مصادر عادات وأعراف التجارة الدولية
تتعدد مصادر هذه القواعد بتعدد واختلاف مجالات التجارة الدولية ولا يسع نطاق هذا البحث لذكرها جميعا، لذا سأكتفي بالتطرق إلى بعض منها:
1- الشروط العامة للعقود النموذجية:
إن هذه العقود في شروطها العامة لا ترتبط بقانون دولة أو دول معينة، بل إن أطراف هذه العقود إنما يهدفون من ورائها إلى التخلص من الخضوع للقوانين الوطنية لعدم ملاءمتها لضرورات التجارة الدولية، كما أنه من الملاحظ أن هذه القواعد التي تحكم هذه العقود، لا تستمد من تشريعات دولة ما ولا من معاهدات دولية وإنما تستمد من نصوص العقد ذاته، وربما كانت العقود النموذجية التي تولدت عن التجارة وبيع الحبوب التي صدرت عن جمعية لندن لتجارة الحبوب والتي تأسست (سنة 1877) من أوائل العقود ذات الشكل النموذجي، ولقد اتسع العمل بهذه العقود في مجالات شتى وقامت بعض اللجان المتخصصة للأمم المتحدة مثل اللجنة الاقتصادية الأوربية بصياغة الشروط العامة لبعض عقود التوريدات والإنشاءات الصناعية وعقود توريد الماكينات والآلات والمصانع، وكذلك الأمر بالنسبة للعقود الواردة على النقل والترخيص باستخدامات التكنولوجيا. كذلك فقد انتشرت الشروط العامة والموحدة لعقود التجارة الدولية ذات الشكل النموذجي بين الكيانات الدولية المتقاربة جغرافيا أو سياسيا، وكذلك بالنسبة للشروط والأحكام الخاصة الموحدة للنقل الدولي بالسكك الحديدية، وأيضا الاتفاقية الخاصة بشأن نقل الأشخاص وأمتعتهم عن طريق السكك الحديدية، وكذلك النقل الجوي، النقل البحري والتأمين[1].
إن الشروط العامة للعقود النموذجية ليس لها صفة الإلزام ولا تسري أحكامها إلا إذا اتفق الأطراف صراحة وكتابة على الأخذ بها، ثم أن للأطراف إدخال بعض التعديلات على بعض أحكامها، حيث يترك للأطراف أمر ما من عدة أمور، كما أنه بشكل عام تكون العقود اختيارية ولا تسري على أية معاملة إلا إذا وقع الطرفان عليها كجزء من عقدهما[2].
2- القواعد الدولية لتفسير مصطلحات التجارة الدولية:
بالرغم من وجود الكثير من العادات وأعراف التجارة الدولية غير المقننة في مجالات البيع الدولية والتي درج المتعاملون على اتباعها، إلا أن كثيرا ما نشب النزاع بسبب تفسير تلك العادات والأعراف التجارية ومن هنا سعت غرفة التجارة الدولية إلى وضع تفسيرات موحدة للمصطلحات التجارية التي اعتاد جمهور المتعاملين على اتباعها بشكل مضطرد وانتهت غرفة التجارة الدولية من وضع هذه التفسيرات الموحدة سنة (1946) وتهم هذه التفسيرات الأعراف السائدة بالنسبة لمنطقة معينة أو تجارة معينة. غير أنه أعيد صياغة تلك التفسيرات سنة (1953) وأدخلت طائفة جديدة من القواعد التي تبين أنها متبعة في العمل وتضم تلك المجموعة تفسيرا موحدا لعدة مصطلحات. وكان آخرها ما اتفق عليها سنة (1990) والطريقة المتبعة في وضع التفسير هي ذكر المصطلح ثم توضيح ما يشمله من التزامات بالنسبة لطرفي العقد وتتعلق الالتزامات التي يعددها التفسير عادة حول ميعاد التسليم ومكانه والمستندات اللازمة للتصدير والاستيراد ومصروفات الشحن والحزم والتغليف والتأمين… الخ.
وبالرغم من النجاح الكبير الذي حظيت به هذه التفسيرات والإشارة إليها كثيرا في بعض المنشآت التجارية والجماعات المهنية، وإدراج اللجنة الاقتصادية الأوروبية في بعض عقودها النموذجية تلك التفسيرات حتى أعطاها البعض صفة العقود المكملة والمفسرة، غير أن تلك التفسيرات ليس لها أي صفة إلزامية ويتعين على المتعاقدين الإشارة إليها إذا ما رغبوا في اتباعها فهي مجرد قواعد اختيارية، أي أنها عبارة عن توصيات يمكن الاحتكام إليها أو طرحها جانبا[3].
