تفسير نصوص الدستور العراقي والجهات المختصة بذلك
لابد من توضيح آلية تفسير النصوص الدستورية لأن الدستور والقانون رسم لها طرقاً وحددها تفصيلاً وسأعرض له على وفق الآتي :
1. الجهة المختصة بالتفسير: إن للجميع أن يفسر ويجتهد في بيان وجهة نظره في قراءة النصوص الدستورية، لكن إذا ما حصل خلاف مع رأي آخر أو وجهة نظر أخرى ، فعند ذاك لابد من حسم الموضوع لإنجاز عمل معين، فإن الجهة التي يكون لرأيها وقولها الإلزام هي المحكمة الاتحادية العليا حصراً على وفق أحكام المادة (93/ثانيا) من الدستور و لا يعتد بأي تفسير آخر ويبقى كل ما ننظر به في بحوثنا وكتاباتنا يدخل في نطاق البحث العلمي أو الانطباع الشخصي أو الرأي السياسي، لأن القرار التفسيري الصادر عن هذه المحكمة هو الوحيد الذي له قوة الإلزام بحكم النص الدستوري الوارد في المادة (94) من الدستور.
2. آلية التفسير: إن حسم الخلاف في قراءة نص دستوري بين جهات تتولى تطبيق الأحكام الواردة فيه ومنها المؤسسات الدستورية، يستوجب من أي من هذه الجهات أن تطلب من المحكمة الاتحادية العليا تفسير النص الدستوري لحسم النزاع بين تلك الآراء المتباينة، وهذا ما حصل في مناسبات عديدة وكان لقرارات المحكمة الاتحادية العليا القول الفصل وأسهم كثيراً في توفير الاستقرار الدستوري والسياسي ، ويكون بطلب يقدم الى المحكمة الاتحادية العليا ، أما إذا قامت إحدى المؤسسات الدستورية بخرق الدستور واتخاذ عمل معين فيه مخالفة فإن المتضرر من هذا التصرف له أن يطعن أمام المحكمة بعدم دستورية ذلك العمل أو التصرف بدعوى دستورية ويطلب فيها من المحكمة الفصل في المنازعة، فعند ذاك تنظر المحكمة في الأمر.
3. إن سبب عدم صلاحية المحكمة الاتحادية العليا في تفسير أي نص دستوري من تلقاء نفسها أو النظر في عدم دستورية أي تصرف تجريه المؤسسات الدستورية ومنها تشريع القوانين، لأن الدستور العراقي أخذ بمبدأ الرقابة القضائية اللاحقة وليس الرقابة القضائية السابقة على صدور القانون بمعنى أن المحكمة لا يجوز لها أن تنظر في طعن دستوري بقانون معين إلا بعد نفاذه ويصبح نافذاً وهذا ما ورد في نص المادة (93/أولا) من الدستور التي جعلت رقابتها على القوانين وليس على مشاريع القوانين أو مقترحاتها.
4. كذلك من الأسباب الأخرى أن الدستور أخذ بمبدأ الفصل بين السلطات حيث لا يجوز للمحكمة الاتحادية العليا أن تتولى تدقيق عمل المؤسسات الدستورية من تلقاء نفسها لأن العلاقة بينهما هي علاقة تقابل وتعاون وليس علاقة تبعية بمعنى لا تكون هذه الجهة تابعة للجهة الأخرى وتخضع لإملاءاتها، وإنما يكون عمل المحكمة الاتحادية العليا لأنها هيئة قضائية دستورية أوكل إليها الدستور مهام عديدة منه الرقابة الدستورية على القوانين وتفسير النصوص الدستورية وفض النزاع بين الجهات الوارد ذكرها في المادة (93) من الدستور على تكون نقطة الانطلاق في مباشرة مهامها بناءً على طلب يقدم من أي شخص طبيعي أو معنوي تضرر من تصرف معين يدخل في اختصاصها.
5. إن المحكمة الاتحادية العليا بوصفها هيئة قضائية على وفق ما ورد في المادة (92/أولا) من الدستور التي جاء فيها الآتي (المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً) وبذلك فإنها تطبق قواعد المرافعات التي تعمل بموجبها المحاكم بمختلف أصنافها وأنواعها ودرجاتها ومن أهم هذه القواعد إن الدعوى تكون بناء على طلب من أحد الأشخاص سواء كان طبيعياً او معنوياً وعلى وفق ما نصت عليه المادة (2) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل الذي تعمل بموجبه جميع المحاكم في العراق والتي جاء فيها الآتي (الدعوى – طلب شخص حقه من آخر أمام القضاء) ، وفي قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 قد أشار إلى العمل بقواعد المرافعات الواردة في قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل .
6. إن الهيئات القضائية الدستورية في العديد من البلدان لا تنظر في موضوع يدخل في اختصاصها إلا إذا قدم لها طلب ولا يجوز لها أن تنظر بأي موضوع من تلقاء نفسها ومثال ذلك المحكمة الدستورية العليا في مصر حيث جاء في المادة (29) من قانونها رقم 78 لسنة 1979 المعدل وفي المادة (33) من ذات القانون بوجوب تقديم طلب لتفسير أي نص دستوري، بمعنى أن لا يجوز لها أن تقضي بها من تلقاء نفسها وهذه قاعدة في فقه المرافعات إن القضاء مطلوب وليس طالب.
7. إن المحكمة الاتحادية العليا لا يجوز لها أن تفسر أي نص دستوري إلا بناء على طلب ويتم وضع الطلب أمام المحكمة مجتمعة بكافة أعضائها ومن ثم يصدر القرار التفسيري ويكون له الإلزام أما إذا كان هناك تصريح أو رأي مقدم شفوياً من عضو من أعضائها فهو لا يمثل عقيدة المحكمة ولا يكون له أي اثر ملزم، ويبقى ضمن نطاق الاجتهاد الشخصي،
8. لاحظت أن البعض يحاول أن يخلق مبدأ جديد في التفسير (التفسير التقريري) لأن أحدهم ذكر في لقاء تلفزيوني بأن رئيس المحكمة الاتحادية العليا كان حاضراً في حفل رسمي لتنصيب رئيس الجمهورية ولم يعترض على إجراء أو قرار معين وبذلك هذا الحال هو بمثابة إقرار بصحة هذا الإجراء ، ولا أعلم كيف وصل ذلك الشخص إلى استنتاج هذا الرأي لأن حضور رئيس المحكمة الاتحادية العليا أو أحد أعضائها في الاحتفالات الرسمية هو حضور برتوكولي وليس له أن يعرض وجهة النظر وحتى لو أدلى بها بشكل شفوي أو تحريري فإنها غير ملزمة إلا إذا قُنِنت بقرار تفسيري يصدر بناء على طلب من جهة لها حق طلب التفسير ومن ثم تجتمع المحكمة وتصدر قرارها بالاتفاق أو بالأكثرية إذا ما عارض عضو أو أكثر وكانت بعض قرارات المحكمة الاتحادية تصدر بالأكثرية لأن بعض أعضائها لربما لهم وجهات نظر تختلف عن زملائهم أما من حيث النتيجة أو من حيث الأسباب.
وطالما نحن في ظل أزمة دستورية ظهرت من خلال تقديم رئيس مجلس الوزراء لاستقالته التي لم يلتفت إليها الدستور بمواد صريحة فأدعو المسؤول التنفيذي أو التشريعي المختص بأن يقدم طلباً تفسيرياً إلى المحكمة الاتحادية العليا في حال لم يحصل اتفاق بينهم على طبيعة الإجراء، أما إذا حصل واتخذ الإجراء فأرى بأن من يعتقد بان القرار قد مس حقوقه أو حقوق الشعب وهو يمثل الشعب أن يطعن بدعوى أمامها للنظر في دستورية هذا التصرف وسيكون قولها الفصل الذي تطمئن له النفوس ونبتعد عن التنظير والذي يعمق الخلاف بين الأطراف المتنازعة والمختلفة ونجنب البلد من أي نتائج سلبية لا قدر الله ، وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد تصدت لأمور أكثر تعقيداً وتمكنت من حفظ الحقوق الدستورية وحفظ سلامة ووحدة البلاد في قرارات كثيرة من الممكن أن يتم الاطلاع عليها عبر موقعها الالكتروني.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً