حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بين البعدين الدولي والوطني
المؤلف : مها بهجت يونس
الكتاب أو المصدر : مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية / العدد الاول / حقوق الانسان وحرياته…
يفترض من حيث المبدأ ان حقوق الإنسان مسألة داخلية تتعلق بالقانون الوطني والسيادة الوطنية للدولة. ولا يتغير الأصل في هذا المبدأ سواء كنا بصدد حقوق سياسية أو مدنية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، أو سواء تعلق أمر الحقوق بامتناع الدول عن القيام بممارسات معينة بحق الافراد مثل عدم القيام بالاضطهاد والسجن التعسفي أو تتعلق بقيام الدول بوضع أسس واجراءات لضمان بعض الحقوق مثل المساواة امام القانون وتسهيل حرية التنقل وتقلد الوظائف العامة في الدولة، أو تتعلق بالزام الدول بتوفير بعض الحقوق مثل ضمان التعليم المجاني في المراحل الأولى للتعليم، وضمان مستوى معيشي مناسب وضمان مستوى ملائم للصحة البدنية والعقلية.
فجميع هذه الحقوق هي من حيث الأصل تخص الدولة وتبقى مسألة النص عليها وضمانها وحمايتها في المقام الأول من اختصاص دستور الدولة وقانونها ومسؤوليتها.
هذا هو الأصل والأساس من حيث المبدأ، ولكن مجموعة من التطورات والأحداث والاعتبارات الدولية وخاصة في أوروبا أدت الى اعطاء مسألة حقوق الانسان بعداً دولياً جديداً إضافة الى بعدها الوطني.
فلقد قاست مجتمعات أوروبا الكثير من ويلات الأنظمة الفاشية والنازية وتعرضت حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الى الانتهاك من قبل هذه الأنظمة التي أهدرت قيمة الإنسان وكرامته انبرت الحاجة في أوروبا الى وجود ضمان دولي إضافة الى ضمان الدول لحقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وإستجابة لهذه الاعتبارات تم التأكيد على أهمية حقوق الانسان على الصعيد الدولي ( في ميثاق الأمم المتحدة في عام ١٩٤٥ ، واتضح ذلك بشكل خاص في المادة (٥٥) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحدثت عن احترام حقوق الانسان وفي المادة ( ٦٢ ) التي جعلت من بين وظائف المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقديم التوصيات الخاصة بإشاعة احترام حقوق الإنسان في العالم.
ولقد انشأت الأمانة العامة للأمم المتحدة ادارة خاصة بها تعنى بحقوق الإنسان كما انشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة لجنة حقوق الإنسان وهي اللجنة التي أعدت مشروع الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر ١٩٤٨ كما قامت بتحضير مشروعي الإتفاقية الدولية لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإتفاقية الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية اللتين تم التوقيع عليهما في الجمعية العامة في ديسمبر ١٩٦٦ ودخلتا حيز التنفيذ بعد اكتمال النصاب القانوني في التصديق عليهما (الاولى في يناير ١٩٧٦ ) و (الثانية في مارس ١٩٧٦ ).
كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة من الإتفاقيات الدولية الاخرى المتعلقة بحقوق الإنسان وأهمها الإتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على التمييز العنصري ( ٢١ ديسمبر ١٩٦٥ )، والإتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( ١٨ ديسمبر ١٩٧٩ )، والإتفاقية الخاصة بتحريم التعذيب ،( ١٠ ديسمبر ١٩٨٤ )، والإتفاقية الخاصة بحقوق الطفل ( ٢٠ نوفمبر ١٩٨٩ ) .( والإتفاقية الدولية لحماية جميع العمال المهاجرين وافراد اسرهم (ديسمبر ١٩٩٠ ) (1) واضافة الى دور الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان، ساهمت بعض الإتفاقيات والمواثيق الإقليمية في تقديم صيغ ملائمة ومتشابهة لحقوق الإنسان، وفي مقدمة هذه الإتفاقيات والمواثيق تأتي الإتفاقية الأوربية لحقوق الانسان ( ١٩٥٠ ) والإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ( ١٩٦٩ )، والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب ( ١٩٨١ )، وإعلان منظمة المؤتمر الإسلامي عن حقوق الانسان في.( الاسلام ( ١٩٨١ )، ومشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان ( ١٩٧١ ) (٢) ورغم اهتمام المواثيق والإتفاقيات الدولية والإقليمية بضمان حقوق الإنسان، إلا ان القوة الفعلية ما زالت بيد القوانين الوطنية.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة تعليمية إرشادية غير ملزمة للدول فلقد صدر في شكل توصية عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومثل هذه التوصيات لا تنشئ عادة التزامات قانونية دولية.ومع ذلك فان للإعلان أهمية معنوية وأدبية كبيرة، كما انه كان المصدر الذي انبثقت عنه الإتفاقيتان الدوليتان لحقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية والمدنية. ولكن حتى في هاتين الإتفاقيتين فان سجل الواقع الدولي يظهر تحفظاً لبعض الدول على بعض المواد الواردة فيهما وذلك بسبب عدم انسجامها او تعارضها مع قوانينها الوطنية وقيمها ومعتقداتها.
ومنطلق هذه الدول في تحفظها هو تمسكها بمبدأ السيادة في قوانينها وانظمتها الداخلية. ويضاف الى ذلك ان جميع دول العالم تتمسك دائماً بحق احتفاظها بالسلطة التقديرية التي قد تستوجب عدم التقيد احيانا بنصوص مواد حماية الحقوق التي وردت في الإتفاقيات الدولية وذلك في حالات الطوارئ او الاستثناءات الضرورية الاخرى، ويتضح الأمر حتى في حالة الإتفاقية الأوربية لحقوق الانسان والتي تشتمل على أقوى التعهدات والاجراءات الدولية الكفيلة بضمان حقوق الإنسان من قبل جهة اقليمية فوق الدول.
ولهذا فلقد جاء في مقدمة الإتفاقية بأنها تهدف الى حماية حقوق الإنسان من خلال التأكيد عليها وجعلها جزءاً من القوانين النافذة في الدول الأوربية وتطبيقها من قبل محاكمها الوطنية. كما تخضع الكثير من مواد هذه الإتفاقية الخاصة بتحديد الحقوق والحريات الى القيود المحددة والمنصوص عليها في القانون الوطني للدول والتي تكون ضرورية لصالح أمن الجمهور وحماية النظام والصحة والاداب، أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم (3).
_____________
1- انظر د. أحمد فتحي سرور، الحمایة الدستوریة للحقوق والحریات، ط ٢، دار الشروق، القاھرة، ٢٠٠٠ ،،ص ٣٩ .
2- انظر د. أحمد الموسوي، من أجل تعزیز آلیات المراقبة وحمایة المواطن في النظام السیاسي لمستقبل العراق، المجلة العراقیة لحقوق الانسان، العدد السابع، كانون الثاني ٢٠٠٣ ،ص ٥٣ وما بعدھا
3- انظر د. جابر ابراھیم الراوي، حقوق الإنسان وحریاته الأساسیة في القانون الدولي والشریعة الاسلامیة، ط ١، دار
وائل للنشر، عمان، ١٩٩٩، ص ١١٤ وما بعدھا، ود. أحمد فتحي سرور ، مرجع سابق ،ص 40-41
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً