العمل غير المشروع ( المسؤولية التقصيرية)
تمهيــــد:
المسؤولية المدنية هي التزام المدين بتعويض الضرر الذي ترتب على خلاله بالتزام يقع عليه، وهي إما أن تكون مسؤولية عقدية، إذا كان مصدر الالتزام الذي حصل الإخلال به عقدا، وإما أن تكون مسؤولية تقصيرية إذا كان هذا الالتزام مصدره العمل غير المشروع، وقد تناول المشرع الجزائري هذه المسؤولية في المواد: من124-140 ق.م تحت عنوان: العمل المستحق التعويض.
إن المسؤولية باختلاف أنواعها محددة في طبيعتها وأهدافها، بنصوص قانونية دقيقة وهي بذلك تستلزم التمييز فيما بينها.
ومن بين ذلك التمييز بين المسؤولية القانونية والمسؤولية الأدبية، وتقوم المسؤولية الأدبية أو الخلقية عند إخلال الإنسان بقاعدة خلقية، وهي تستوجب جزاء أدبيا بعيدا عن دائرة القانون. وبذلك فنطاقها تحددها الأخلاق أما المسؤولية القانونية، فتكون عند إخلال الإنسان بقاعدة قانونية يحددها القانون، مما يستوجب جزاء قانونيا، يختلف باختلاف القاعدة القانونية ويتمثل في العقوبة أو التعويض، وتنقسم المسؤولية القانونية كالتالي:
–المسؤولية الإدارية: وتترتب عن مخالفة الموظف العام بقاعدة قانونية من قواعد القانون الإداري ويتمثل جزاؤها في عقوبة تأديبية.
-المسؤولية الجزائية أو الجنائية: وتنشأ عند حدود ضرر يصيب المجتمع والجزاء عليه هو عقوبة جنائية توقع على الجني.
-المسؤولية المدنية: هي التزام شخص بتعويض الضرر الذي سيسببه والجزاء يكون فيها بتعويض الضرر الذي يترتب على إخلاله بالتزام يقع عليه، وتنقسم المسؤولية هنا بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية.
المبحث الأول: نشأة وتطور المسؤولية التقصيرية
المطلب الأول: في المجتمعات القديمة
كان الفعل الضار يستتبع برد فعل مماثلا له، فكان من حق المضرور أن يتأثر لنفسه على أساس فكرة الانتقام الشخصي أ, التقاضي الخاص وتطورت الشرائع القديمة، فنظمت القصاص، وأجازت للمضرور أن يحدث نم أخرى مثل الأذى الذي أصابه، غير أن فكرة الأخذ بالثأر تضاءلت وحلت محلها فكرة الدية، وبدأت الدية اختيارية يتفق الطرفان المتخاصمان ثم صارت إجبارية ومحددة القيمة في كل حالة سلفا بحكم العرف والقوانين ثم تدخلت الدولة بعد ذلك فحددت مقدار الدية من ناحية وتولت بنفسها توقيع العقاب على بعض الجرائم من ناحية، وقد ترتب على ذلك أن صارت الجرائم أو الأفعال الضارة نوعين: جرائم خاصة لا تملك الدولة فيها حق العقاب بل تقتصر فيها وظيفتها على فرض الدية المردة على الجاني لصالح المضرور، وجرائم عامة تملك فيها الدولة حق توقيع العفوية على الجاني باسم المجتمع، وبذلك ظهرت فكرة المسؤولية الجنائية ممثلة في العقاب وفكرة المسؤولية التقصيرية ممثلة في التعويض.
المطلب الثاني: المسؤولية التقصيرية في القانون الروماني
لم تكن هناك قاعدة عامة في القانون الروماني تقرر المسؤولية التقصيرية عن الفعل غير المشروع، كما أنه لم تتميز خصائص كل من المسؤولتين الجنائية والمدنية بل كانت هناك أحكام خاصة تقرر المسؤولية التقصيرية عن بعض الأفعال المحددة بالذات، فإذا لم يكن الفعل قد ورد بشأنه حكم خاص فإنه لا يعتبر عملا غير مشروع، وكان التعويض وهو الدية الإجبارية قاصدا على هذه الأفعال المحددة قانونا وكان أهم القوانين هو قانون ” أكيليا”(Aquilia ) الصاددر سنة 287 ق.م الذي ينص على بعض أنواع التلف كموت أو جرح العبد أو الحيوان أو إتلاف الأشياء المادية الأخرى.
المطلب الثاني: المسؤولية في الفقه الإسلامي
قرر الفقه الإسلامي مبدأ الضمان وهو الالتزام بالتعويض المالي عن الضرر الذي أصاب الغير في نفسه أو في ماله، وبذلك نشأت فكرة التضمين، وهو ما يسمى اليوم بالمسؤولية المدنية في القوانين الوضعية المعاصرة على أساس العدالة، وانطلاقا من قوله عز وجل: ” وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به” وقوله عز وجل: ” وجزاء سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يجب الظالمين” وقوله عليه السلام:” لا ضرر ولا ضرار”.
ومن هنا نظمت الشريعة الإسلامية الضمان لصيانة أموال الناس وحفظ حقوقهم كما أنها فرقت الجرائم التي تقع على النفس والجرائم التي تقع على المال.
المطلب الرابع: المسؤولية التقصيرية في القانون الفرنسي
يتم الفصل في القانون الفرنسي القديم بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية، كما تميزت المسؤولية التقصيرية. عن المسؤولية العقدية. ووضع القيه ( دوما Domat) القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية التي توجب التعويض على كل خطأ أحدث ضررا بالغير. وبذلك أصبح الجزاء تعويضا مدنيا لا يختلط بفكرة العقوبة الجنائية، وظهرت فمرة الخطأ أساس للمسؤولية التقصيرية، كما تقرر إلى جانب ذلك قاعدة جواز مساءلة المرء عن فعل غيره في أحوال معينة. ومساءلته عن الأضرار التي تقع بفعل حيواناته أو تنشأ عن سقوط عماراته.
وقد ورد المشرع الفرنسي مبدأ قيام المسؤولية التقصيرية عن الأفعال الشخصية على أساس فكرة الخطأ، والخطأ غير المعتمد الواقع نتيجة إهمال أعدم تبصر، كما أقر مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع ومسؤولية حارس البناء، وحارس الحيوان.
المبحث الثاني: تطور أحكام المسؤولية التقصيرية
إن تضخم المشاكل القانونية المتعلقة بنظام المسؤولية التقصيرية ساهمت بشكل كبير في نشوء نظرية المسؤولية التقصيرية، وتطورها منذ سنة 1884. ثم طورها الفقه والقضاء والتشريع مما أفرز ثلاث نظريات، وهي كالتالي:
1-النظرية الشخصية La théorie subjective
2-النظرية الموضوعية: La théorie objective
3-نظرية الضمان: La théorie de la garantie
المطلب الأول: النظرية الشخصية
تؤسس هذه النظرية المسؤولية على فكرة الخطأ تركز جوهري لا تقوم بدونه، فهي تهتم أساسا بسلوك الشخص المسؤول. ولا نتصور قيام المسؤولية بغير خطأ ولكن بغير تفرقة بين خطأ عمدي أو غير عمدي، ويستوي أن يكون هذا الخطأ واجب لإثبات في حالة المسؤولية عن العمل الشخصي أو يكون خطأ مفروضا في حالة المسؤولية عن فعل الغير وعن الأشياء، إذ أن أساس المسؤولية في جميع هذه الحالات هو الخطأ.
المطلب الثاني: النظرية الموضوعية
أدى التقدم الصناعي في نهاية القرن 19 وكثرة المخترعات الميكانيكية وقيام الصناعات الضخمة وانتشار وسائل النقل الآلية إلى توسيع نطاق المسؤولية على أساس اعتبارات العدالة والتضامن الاجتماعي فذهب فريق من الشراح وعلى رأسهم “سالي Saleilles” وجوسران Josserand” وديموج) لا على فكرة الخطأ، ذلك أن من يباشر نشاطا يتحمل نتيجته، وعليه أن يعوض الغير الذي يلحقه ضرر منه، ولو كان سلوكه غير مشوب بخطأ ما.
وعليه فمن يقوم مشروع ما فإنه يتحمل تبعية أخطاره. وفي منطق هذه النظرية المادية أو نظرية تحمل التبعة، فإنه من غير الجائز نفي المسؤولية لا ينفي الخطأ أو بنفي العلاقة السببية. فالمسؤولية تقوم على الضرر وحده حتى ولو كان السبب مبني على قوة قاهرة.
المطلب الثالث: نظرية الضمان
ذهب بعض الفقهاء وعلى رأسهم ” ستارك Starck ” إلى إقامة المسؤولية المدنية بوجه عام على أساس الضمان لا على أساس الخطأ وترى هذه النظرية أنه متى ثبت أن المضرور قد أودى في حق من حقوقه دون مسوغ من القانون كان المتسبب في هذا الضرر مسؤولا عنه بقطع النظر عن مسلكه، وبالتالي فهو موجب للضمان بذاته ما دام القانون لم يلزم المضرور يتحمل هذا المساس بحقه، وذلك لأن غاية المسؤولية المدنية هي التعويض المدني عند المساس بحق الضمان المعزز للغير، أما إذا ثبت ارتكاب الفاعل خطأ، فإنه يترتب على هذا الخطأ زيادة مبلغ التعويض على أساس عقوبة خاصة وقد ظهرت هذه الفكرة في القوانين التي ارتكزت على الالتزام بالضمان التي نظمت إصابات العمال والأخطاء المهنية على أساس ضمان على سلامة العامل والأحكام القضائية المتعلقة بمسؤولية أمن نقل الركاب.
المبحث الثالث: تنظيم المسؤولية التقصيرية في القانون الجزائري
أورد القانون المدني الجزائري عددا من النصوص (124-140) تتناسب مع أهمية المسؤولية التقصيرية وقد عالج المشرع في هذه المواد العيوب التي كانت تشوب نصوص التقنين الفرنسي القديم كما استحدث فيها أحكام جديدة، كما تأثر في هذا الخصوص بما انتهى إليه قضاة المحاكم الفرنسية من افتراض الخطأ في حالات معينة.
ومن هنا ظل المشرع الجزائري متمسكا بالأصل في تأسيس المسؤولية التقصيرية على أساس الخطأ. فجعل الخطأ واجب الإثبات في مسؤولية الشخص عن أفعاله الشخصية وجعل الخطأ مفترضا في المسؤولية عن عمل الغير، أو المسؤولية الناشئة عن الأشياء.
أما نظرية تحمل التبعة فلم يأخذ بها القانون المدني الجزائري بشكل صريح بل سلك مسلك المشرع الفرنسي في ذلك. فأخذ بها في بعض التطبيقات الخاصة منها تعويضات حوادث العمل والأمراض المهنية والتعويض عن حوادث المرور. وفي حوادث الطيران والسفن البحرية.
المبحث الرابع: أركان المسؤولية التقصيرية
أورد المشرع الجزائري القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية وهي المسؤولية عن العمل الشخصي في المادة 124 ق.م التي تنص بأنه ” كل عمل أيا كان، يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير ملزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض”. ويتبين من هذا النص أن المسؤولية عن العمل الشخصي هي تلك التي تترتب على عمل يصدر من المسؤول نفسه. وأن المسؤولية التقصيرية كالمسؤولية العقدية تقوم على أركان ثلاث وهي: الخطأ والضرر والعلاقة السببية.
المطلب الأول: الخطأ في المسؤولية التقصيرية
الخطأ ركن المسؤولية التقصيرية الأول. وهو في نفس الوقت أساسها ذلك أنه لا يكفي أن يحدث الضرر بفعل شخص حتى يلزم بتعويضه، بل يجب أن يكون ذلك الفعل خطأ، فالخطأ شرط ضروري للمسؤولية المدنية، وقد اشرطته جميع التقنيات العربية غير أنه اختلف الفقهاء اختلافا متباينا في تعريف الخطأ التقصيري. فمنهم من يأخذ بالنظرية التقليدية للخطأ، ومنهم من يعول على نظرية تحمل التبعة. والمستقر عليه فقها وقضاء الآن أن الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو إخلال الشخص بالتزام قانوني مع إدارته لهذا الإخلال. والذي يعني الانحراف في السلوك المألوف للشخص العادي، ويقوم الخطأ بهذا المفهوم على عنصرين، وهما العنصر المادي والعنصر المعنوي، فالأول يتضمن التعدي أو الانحراف وهو الإخلال بالالتزام القانوني العام بعدم الإضرار بالغير.
ولا أهمية في مجال المسؤولية التقصيرية للتسيير بين الخطأ العمدي وغير العمدي ولا بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير، فكل منهما يوجب تعويض الضرر ولا فرق أيضا بين أن يتخذ انحراف الشخص مظهرا إيجابيا كإتلاف مال الغير أو مظهرا سلبيا كالامتناع عن إضاءة مصابيح السيارات أثناء السير ليلا.
وسواء وقع الانحراف عمدا أو إهمالا. وقد اتفق رجال الفقه والقضاء أن المعيار الصحيح لقياس التعدي هو المعيار الموضوعي. الذي ينطوي على تسليم جزئي بقيام المسؤولية على تحمل التبعية إذ يفترض في الناس جميعا أن يبلغوا درجة من اليقظة والفطنة كالرجل العادي الذي عرفه القانون برب الأسرة العادي.
إن المعيار الموضوعي لا يتغير من شخص إلى آخر ولا يتعلق بالأمور الخفية المتصلة بشخص المعتدي بل هو مقياس ثابت بالنسبة للجميع.
إلا أن هذا المعيار الموضوعي يفترض عدم إسقاط الظروف الخارجية التي تحيط بالتعدي، كظروف الزمان والمكان التي أحاطت بالفعل، وهذا معناه أن القاضي يضع الواقعة مجردة في إطار من الظروف الخارجية العامة ثم يبحثها عما إذا كان من الممكن للشخص العادي في مثل هذه الظروف أن يرتكب هذا الفعل أم أنه كان يستطيع تفاد وقوعه. كأن يقع الفعل الضار ليلا أم نهارا في طقس عادي أو غير عادي في طريق واسع منبسط أو ضيق متعرج…..إلخ.
وإطار الإثبات يتعين على المضرور وهو المدعي التعويض، طبقا للقاعدة العامة في الإثبات أن يقيم الدليل على توافر أركان مسؤولية المدعى عليه ومن بينها ركن الخطأ. وذلك بإثبات أن العندي انحرف عن سلوك الرجل العادي، بكافة طرق الإثبات بما فيها البنية والقرائن.
أما العنصر الثاني فهو المعنوي الإدراك أي ضرورة القصد أو على الأقل التمييز فيجب لقيام الخطأ التقصيري، أن يكون من وقعت منه أعمال التعدي، مدركا لها أي قادرا على التمييز بين الخير والشر، فلا مسؤولية لعديم التمييز، أيا كان نوع هذه المسؤولية جنائية أو مدنية.
وعليه فإن القانون يشترط فيمن صدرت عنه هذه الأفعال مكلفا أي إذا كان مميزا يستطيع أن يعي ما في سلوكه من انحراف، وقد جاء في نص المادة 125 ق.م بأنه يكون الشخص مسؤولا عن أعماله غير المشروعة من صدرت منه وهو مميز وقد حدد سن التمييز في ق.ج بالسادسة عشر وبذلك يعتبر مميزا وتصبح مساءلته مساءلة تقصيرية حتى يقوم الدليل على فقد التمييز لسبب عارض. مثل المجنون والمعتوه، أما ذو الغفلة والسنة تصبح مساءلتهم لتوافر التمييز لديهم أو عدم انعدامه انعداما تاما. وكذلك الشأن في المعتوه المميز، كما تنتفي المسؤولية أيضا في حالة مرض النوم، والإصابة بالصرع والغيبوبة، والتنويم المغناطيسي وتناول المسكرات وتعاطي المخدرات وذلك لفقدان الوعي وانعدام التمييز.
ويجب لانتفاء المسؤولية أن يكون عديم التمييز في مكان المسؤول أما إذا كان مركز المضرور وينسب إليه إهمال ساعد على وقوع الضرر فيجب عملا بقواعد الخطأ المشترك لتخفيض المسؤولية عن المسؤول.
المطلب الثاني: الضـــرر
الضرر هو الركن الثاني من أركان المسؤولية المدنية سواء كانت تقصيرية أم كانت عقدية، فلا يكفي لقيام المسؤولية توافر ركن الخطأ، بل يجب أن ينجم عن هذا الخطأ ضرر فإذا انتفى الضرر فلا تقبل دعوى المسؤولية لأنه لا دعوى بغير مصلحة، وعلى من يدعى الضرر أن يثبته بكافة طرق الإثبات بما في ذلك البيئة والقرائن لأن الضرر واقعة مادية. وقد اشترط المشرع الجزائري في المادة 124 ق.م ضرورة توافر الضرر لقيام المسؤولية التقصيرية، ذلك لنه مهما كانت جسامة الخطأ، فإنه لا يقيم وحده هذه المسؤولية ولا يكفي وقوع الخطأ وإنما يجب أن يترتب عليه ضرر. وإلا كانت دعوى المسؤولية نفسها غير مقبولة. ونظر لأهمية الضرر في هذا الصدد فسنبحث وفقا للمحاور التالية:
-مفهوم الضرر.
-أنواع الضرر.
-شروط الضرر الموجب للتعويض.
-إثبات الضرر.
الفرع الأول: مفهوم الضرر وأهميته
الضرر هو الأذى الذي يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة، وبمعنى آخر هو إخلال بمصلحة مشروعة، سواء كانت هذه المصلحة مادية أو دبية.
والضرر بهذا المفهوم شرط أولي لقيام المسؤولية المدينة وإمكان المطالبة بتعويض.
الفرع الثاني: أنواع الضرر
الضرر نوعين: الضرر المادي وهو ما يصيب الشخص في جسمه أو في ماله، فيتمثل في الخسارة المالية التي تترتب على المساس بحق أو بمصلحة سواء كان الحق حقا ماليا أو غير مالي. ويتمثل في الحقوق العينية أو الشخصية أو الملكية أو الفكرية أو الصناعية كما قد يترتب الضرر المادي عن المساس بسلامة جسم الإنسان، ويترتب عن ذلك خسارة مالية كان ضررا ماديا مثل العجز عن الكسب أو نفقات العلاج.
أما الضرر المعنوي: فهو الذي يلحق الشخص في غير حقوقه المالية أو في مصلحة غير مالية، فهو ما يصيب الشخص في كرامته أو في شعوره أو في شرفه أو في معتقداته الدينية أو في عاطفته.
وقد توسع القضاء في مفهوم المصلحة الأدبية فاعتبرها ضررا أدبيا ما يصيب الشخص من جراء السب أو القذف من إيذاء للسمعة. أو عن آلام النفس وحرمة عائلته وشرفها، وقد أجمع الفقه والقضاء على أن الضرر الأدبي يستوجب التعويض كالضرر المادي. غير أن القانون المدني الجزائري لم ينص بصراحة العبارة عن التعويض الأدبي، وإنما صياغة المادة 124 ق.م جاءت مطلقة لا تميز بين الضرر المادي والضرر الأدبي.
الضرر المرتد: وهو الضرر المنعكس، لأنه يقع بطريق الارتداء لضرر آخر ويكون نتيجة له، ويعتبر ضررا مباشرا بتعيين التعويض عنه ومن أمثلة ذلك الضرر الذي يلحق الأسرة نتيجة موت عائلتهم في حادث. والضرر الذي يلحق الزوجة نتيجة فقد زوجها قدرته الجنسية.
الفرع الثالث: شروط الضرر الموجب للتعويض
يشترط لتحقيق الضرر الشروط التالية:
1-المساس بحق أو بمصلحة مالية للمضرور.
2-أن يكون الضرر محققا.
3-ألا يكون قد سبق تعويضه.
4-أن يكون الضرر شخصيا.
الفرع الرابع: إثبات الضرر
الضرر أمر مادي، ومن ثم فيجوز إثبات وقوعه بكافة الطرق، ويقع عبء الإثبات على من يدعيه وذلك وفقا لما تقض به القاعدة العامة من أن المدعى هو المكلف بإثبات ما يدعيه ” البينة على من ادعى” وإثبات حصول الضرر أو نفيه من الأمور الواقعية التي تقدرها محكمة الموضوع، ولا رقابة فيها للمحكمة العليا. أما تحديد الضرر وبيان عناصره وموجباته وتكييف نوعه، كلها تخضع لرقابة المحكمة العليا لأنها مسائل قانونية يخضع فيها قاضي الموضوع للرقابة.
المطلب الثالث: العلاقة السببية بين الخطأ والضرر
لا يكفي في قيام المسؤولية المدنية حصول ضرر لشخص ووقوع خطأ من شخص آخر، بل لابد أن يكون هذا الخطأ هو السبب المباشر في حدوث الضرر وإلا انعدمت المسؤولية.
فعلاقة السببية هي الركن الثالث للمسؤولية التقصيرية وتنفق فيه مع المسؤولية العقدية. وقد نصت المواد 124، 125، 126 ق.م على ضرورة توافر ركن السببية بين الضرر والخطأ لقيام المسؤولية التقصيرية، وكذلك الشأن بالنسبة للمسؤولية عن عمل الغير والمسؤولية الناشئة عن الأشياء وقد قام الفقه الحديث بدراسة رابطة السببية بوجه خاص عند تعدد الأسباب التي اجتمعت على إحداث ضرر واحد، وعند تعدد النتائج المتسلسلة عن سبب أحلى واحد، وللتسيير بين الخطأ ورابطة السببية يقول الفقه أن رابطة السببية تستقل تماما في كيانها عن الخطأ، فقد توجد بغير خطأ، كما إذا تسبب الشخص بفعله غير الخاطئ في وقوع ضرر لآخر، فلا تقوم المسؤولية لانعدام الخطأ، وقد يوجد خطأ بغير السببية ومثال ذلك لمن يضع سما للمجني عليه، وقبل أن يحدث السم أثره، قتله شخص آخر بعيار ناري، فثمة خطأ صدر عمن دس السم. ولكنه لا يسأل عن قتل المجني عليه.
على أن تقدير توافر السببية أو عدم توافرها يكون في بعض الأحيان دقيقا إذا تعددت الأسباب التي أدت إلى وقوع الضرر بحيث لا يكون خطأ المدعى سوى أحدها، وكذا إذا نشأت عن الخطأ أضرار متلاحقة.
والسؤال الذي يثور هو هل يلتزم المدعى عليه الذي كان خطأه أحد هذه الأسباب بتعويض الضرر كاملا أوعما إذا كانت المسؤولية تتوزع على من تنسب إليهم هذه الأسباب أو الأخطاء. والحقيقة أنه يقتصر التزام المرء بتعويض الضرر على قدر ما تسبب فيه منه.
المطلب الرابع: إثبات السببية ونفيها
إن رابطة السببية ركن مستقل، والخطأ ركن مستقل والضرر ركن مستقل أيضا، ومن هنا فإن من يدعي التعويض يجب أن يثبت أركان المسؤولية جميعا بما فيها رابطة السببية.
ويشترط لقيام علاقة السببية بين الخطأ وبين الضرر أن تكون علاقة محققة بين الفعل الضار والضرر، وأن تكون مباشرة أي ناشئة عن الفعل الضار مباشرة لا عن أضرار متعاقبة.
المطلب الخامس: السبب الأجنبي La cause étrangère
تنص المادة 127 ق.م على أنه:” إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ من سبب لابد له فيه كحادث مفاجئ، أو قوة قاهرة، أو خطأ صدر من المضرور، أو خطأ من الغير،كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص قانوني أو اتفاق يخالف ذلك.
فالمقصود بالسبب الأجنبي عن المدعى عليه هو كل فعل أو حادث لا ينسب إليه، ويكون قد جعل منع وقوع الفعل الضار مستحيلا، ويظهر من هذا التعريف أن للسبب الأجنبي ركنين هامين وهما: ركن السببية وركن انتقال السند.
والمقصود بالركن الأول أنه يستحيل على المدعى عليه استحالة مطلقة أن يتصرف بخلاف ما فعل، ويتم تقدير هذه الاستحالة بمعيار موضوع مجرد، وهو معيار الرجل المعتاد * بمثل الظروف التي وجد بها المدعى عليه.
أما الركن الثاني فمعناه أنه لابد أيضا أن يكون الحادث خارجا عن إرادته، وألا يمكن إسناده إليه بأي حال، هذا ولا يكون الحادث سببا أجنبيا إلا إذا استوى ثلاثة شروط،وهي : عدم إمكان درء نتائجه-غير متوقع الحصول-وغير ممكن تلافيه.
إن الحادث المفاجئ والقوة القاهرة: أمر لا يمكن نسبته إلى المدعى عليه أي لابد له فيه، فالقوة القاهرة والحادث الفجائي تنفيان العلاقة السببية بين فعل المدعى عليه والضرر والعكس صحيح.
–خطأ المضرور: المقصود به أن يصدر من المدعى أو المضرور انحراف، وأن يؤدي هذا الانحراف إلى حدوث الضرر الذي أصابه أو إلى استفحاله، فإذا وقع الضرر نتيجة خطأ المضرور ذاته فإنه تنتفي علاقة السببية بين الخطأ الصادر من شخص آخر وبين هذا الضرر، وعلى المدعى عليه أن يثبت أن المصاحب قد تسبب بخطئه في حدوث الضرر الذي أصابه.
المطلب السادس: دعوى المسؤولية التقصيرية
إن الضرر هو السبب في الدعوى في المسؤولية التقصيرية والمصلحة هي أساسها، فحيث لا يوجد ضرر لا توجد مصلحة وحيث لا توجد مصلحة فلا مسوغ لرفع الدعوى قانونا.
فإذا اتفق المسؤول عن الضرر، والمضرور المصاب، على طريقة التعويض وعلى تقديره بالنصائح على التعويض انتهى الأمر ولم يعد ثمت محل للمطالبة القضائية أما إذا لم يتفقا، وهذا هو الغالب من الأحوال في الحياة العملية، التجأ المضرور إلى القضاء طالبا التعويض عن الضرر الذي أصابه ومن هنا فإن دعوى التعويض هي الوسيلة القضائية التي يستطيع المضرور عن طريقها الحصول من المسؤول على تعويض الضرر الذي أصابه. بتعويض ما أصابه من ضرر شخصي عن طريق القضاء.
وتتضمن دعوى المسؤولية التقصيرية الأمور التالية:
-أطراف الدعوى، المدعى والمدعي عليه.
-موضوع الدعوى وسببها.
-عبء الإثبات.
-المحكمة لمختصة.
-طبيعة الحكم الصادر في دعوى التعويض وطرق الطعن فيه.
-تقادم الدعوى.
-علاقة المسؤولية التقصيرية بالمسؤولية العقدية.
-علاقة المسؤولية التقصيرية بالمسؤولية الجنائية.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً