الرقابة السياسية
تتخذ الرقابة السياسية على أعمال الإدارة صوراً مختلفة، فقد تتم عن طريق الرأي العام وتمارسها المؤسسات الاجتماعية والأحزاب السياسية والنقابات المهنية . كما قد تمارس عن طريق المؤسسات البرلمانية.
المطلب الأول: الرقابة عن طريق الرأي العام
يراد بمصطلح الرأي العام مجموعة الآراء التي تسود مجتمع معين في وقت ما بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحهم العامة والخاصة . ([1])
ويشترك في تكوين الرأي العام مختلف الهيئات و التنظيمات الشعبية والنقابية والحزبية عن طريق طرح أفكارها واتجاهاتها والدعوة إليها بمختلف الوسائل التي تؤدى الصحافة والوسائل السمعية والبصرية دوراً كبيراً في نشرها وتعبئة الرأي العام وتوجيهه من خلالها .
ومن الواضح ان هذا النوع من الرقابة له الأثر البالغ في تنظيم أعمال الإدارة ومنعها من التعسف في استعمال السلطة في العراق لاسيما الصحافة التي تمارس حرية التعبير والرأي باعتبارها لسان الأمة والمعبرة عنها، والتي غالباً ما كشفت عن بعض التجاوزات من موظفي الإدارة العامة.
غير إن هذا الطريق من طرق الرقابة لا يتسع تأثيره إلا في الدول التي تكفل حرية التعبير عن طريق الرأي العام و التي يبلغ فيها الرأي العام من النضج ما يؤهله القيام بواجب الرقابة وعدم الخضوع لمصالح فئات معينة تسخر الإرادة الشعبية و الرأي العام لتحقيق أهدافها و مصالحها الخاصة فتفقد بذلك حقيقة تعبيرها عن المصلحة العامة .
ويشترك في تكوين الرأي العام مختلف الهيئات والتنظيمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والاحزاب عن طريق طرح افكارها والدعوة اليها في مختلف الوسائل التي تؤدي الصحافة والوسائل السمعية والبصرية دوراً كبيراً في نشرها وتعبئة الجماهير وتوجيههم من خلالها.
1- مؤسسات المجتمع المدني
برز مفهوم المجتمع المدني في اطار افكار ورؤى بعض المفكرين والفلاسفة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي تعتمد افكارهم اساساً على ان الانسان يستمد حقوقه من الطبيعة لا من قانون يضعه البشر وهذه الحقوق لصيقة به تثبت بمجرد ولادته. وان المجتمع المتكون من اتفاق المواطنين قد ارتأى طواعية الخروج من الحالة الطبيعية ليكون حكومة نتيجة عقد اجتماعي اختلفوا في تحديد اطرافه.
والمفهوم المستقر للمجتمع المدني يقوم على اساس انه مجموعة المؤسسات والفعاليات والانشطة التي تحتل مركزاً وسطياً بين العائلة باعتبارها الوحدة الاساسية التي ينهض عليها البنيان الاجتماعي والنظام القيمي في المجتمع من ناحية والدولة ومؤسساتها واجهزتها ذات الصبغة الرسمية من جهة اخرى([2]).
وبهذا المعنى فان منظمات المجتمع المدني تساهم بدور مهم في ضمان احترام الدستور وحماية حقوق الافراد وحرياتهم وتمثل الاسلوب الامثل في احداث التغيير السلمي والتفاهم الوطني مع السلطة في سبيل تعزيز الديمقراطية وتنشئة الافراد على اصولها وآلياتها. فهي الكفيلة بالارتقاء بالفرد وبث الوعي فيه وتعبئة الجهود الفردية والجماعية للتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم احترام الدستور وسيادة القانون.
ومن الجدير بالذكر ان العراق قد اهمل دور هذه المؤسسات في وقت سيطرت فيه السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية اعتباراً من تأسيس الدولة العراقية وصدور القانون الاساسي العراقي عام 1925 رغم ما منحه هذا الدستور من ضمانات في تأسيسها.
ومن ذلك ما ورد في نص المادة (26) من القانون الاساسي التي منحت الملك حق تقييد الحريات بمراسيم اثناء عطلة البرلمان او فضه او حله وكان. لاسيما المرسوم رقم (19) الصادر في ايلول عام 1954 الذي الغت فيه الحكومة كافة الجمعيات والنوادي ودور التمثيل المجازة في العراق في ذلك الوقت والذي بلغ عددها (468) جمعية وناد في كافة انحاء العراق .
واستمر الوضع على ما هو عليه في ظل النظام الجمهوري رغم ما تحويه الدساتير الجمهورية من ضمانات تأسيس هذه المؤسسات. غير إنه وبعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 دخل العراق مرحلة جديدة انتشرت فيه مؤسسات المجتمع المدني غير ان انتشارها لم ينعكس بقوة على المجال السياسي ولعل ذلك عائداً الى عدم النضج والوعي اللازمين لادارتها.
فقد اورد دستور جمهورية العراق الحالي في المادة (39) منه:(( اولاً:- حرية تأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية او الانضمام اليها مكفولة وينظم ذلك القانون. ثانياً:- لا يجوز اجبار احد على الانضمام الى أي حزب او جمعية او جهة سياسية او اجباره على الاستمرار في العضوية فيها )).
2- وسائل الاعلام.
تلعب وسائل الاعلام دوراً سياسياً مهماً يساهم في تعبئة الرأي العام الشعبي من خلال كتابات واقوال المفكرين والصحف والفضائيات المرأية والمسموعة والاجتماعات والندوات التي تساهم في اطلاع الجماهير على المشاكل الاكثر إلحاحاً والتي يتعرض لها المجتمع وتكون مراقب جماعي لصالح الشعب من خلال انتقاد سياسات الحكام وكشف فضائحهم وفسادهم وانتهاكهم لسيادة القانون.
3- الاحزاب السياسية.
من اساسيات العمل الديمقراطي ان تسعى الاحزاب السياسية الى تحقيق الاتصال الجماهيري. فالدور الاساسي الذي تقوم به الاحزاب السياسية هو السعي للحصول على تأييد الافراد لبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعد بتنفيذها اذا ما وصلت الى السلطة عبر الانتخاب. وحتى تحقيق ذلك تبقى الاحزاب مراقبة لعمل الاداره لضمان احترامها للدستور وسيادة القانون.
ومن الجدير بالذكر ان هذه الفرصة لم تتح للاحزاب السياسية في العراق فقد ضمن القانون الاساسي العراقي لعام 1925 التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة ولم تكن الاحزاب السياسية باحسن حالاً في ظل النظام الجمهوري رغم ما حققته ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 من منجزات عن طريق منح الاحزاب السياسية حرية العمل وتشكيل حكومة ائتلافية ضمت كافة الاحزاب الوطنية القائمة.
اذ ان الواقع العملي لطبيعة النظام السياسي في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى عام 2003 يخلو من ضمانة وجود احزاب سياسية قوية ومعارضة، قادرة على مراقبة السلطة وردها الى الصواب اذا ما انحرفت عنه احتراماً للدستور وحقوق وحريات الافراد.
المطلب الثاني : الرقابة عن طريق البرلمان .
يتمثل هذا الطريق من الرقابة برقابة البرلمان على أعمال السلطة التنفيذية وذلك عن طريق الشكاوى المقدمة من الأفراد و المتظمنة طلباتهم التي قد يجد البرلمان أنها علي قدر من الوجاهة مما يدعو إلى مواجهة الوزراء بحق السؤال أو الاستجواب أو سحب الثقة من الوزارة كلها.([3])
ويتحدد شكل الرقابة البرلمانية بما هو مرسوم في الدستور، وهي تختلف من دولة إلى أخرى وتكون الرقابة البرلمانية أقوى في النظم النيابية منها في النظم الأخرى، حيث تكون الوزارة مسؤولة أمام البرلمان مسؤولية تضامنية ناهيك عن المسؤولية الفردية لكل وزير عن أعمال وزارته .
وقد كفل الدستور العراقي رقابة البرلمان على أعمال الحكومة احتراماً لمبدأ المشروعية عن طريق توجيه السؤال حول أمر يجهله أحد النواب ، فقد اجاز لخمسة وعشرين عضواً في الاقل من مجلس النواب طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة واداء مجلس الوزراء، ولعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضواً، توجيه استجواب الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم.
وقد ورد في المادة 61/ ثامناً من الدستور ان لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء بالاغلبية المطلقة، ويعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، كما يملك المجلس بناءً على طلب خمس اعضائه وبالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بعد استجواب وجه له.
ولكن مع ما تتمتع به الرقابة البرلمانية على أعمال الإدارة من أهمية فإن دورها مقيد غالباً بالإرادة الحزبية السائدة في البرلمان التي تكون في أحيان متوافقة مع إرادة الحكومة لو صادف أنها من الحزب نفسه فتكون الحكومة الخصم والحكم وهنا يختفي دور الرقابة السياسية ولا تحقق الحماية الكافية للأفراد ضد تعسف الإدارة خاصة في الدول غير النيابية أو التي تأخذ بنظام الحزب الواحد مما يقتضي تعزيزها بنوع أخر من أنواع الرقابة.([4]) كما ان عدم نضج الوعي السياسي لدى اعضاء البرلمان وافتقارهم الى الخبرة وضعف المعارضة قد تؤدي الى ضعف هذه الضمانة ويختفي دورها الحقيقي في حماية حقوق الافراد وحرياتهم.
– [1] – للمزيد ينظر
– د. محمد الشافعى أبو رأس – التنظيمات السياسية الشعبية – 1974 ص 51
– د. سامى جمال الدين – القضاء الإداري والرقابة على أعمال الإدارة – دار الجامعة الجديد ص182.
– ([2])-د. عبد الحميد اسماعيل الانصاري، نحو مفهوم عربي اسلامي للمجتمع المدني، دار الفكر العربي، القاهرة، 2002، ص18.
[3] – د. محسن خليل – القضاء الإداري – المصدر السابق – ص 77.
[4] – ينظر :
– د. ماجد راغب الحلو – القضاء الإداري – المصدر السابق – ص 63 .
– د. عبد القادر باينه – القضاء الإداري – المصدر السابق – ص 40 .
– د. سامي جمال الدين – القضاء الإداري – المصدر السابق – ص 202 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً