال رفع الحصانة عنهم، الوزراء في حال تم تعديل النص الدستوري الذي يجعل اتهامهم من صلاحية مجلس النواب، القضاة في حال رفع الحصانة عنهم من المجلس القضائي، منتسبو القوات المسلحة والاجهزة الامنية (موارد وصندوق المشاريع التنموية والاستثمارية الخاصة بالقوات المسلحة مثالا)، الموظف الأجنبي الذي لا يتمتع بحصانة دبلوماسية) مع الابقاء على صلاحية المحاكم المختصة بمحاكمتهم، لا بل ان شطب هذا النص سيحصن أفراد الضابطة العدلية من موظفي الجمارك من التحقيق لان قانون الجمارك يتطلب اولا التحقيق معهم من قبل لجنة خاصة. وبذا أنحصر دور الهيئة التحقيقي بموظفي الدولة ممن هم بالدرجة العليا فما دون مع بعض التحديدات ايضا.
كذلك فلم توافق اللجنة الحكومية على منح الهيئة صلاحية مطلقة في الحصول على المعلومات والوثائق اللازمة للتحقيق في جرائم الفساد بحيث تستطيع تلك الجهات التمسك بالسرية التي غالبا ما تمنحها قوانينها كقانون ضريبة الدخل مثلا أو قانون الجمارك أو قانون البنوك في القطاع الخاص. كذلك لم يتم منح الهيئة صلاحية إجراء المصالحة ووقف الملاحقة في حال تم رد الاموال المتحصل عليها من افعال الفساد مما سيكلف الخزينة أعباء مالية بالنظر الى قدرة الهيئة على أداء دور فعال في ذلك خاصة عندما لا تتوافر لجهة التحقيق ادلة قوية او عندما لا يظهر وجود أموال للشخص المتهم بالفساد يمكن الحجز عليها. كذلك لم يتم الموافقة على التشدد في معاقبة الموظف الذي يعلم بحكم عمله بارتكاب فعل من افعال الفساد ولا يبلغ عنه.
كما لم يتم الموافقة على اقتراح الهيئة بتجريم أفعال الامتناع عن إعادة ما تم قبضه أو تسلمه من الأموال العامة بطريق الخطأ عندما يتم إثبات ذلك.
أما اللجنة القانونية لمجلس النواب-ومن بعد ذلك مجلس النواب- فانها لم تكتف بما تم حذفه من قبل اللجنة القانونية الحكومية حيث قامت هي الاخرى بدورها في حذف مواد تم إجازتها من الحكومة وهو ما يدخل في اختصاصها بصفتها صاحبة الصلاحية في التوصية لمجلس النواب باعتماد المشاريع التي تقدم من الحكومة. وقد تم إعتماد توصية اللجنة القانونية باستثناء المادة المتعلقة “باغتيال الشخصية” حيث لم يوافق عليها المجلس.
ويمكن القول بانه في ضوء إعتماد القانون المعدل من قبل مجلس النواب، فإن الحكمة التي استوجبت طلب التعديل قد تلاشت. ويتبين ذلك من ملاحظة النصوص التي قامت اللجنة القانونية لمجلس النواب-ومن ثم مجلس النواب- بحذفها من مشروع القانون المعتمد من قبل مجلس الوزراء وأهمها:
1- حذف الفقرة التي تجرم طلب أو قبول الرشوة أو عرضها في الشركات المساهمة العامة والشركات الاخرى التي تساهم فيها الحكومة والتي تخضع لأختصاص الهيئة.
2- حذف الفقرة التي تجرم فعل الامتناع عن الاعلان او الافصاح عن وجود إستثمارات او ممتلكات أو منافع قد تؤدي الى تعارض في المصالح عند اتخاذ قرار او توصية من شأنها تحقيق منفعة شخصية مباشرة أو غير مباشرة للمتنع عن إعلانها. وقد قصد من تجريم هذه الافعال الحد من استثمار المناصب الحكومية لتحقيق مصالح شخصية مباشرة او غير مباشرة وبالاخص رؤساء واعضاء لجان المشتريات والعطاءات الذين قد تتعارض مصالحهم وذويهم مع مصالح الدولة.
3- عدم الموافقة على منح مجلس هيئة مكافحة الفساد صلاحية وقف تنفيذ أي عقد او اتفاق او منفعة او امتياز تم الحصول عليه نتيجة فعل يشكل فسادا وذلك كاجراء احترازي من المجلس وفي حالات مبررة على أن يكون ذلك خاضعا للرقابة القضائية بالطعن به لدى محكمة العدل العليا خلال ثلاثين يوما من تبلغ القرار. ومع أن اللجنة القانونية قد أخذت بهذا المبدأ إلا انها تطلبت ان يكون بقرار قضائي بطلب من الهيئة.
4- عدم الموافقة على منح مجلس الهيئة صلاحية إجراء المصالحة ووقف الملاحقة في حال تم رد كافة الاموال المتحصلة عن افعال الفساد والمنافع المرتبطة بها. وأكتفت اللجنة بمنح المجلس الحق بالمساهمة في استرداد الاموال المتحصلة عن الفساد سواء من داخل المملكة او من خارجها وتسليمها لمستحقيها. ويعود السبب في طلب إدخال هذا التعديل هو حاجة الهيئة الى صلاحية إجراء المصالحة في حال رد كامل المبالغ والمنافع الناتجة عن افعال الفساد خاصة اذا لم يتوفر للهيئة بينات على وجود اموال يمكن الحجز عليها واستردادها أو في حال ضعف الادلة القانونية والبينات في القضية الجزائية محل التحقيق خاصة وأن هذا الامر هو جوازي للمجلس الذي له سلطة تقدير توافر المصلحة العامة في الاحالة او في المصالحة. كما وان ذلك سيساهم في التخفيف من الاعباء المالية على الخزينة وبما يتفق مع الاتفاقيات الدولية وسيشجع مرتكبي الفساد على اعادة المبالغ المتحصلة عن الفساد والتي لم يكن بالإمكان إكتشافها.
5- حذف الفقرة التي تمنح رئيس الهيئة -عند الضرورة- صلاحية الاحتفاظ بمرتكبي افعال الفساد مدة لا تتجاوز سبعة ايام قبل إحالتهم لجهة الاختصاص او للمدعي العام. وقد جاء طلب هذا التعديل لمواجهة بعض الحالات التي يتطلب التحقيق فيها الاحتفاظ بالمشتكى عليهم لمدة أكثر من المدة الحالية البالغة (24) ساعة لغايات التوسع في التحقيق وجمع الادلة ومنع المشتكى عليهم من التنسيق فيما بينهم لغايات إخفاء الادلة او تهريب الاموال المتحصلة عن افعال الفساد قبل اكتشافها وقبل ان يتم احالتهم الى المدعي العام خاصة وان المشرع قد منح الضابطة العدلية في قضايا المخدرات-على سبيل المثال- صلاحية الاحتفاظ بالمشتكى عليهم سبعة ايام وهي قضايا لا تزيد في خطورتها عن قضايا الفساد.
6- لم توافق اللجنة القانونية على تحميل الجهه التي تخضع للتدقيق الفني والمحاسبي من قبل هيئة مكافحة الفساد نفقات التدقيق حيث تقرر شطب عبارة “وعلى نفقة الجهه الخاضعة للتدقيق” من الفقرة المتعلقة بذلك مما افقد النص المقترح (والموافق عليه من الحكومة) الحكمة والغاية من طلب تعديله حيث ان الهيئة تملك صلاحية التدقيق على هذه الجهات ابتداء ولا تحتاج الى نص بذلك ولكنها كانت ترغب بتحميل الجهه الخاضعة للتدقيق لنفقات التدقيق كما هو الحال في التدقيق على الشركات المساهمة العامة من قبل مراقب عام الشركات.
ويمكن القول بأن ما بقي من التعدلات لن يكون فاعلا في منح الهيئة القدرة التي كانت تتطلع لها. فبالرغم من وجود شبه إجماع على الدعم اللفظي للهيئة إلا أن هناك توجه على ما يبدو لابقاء دور الهيئة مقتصرا على الوعظ والارشاد لقطاع الشعب الراسخ تحت ضغط آثار الفساد من مخاطر ذلك الفساد وآثاره المدمرة. وقد رافق ذلك أن اللجنة الملكية لتعديل الدستور لم تقترح إدخال نص مشابه لذلك النص المتعلق بديوان المحاسبة بحيث تصبح هيئة مكافحة الفساد إحدى الاجهزة الرقابية الدستورية كما فعلت بعض الدساتير العربية الحديثة ومنها الدستور المغربي الجديد الذي نص صراحة في الفصل (176) منه على الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة.
وفي النهاية فاني أرى –وهنا اتكلم بصفتي الشخصية- بأنه لا سقف لدور الهيئة ودعمها التشريعي اذا اريد لهذه الهيئة ان تكافح الفساد وتوقف الفاسدين بالتعاون مع الجهاز القضائي الذي يجب ان يجد وسائل ناجعة لتسريع الاجراءات بحيث يمكن للمرء ان يلحظ نتائج القضايا التي تحال تباعا عليه من هيئة مكافحة الفساد. فاذا كانت التوعية بمخاطر الفساد واستخدام وسائل وقائية هي مهام نبيله ومرغوبة لهيئات مكافحة الفساد، فان إنفاذ حكم القانون ومحاكمة الفاسدين بصرف النظر عن مراكزهم ونفوذهم لهو متطلب لا بد منه في دول كدولنا في وقت اصبح البعض يشعر بانه متسام عن طينة البشر وبان القانون أعجز من أن يصل الى موقعه.
اترك تعليقاً