تفسيرات قانونية حول برنامج الوساطة المرتبط بالمحاكم في الاردن
ملخص حول برنامج الوساطة المرتبط بالمحاكم في المملكة الاردنية الهاشمية / أ. اسامة عصام الزيادنة
شهد المجتمع الأردني في العقود الاخيرة تطورا في مختلف مناحي الحياة وأهمها النواحي الاقتصادية كما تزايد عدد السكان تزايدا ملحوظا وكان من الطبيعي ان يرافق ذلك مزيدا من التشابك في العلاقات الانسانية نتج عنه تطور كمي ونوعي في النزاعات المدنية الناجمة عن تلك العلاقات.
و يعتبر القضاء الملجأ الذي يلجأ إليه الافراد لعرض تظلماتهم ونزاعاتهم، باعتباره الجهة المخولة بموجب الدستور للفصل في تلك المنازعات، ولما كان عدد القضايا الحقوقية المسجلة امام المحاكم النظامية في ازدياد مضطرد بشكل ملحوظ، الامر الذي دفع وزارة العدل الى تحديد التحديات التي تواجه القضاء و تطوير أول إستراتيجية للتطوير القضائي. وكان من ضمن أهداف هذه الإستراتيجية تخفيف العبء على المحاكم وزيادة رضى الجمهور عن النظام القضائي و حيث انه لا يكفي لمواجهة هذه المسألة مجرد زيادة عدد القضاة الامر الذي يستدعي البحث عن وسائل أخرى لتسوية النزاعات بطريقة ترضي جميع الخصوم و تحقق الهدف من تخفيف العبء عن المحاكم، و من اكثر الوسائل الاخرى ملائمة لمجتمعاتنا العربية والاسلامية هو اتباع اسلوب الوساطة والتوفيق من خلال حث الخصوم والوكلاء على حل النزاع وديا وبطريقة مقبولة للطرفين، بل إن هذا الاسلوب له اصوله التاريخية في عرفنا وعاداتنا وتقاليد مجتمعنا. كما أن هنالك بعض القوانين الاردنية التي حثت على الصلح ومنها قانون محاكم الصلح لسنة 1952 الذي الزم قاضي الصلح بذل الجهد في الصلح بين الطرفين قبل البدء في اجراءات المحاكمة وسماع البينات، ومن هنا جاءت تسميته بقاضي الصلح، وكذلك قانون العمل و ما تضمنه من نصوص بشأن تسوية المنازعات العمالية من خلال مندوبي التوفيق .
و قد اثبتت الوساطة كأحد الحلول البديلة لحل النزاعات نجاحا واسعا في الكثير من الدول الاخرى، وساهمت بشكل مباشر في تخفيف العبء عن المحاكم، بالإضافة إلى ان تسوية النزاعات وديا يفسح المجال لاعادة العلاقات التجارية والاجتماعية بين اطراف النزاع. لذلك كان من الضروري العمل على اصدار قانون خاص يساعد على تسوية النزاعات المدنية بطريقة ودية، و من هنا تم صياغة مشروع لقانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية بواسطة لجنة مشكلة من عدد من القضاة حيث تمت مناقشته من قبل اللجنة القانونية في رئاسة الوزراء و صدر على شكل قانون مؤقت سمي القانون المؤقت رقم (37) لسنة 2003 قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية.
و قد ارتأت وزارة العدل في ذلك الحين التروي في تطبيق احكام هذا القانون الى حين اعداد دراسة علمية حول جدوى استخدام هذا الاسلوب في النظام القضائي الاردني، و عليه فقد طلبت الوزارة من جمعية المحامين والقضاة الأمريكيين – مبادرة سيادة القانون، تقييم إمكانية تسوية النزاعات في الأردن من خلال الوسائل البديلة لتسوية المنازعات و من ضمنها الوساطة.
قام فريق التقييم بالجمعية بالبحث في الوسائل البديلة لحل النزاعات المستخدمة في الأردن وقاموا بصياغة ملاحظاتهم وتوصياتهم حول الوسائل البديلة لحل النزاعات سواء من خلال المحاكم أوخارج نطاق المحاكم كذلك.
ففيما يتعلق بالوسائل البديلة من خلال المحاكم، اتفقت جمعية المحامين والقضاة الأمريكيين مع الجهات ذات العلاقة بأن الأولوية هي تطوير برنامج وساطة بالمحاكم. وقد رحب المجلس القضائي ووزارة العدل بهذه الفكرة وقبلوا بها كإمتداد للعادات والتقاليد العريية الأصيلة في الوساطة.
في تشرين ثاني 2004، إنتهت جمعية المحامين والقضاة الأمريكيين من تقييمها وقامت بصياغة خطة لمشروع الوساطة الريادي ليصار إلى تطبيقه في محكمة بداية عمان.
تماشيا مع الحاجة للبدء في تطبيق الوساطة، فقد قرر المجلس القضائي تشكيل” مجموعة عمل (لجنة)” لبرنامج “الوسائل البديلة لحل النزاعات”، والتي طورت بالتعاون مع جمعية القضاة و المحامين الامريكيين خطة لتطبيق مشروع الوساطة الريادي في محكمة بداية عمان و قامت وزارة العدل بالتعاون مع المجلس القضائي و جمعية القضاة و المحامين الامريكيين باتخاذ الخطوات الضرورية لتحقيق المشروع الريادي والتوسع به فيما بعد.
في عام 2006 تم اقرار قانون الوساطة المؤقت من قبل مجلس الامة بعد ان ادخل عليه بعض التعديلات حيث صدر قانون الوساطة لتسوية النراعات المدنية رقم 12 لسنة 2006 و هو القانون المعمول به حاليا و عليه فقد اصدر وزير العدل قرارا بالاستناد الى المادة الثانية من هذا القانون يقضي بتحديد محكمة بداية عمان لانشاء ادارة قضائية فيها تسمى ادارة الوساطة.
و في الاول من حزيران من عام 2006 تم رسميا افتتاح ادارة الوساطة في محكمة بداية عمان و كانت تلك هي الخطوة الاولى للبدء بتطبيق نظام الوساطة كاحد الحلول البديلة لتسوية النزاعات في الاردن.
و بعد مرور عام على البدء بتطبيق نظام الوساطة في محكمة بداية عمان قامت جمعية القضاة و المحامين الامريكيين بتقييم نتائج تطبيق هذا البرنامج الريادي و قامت باعداد تقرير بذلك تم رفعه الى المجلس القضائي ووزير العدل.
و قد خلص التقرير الى برنامج الوساطة الريادي في محكمة بداية عمان يعتبر مشروعا رياديا ناجحا وبداية جيدة لتوسيع برنامج الوساطة إلى المحاكم الأخرى. إلا أنه يجب مواجهة التحديات التي تشمل تحسين آليات الإحالة، تعزيز قدرات ونوعية الوسطاء القضائيين وغير القضائيين وتطوير الإدارة المركزية للوساطة المتصلة بالمحاكم بالسرعة الممكنة حتى يستفيد النظام القضائي الأردني من هذا البرنامج بالحد الاقصى. كما تضمن التقرير انه يجب أن يتم التركيز أيضا بشكل خاص على تثقيف العامة والمجتمعات التجارية والقانونية حول الوساطة بشكل عام وبرنامج المحكمة بشكل خاص.
و نظرا لحاجة برنامج الوساطة الى جهة مركزية في وزارة العدل مرتبطة باللجنة التوجيهية المشكلة من قبل المجلس القضائي بهدف تفعيل عمل تلك اللجنة و دعم برنامج الوساطة و ضمان مطابقة برنامج الوساطة المرتبط بالمحاكم للمعايير و الممارسات العالمية.. فقد تم التنسيق ما بين المجلس القضائي ووزارة العدل لانشاء قسم في وزارة العدل لادارة برنامج الوساطة في المحاكم. حيث انشا قسم في وزارة العدل لدعم الحلول البديلة لتسوية المنازعات و من ضمنها الوساطة
الهدف من انشاء القسم: ان الهدف الرئيسي لقسم دعم الحلول البديلة و من ضمنها برنامج الوساطة في وزارة العدل هو تفعيل عمل اللجنة التوجيهية لبرنامج و ادارة الوساطة المشكلة من قبل المجلس القضائي الموقر و التي تتولى الاشراف على عمل هذا القسم وذلك وصولا الى تفعيل اكبر لبرنامج الوساطة للمحاكم ليكون مطابقا للمعايير و الممارسات العالمية.
مهام قسم دعم الحلول البديلة في وزارة العدل: ابتداء فان مدير هذا القسم في وزارة العدل هو عضو في اللجنة التوجيهية لبرنامج و ادارة الوساطة و يتولى عمله تحت اشراف هذه اللجنة و في سبيل ذلك يتولى القسم المهام التالية:
تعزيز و تطبيق السياسات المعتمدة من قبل اللجنة التوجيهية لبرنامج الوساطة في المحاكم.
تمثيل برنامج الوساطة في المحاكم في اللجان المعنية داخل و خارج السلطة القضائية. و بالتالي يكون حلقة وصل مابين المجلس القضائي ووزارة العدل من جهة و الجهات المعنية الاخرى في القضايا المتعلقة بالوساطة في المحاكم.
العمل و التنسيق مع رؤساء المحاكم و ادارات الوساطة في المحاكم لضمان مستويات توظيف مناسبة في هذه الادارات بما في ذلك الموظفين الذين يتولون الاعمال القلمية في ادارات الوساطة.
التنسيق مع ادارات الوساطة لمعرفة المصاعب و التحديات التي تواجههم والتنسيق معهم لتقييم موضوعي لبرنامج الوساطة في كل محكمة وصولا الى رفع جودة برنامج الوساطة في كل محكمة الى افضل مستوى.
تزويد رئيس محكمة كل ادارة وساطة بكل ما يتعلق بالامور الادارية من حيث على سبيل المثال الاحصائيات الشهرية بعدد جلسات الوساطة المعقودة و تقييم عمل موظفي ادارة الوساطة و يتم ذلك بالتنسيق مع القضاة الوسطاء و ايضا من حيث الموارد المنفقة على ادارات الوساطة.
كما يقوم القسم بتزويد رؤساء المحاكم باية معلومات يحتاجونها لغايات اختيار الوسطاء.
ايضا من ضمن مهام قسم دعم الحلول البديلة العمل على تحسين جودة عملية الوساطة من خلال ترتيب و تنظيم دورات تدريبية للوسطاء.
بعد النجاح الملموس الذي حققته محكمة بداية عمان في تطبيق برنامج الوساطة و كجزء من “الخطوات التالية”، اجتمعت اللجنة التوجيهية للوساطة المرتبطة بالمحاكم المشكلة من قبل المجلس القضائي يوم 10 أيلول 2007 و كان من ضمن التوصيات التي تمخضت عن هذا الاجتماع التوسع في تطبيق برنامج الوساطة في المحاكم الى المحاكم الابتدائية في غرب و شرق و شمال و جنوب عمان بالاضافة الى محكمة بداية الزرقاء و تم وضع خطة عمل للتوسع بالبرنامج بالتعاون مع جمعية القضاة و المحامين الامريكيين حيث تولت وزارة العدل بالتعاون مع المعهد القضائي الاردني تدريب عدد من القضاة في تلك المحاكم و عدد من المحامين على اعمال الوساطة كما قامت وزارة العدل باعمال البنية التحتية لادارات الوساطة في المحاكم المذكورة و تجهيزها باللوازم التجهيزات التي تحتاجها. كما تولت ادارة الوساطة في محكمة بداية عمان تدريب عدد من موظفي تلك المحاكم على الاعمال القلمية للوساطة.
وفي الاول من تشرين ثاني من عام 2007 اصدر وزير العدل قرارا بالاستناد للمادة الثانية من قانون الوساطة يقضي بتحديد محاكم البداية في الزرقاء و غرب و شمال و شرق و جنوب عمان لانشاء ادارة قضائية فيها تسمى ادارة الوساطة حيث تم رسميا افتتاح ادارات الوساطة في تلك المحاكم.
اما في محكمة بداية عمان و في اطار دعم برنامج الوساطة في تلك المحكمة فقد قام رئيس المحكمة اعتبارا من شهر تشرين الثاني 2007 بزيادة عدد الوسطاء القضائيين بهدف اعطاء الاطراف خيارات اوسع بشأن اختيار الوسطاء حيث تم تسمية ثمانية قضاة في تلك المحكمة كوسطاء قضائيين بالاضافة لوظيفتهم كقضاة موضوع ليصبح مجموع عدد الوسطاء القضائيين في تلك المحكمة عشرة وسطاء.
و في الختام فان الخطة المستقبلية لوزارة العدل بالتنسيق مع المجلس القضائي ان يتم خلال عام 2009 تعميم تجربة الوساطة على كافة المحاكم الابتدائية في المملكة.
اترك تعليقاً