مسؤولية الشيك المزور بين العميل والبنك
لقد ظهرت الشيكات منذ تطور نشاط العمليات البنكية في الدول واستخدامها كوسيلة لاسترداد الودائع النقدية التي يضعها العملاء في البنوك، ثم تحول الأمر بأن اتخذ الشيك وسيلة سحب لكافة المبالغ التي يضعها البنك تحت تصرف عملائه، سواء كان نقلا مصرفيا أو فتح اعتماد أو قرضا ونحوه من العمليات البنكية، ومع ازدهار الحركة الاقتصادية تحول الشيك إلى أداة وفاء لتسهيل وتسريع المعاملات التجارية.
وتزامن مع انتشار الشيكات في المعاملات التجارية بدلا من النقود وسرعة وفائها لاعتبار أن المسحوب عليه ملزم بدفع المبلغ لحامله مباشرة، سلوك إجرامي من سيئ النية بأن يكون الشيك محل طمع واعتداء بالسرقة والتزوير أو تزويره حالة وجد مفقودا، فمجرد أن الجاني لديه دراية ومعرفة بالعميل وكم يملك من أرصدة مالية يقوم بتزوير التوقيع المعتمد لدى البنك وكتابة المبلغ الذي لا يتجاوز قيمة رصيد حساب العميل، وبما أننا نتحدث عن هذا الموضوع فمن المناسب أن أنقل للقارئ الكريم حيثيات قضية صدر فيها حكم مؤيد من محكمة الاستئناف برقم 222/5 في عام 1432 بمحافظة جدة، وحيثيات الواقعة أن أربعة أشخاص قام أحدهم بسرقة دفتر شيكات من شركة طبية شهيرة في المملكة يعمل بها وتسليمه لرفاقه وبدورهم قاموا بتزوير التوقيع المعتمد لدى البنك الأهلي بمبلغ قدره 3125000 ريال وتم صرف المبلغ من البنك فمثل هذه الجرائم تثور تساؤلات حول المسؤولية التي تقع على البنك من كونه يغرم المبلغ الذي سحب من رصيد العميل؟ أم أن المسؤولية تقع بالاشتراك بين العميل والبنك وتأخذ القضية مجراها الجنائي في إيقاع العقوبة على الجناة وتغريمهم المبلغ الذي احتالوا بسحبه من رصيد العميل كحق خاص.
هذه المسألة محل جدل بين فقهاء القانون، ففي مؤتمر جنيف الخاص بتوحيد قانون الشيك عام 1931 استقر الرأي في المؤتمر على عدم تنظيم هذه الإشكالية القانونية وتركها للتشريعات الوطنية، وإذا نظرنا إلى المبدأ المستقر في النظام السعودي نجده واضحا في حالة أنه قام البنك بالوفاء بقيمة شيكات مزورة دون أخذ الاحتياطات المعتادة للتحقق من صحة التوقيع على الشيك وعدم مطابقته لنموذج توقيع الساحب المحفوظ لديه فإن المسؤولية تثور تجاه البنك حيال المبلغ الذي صرف ويغرم البنك للعميل المتضرر، ويتجه البنك بمطالبة الجناة في الحق الخاص، هذا في حالة أن العميل أخذ بالحسبان المحافظة على دفتر الشيكات الممنوحة له من البنك، أما إن كان العميل أهمل ولم يحترز بحفظ دفتر الشيكات مما جعله عرضة لفقدان أو السرقة فإن المسؤولية تكون مشتركة بين البنك والعميل وليس للبنك غرم المبلغ للعميل لاعتباره مهملا في جانب حفظ الأوراق التجارية.
وهذه المسألة محل إشكال قضائي من حيث الدعوى ودفعها بين المتداعين البنك والعميل، ولكن من وجهة نظري أن البنك ربما يكون الطرف الأقوى حالة كان تزوير توقيع العميل متقنا لدرجة تطابقه مع نموذج توقيع العميل لدى البنك، وأخذ البنك الخطوات الاحتياطية المعتادة في التحقق من هوية المستفيد وتوقيع الساحب المعتمد، لذا ليس للعميل سوى المطالبة بالحق الخاص من الجاني الذي قام بالاعتداء وسرقة دفتر شيكات وتزوير توقيعه، وما ننبه له أن الشيك يعتبر صكا مصرفيا تجب المحافظة عليه وعدم إهماله بأن يكون عرضة لسرقة والتزوير، وأن نعرف الآثار المترتبة على ضياعه أو سرقته وتزويره.
عبدالله قاسم العنزي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً