نظم القانون العام
والمقصود بالقانون العام (هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة طرفاً فيها بأعتبارها صاحبة السلطة والسيادة وانظمة القانون العام هي:-
أولاً / نظام الحكم
– في الواقع ان نظام الحكم الذي كان سائدا في بلاد ما بين النهرين كان نظام (دويلات).
– ويقصد بهذ النظام هو ان هناك ( مدينة كبيرة وتتبعها عدد من المدن الصغيرة و القرى ) وكل دويلة تكون قائمة بذاتها ومستقلة عن باقي الدويلات فلكل وحدة لها نظامها وتقاليدها وقوانينها وسلالتها الحاكمة .
– وعليه سنتكلم عن طبيعة المراحل التي مر بها نظام الحكم لدى هذه الدويلات منذ ان كان قائما على فكرة أو نظرية ( التفويض الألهي) وتطوره الى الحكم الملكي الوراثي …..
التفويض الألهي :
لقد كانت السلطة في دويلات المدن مناطة بالملك وكان الملك يعتمد في حكمه على التفويض الألهي أي انه وسيط بين الالهه والناس .
وبذلك فأن على الناس طاعته وأحترامه (فهو يمثل الكاهن الأكبر للمدينة).ويدير أموال المعبد ، وهو مسؤول أمام الألهه اذا لم يحقق الخير والعدل.
ومن سمات نظام الحكم في دويلات المدن هو انه لم يك انذاك نظاماً دكتاتورياً بل نظاماً ديمقراطياً اذ انه بجانب الملك الذي كان على رأس السلطة هناك مجلسان (مجلس الشيوخ) ويتكون من كبار السن ،ومجلس المحاربين و(يمثل الرجال القادرين على حمل السلاح )
أن هذه المجالس , كان لها سلطة اتخاذ القرارات المهمة والخطيرة ومنها (أعلان الحرب ، وفرض الضرائب ، ومنح صفة المواطنة أو نزعها )
ولكن هذا الكلام عن نظام الحكم في عهد دويلات المدن في الظروف الأعتيادية ولكن في حالة الطوارئ (كوقوع فيضان أو انتشار وباء أو توقع هجوم) فأن الأمر يستلزم أجراءات سريعة دون الرجوع الى المجالس العامة.
لذا كان يتم اختيار شخص منتخب من الشعب يكون ذو شخصية قوية تملك القدرة على معالجة مثل هذه الحالات وبمرور الزمن عمل هذا الشخص المنتخب على تخييم نفوذ وامتيازات المجالس العامة خاصة بعد معالجة الأوضاع الشاذة أو انتصاره على الأاعداء.
وبذلك أصبح هذا الشخص في بعض الدويلات الحاكم المطلق وذو سلطات واسعة خاصة وانه يستند الى تبرير ديني وهو ان الألهه هي التي فوضته هو ممارسة السلطة النيابية عنها ،وبالتالي لا تستطيع المجالس العامة محاسبتة واطلق عليه (لوكال ) الرجل العظيم
كما ان هذا الشخص المنتخب استطاع ان يحجم دور الكهنة وأصبحت سلطتهم قاصرة على الأمور الدينية مما أطلق عليه (الرجل العظيم )
وبذلك فقد تحول نظام الحكم من نظام ديمقراطي الى نظام ملكي ووراثي مطلق فيما بعد . اذ انه الملك أعطى له الحق بأن يعين له ولي عهد أثناء حياته ، وتأخذ الوراثة هذه صفة دينية عادة (أي ان الملك استشار الألهه في هذا الأختيار) وبعد الأختيار يعلنه الملك على الشعب لكي يقسموا على مبايعته وعدم الأعتراض على حكمه لا سيما أخوته . وبعد وفاة الملك يتم تتويج ولي العهد في معبد الألهة الرئيسي في المدينة بمراسم وطقوس دينية لكسب أقرار الألهه على أعتلائه العرش بعد ان أمر تعيينه ولي العهد
( صلاحيات الملك )
1) انه من الناحية الدينية بأعتباره مستمدة سلطته من الألهه ، فهو الكاهن الأعظم (اذ له الحق في تعيين الكهنه والأشراف على طريقة اداءهم للشعائر الدينية والطقوس والأشراف على اموال المعابد .
2) انه الرئيس الأعلى للدولة ، فهو يمثلها أمام الدول الأخرى ويعين السفراء ويعقد الأتفاقيات .
3) كما انه هو المشرع الوحيد في الدولة ،بأعتباره ممثلًا للألهه كما انه يتولى تعديل وتغيير القوانين حسب الظروف .
(النظام الأداري )
لم يكن النظام الأداري متشابهاً في كل المراحل التي مرت على العراق القديم فقد اختلف بأختلاف الأنظمة السياسية السائدة .
أولاً : النظام الأداري في دويلات المدن :
– لقد كان المعبد هو المركز الرئيسي لأدارة البلاد والذي يشرف عليه الكاهن الأعظم الذي يستند على الأرادة الألهيه.
– وكان يعاونه عدد من الكهنة للأشراف على جميع امور الدولة القضائية والسياسية والأقتصادية.
– وفي المعبد كانت تحسم المنازعات بين الناس وتعقد فيه الصفقات (والبيوع )
– وبعد ظهور لوكال الرجل العظيم في بعض الولايات انفصلت السلطة الدينية عن السلطة الدنيوية فأصبحت الأدارة الدينية من مهام الكهنة والمعبد . أما الأدارة المدنية فقد انيطت بالملك ومعاونية وبعض الكتاب.
ثانيا : النظام الأداري في الدولة الموحدة ( النظام المركزي )
*لقد تغير النظام الأداري في الدولة الموحدة ، فأصبحت (دويلات المدن) وحدات أدارية في الدولة الموحدة ، وخضعت لسلطة ملك الدولة الموحدة (بعد ان كانت دويلات مستقلة ).
*ان الأدارة في الدولة الموحدة (كانت مركزية) أي ان الملك كان يتدخل ويشرف على كل الأمور ويراقب ولاته وحكامه ويشرف على تطبيق توجيهاته وتعليماته .
* كما كان يقوم بأقرار تنفيذ المشاريع العامة، وأقامة العدل ، وحماية الضعفاء والمساكين عن طريق أصدار قوانين تكفل لهم الحماية .
* كما كان يقع على عاتقه توطيد الأمن والأستقرار والقضاء على الفوضى والأستغلال .
* كما يتولى الامور الدينية وأقامة الطقوس والشعائر الدينية .
* والأدارة كانت تتم عن طريق قصر الملك ،فكان يعتمد على اقربائه وحاشيته كالوزراء والموظفين والكتبة (فهم اداة الملك في ادارة شوؤن البلاد)
* الى جانب ذلك ، انه وبسبب سعة البلاد الموحدة ،فقد تطلب الأمر ان يقوم الملك بتعيين حكام ولاة في المقاطعات لتمثيله وتنفيذ اوامره في كافة انحاء البلاد خاصة تلك التي خضعت لحكم بسبب انتصاره عليها وضمها الى مملكته .
*وقد كان الملك يراقب أعمالهم وعليهم تنفيذ اوامره وليس لهم حق التصرف في الامور المركزية والخاصة بالملك وانما يجوز لهم وفي بعض الأمور التي ليست ذات شأن التصرف على شرط أعلام الملك بذلك .
الخدمة العسكرية : ( خدمة أجبارية )
· ان الخدمة العسكرية في عهد الدولة الموحدة وخاصة في عهد حمورابي كانت اجبارية ومفروضة على كل من هو قادر على حمل السلاح .
· والسبب هو ان الدولة الموحدة لم تتحقق الا بعد منازعات وحروب بين دويلات المدن وانتصار احداهما على البقية أخر المطاف.
· كما ان استمرار السيطرة على دويلات المدن لا يمكن ان يتحقق الابوجود قوةة عسكرية ،كما انها بحاجة الى قوة عسكرية لتنفيذ قوانينها وأوامرها وفرض اهميتها على كافة ارجاء الدولة .
· فأذن كانت الحاجة ان تكون تلك القوة مستمرة في وجودها ولايمكن ان يتحقق ذلك الا عن طريق جعل الخدمة الزامية .
· وقد منعت المادة (23) من قانون حمورابي تخلف اي جندي عن خدمة الملك أو ارسال آخر عوضا عنه ووصلت العقوبة حد الأعدام .
· والقوة العسكرية أو عهد حمورابي كانت تتألف من :-
1- الجنود ( ريدوم )
2- القناص : وهو الذي يتولى عملية القنص البحري عن طريق الشباك التي كانت تستعمل لصيد الأعداء في الحملات العسكرية التي تستخدم فيها السفن والقوارب لنقل الجنود .فكانوا يرافعون هذه السفن .
3- العريف (الرئيس) : وهو الذي يقود مجموعة من الجنود والقناصين ويكون برتبة أعلى فهو مسؤول عن دوام الجنود وتهيئتهم للقتال ومسؤول عن انضباطهم.
4- قادة الجيش ورئيس الأركان:
5- ويتولون هؤلاء مناصب قيادية في الجيش وقد كانت لهم بعض الأمتيازات منها الاجور ولهم قسم من أراض القصر يعيشون فيها.
القوانين الأدارية :
-ان القوانين المختلفة والتي صدرت في العراق لم تكن تشير الى توضيح أو بيان علاقة أجهزة الدولة بعضها مع البعض الأخر ، بل عالجت بعض الأمور التي تتعلق بالمعاملات والأحوال الشخصية .
– والقوانين الأدارية يمكن التعرف عليها من المصدرين الأتيين :
أولهما / المراسيم والأرادت الملكية :
ان هذه المراسيم كانت تتضمن اجراءات فورية صادرة من الملوك بشكل ( أوامر وارشادات وتوجيهات الى حكام المقاطعات والمدن ).
وكانت هذه الأوامر تعالج مسائل أقتصادية أو اجتماعية ومنها (تحديد الرواتب ) واسعار الصرف وبيع الرقيق وقواعد التقاضي وفرض العقوبات على المدين العاجز وغيرها.
أما الغاية من هذه المراسيم فهي لتحقيق العدالة ورفع الظلم والأستغلال عن الطبقات الفقيرة وتنظيم بعض من نواحي الحياة .
ثانيا / الرسائل الملكية :
وهذه الرسائل كانت ترسل من الملوك الى الموظفين وحكام المقاطعات عند اهمالهم في اداء واجباتهم ،وقد تناولت هذه الرسائل موضوعات مختلفة :
· فمثلا هناك وسائل موجهه الى الحكام بأجراء تحقيقات في الشكاوى المقدمة من الأفراد ضد بعض الموظفين .
· او الرسائل الموجهة الى الحكام تطلب منهم اعداد كشف وحساب دقيق عن اموالهم الخاصة .
· كما وجدت رسائل موجهه من الموظفين وحكام المقاطعات الى الملك تتناول الكثير من نواحي الحياة المختلفة وخاصة الأدارية منها .
· أو رسائل موجهة من الأفراد الى الملو ك والحكام والموظفين تتناول بيان وجهه نظر اصحابها في قضايا معينة تتعلق بالأدارة
الأداريون :
لقد كان هناك عدد من الوزراء وحكام المقاطعات بالأضافة الى الحاشية واقرباء الملك يساعدونه في ادارة شؤون البلاد ومن الشكل التالي :
– زوجة الملك وولي عهده
– رئيس الوزراء: لقد ظهر هذا المنصب في زمن الدولة البابلية والأشورية وهو يتولى ادارة السياسة الخارجية للبلاد
– الوزير الأكبر : وتناط اليه مسؤوليات كثيرة منها (تلبيه حاجات القصر من الأشخاص والأموال وجمع الضرائب)
– وزير المالية : وتناط به مهمة أدارة الحياة الأقتصادية والمالية للبلاد.
– رئيس أركان الجيش : ويتولى مهمة ادارة الأمور العسكرية وكان يتناول راتبا كبيرا
– حكام المقاطعات : وهم يتولون ادارة الوحدات الأدارية للدولة (المقاطعات) بعد ان توسعت بسبب الفتوحات ومن ثم تنحصر في (تنفيذ أوامر الملك ، جمع الضرائب)
– رئيس الديوان : وهو يتولى الأشراف على القصر والحرس الملكي.
النظام العقابي
ويشمل القانون الجزائي والقواعد القانونية التي تبين الأفعال المحرمة قانونا وجزاء كل من فعل هذه الأفعال.
– لقد كان الدولة هي التي تقوم بتجديد الأفعال والتي ترى بأنها ضارة بأمن المجتمع والتي تتولى حمايتة
– والجرائم في القانون العراقي القديم (أو الأفعال المحرمة ) كانت كثيرة ومتنوعة ويمكن تقسيمها الى ما يلي :
أولا : الجرائم العامة وتقسم الى :
1- الجرائم الموجهه ضد الدولة : وتشمل
– جرائم التستر على المتآ مرين ضد الدولة .
– الجرائم العسكرية : وتشمل جريمة التخلف عن اداء الخدمة العسكرية أو التهرب منها
– الجرائم الموجهه ضد القضاء :
– 1- وتشمل جرائم تضليل العدالة ويتم ذلك بشهادة الزور أو الأتهام الكاذب
2- جرائم تنفيذ الحكم القضائي :تنص المادة (5) من قانون حورابي (اذاأ صدر قاضي حكما ثم غيره فعليه ان يدفع (12) مرة بمقدار قيمة الشكوى التي رفعت وأن يطرد من القضاء.
2) جرائم زنا المحارم : تقضي القوانين القديمة بمعاقبةالأشخاص الذين يتصلون جنسيا بنساء محرمة عليهم وتزداد العقوبة كلما كانت درجة القرابة أكثر فأكثر.
3) جرائم السحر : عاقبت القوانين القديمة الساحر بعقوبات شديدة اذ انالساحر يلقى في الماء فأن غرق فتعطى امواله لمن اتهمهاما اذا لم يغرق اعتبر رئيسا أو تصادر اموال من اتهمه وتعطى للساحر
4) الجرائم الدينية : لم يعالج قانون حمورابي الجرائم الدينية على عكس القوانين الأشورية
ثانيا / الجرائم الخاصة : وتشمل
1- جرائم الضرر الجسمي : وهي الجرائم التي تصيب جسم الأنسان بضرر ولايصل الى حد الموت .
وهنا تحدد العقوبة بنفس الكمية ونوع الضرر الذي وقع على المتضرر أي (القصاص).
فمثلا اذا ضرب ابن اباه فعليهم ان يقطعوا يده بأعتبارها الوسيلة المستخدمة في الجريمة. أو اذا فقأ رجل عين أخر او كسر رجل اخر فيعاقب بنفس الضرر الحاصل.
هذا اذا كان الطرفان من طبقة واحدة أما اذا كان الطرفان المتخاصمان من طبقتين مختلفتين فيصار الى التعويض . فأذا فقأ رجل عين عبد أو كسر عظم عبد فعليه ان يدفع نصف قيمته.
2- جرائم السرقة :
عرفت السرقة في القوانين القديمة (بأنها اختلاس أو شروع في اختلاس مال منقول مملوك للغير بدون رضاه أو اختطاف قاصر او الشراء من قاصر أو حيازه مال مسروق أو التصرف في حال لا يمكن اثبات عائديته .
والعقوبة في الواقع تختلف وبحسب نوع السرقة (أي الأموال المسروقة )
· فمثلا اذا سرق شخص اموال المعبد أو الاله يعاقب بالأعدام .
· أو من ضبطت بيده الأموال المسروقة يعدم .
· كذلك يعتبر سارقا من لم يراعي بعض الشكليات في بعض المعاملات (كضرورة وجود عقد او شهود ) فيعد سارقا ويعدم .
· كما ان العقوبة تشدد اذا اقترنت السرقة بظروف مشددة كما لو احدث رجل ثغره في دارم من أجل السرقة فعليهم ان يعدموه امام تلك الثغرة ويقيمو عليه الجدار .
· كما ان بعض النصوص حملت حاكم المنطقة أو سكانها المسؤولية في حالة عدم معرفتهم للسارق ، وبالتالي ألزمتهم بالتعويض عن المال المسروق .
يتضح من ذلك ان القانون العراقي القديم عالج جريمة السرقة على اساس حالات معينة وليس على اساس نظرية عامة تبين ما هي الجريمة واركانها المختلفة .
3- جرائم الأحوال الشخصية :
– وهي الجرائم التي تتعلق بحياة الأنسان الشخصية (كالزواج وجرائم التشهير ( القذف ) والأتهام بأرتكاب جرائم الزنا .
– فقد اعتبر حمورابي اي زواج يجب ان يكون مقترن بعقد مكتوب والا اعتبرت الزوجة غير شرعية
– اما ما يتعلق بجريمة الزنا فوردت نصوص كثيرة فمثلا :
· اذا ضبطت الزوجة مع رجل أخر فتكون العقوبة اغراقتهم في الماءاما اذا عفى عنها زوجها فيعفى شريكها ولكن بعد موافقة الملك .
· اما اذا اتهم رجل زوجته بالزنا ولم يقبض عليها متلبسه فعلى المرأة ان تؤدي القسم بحياة الالهه بأنها بريئة .
اترك تعليقاً