صور قواعد الشكل
درج القضاء الإداري على التمييز بين ما إذا كانت المخالفة في الشكل والإجراءات قد تعلقت بالشروط الجوهرية التي تمس مصالح الأفراد وبين ما إذا كانت المخالفة متعلقة بشروط غير جوهرية لا يترتب على إهدارها مساساً بمصالحهم ويترتب البطلان بالنسبة للنوع الأول دون الثاني .
والتمييز بين الأشكال الجوهرية والأشكال غبر الجوهرية مسألة تقديرية تتقرر في ضوء النصوص القانونية ورأي المحكمة وبصورة عامة يكون الإجراء جوهرياً إذا وصفه القانون صراحة كذلك أو إذا رتب البطلان كجزاء على مخالفته . أما إذا صمت القانون فإن الإجراء يعد جوهرياً إذا كان له أثر حاسم في مسلك الإدارة وهي تحدد مضمون القرار الإداري أما إذا لم يكن لذلك الإجراء هذا الأثر فإنه يعد إجراء ثانوياً ومن ثم فإن تجاهله لا يعد عيباً يؤثر في مشروعية ذلك القرار . ([1])
وقد استقر القضاء الإداري على أنه لا ينبغي التشدد في التمسك بالقيود الشكلية إلى حد تعطيل نشاط الإدارة، فالعيب الذي من شأنه أن يبطل القرار الإداري هو ذلك الذي يؤثر في مضمون القرار أو ينتقص من الضمانات المقررة لصالح الأفراد المخاطبين به في مواجهة الإدارة وهو ما اعتمدة مجلس الانضباط العام في احد قراراته حيث ذهب في حكمه الصادرة في 3/12/ 1997 إلى إعادة موظف إلى وظيفته بعد أن اعتبرته دائرته مستقيلاً وذلك لأن إجراءات التبليغ لم تكن قد تمت وفقاً للقانون ، وقد صادقت الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة على القرار المذكور لدى تمييزه أمامها ([2])
ونتناول فيما يلي هذين النوعين من قواعد الشكل والإجراءات .
أولاً- الأشكال التي تؤثر في مشروعية القرار الإداري:
لا يمكن أن نحصر الأشكال والإجراءات التي يترتب على مخالفتها بطلان القرار الإداري، إلا أن المستقر في الفقه والقضاء الإداري أن أهم هذه الشكليات تتعلق بشكل القرار ذاته وتسبيبه والإجراءات التمهيدية السابقة على إصداره .
1. شكل القرار ذاته:
من المتفق عليه أنه ليس للقرار الإداري شكل معين يجب أن يصدر فيه فقد يأتي القرار شفوياً أو ضمنياً، إلا أن القانون قد يشترط أن يكون القرار مكتوباً وفي هذه الحالة يتوجب على الإدارة إتباع الشكل الذي تطلبه المشرع و إلا عد قرارها مخالفاً لشكل جوهري مما يؤدي إلى أبطاله .
2. تسبيب القرار الإداري:
الأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلا إذا تطلب القانون ذلك، فمن المبادئ المقررة أن القرار الإداري الذي لم يشتمل على ذكر الأسباب التي استند عليها، يفترض فيه أنه صدر وفقاً للقانون وأنه يهدف لتحقيق المصلحة العامة، وهذه القرينة تصحب كل قرار إداري لم يذكر أسبابه وتبقى قائمة إلى أن يثبت المدعى أن الأسباب التي بنى عليها القرار المطعون فيه هي أسباب غير مشروعة . ([3])
أما إذا اشترط القانون تسبيب بعض القرارات فقد استقر قضاء محكمة العدل العليا على أن هذا التسبيب يعد أحد عناصر الجانب الشكلي للقرار يترتب على إغفاله بطلان القرار ولو كان له سبب صحيح . ([4])
واشتراط المشرع تسبيب بعض القرارات الإدارية يعد من أهم الضمانات للأفراد لأنه يتيح للقضاء مراقبة مشروعيتها فضلاً عن أن معرفة الأفراد للأسباب التي دعت الإدارة لاتخاذ قرارها يسهل عليهم الطعن فيه أمام القضاء، كما أن التسبيب يجعل الإدارة أكثر حذراً وروية عند إصدارها لقراراتها تجنباً للطعن فيها .
ولتوفير هذه الضمانة يجب أن يكون التسبيب جدياً ومحدداً وواضحاً بما يسمح للقضاء من بسط رقابته على مشروعية القرار، و إلا فإن القرار يعد بحكم الخالي من التسبيب مما يؤدي إلى إبطاله، ونظراً للأهمية التي يوليها المشرع لتسبيب القرارات الإدارية نحد أن المشرع الفرنسي قد أكد في قانون 11/7/1979 ضرورة تسبيب جميع القرارات الفردية التي لا تكون في مصلحة الأفراد، واشترط أن يكون التسبيب مكتوباً إلا في حالة الضرورة القصوى والحالات التي تنطوي على قرارات ضمنية أو الصادرة في حالات مستعجلة . ([5])
3. الإجراءات السابقة على اتخاذ القرار:
يشترط القانون في بعض الأحيان على جهة الإدارة سلوك إجراءات قبل إصدار قرارها و ويترتب على إغفال إتباع هذه الإجراءات بطلان قراراها .
ومن قبيل ذلك مخالفة الإدارة للإجراءات الواجب اتباعها في قراراتها التأديبية مثل إعلان المتهم بالوقائع المسندة إليه قبل الجلسة المحددة لمحاكمته وبيان وصف التهمة وتاريخ ارتكابها وزمان ومكان محاكمته وسماع دفاعه عن نفسه إلى غير ذلك من إجراءات جوهرية تحقق الضمانات الأساسية التي يقوم عليها التحقيق .
وقد يشترط القانون استشارة جهة معينة قبل إصدار الإدارة قرارها، وقد تكون هذه الجهة فرداً أو هيئة أو لجنة ما، وقد تكون الإدارة ملزمة برأي تلك الجهة أو غير ملزمة به وفقاً لما ينص عليه القانون، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإدارة في هذه الحالات جميعاً ملزمة باحترام الشكلية التي فرضها القانون وأخذ رأي تلك الجهة وإلا كان قرارها معيباً وجديراً بالإلغاء .
4. الشكليات الخاصة باللجان والمجالس:
يتطلب القانون أحياناً إجراءات خاصة لانعقاد اللجان أو المجالس انعقاداً صحيحاً فقد ينص على ضرورة اكتمال النصاب القانوني ويعد الجلسة باطلة إذا اقتصرت الدعوة على عدد معين من الأعضاء دون الآخرين .
وإذا كان حضور أعضاء المجالس واللجان وفق التكوين الذي حدده القانون يشكل ضمانة مهمة للأفراد، فإنه لا مجال للقول بأن زيادة أعضاء هذه المجالس يشكل زيادة في هذه الضمانة لأن الضمانات المقررة في القوانين واللوائح لا تتحقق إلا بأتباع الإجراء الذي حدده المشرع .
ثانياً- الأشكال التي لا تؤثر في مشروعية القرار الإداري:
من المستقر في القضاء الإداري أنه لا يترتب البطلان على كل مخالفة للشكليات دون النظر إلى طبيعة هذه المخالفة ورتب البطلان على إغفال الشكليات الجوهرية دون الثانوية , ومن الشكليات التي لاتؤثر في مشروعية القرار الإداري :
1. الأشكال والإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة:
على عكس الأشكال المقررة لصالح الأفراد، اعتبر القضاء الإداري الأشكال والإجراءات المقرة لمصلحة الإدارة أشكال وإجراءات ثانوية لا يترتب على مخالفتها الحكم بإبطال القرار الإداري وهنا لا يسمح للأفراد أن يستندوا إلى الإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة وحدها للتوصل إلى إلغاء القرارات الإدارية . ([6])
ومثال هذه الشكليات اشتراط تقديم ضمان مالي أو شخصي قبل منح رخصة معينة، فإذا أغفلت الإدارة هذا الإجراء فلا محل للطعن ببطلان القرار الإداري .
وهذا الاتجاه لم يسلم من النقد من جانبين الأول أنه من الصعب تحديد الحالات التي تكون فيها الأشكال مقررة لمصلحة الإدارة وحدها، والثاني أن هذه الأشكال هي في الحقيقة مقررة لتحقيق الصالح العام وليس الإدارة وحدها .
كما أن الطبيعة الموضوعية لدعوى الإلغاء التي تختصم القرار الإداري ذاته تتعارض مع النظر إلى مصالح أطراف النزاع . ([7])
2. الأشكال والإجراءات التي لا تؤثر في مضمون القرار:
يتغاضى القضاء الإداري أحياناً عن مخالفة بعض الشكليات التي يعدها ثانوية لا تؤثر في مضمون القرار الإداري ومن قبيل ذلك إغفال الإدارة الإشارة صراحة في صلب قرارها إلى النصوص القانونية التي كانت الأساس في إصداره، أو عدم ذكر صفات أعضاء اللجان والمجالس في صلب القرارات الصادرة عنها .
ويبدو ظاهرياً أن هذا الاتجاه من القضاء يهدف إلى التقليل من الشكليات التي تضر بعمل الإدارة وتقيدها عن أداء وظيفتها، إلا أن القول به لا شك سيؤدي إلى تعسف الإدارة وادعائها بأن أغلب الإجراءات والإشكال لا تؤثر في مضمون القرار الإداري ولها سلطة تقديرية في هذا المجال، ولا يخفى ما لذلك من تأثير سلبي على سلطة القضاء الإداري في الرقابة على مشروعية قرارات الإدارة .
ومن ثم فإن احترام المشروعية يقتضي من الإدارة أن تلجأ إلى المشرع لإلغاء ما تعده مقيداً لنشاطها من شكليات إذا كانت مقررة بنص تشريعي وأن تعمد إلى إلغاء الشكليات غير الجوهرية إذا كانت مقرر بنص لائحي . ([8])
([1] )- د. مصطفى ابو زيد فهمي – المصدر السابق – ص 484 .
([2]) اشار اليه ماجد نجم عيدان ، النظام القانوني لدعوى الإلغاء في العراق ، دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة النهرين ، 2000 ، ص230 – 231 .
[3] – د. طعيمة الجرف – المصدر السابق – ص272 .
[4] – عدل عليا رقم 50/82 مجلة نقابة المحامين 1982، ص 1490 .
[5] – د. محمد العبادي – المصدر السابق – ص 208 .
1- Bonnard، Precis elementaire de droit administrative p 104 .
[7] – د. مصطفى أبو زيد فهمي – المصدر السابق – ص 425 .
د. عبد الغني بسيوني – المصدر السابق – ص 612 .
[8] – ينظر في هذا الرأي :
– د. محمد ماهر أبو العينين – دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري – الكتاب الثاني – المصدر السابق – ص 139 .
اترك تعليقاً