النظآم التأديبي والعقوبآت الإنضبآطية وسلطآت فرضهآ
إذ اكان هناك ثمة التزام على الدولة يتمثل بحسن اختيارها لموظفيها على اعتبار إن الموظف هو مرآة الدولة فهذا لا يعني إن الموظف يكون دائما عند حسن ظن الإدارة فقد يقوم الموظف بمخالفة مايفرضه عليه القانون من واجبات وهنا لابد من إن تقوم الإدارة بمعاقبته بإحدى العقوبات التي تتناسب مع حجم المخالفة لهذه الواجبات لأنه مما لاشك فيه إن هذه الواجبات تبقى غير ذي جدوى إذا لم تترتب على مخالفتها عقوبة ما، وهذا ما يسمى بالنظام الانضباطي ولابد من الإشارة إلى إن هناك من يطلق على هذا النظام بالنظام التأديبي.
إلا إننا نرى بان النظام الانضباطي هي التسمية الأصح ليس لسبب إن المشرع العراقي يطلق على القوانين التي تتناول واجبات الموظف ومعاقبته عند مخالفته بقوانين انضباط الموظفين والجهات التي تتولى ذلك هي الهيئات أو الجهات الانضباطية وإنما لسبب إن الدولة كما سبق وان قلنا ملزمة بحسن اختيار موظفيها وهذا يعني أنها تختارهم من أحسن العناصر البشرية الموجودة فيها . فإذا ما خالف هؤلاء الواجبات الملقاة على عاتقهم فهذا لا يعني أنهم غير مؤدبين وظيفيا فيأتي القانون ليؤدبهم وإنما يكونوا غير ملتزمين بتلك الواجبات وبعبارة أخرى غير منضبطين بأدائهم لمهامهم لذلك يأتي دور الإدارة ومن خلال النظام الانضباطي الذي يضعه المشرع لتفرض عليهم العقوبة المقررة لزجر الموظف المخالف ولردع غيره.
وبناءا على ما تقدم يمكن تعريف النظام الانضباطي بأنه : تمتع الإدارة وبموجب قواعد تشريعية معدة سالفا بسلطة مسائلة الموظف المخالف لواجباته الوظيفية وذلك لضمان سير المنظمة وتحقيق الغرض من إنشائها. والجدير بالذكر إن المشرع لم يحدد المخالفات الوظيفية وما يقابلها من عقوبات كما هو الحال في القانون الجزائي وإنما ترك تقدير ما يصدر من الموظف واعتباره مخالفة منوط بسلطة الإدارة التي تختار لها ما يناسبها من العقوبات الانضباطية التي حددها المشرع على إن يكون ذلك خاضعا لرقابة القضاء، وتدور مشكلة البحث في هذا الموضوع حول التركيز على تحديد مفهوم العقوبات التأديبية وبيان أنواعها والوقوف على أهم الآثار المترتبة عليها في حال فرضها على الموظف الذي ارتكب خطأ وظيفياً يستحق معه عقوبة تأديبية.
ويستمد هذا الموضوع أهميته من أهمية حفظ النظام داخل المجتمع الوظيفي وما له من اثر بالغ على حسن سير العمل داخل المرافق العامة.
مفهوم النظام التأديبي :
إن المسؤولية التأديبية للموظف العام هي مسؤولية قانونية مستقلة لا تنتمي إلى أسرة القانون الإداري ومحور هذه المسؤولية هو الموظف الذي يشغل وظيفة عامة دائمة في مرفق عام تديره الدولة بأسلوب الاستغلال المباشر.
مفهوم الوظيفة العامة :
إن الوظيفة العامة هي حجر الزاوية في الكيان الإداري وتتجلى أهميتها فيما تتصف به من خصائص تستهدف إيجاد الموظف المناسب في المكان المناسب وما يتمتع به الموظف من كفاءة وقابلية للقيام بواجباته وأداء الخدمة التي أنيطت به.
ولبيان مفهوم الوظيفة العامة فانه تجدر الإشارة إلى إن هنالك معنيان يسودان العالم في الوقت الحاضر للوظيفة العامة ويتمثلان بالمفهوم الأوربي للوظيفة العامة (نظام الاحتراف) أما الثاني فيتمثل بالمفهوم الأمريكي للوظيفة العامة (نظام المناصب).
فبالنسبة للمفهوم الأوربي للوظيفة العامة فيقوم هذا المفهوم على نظام الاحتراف واستقرارالعمل الذي يحدد نظام قانوني يمنح الموظف ضمانات وامتيازات لا يتمتع بها أي مواطن ويحدد واجباتهم ونظام تأديبي في نفس الوقت يتضمن حماية للموظف في إلاجراءات الانضباطية وعقوبات تفرض عند مخالفة الالتزامات الوظيفية.
فهو إذا في مركز قانوني يختلف عن مركز العاملين لدى الهيئات الخاصة ويجعل نظام الاحتراف الموظف في خدمة الدول بصورة مستمرة دون انقطاع بهدف تامين سير المرافق العامة ويتقلد الموظف مناصب مختلفة أثناء الخدمة ويتدرج في السلم الإداري عن طريق الترقية.
أما بالنسبة للمفهوم الأمريكي للوظيفة العامة فانه يختلف عن المفهوم الأوربي من حيث إن الوظيفة لا تعتبر خدمة عامة تمثل عملا مستقرا يحكمه نظام قانوني يجعل الموظفين طبقة خاصة يحدد حقوقهم والتزاماتهم الوظيفية بل إن الموظف يخضع لنفس النظام القانوني الذي يخضع له عمال النشاط الخاص ولا يتمتع بحقوق سوى الحقوق الدستورية التي يتمتع بها سائر المواطنين ويمكن رد هذا النظام إلى عاملين هما :
1- غلبة الروح الفردية في المجتمع الأمريكي وسيطرة مفهوم المبادرة الفردية من اجل هيمنة المشروعات الرأسمالية.
2- الحذر من البيروقراطية وانحراف السلطة والخشية من صعود طبقة من الموظفين تدعم الحكم المركزي وتقيد المبادرات الفردية في الأقاليم.
مفهوم التأديب الوظيفي :
يمكن تعريف العقوبات التأديبية بأنها { جزء يمس الموظف المخطئ في مركزه الوظيفي من حياته الوظيفية } .
وظاهرهذا التعريف إن الأصل من العقوبة التأديبية أنها لا تمس سوى الحقوق والمزايا الوظيفية فقد يكون هذا الماس جزئيا كالخصم من المرتب وقد يكون كليا كالفصل من الخدمة كما يجوز إن يكون مؤقتا كعقوبة الوقف عن العمل أو مؤبدا كالعزل ولكن العقوبة التأديبية لا تمس شخص الموظف فلا يكون حبسه أو سجنه كما إنها لا تمس ملكة الشخصي.
وفقهيا فهنالك تعاريف عدة أوردها الفقهاء للعقوبة التأديبية ومن ابرز تعاريفها بأنها {عقوبة تعلنها السلطة الإدارية تجاه موظف عام بسبب ارتكابه مخالفة أثناء الخدمة أو بسببها } ، وقد ابرز هذا التعريف الجهة المختصة بالتأديب وصفة الموظف العام وحالات وقوع الخطأ.
ويعرفها آخرون بأنها { إجراء فردي يوقع من اجل تأمين قمع مخالفة تمس الموظف العام في مزاياه الوظيفية } ، يبرز هذا التعريف مضمون الجزاء وآثاره.
ويعرفها آخرون بأنها { نوع من العقوبات الإدارية توقع على العاملين قبل تركهم المنظمة العامة } ، ويشيرون بذلك إلى عدم توقيع الجزاء بعد انتهاء العلاقة الوظيفية .
