الجرائم الاقتصادية
تعددت التعريفات الفقهية للجريمة الاقتصادية، ورأى بعضهم أنه يمكن رد هذه التعريفات إلى تعريفين رئيسيين: أولهما واسع ومعناه أنه: «يقصد بالجريمة الاقتصادية كل ما يمس الاقتصاد بصفة عامة». وثانيهما ضيق ويرى: «أن الجريمة الاقتصادية هي الجريمة الموجهة ضد إدارة الاقتصاد المتمثلة في القانون الاقتصادي أو السياسة الاقتصادية أو كليهما معاً». وقد انطوى قانون العقوبات الاقتصادية السوري رقم 37 تاريخ 16/5/1966 في مادته الثالثة المعدلة على تعريف واسع للجريمة الاقتصادية من خلال شمولها لكل الأعمال التي من شأنها إلحاق الضرر بالأموال العامة والاقتصاد القومي والسياسة الاقتصادية كالتشريعات المتعلقة بالتموين والتخطيط والتدريب والتصنيع ودعم الصناعة والائتمان والتأمين والنقل والتجارة والشركات والجمعيات التعاونية والضرائب وحماية الثروة الحيوانية والنباتية والمائية والمعدنية.
وإذا كانت الشريعة الإسلامية لم تعرف مصطلح «الجريمة الاقتصادية» ولم تستخدم تعبير العقوبات الاقتصادية، فإن بعض الفقهاء يستدل على وجود مثل هذه الجريمة في مؤسسة الحسبة التي يرأسها المحتسب الذي كان يتولى مراقبة النشاط الاقتصادي في المجتمع الإسلامي، وكان له الحق في فرض العقاب الذي يراه كي يصون المجتمع ومصلحته وفق قواعد الشريعة. بيد أن هذه الجريمة الاقتصادية تعتبر من الجرائم المدخلة حديثاً في التشريع العقابي. ويمكن القول إن فكرة التشريعالجزائي الاقتصادي بدأت بالظهور إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، لما اقتضته هذه الحرب من وضع أنظمة لتسعير المواد الغذائية والتموينية وتوزيعها بالبطاقات ومكافحة الاحتكار والتلاعب بهذه المواد، وعقب الحرب خطت التشريعات المتصلة بالجرائم الاقتصادية خطوات ملحوظة ورافقت الثورة الاقتصادية التي قامت في بعض الدول ثورات سياسية واجتماعية، وظهرت الأنظمة الاشتراكية والفاشية والنازية، وبرز التشريع الجزائي الاقتصادي أو ما يطلق عليه (قانون العقوبات الاقتصادي) في هذه الدول على نحو يتباين نطاقه ومداه لحماية التشريعات الاقتصادية التي أصدرتها. وكان من نتيجة الأزمة الاقتصادية الكبرى التي أحاقت بدول عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1929 أنه سارعت هذه الدول إلى تنظيم اقتصادها وفق سياسة تخطيطية موجهة مختلفة الدرجة، فاستنّت لهذا الغرض تشريعات تتصل بحماية النقد وتنظيم الإنتاج والتجارة الخارجية. وأوصلت الحرب العالمية الثانية 1939-1944 ونتائجهاالتشريع الاقتصادي إلى ذروته حيث عمدت الدول المختلفة لإصدار تشريعات تتصل بحماية النقد وتنظيم الإنتاج والتجارة الخارجية. كما أصدرت في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلص من السيطرة الأجنبية تشريعات مختلفة تستهدف توزيع المواد الإنتاجية والغذائية والسلع على نحو عادل. وهكذا أخذ قانون العقوبات الاقتصادي في النمو والتطور والاتساع بصورة مستمرة في دول كثيرة، مما دعا إلى البحث والنظر في إمكانية استقلاله عن قانون العقوبات العادي وإرساء قواعد وأحكام خاصة به، وهو في بعض الدول تشريع خاص يشتمل أحياناً عقوباتٍ مالية لها طابع إداري أو تأديبي أو اقتصادي إلى جانب عقوبة الحبس، ويستند هذا التشريع إلى الظروف الاقتصادية ومصلحة السياسة والنظام الاقتصاديين، ولهذا كانت التشريعات محدودة وخاصة يمكن إلحاقها بقانون العقوبات شأنها في ذلك شأن التشريعات الجزائية الأخرى، ولا تشكل تشريعاً مستقلاً بذاته، وذلك ما هو عليه الحال في الدول الرأسمالية ذات النظام الاقتصادي الحر التي تهدف فيه هذه التشريعات إلى حماية النظام الرأسمالي وهو أمر لا يستدعي قيام تشريع عقابي مستقل قائم بذاته. أما الدول ذات النظام الاشتراكي فقد وضع معظمها قانون عقوبات اقتصادي مستقل شمل كثيراً من الأمور التي لم تتعرض لها تشريعات الدول ذات النظام الرأسمالي، أما الدول التي لم تضع قانون عقوبات اقتصادي خاص فقد أدرجت الجرائم الاقتصادية في قانون العقوبات لديها انطلاقاً من مبدأ أن هذه الجرائم هي جرائم عادية، لكن هذه الدول جميعها أخذت بالمفهوم الواسع للجريمة الاقتصادية. وهكذا يمكن القول: إن هنالك مفهومين رئيسيين للجريمة الاقتصادية:
وقد أخذت سورية بالمفهوم القانوني للجريمة الاقتصادية حيث صدر فيها تباعاً بعد قيام ثورة الثامن من آذار لعام 1963 مجموعة من التشريعات الجزائية الاقتصادية ومنها أول قانون عقوبات اقتصادي. وقد صدر بالمرسوم التشريعي رقم 37 تاريخ 16/5/1966 الذي جرى تعديله فيما بعد تباعاً، لكن هذه التعديلات لم تمس جوهره، كما تم إحداث محاكم الأمن الاقتصادية بموجب المرسوم التشريعي رقم 41 تاريخ 8/8/1977، وهي مختصة بالنظر في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات الاقتصادية وفي الجرائم المنصوص عليها في القوانين الأخرى.
ويمكن القول بصورة عامة، إن الجريمة الاقتصادية لا تقتصر على حماية السياسة الاقتصادية وإنما تتعداها إلى الاقتصاد القومي بكل نواحيه وتتناول الأموال العامة التي توسع في مفهومها بشكل يكاد يكون شاملاً معظم الأموال، وأبقى عبء تفسير القوانين الجزائية الاقتصادية والتوسع في تفسيرها عند تطبيقها على عائق القضاء الذي تختص فيه محكمة الأمن الاقتصادي بالنظر في الجرائم الوارد ذكرها في قوانين العقوبات الاقتصادية وقمع التهريب وعقوبات تهريب العملة السورية والعملات الأجنبية والمعادن الثمينة.
وبصورة عامة فإن قانون العقوبات الاقتصادية احتوى أنواعاً مختلفة من الجرائم يمكن تصنيفها ضمن المجموعات التالية:
1- الجرائم الموجهة ضد النظام الاشتراكي.
2- الجرائم الموجهة ضد الملكية الاشتراكية.
3- جرائم الإضرار بالاقتصاد الوطني.
4- جرائم الإضرار بالأموال العامة.
5- الجرائم المتعلقة بالعمل لدى الدولة.
وتنظر الدولة اليوم في التخفيف من عقوبات بعض الجرائم مع سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ مع مطلع التسعينات.
عبد الهادي عباس
اترك تعليقاً