3- القواعد الموحدة بشأن الاعتمادات المستندية:
(إن الاعتماد المستندي هو الاعتماد الذي يفتحه البنك بناء على طلب شخصي يسمى الآمر، أيا كانت طريقة تنفيذه، أي سواء كان بقبول الكمبيالة أو بخصمها أو بدفع مبلغ لصالح عميل لهذا الآمر، ومضمون بحيازة المستندات الممثلة لبضاعة في الطريق أو معدة للإرسال).
ويتضح من التعريف أن الاعتماد المستندي عبارة عن عمل قانوني مركب من عدة تصرفات قانونية بعضها سابق على فتح الاعتماد والآخر لاحق على فتحه، ويتداخل فيه العديد من العقود كالبيع والنقل والتأمين والرهن ويدخل العنصر الأجنبي غالبا إلى هذه العلاقة من ناحية أطراف العلاقة أو الموضوع أو السبب المنشئ لها الأمر الذي يؤدي إلى اختلاط الأمر عند فض النزاع بين القوانين فيما لو نشأ نزاع بصدد العملية خاصة مع تباين التشريعات الوطنية، وقد لوحظ أن مختلف البنوك تسير في شأن الاعتماد المستندي على مجموعة عادات وأعراف متشابهة في كافة البلدان، وبالرغم من هذا التشابه إلا أنه كثيرا ما نشب النزاع بين البنوك فيما بينها لا بسبب الاختلاف على وجود القاعدة العرفية ولكن بسبب الاختلاف على تفسيرها الأمر الذي دفع إلى وضع قواعد موحدة بشأن الاعتماد المستندي مع مراعاة العرف السائد، وقد ساعدت هذه القواعد على تقليل تنازع القوانين في مسائل الاعتماد المستندي إلا أنها لم تقطع دابره، لأن القواعد الموحدة ظلت وطنية خالصة لتفسير المحاكم الوطنية ولطالما اختلفت المحاكم بشأن التفسير[4].
وقد تعرضت هذه القواعد إلى العديد من التفسيرات لمواجهة المشاكل الجديدة التي نجمت عن التقدم في سبيل المواصلات والاتصال اللاسلكي والتلكس وغير ذلك من الأمور. لذا قامت الغرفة بإعادة صياغة تلك القواعد بمراعاة الأعراف السائدة وما وجه إلى المجموعة الأولى من ملاحظات وما أبداه المشتغلون بالعمل المصرفي ورجال الأعمال من اقتراحات ثم صياغة وإقرار للقواعد التي كانت نافذة قبلها. وأطلق عليها اسم القواعد الموحدة بشأن الاعتماد المستندي وقد حازت هذه القواعد وما طرأ عليها من تعديلات قبولا كشف عليها الواقع العملي لدى معظم البنوك في دول العالم وأصبحت قواعد معمولا بها في جميع أنحاء العالم[5].
4- القيمة القانونية للقواعد الموحدة:
يذهب جانب من الفقهاء إلى أن مجموعة القواعد الموحدة ليس لها أية صفة إلزامية. فهي مجرد قواعد اختيارية يلزم الإشارة إليها عند فتح الاعتماد وفي الخطاب الذي يوجهه البنك إلى المستفيد حتى يصبح جزءا من العقد وتكون له صفة الإلزام، وذلك تأسيسا على أن القواعد الموحدة بشأن الاعتماد المستندي من وضع هيئة غير حكومية ولم تقرها اتفاقية مبرمة بين الدول فلا تعتبر قانونا ومن ثم فليس لها صفة إلزامية بوصفها هذا[1].
ويذهب جانب آخر من الفقهاء إلى أن تلك القواعد قد أضحت بمثابة عادات وأعراف التجارة الدولية، نظرا لاضطراد العمل المصرفي عليها في كل أنحاء العالم[2]. هذا الرأي يبدو قويا ومبررا لما لعادات وأعراف التجارة الدولية في العلاقات التجارية الدولية، من مكانة خاصة لدى قضاء التحكيم.
[1] – منهم د. مصطفى الجمال ود. عكاشة عبد العال، التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية، مرجع سابق، ص 258.
وأيضا د. محيي الدين علم الدين، أضواء على القواعد والعادات الموحدة للاعتمادات المستندية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1984، ص 25.
[2] – منهم د. أبو زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص182-183.
[1] – د. حمزة حداد، قانون التجارة الدولي، مرجع سابق، ص 48-53.
[2] – د. ثروت حبيب، دراسة في قانون التجارة الدولية، مرجع سابق، ص 164.
وأيضا د. نادية محمد معوض، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 163-164.
[3] – د. أبو زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 171-172.
[4] – د. ثروت عبد الرحيم، القانون التجاري المصري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1981، ص 969.
[5] – د. علي جمال الدين عوض، الاعتماد المستندي، مرجع سابق، ص 40-41.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً