أركــــان جريمــــة الإيــــــــذاء
يقول الله تعالى : (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) أية رقم (4) سورة التين. واستنادا إلى الآية الكريمة فالإنسان هو أعظم خلق الله ، أوكل إليه الله سبحانه وتعالى مهمة بناء الأرض وإعمارها، ولقد آمنت التشريعات بهذه الحقيقة وكرست نصوص القوانين سيما الجنائية لتوفير الحماية للإنسان كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً ، ليس فقط حماية حقه في حياته وإنما حماية حقه في سلامة بدنه أيضاً .
ويأتي نص المادة (247) من قانون الجزاء تجسيداً لهذه الحقيقة إذ جرم الاعتداء على سلامة جسم الإنسان حيث نص على أن ” يعاقب بالسجن حتى ستة أشهر أو بغرامة من ريال واحد إلى عشرين ريالاً أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أقدم على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه دون أن ينجم عن هذه الأفعال مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تزيد على عشرة أيام ، تتوقف الملاحقة على شكوى المتضرر وتسقط دعوى الحق العام بتنازل الشاكي عن دعواه وإذا كان قد حكم بالدعوى فتسقط العقوبة “
ومن خلال نص المادة يتضح لنا أن إيذاء الأشخاص جنحة معاقب عليها بالسجن حتى ستة أشهر أو بالغرامة حتى عشرين ريال إذا لم ينجم عن فعل الجاني مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تزيد على عشرة أيام فضلا على أنها موقوفة على شكوى المتضرر.
غير أن الأمر ليس بهذه البساطة فقد يكون للإيذاء عقوبة أشد إذا توافرت فيها ظروف مشددة ، و هو ما يتضح من المادة (248) من ذات القانون التي جاء فيها ” إذا نجم عن الأذى الحاصل مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تزيد على العشرة أيام يعاقب المجرم بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرين ريالاً إلى مائة أو بإحدى هاتين العقوبتين “.
ليس ذلك فحسب بل إن جريمة الإيذاء تصل إلى الجناية المعاقب عليها بالسجن حتى عشر سنوات إذا أصبحت محلا لتطبيق نص المادة (249) من قانون الجزاء التي تنص على أن ” يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى عشر إذا نشأ عن الإيذاء المقصود : 1- مرض لا يرجى الشفاء منه أو يحتمل عدم الشفاء منه ،2- فقد حاسة من الحواس ، 3-فقد أحد الأطراف أو تعطيلها عن العمل أو تعطيل القدرة عن التناسل ، 4- تشويه دائم في الوجه، 5- إجهاض الحامل المعتدى عليها إذا كان المعتدي على علم بحملها “. فجريمة إيذاء الأشخاص وفقا للمنظور السابق تحظى باهتمام بالغ من المشرع في السلطنة ، ولكن كيف تتحقق هذه الجريمة ؟ وما هي أركانها ؟
للباحث عن إجابة هذا التساؤل يبين لنا حكم المحكمة العليا في الواقعة التالية أركان جريمة الإيذاء .
تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المتهمين أقدموا على إيذاء المدعيين بالحق المدني وذلك بأن اعتدوا عليهما بالضرب بواسطة العصي والخيزرانات وأيديهم ملحقين بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية ، وقد أحالهم الادعاء العام إلى المحكمة المختصة وطالب معاقبتهم عملاً بالمادة (247) من قانون الجزاء العماني وتشديد العقوبة عليهم بتطبيق المادة (250) التي تنص على أن ” تشدد عقوبات الإيذاء المذكورة في المواد السابقة وفقاً لأحكام المادة (114) من هذا القانون إذا أقترف الفعل بإحدى الحالات المبينة في المادتين (236) و (237) من هذا القانون “وذلك بدلالة المادة (237) من ذات القانون التي تنص على أن ” يعاقب بالإعدام على القتل قصداً إذا ارتكب : 1- على أحد أصول المجرم أو فروعه ، 2- في حالة أقدم المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص 3- إذا حصل القتل عن سبق الإصرار و التصميم أو الترصد ، 4- تمهيداً لجناية أو جنحة أو تنفيذاً لها أو تسهيلاً لفرار المحرضين عليها أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب”.
وقد حكمت المحكمة الابتدائية حضورياً بإدانة خمسة من المتهمين بإيذاء المدعيين بالحق المدني وقضت بسجنهم ثلاث سنوات والغرامة مائتي ريال وببراءة باقي المتهمين مما أسند إليهم لعدم كفاية الأدلة .
استأنف المحكوم عليهم الحكم لدى محكمة الاستئناف المختصة كما استأنفه المدعيان بالحق المدني ، وحكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوع استئناف المحكوم عليهم بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة لهم إلى الاكتفاء بسجنهم ستة أشهر وفي موضوع استئناف المدعيين بالحق المدني بعدم جواز الاستئناف وألزمت المستأنفين بمصاريف استئنافهما .
وقد جاء في حكم المحكمة العليا:
و حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ أدانهم بجنحتي الإيذاء قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ لم يقم أي دليل في الدعوى على أن جريمة الإيذاء –وهي جريمة عمدية- قد ارتكبها الطاعنون خاصة وأن الحكم المطعون فيه أوضح بجلاء أن لا محل لتطبيق المواد (236 و 237 و 250) بدلالة المادة (237/2) من قانون الجزاء مما ينفي توافر القصد الجنائي لدى الطاعنين ومن ثم انتفاء الركن المعنوي فضلاً عن خلو الأوراق من أية بينة تثبت تهمة الإيذاء وما كان على الحكم المطعون فيه الاعتماد على أقوال المجني عليهما لأنها بينة غير محايدة ولا يجوز التعويل عليها لأنها مشوبة بمظنة المحاباة والموالاة والمساندة وقد أكد الطاعنون أن الإيذاء كان أثناء المشاجرة بينهم وبين المطعون ضدهما الثاني والثالث وكان إيذاء متبادلاً ومثل هذا الإيذاء يحدث في أية مشاجرة.
وحيث أن النعي مردود عليه ذلك أن جريمة الإيذاء تقوم على ركن مادي قوامه سلوك الجاني المتمثل بالضرب أو الجرح أو الإيذاء الذي يؤدي إلى المساس بسلامة جسم المجني عليه وقيام رابطة سببية بين فعله والنتيجة المترتبة عليه ويتوافر القصد الجنائي كلما ارتكب الجاني الفعل وهو عالم بأركان الجريمة واتجهت إرادته إلى تحقيق الفعل والنتيجة ولا تلتزم المحكمة بالتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم بل يكفي أن يكون القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم .
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الإيذاء التي أدان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال المجني عليهما – ليس ما يمنع المحكمة الاعتماد على أقوالهما قانوناً عملاً بالمادة (195) من قانون الإجراءات الجزائية مادمت اطمأنت المحكمة إلى أقوالهما- ومن التقارير الطبية المرفقة هي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ولم ينازع الطاعنون في أن لها أصلها الثابت بالأوراق .
ما يستفاد من الحكم :-
جريمة الإيذاء تقوم على ركن مادي قوامه سلوك الجاني المتمثل بالضرب أو الجرح أو الإيذاء الذي يؤدي إلى المساس بسلامة جسم المجني عليه وقيام رابطة سببية بين فعله والنتيجة المترتبة عليه
وعلى القصد الجنائي الذي يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل وهو عالم بأركان الجريمة واتجهت إرادته إلى تحقيق الفعل والنتيجة.
لا تلتزم المحكمة بالتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم بل يكفي أن يكون القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً