تفاصيل قانونية حول شرط الأهلية في عقود التجارة الإلكترونية

ينص الفصل الأول من القانون عدد 83 لسنة 2000 أنه يجري على العقود الإلكترونية نظام العقود الكتابية من حيث التعبير عن الإرادة و مفعولها القانوني و قابليتها للتنفيذ. إنه على هذا أساس وتطبيقا للأحكام العامة للفصل الثاني من مجلة اللإلتزامات والعقود نستنتج من أن الأهلية هي ركن أساسي في تكوين العقود الإلكترونية لكن خصوصية هذا الفضاء اللامادي تجعل من الأهلية شرطا يصعب التأكد من توفره.

الفقرة الأولى: الأهلية شرط أساسي في تكوين عقود التجارة الإلكترونية

بالرجوع إلى الفصل الأول من القانون عدد 83 لسنة 2000 نلاحظ من أن العقود الإلكترونية ينطبق عليها نظام العقود الكتابية من حيث صحها. وحتى تكون العقود صحيحة نص المشرع صلب مجلة الإلتزامات و العقود على ضرورة توفر أهلية المتعاقد من أنها شرط أساسي في إبرام العقود و بغيابها يعد العقد باطلا من أصله وهو ما نص عليه الفصل 325 من مجلة الإلتزامات و العقود في فقرته الثانية، إذ أن الالتزام يبطل من أساسه إذا غاب ركن من أركانه.

ولقد عرف الأستاذ محمد الزين الأهلية بأنها قدرة الإنسان على الالتزام وعلى مباشرته شخصيا لما يترتب على تصرفه من حقوق وواجبات. ويميز الفقهاء بين أهلية الوجوب وأهلية الأداء من ناحية أخرى، فأهلية الوجوب تتمثل في التمتع بالحقوق و تحمل الواجبات أما بالنسبة إلى أهلية الأداء فهي تتوفر في الشخص الذي يتمتع بأهلية الوجوب لممارسة ذلك الحق بنفسه خلافا لفاقدها الذي يمارس ذلك الحق من خلال نيابة وليه أو وصيه. إن الأهلية هي أحكام إلزامية تتصل بالنظام العام وبالتالي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها.

وللتمعن في مصطلح الأهلية يجب الإشارة الى أنها تتمثل في القدرة على التمييز. إذ أن الصبي أو المجنون يعتبران بموجب هذا المعيار فاقدين لأهلية الإلزام والالتزام. و لقد حدد الفصل 156 من مجلة الأحوال الشخصية أنه يعد غير مميز الصغير الذي لم يتم الثالثة عشرة من عمره وإن كل التصرفات التي يقوم بها كالبيع والشراء غير جائزة ولا تجوز إلا بإذن من الحاكم. من خلال هذا الفصل فإنه لا يصح إبرام عقد من قبل صغير لم يتم الثالثة عشرة من عمره، ويطبق هذا الحل على الصغير الذي تجاوز سن ثلاثة عشرة بما أن التصرفات في مادة العقود هي تصرفات قانونية تترتب عنها آثار قانونية وبالتالي فلا يصح التعاقد إلا بإذن الأب أو الولي.

ولقد أشار الفصل 7 من مجلة الالتزامات والعقود أن كل إنسان ذكرا كان أو أنثى يتجاوز عمره 20 سنة كاملة يعتبر رشيدا بمقتضى هذا القانون.

كما نص القانون التونسي على عوارض أخرى مؤثرة على الأهلية كالجنون في الفصل 160 من مجلة الأحوال الشخصية، وضعف العقل في الفصل 164 من مجلة الأحوال الشخصية.

إن نشأة وجود العقود الإلكترونية لا تتم إلا من خلال توفر شرط جوهري في شخص المتعاقد ألا وهو الأهلية لكن هذه يصعب التأكد منها في خصوص العقود الإلكترونية بما أنها عقود يتم إبرامها عن بعد خلافا للعقود العادية التي تبرم بين أشخاص يجمع بينهم مجلس واحد و في هذه حالة فإن التأكد من أهلية المتعاقد شيء يسير.

الفقرة الثانية: صعوبة التأكد من أهلية المتعاقد

إن خصوصية إبرام عقود التجارة الإلكترونية داخل هذا الفضاء اللامادي تجعل من إمكانية التعاقد مع شخص طبيعي أو معنوي مقيد الأهلية أو محجور عليه أو ممنوع من التعاقد بحكم القانون أمرا لا يمكن إستبعاده.

يعد القيام بعملية التأكد من أهلية المتعاقد، أمرا سهل في العقود العادية وذلك من خلال التثبت من الأوراق الرسمية أو بطاقات الهوية وما ييسر هذه العملية هو تواجد المتعاقدين في مجلس واحد . أما بالنسبة إلى عقود التجارة الإلكترونية فإن هذه العملية تتم عن بعد مع أشخاص طبيعية أو مع ذوات معنوية بعيدة عن الطرف الآخر و بالتالي فإن هذا النوع من التأكد والتثبت يكون عسيرا و لهذه الغاية فان التعامل في الفضاء الإلكتروني يستوجب من المتعاقد أن يقوم ببعض البحوث في ما يخص هوية الطرف المتعاقد معه.

فحتى يكون العقد الإلكتروني سليما مثل جميع العقود الأخرى يجب أن يصدر عن متعاقدين تتوفر فيهم أهلية التعاقد ولذا فإن التثبت من أهلية الطرف الأخر هي مسألة أساسية لتواصل العلاقة التعاقدية. ولقد تفاقمت مشكلة الأهلية على شبكة الإنترنات مع تفاقم إنشاء المواقع التجارية ويسر بعثها على الإنترنات بفضل برامج معلوماتية حديثة، أصبح ممكن امتلاك مواقع تجارية على هذا الفضاء اللامادي والتعاقد رغم غياب هذا الشرط الجوهري بالنسبة إلى عديمي الأهلية. و أمام أهمية ضمان سلامة التعاقد الإلكتروني فلقد قام المشرع التونسي من خلال القانون المتعلق بالتجارة الإلكترونية بإنشاء عملية المصادقة الإلكترونية التي تتمثل في اللجوء إلى طرف ثالث محايد موثوق فيه من كلا الطرفين وذلك للتحقق من هوية أطراف العقد الإلكتروني و بالتالي يستطيع كل طرف من خلال هذه الوسيلة التأكد من هوية الطرف الآخر.

لكن حتى في حالة المصادقة الإلكترونية يضل إبرام العقود مع عديمي الأهلية ممكنا إذ لا يتطلع جميع المستهلكين إلى بيانات شهادة المصادقة و يعود ذلك إلى ما تتطلبه هذه التجارة الإلكترونية من سرعة لتقليص الإجراءات والشكليات التي قد تعرقل تطورات هذا النشاط.

بالرغم من أن ركن الأهلية هو ركن بالغ الأهمية لكن يبقى في ميدان المعلوماتية الركن الذي لا يشغل بال التجار خلافا إلى ذلك فإن الدفع الفوري لثمن البضائع المبيعة أو الخدمات المسداة هو الذي يهم التجار. لهذه الغاية فإنه من النادر أن نجد نزاعات في خصوص مسائل الأهلية على مستوى العقود الإلكترونية.

وحتى يكون العقد الإلكتروني صحيحا فإلى جانب الأهلية فيجب توفر ركن الرضاء.