وأخيرا عرفها البعض بأنها { إجراء عقابي محدد بالنص توقعه السلطة التأديبية المختصة على الموظف الذي يخل بواجباته الوظيفية وينال من مزاياه ، ويمتاز هذا التعريف بأنه ابرز فصيلة الجزاء وشرعيته الشكلية وبذلك استبعد إجراءات التنظيم الداخلي كما عني ببيان السلطة التأديبية المختصة وبأنه لا يوقع من غيره وإظهار النطاق الشخصي للجزاء (الموظف) وسببه (الإخلال بواجبات الوظيفة العامة) ومضمونه وأثاره (المساس بمزايا الوظيفة فقط).
ومما تقدم بيانه بهذا الخصوص يتضح لنا إن التعريف الأخير للعقوبة التأديبية والذي يقضي بأنها { إجراء عقابي محدد بالنص توقعه السلطة التأديبية على الموظف الذي يخل بواجباته الوظيفية وينال من مزاياه } هو التعريف المستقر عليه لهذه العقوبة وان السلطة المختصة بإيقاع الجزاء التأديبي لها سلطة تقديرية في اختيار العقاب وتطبيقه على الخطأ الذي صدر من الموظف حيث لم يحدد في النصوص القانونية الخاصة بهذا الموضوع الخطأ والعقوبة المحددة له لذا فالسلطة المختصة تملك الحرية في اختيار الجزاء بخلاف ما هو عليه الحال بالنسبة للعقوبات الجنائية فنجد إن السلطة المختصة بإيقاع الجزاء الجنائي مقيدة بالنصوص القانونية التي تحدد لكل جريمة عقوبتها الخاصة.
لذا فإننا نرى ضرورة إن تحدد العقوبات التأديبية بالنص وان تحدد الأخطاء الوظيفية أيضا أي تحديد لكل خطا وظيفي عقوبة تأديبية محددة بالنص وذلك للحيلولة دون تعسف السلطة المختصة بإيقاع الجزاء التأديبي ، كأن تقوم باختيار جزاء تأديبي اشد أو لا يتلاءم مع الخطأ الذي صدر عن الموظف. كذلك توفير نوع من الحماية للموظف العام داخل الهيكل التنظيمي للسلطات الإدارية أو المرافق العامة بشكل عام بحيث لا يقع الموظف تحت رحمة السلطة المختصة وهو لا يعلم أي عقوبة سوف تطبق عليه في حال ارتكابه لخطا وظيفي.
العقوبات الانضباطية وسلطات فرضها :
العقوبات الانضباطية هي الجزاءات التي توقع على مرتكبي المخالفات الوظيفية وهذه العقوبات قد تكون ذات طبيعة أدبية أو مالية أو منهية للعلاقة الوظيفية.
العقوبات ذات الطبيعة الأدبية والمالية :
أولا : لفت النظر : ويكون بإشعار الموظف تحريريا بالمخالفة التي ارتكبها وتوجيهه لتحسين سلوكه الوظيفي ويترتب على هذا العقوبة تأخير الترفيع أو الزيادة مدة ثلاثة أشهر.
ثانيا : الإنذار: ويكون بإشعار الموظف تحريريا بالمخالفة التي ارتكبها وتحذيره من الإخلال بواجبات وظيفته مستقبلا ويترتب على هذه العقوبة تأخير الترفيع أو الزيادة مدة ستة اشهر.
(( ومما ينبغي ذكره إن المشرع في القانون الملغي لم ينص على عقوبة لفت النظر أو تخصيص جزاء لعقوبة الإنذار ولكن مجلس الخدمة العامة هو الذي فعل ذلك بان جعل لعقوبة لفت النظر تأخير الترفيع مع العلاوة ثلاثة اشهر ولعقوبة الإنذار ستة اشهر ))
ثالثا : قطع الراتب : ويكون بخصم القسم اليومي من راتب الموظف لمدة لا تتجاوز عشرة أيام بأمر تحريري تذكر فيه المخالفة التي ارتكبها الموظف والتي استوجبت فرض العقوبة.
ويترتب عليها تأخير الترفيع أو الزيادة وفقا لما يأتي :
أ. خمسة أشهر في حالة قطع الراتب لمدة لا تتجاوز خمسة أيام.
ب. شهر واحد عن كل يوم من أيام قطع الراتب في حالة تجاوز مدة العقوبة خمسة أيام.
رابعا : التوبيخ : ويكون بإشعار الموظف تحريريا بالمخالفة التي ارتكبها والأسباب التي جعلت سلوكه غير مرضي ويطلب إليه وجوب اجتناب المخالفة وتحسين سلوكه الوظيفي . ويترتب على هذه العقوبة تأخير الترفيع أو الزيادة مدة سنة واحدة .
خامسا : إنقاص الراتب : ويكون بقطع مبلغ من راتب الموظف بنسبة لا تتجاوز 10 % من راتبه الشهري ولمدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد على سنتين ويتم ذلك بأمر تحريري يشعر الموظف بالفعل الذي ارتكبه ويترتب على هذه العقوبة تأخير الترفيع أو الزيادة مدة سنتين.
سادسا : تنزيل الدرجة : ويكون بأمر تحريري يشعر فيه الموظف بالفعل الذي ارتكبه ويترتب على هذه العقوبة مايأتي :
1- بالنسبة للموظف الخاضع لقوانين أو أنظمة أو قواعد أو تعليمات خدمة تأخذ بنظام الدرجات المالية والترفيع ، تنزيل راتب الموظف إلى الحد الأدنى للدرجة التي دون درجته مباشرة مع منحه العلاوات التي نالها في الدرجة المنزل منها ويعاد إلى الراتب الذي كان يتقاضاه قبل تنزيل درجته بعد قضاءه ثلاث سنوات من تاريخ فرض العقوبة مع تدويرالمدة المقضية في راتبه الأخير قبل فرض العقوبة.
2- بالنسبة للموظف الخاضع لقوانين أو أنظمة أو قواعد أو تعليمات خدمة تأخذ بنظام الزيادة كل سنتين ، تخفيض زيادتين من راتب الموظف ويعاد إلى الراتب الذي كان يتقاضاه قبل تنزيل درجته بعد قضاءه ثلاث سنوات من تاريخ فرض العقوبة مع تدوير المدة المقضية في راتبه الأخير قبل فرض العقوبة .
3- بالنسبة للموظف الخاضع لقوانين أو أنظمة أو قواعد أو تعليمات خدمة تأخذ بنظام الزيادة السنوية ، تخفيض ثلاث زيادات سنوية من راتب الموظف مع تدوير المدة المقضية في راتبه الأخير قبل فرض العقوبة.
العقوبات المنهية للرابطة الوظيفية بصورة مؤقتة ودائمية :
أولا : الفصل : ويكون بتنحية الموظف عن الوظيفة مدة تحدد بقرار الفصل يتضمن الأسباب التي استوجبت فرض العقوبة عليه وعلى النحو الآتي :
1- مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات إذا عوقب الموظف باثنين من العقوبات التالية أو بإحداهما لمرتين وارتكب في المرة الثالثة خلال خمس سنوات من تاريخ فرض العقوبة الأولى فعلا يستوجب بمعاقبته بإحداها :
أ – التوبيخ .
ب – إنقاص الراتب .
جـ – تنزيل الدرجة .
2- مدة بقائه في السجن إذا حكم عليه بالحبس أو السجن عن جريمة مخلة بالشرف وذلك اعتبارا من تاريخ صدور الحكم عليه وتعتبر مدة موقوفيته من ضمن مدة الفصل ولا تسترد منه إنصاف الرواتب المصروفة له خلال مدة سحب اليد .
ثانيا : العزل : ويكون بتنحية الموظف عن الوظيفة نهائيا ولا تجوز إعادة توظيفه في دوائر الدولة والقطاع العام وذلك بقرار مسبب من الوزير وذلك بإحدى الحالات التالية :
أ – إذا ثبت ارتكابه فعلا خطيرا يجعل بقائه في خدمة الدولة مضرا بالمصلحة العامة.
ب – إذا حكم عليه عن جناية ناشئة عن وظيفته أو ارتكبها بصفته الرسمية.
جـ – إذا عوقب بالفصل ثم أعيد توظيفه فارتكب فعلا استوجب الفصل مرة أخرى.
وبعد إن استعرضنا العقوبات الانضباطية التي حددها القانون لا بد من طرح التساؤل الآتي : من له حق فرض هذه العقوبات على الموظف؟ وبعبارة أخرى ما هي السلطات الانضباطية التي تمارس صلاحية فرض العقوبة ؟
إن الإجابة على هذا التساؤل يكون بيد السلطات الانضباطية وهي كما يلي :
1- الوزير : والذي خوله القانون فرض جميع العقوبات المنصوص عليها ، للوزير فرض عقوبة لفت النظر أو الإنذار أو قطع الراتب على الموظف الذي يشغل وظيفة مدير عام فما فوق ويكون قراره باتا أما إذا ظهر له إن المدير العام فما فوق قد ارتكب فعلا يستدعي عقوبة اشد فعليه إن يعرض الأمر على مجلس الوزراء متضمنا الاقتراح بفرض إحدى العقوبات المنصوص عليها في القانون ويكون قرار مجلس الوزراء بهذا الشأن باتا . وهذه الصلاحيات ذاتها يتمتع بها رئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة .
2- رئيس الدائرة أو الموظف المخول : له حق فرض العقوبة وله فرض العقوبات التالية على الموظف المخالف لأحكام القانون :
أ. لفت النظر .
ب. الإنذار .
جـ. قطع الراتب لمدة لاتتجاوز خمسة أيام .
د. التوبيخ .
وإذا أوصت اللجنة التحقيقية بفرض عقوبة اشد فعلى رئيس الدائرة أو الموظف المخول إحالتها إلى الوزير لإتخاذ قرار بشأنها.
3–الرئاسة أو مجلس الوزراء : إن للرئاسة أو مجلس الوزراء فرض أي من العقوبات المنصوص عليها في القانون على الموظفين وتكون العقوبة المفروضة من أي منها باتة. وهنا من اللزوم إن نذكر ذات الرأي الذي ذكرناه بخصوص صلاحية الوزير من إمكانية الطعن بهذه القرارات في ظل الدستور الجديد.
وقبل إن ننهي الحديث هنا عن العقوبات والسلطات المخولة فرضها قانونا لا بد من الإشارة إلى إن هناك عقوبة مصدرها العرف الإداري وهي عقوبة التنبيه فرغم عدم النص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام إلا إن الكثير من الدوائر لازالت تأخذ بها وقد عرفها مجلس الانضباط العام بأنها إجراء إداري تتخذه الدائرة ضد احد موظفيها إذا لمست منه خطا بسيطا ضمن حدود واجباته الوظيفية لا يستوجب معاقبته وفق قانون الانضباط.
إجراءات فرض العقوبة التأديبية و طرق الطعن بها و الفرق بينها وبين العقوبات الجنائية :
إجراءات فرض العقوبة التأديبية والطعن بقرارات فرضها :
ويقصد بإجراءات فرض العقوبة تلك الخطوات التي تتبعها الإدارة في التحقيق مع الموظف وتقرير الجزاء بحقه ومن خلال ملاحظة ماجاء به قانون انضباط موظفي الدولة ، يمكن القول بان هذه الإجراءات تتمثل أولا بالتحقيق مع الموظف و ثانيا بفرض العقوبة عليه . وعموما فان هذه الإجراءات وكما هو منصوص عليها في القانون تتمثل بان على الوزير أو رئيس الدائرة تأليف لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة على إن يكون احدهم حاصلا على شهادة جامعية أولية في القانون بحيث تتولى اللجنة التحقيق تحريريا مع الموظف المخالف المحال إليها ، ولها في سبيل أداء هذه المهمة إن تتبع ما تراه ضروريا من الإجراءات كالسماع للشهود والإطلاع على الملفات والمستندات والوثائق ذات الصلة ، ويجب إن تكون هذه الإجراءات تحريرية وتنهي هذه اللجنة أعمالها بتوصية مسببة إما معاقبة الموظف بإحدى العقوبات المنصوص عليها قانونا أو بعدم مساءلة الموظف وغلق التحقيق وتقدم هذه التوصية إلى الجهة التي أحالت الموظف المخالف ، أما إذا كانت اللجنة قد رأت بان مخالفة الموظف تشكل جريـمـة تقع تحت طائلة قانون العقوبات فإنها توصي بإحالته للمحاكم المختصة.
وللوزير أو رئيس الدائرة إذا ما رأى إن بقاء الموظف في الوظيـفة يمكن إن يؤثر على سير التحقيق أو مضر بالمصلحة العامة فله إن يقرر سحب يده من الوظيفة لمدة لا تتجاوز 60 يوما يعاد بعدها للوظيفة ما لم يكن هناك محذور فينسب إلى وظيفة أخرى.
وعموما فانه يمكن للموظف إن يطعن بقرار فرض العقوبة عليه أمام مجلس الانضباط العام ويشترط قبل تقديم الطعن أمام مجلس الانضباط العام إن يتظلم الموظف من القـرار لدى الجهة التي أصدرته ، وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ تبليغ الموظف بقرار فرض العقوبة وعلى الجهة المذكورة البت بهذا التظلم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه وعند عدم البت فيه رغم انتهاء هذه المدة يعتبر ذلك رفضا للتظلم ويجب إن يقدم الطعن لدى مجلس الانضباط العام خلال ثلاثين يوما من تاريخ تبليغ الموظف برفض التظلم حقيقة أو حكما ويعتبر القرار غير مطعون فيه خلال المدة المنصوص عليها في هذه المادة وقرار مجلس الانضباط العام الصادر بنتيجة الطعن باتا والقرارات التي يصدرها مجلس الانضباط العام بنتيجة التظلم هي أما المصادقة على القرار أو تخفيض العقوبة أو إلغائها.
ولقد أشار المشرع إلى إبطال العقوبة المفروضة على الموظف (لفت النظر والإنذار وقطع الراتب والتوبيخ) عند توفر شروط تتمثل بمضي سنة واحدة على فرض العقوبة وقيامه بأعماله بصورة متميزة عن أقرانه ، وعدم معاقبته بأي عقوبة خلال مدة السنة المذكورة . ويترتب على ذلك إزالة أثارالعقوبة إن لم تكن قد استنفذتها .
كما إن المشرع قد جعل للشكر الذي يحصل عليه الموظف أثراً على العقوبة وذلك بإلغائها إذ إن الشكر الواحد يلغي عقوبة لفت النظر والشكرين يلغيان عقوبة الإنذار وإذا حصل على ثلاث تشكرات فأكثر وكان معاقبا بعقوبة اشد فتقلص مدة تأخير ترفيعه شهرا واحدا عن كل شكر وبما لا يزيد على ثلاث اشهر في السنة.
الفرق بين العقوبة التأديبية والعقوبة الجنائية :
من الجدير بالذكر إن هنالك فرق بين العقوبة التأديبية والعقوبة الجنائية ويمكن أبراز ذلك من خلال قيامنا بعمل مقارنة بين كلتا العقوبتين وتفصيل ذلك كالأتي :
أولا : من حيث مبدأ شرعية العقوبة :
من المقرر إن لا عقوبة إلا بنص ، أي بناءا على قانون لذلك فقد نص المشرع على العقوبات التأديبية وحددها على سبيل الحصر وهو ما فعله المشرع بالنسبة للعقوبات الجنائية. ومن ثم فلا يجوز توقيع عقوبة لم ينص عليها المشرع . ويلاحظ مع هذا إن المشرع في المجال الجنائي قد حدد عقوبة معينة لكل جريمة أما في المجال التأديبي فلم يحدد المشرع لكل جريمة عقوبة معينة .
إن الاتجاه الغالب في القانون التأديبي هو عدم حصر الأخطاء التأديبية خلافا لما هو عليه الحال في القانون الجزائي حيث تخضع الجرائم فيه لمبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) وترتب على ذلك تخصيص عقوبة لكل جريمة جزائية وعدم تخصيص جزاء لكل خطا تأديبي.
ثانيا: من حيث الهدف أو الغاية من العقوبة :
يرى البعض بان الغاية من التأديب محددة ومحصورة في نطاق يتمثل في الحفاظ على النظام العام للمجتمع بأسره والدفاع عنه. أما بالنسبة للغاية من العقاب الجنائي فتتمثل بإصلاح المجتمع ذلك لان المجتمع الوظيفي هو دعامة هامة وأساسية في بناء الدولة وصلاحه أو إصلاحه يحقق النفع العام للدولة. بينما ذهب آخرون إلى إن الهدف من العقوبة الجنائية يتمثل بمكافحة الجريمة والدفاع عن النظام الاجتماعي . أما الهدف من الجزاء التأديبي فهو كفالة حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد.
ثالثا : من حيث طبيعة العقوبة وموضوعها :
يرى غالبية الفقهاء إن العقوبتين الجنائية والتأديبية تختلفان في هذا الخصوص. فالعقوبة الجنائية قد تصيب الشخص في حياته كعقوبة الإعدام وقد تنال من حريته بصفة مؤقتة أومؤبدة كالعقوبات المقيدة للحرية العامة وهي الحبس والسجن والأشغال الشاقة المؤقتة والمؤبدة. وقد تصيبه في ماله كعقوبة الغرامة أوالمصادرة وقد تحرمه من حقوق سياسية من بينها الحرمان من القبول بأي خدمة في الحكومة مباشرة أو بصفة متعهد أو ملتزم أيا كانت أهمية الخدمة. وقد تصيبه في شرفه واعتباره كنشر الحكم الصادر بحقه في الصحف والإذاعات. أما العقوبات التأديبية فهي مشتقة من نظام الوظيفة لذا فهي تصيب الموظف في نطاق وظيفته ومزاياه الوظيفية فحسب . كما إن الجزاء التأديبي لا يمس الموظف إلا في حياته الوظيفية كقاعدة عامة وقد تصيبه في حريته كالحبس بالنسبة للعسكريين وهذا على سبيل الاستثناء .
رابعا : من حيث الطابع الشخصي للعقوبة :
يذهب بعض الفقهاء إلى إن الطابع الشخصي يغلب على العقوبة الجنائية والتي تنظر أساسا إلىشخص المتهم . أما العقاب التأديبي فيغلب عليه الطابع الموضوعي فالسلطة التأديبية تنظر أساسا إلى الفعل موضوع المؤاخذة . ويذهب آخرون إلى خلاف ذلك إذ يرون إن العقوبات الجنائية توقع على الكافة دون النظر إلى شخص مرتكب الجريمة. أما العقوبات التأديبية فان الشارع يغاير في أنواعها بالنظر إلى طبيعة الوظيفة ومكانة شاغلها .
خامسا : من حيث رد الاعتبار ومحو العقوبة :
إن العقوبة الجنائية تخضع لنظام رد الاعتبار كما تخضع العقوبة التأديبية إلى نظام المحو وكلا النظامين يهدف وينتهي إلى اعتبار العقوبة كأن لم تكن .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً