دراسة وبحث قانوني عن تقديم وتبليغ أدلة الإثبات في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد 09/08
تقديم
النص الساري التطبيق في مسألة تبليغ المستندات والوثائق المدعمة لإدعاءات الخصوم وهو نص المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية الذي جاء به تعديل سنة 1971 وإن كان لا يشترط شروطا معينة في المستندات المقدمة في الدعوى وجاء مبهما فيما يتعلق بكيفية تبليغ الخصوم بها وكذا الجزاء المترتب على عدم التبليغ، حيث يحتمل عدة قراءات أسال الكثير من الحبر وخلق العديد من التأويلات حتى أن المحكمة العليا نفسها لم تستقر على رأي واحد في تفسير وتطبيق المادة .
فإذا كان يفهم من صياغة النص من وجهة نظر أولى أن المادة جاءت بصيغة الوجوب وبالتالي فهي آمرة لا يجوز مخالفتها على الإطلاق فإن المحكمة العليا ذهبت هذا المذهب في الأول بأن قضت بـ”أن إجراءات عدم تبليغ السندات والوثائق للخصم هو خرق للقانون وإضرار بحقوق الدفاع “( م ق 1990 عدد 4 ص 13)
فإن وجهة النظر الثانية توجب عدم قراءة المادة قراءة ويل للمصلين ذلك أن سياق المادة يفهم منه العكس خاصة وأنها تجيز للقاضي النظر في الصعوبات التي يمكن أن تنشا عن تبليغ الوثائق أو الاتصال بها وتجيز له تأجيل القضية للجلسة التي يري تعيينها لاستكمال هذه الإجراءات أو للإطلاع على الوثائق المرفقة ، كما أن هذا الرأي يستند أيضا إلى أن المادة وعلى الرغم من مجيئها بتلك الصياغة إلا أنها لم تضع جزاء على إغفال أو عدم تبليغ ملف الموضوع وبالتالي لا يمكن الجزم ببطلان الدعوى إجرائيا طبقا لمبدأ أن لا جزاء إلا بنص ولا بطلان إلا بنص ، وعليه قضت المحكمة العليا بأن تبليغ ملف الموضوع يعتبر طلبا وليس دفعا وأن اعتباره دفع هو خرق بقاعدة جوهرية في الإجراءات( م ق 2000عدد 2 ص 109 )
وأما القانون الجديد08/09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية والذي سيعوض القانون الساري حاليا في مثل هذا الشهر من السنة القادمة بحول الله فقد جاء مبهما بدوره في كثير من جوانب موضوع البحث على الرغم من كونه جاء مفصلا بشأن تقديم المستندات إلى المحكمة وكيفية تبليغها وكذا الجزاءات المترتبة عن تخلف تقديمها وتبليغها سأحاول تقديما للقارئ ضمن المنهجية التالية
المبحث الأول: في كيفية تقديم المستندات وتبليغها ووسائل استردادها.
المطلب الأول: في كيفية تقديم المستندات ووتبليغها
المطلب الثاني : في كيفية استرداد المستندات
المبحث الثاني : في الجزاءات المترتبة عن تخلف إيداع الوثائق وتبيغها
المطلب الأول: في جزاء مخالفة الإيداع
المطلب الثاني : في جزاء مخالفة التبليغ
خاتمة
المبحث الأول: في كيفية تقديم المستندات وتبليغها ووسائل استردادها.
جاءت أحكام القانون 09/08 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية صارمة في مايتعلق بكيفيات تقديم الوثائق وشروط تقديما لم يسبق ان تناولها المشرع الجزائري كما لم يسبق أن تطرق لها العمل القضائي وكذلك الشأن فيما يتعلق بطرق إستردادها سنتناولها في المطلبين التاليين
المطلب الأول: في كيفية تقديم المستندات وتبليغها
نصت المادة 21 من القانون 08/09 على وجوب إيداع الاوراق والسندات والوثائق التي يستند إليها الخصوم ، دعما لادعائاتهم بامانة ضبط الجهة القضائية ، ويستوى حسب نص المادة أن تقدم أصول الوثائق أو نسخ رسمية منها او نسخ مطابقة لاصلها غير أن هذا الشرط ليس جوهريا على اعتبار ان المادة أجازت للقضاء قبول النسخ العادية منها عند الإقتضاء
ويبدو أن المشرع الجزائري أراد من خلال الحرص على تقديم النسخ الرسمية للوثائق أو نسخ رسمية او مطابقة لاصلها أن يتفادى قدر الإمكان الطعون التي تقدم في شأن صحة تلك الوثائق ودعاوى التزوير الفرعية التي كثيرا ما تثار حول صحة الوثيقة وتعطل سير الدعوى ثم ما يلبث أن يظهر كذب الإدعاء وعدم صحته وعلى كل فالمشرع الجزائري تطرق لمسالة الطعن بالتزوير في الوثائق بشيء من التفصيل لم يعده التشريع الجزائري.
كما أنه عندما نص في الفقرة الثانية من المادة 21 على جواز قبول النسخ العادية فإنه لم يشا الوقوع في مخالفة تناقض صريح نصوص القانون المدني التي تجيز الإحتجاج بالنسخة العادية مالم يطعن فيها بالتزوير .
كما أن القانون الجديد حمى المتقاضي من التلاعب بوثائقه أو اتلافها أو ضياعها حين نص على وجوب تقديم تلك الوثائق على أمانة الضبط بجردها والتأشير عليها قبل أيداعها بملف القضية في مقابل وصل استلام تحت طائلة الرفض حسب صراحة نص المادة 22 والإستثناء الوحيد عن هذه القاعدة هو المنازعات في المادة الإدارية بحيث يقوم الخصوم بأنفسهم في هذه الحالة بإعداد جرد بالوثائق المدعمة لعرائضهم مالم يوجد مانع يحول دون ذلك بسبب عددها أو حجمها أو خصائصها وفي كل الأحوال يؤشر أمين الضبط على الجرد.
وأما القناة الوحيدة التي أوجدها المشرع لتبادل الخصوم للمستندات المودعة طبقا للإجرءات المشار إليها سابقا فهي القاضي دون سواه سواء تم تبادل هذه الوثائق أثناء الجلسة أو خارجها.
إن هذه النصوص الجديدة والإجراءات الجديدة ستثير ولا شك العديد من الإشكاليات على الصعيد التطبيقي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار انه لا يجوز إيداع مستندات في ملف الدعوى قبل تقديم المقالات التي بنيت عليها وغلا وقعنا في ما يصطلح عليه بـ” المصادرة على المطلوب”
وبالتالي يمكن أن تسير العملية وفق أحد الافتراضات التالية:
1- أن يقدم الخصوم مقالتهم إلى القاضي بالجلسة ثم بعد ذلك يقدمون الوثائق المشار إليها في العريضة إلى أمانة الضبط، وهذا العمل مرهق للقاضي ولامين الضبط والمتقاضي على حد سواء خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار بعض القضايا ذات الطبيعة الخاصة كالقضايا العقارية التي يمكن أن تضم عشرات الأطراف وعشرات الوثائق والخبرات …والقضايا التجارية والاجتماعية التي يمكن أن تكون الوثائق المقدمة فيها من طبيعة تجعل عملية الجرد والتأشير متعبة فضلا عن حجم الجدول في محاكم المدن الكبيرة
2- أن يقوم الخصوم بإيداع مقالاتهم والمستندات المدعمة لها إلى أمانة الضبط قبل الجلسة بينما يقوم القاضي بالسهر على مراقبة سلامة الإجراءات والسهر على حسن سير الخصومة كما يستشف من قراءة الفقرة الثانية من المادة 23 وكذا من نص المادة 24 اللتان تنصان على التوالي:” يمكن للقاضي بناء على طلب أحد الخصوم أن يامر شفهيا بإبلاغ كل وثيقة عرضت عليه وثبت عدم إبلاغها للخصم الآخر ويحدد أجل وكيفية ذلك الإبلاغ” و” يسهر القاضي على حسن سير الخصومة ويمنح الآجال ويتخذ ما يراه لازما من إجراءات”
غير ان هذه العملية فيها أيضا بعض اللبس خاصة إذا مابقي دور القاضي مجرد توزيع المقالات بالجلسة والتأكد من تظلمات المتقاضين من عدم إبلاغهم بالوثائق المودعة
وعلى كل حال فإنه باستقراء النصوص السالفة لم نجد ما يلزم المتقاضي بتبليغ الوثائق الى خصمه عن طريق المحضر القضائي وهل يبلغ له ما يطابق ما أودعه أمانة الضبط أي نسخ رسمية أو مطابقة للأصل ؟كما لم نجد ما ينص على وجوب أن تقوم كتابة الضبط بتبليغها وتلك إشكالية اخرى غير واضحة وتؤدي الى اللبس في مفهومي الإيداع والتبليغ .
المطلب الثاني:في استرداد الوثائق:نصت المادة 31 من القانون 09/08 على أنه ” يجوز للخصوم دون سواهم أو بوكالة خاصة عند انتهاء الخصومة استرجاع الوثائق المودعة في أمانة الضبط مقابل وصل”
إن هذا النص ورغم أنه جاء لحماية حقوق المتقاضي من عدم حصول غيره على الوثائق التي قدمها والثابتة بالوصل الذي يقدمه أمين الضبط عند ايداعها إلا انه يعاب عليه أنه استثنى المحامين من امكانية استرداد الوثائق التي يكونون قد اودعوها اثناء ممارستهم لمهاهم بموجب سند الوكالة العام الذي يمنحه قانون مهنة المحاماة كما تحرمهم من حق تمثيل موكليهم في استرداد الوثائف التي يكونوا قد اودعوها بأنفسهم وحصل لهم مانع من استردادها أو لرغبة منهم في توكيل محام للقيام نيابة عنهم بذلك على اعتبار أن المادة تمنح الحق في استرداد الوثائق للخصم نفسه أو من ينوب عنه بوكالة خاصة .
وإن كانت المادة 278 جاءن مطلقة حين تمنح الخصوم حق استعادة الوثائف المملوكة لهم على مستوى الإستئناف دون اشتراط أي شرط آخر لأن المحامي أصبح إجباريا في مستوى الإستئناف فإن التضارب في النصين قد يجر إبى العديد من الغشكالات التطبيقية وقد تؤدي إلى تعسف امناء الضبط ورؤساء الجهات القضائية المخولة بالفصل في هذه الاشكالات لان الإشارة الوارد النص عليها في المادة 31 فقرة أخيرة تنصرف إلى أمور أخرى غير وكالة المحامي مثل ضياع الوصل …
كما امه يلاحظ أن مص المادة 30 الذي يجيز للقاضي أن يامر بغرجاع المستندات المبلغة للخصوم تحت طائلة غرامة تهديدية يثير هو الآخر اشكاليات معقدة فماذا لو توفي هذا الخصم أو تغيرت أهليته أثناء إجراءات التقاضي او بعدها ؟، وماذا لو تلفت الوثائق المبلغة له بسبب خارج عن ارادته ؟ وماذا لو حصلت منازعة جدية في مسألة وجودها عنده من عدمها؟ …
المبحث الثاني: الجزاءات المترتبة عن تخلف تبليغ الوثائق ومخالفة إيداعها :
وضع المشرع عدة جزاءات عن تخلف إيداع الوثائق وتبليغها ، كل هذه الجزاءات لا تمس الدعوى في حد ذاتها ولا سيرها وإنما تمس الوثيقة المستعملة في حد ذاتها منها:
المطلب الأول: جزاءات مخالفة الإيداع
تتراوح جزاءات مخالفة إيداع الوثائق طبقا للإجراءات المنصوص عنها قانونا بين الرفض والشطب وعدم القبول شكلا سأحاول تفصيلها كالآتي
1-جزاء الرفض:
نصت المادة 22 من القانون 09/08 على جزاء الرفض إذا يقدم الخصم الوثائق التي يستند إليها دعما لادعائه إلى أمين الضبط لجردها والتأشير عليها قبل إيداعها بملف القضية .
غير أن هذه الكلمة قد تثير إشكاليات في فهمها وتفسيرها هل قصد المشرع رفض الدعوى أم رفض الوثائق المقدمة مخالفة للإجراءات المنصوص عليها
في تقديري فإن نية المشرع انصرفت إلى جزاء رفض الاعتراف بالوثيقة المقدمة كدليل أو كسند دفاع ما لم يقم الخصم بإيداعها مسبقا في أمانة ضبط المحكمة لجردها والتأشير عليها .
2-جزاء الشطب :
نصت على هذا الجزء المادة 542 من القانون 09/08 والتي قررت جزاء شطب القضية من الجدول على مستوى الاستئناف إذا لم يحضر المستأنف نسخة من محضر التبليغ الرسمي والوثائق المدعمة للاستئناف في أول جلسة مع إمكانية منحه أجلا للقيام ذلك فإذا انقضى الأجل ولم يقدم المستأنف محضر التبليغ والوثائق المطلوبة دون مبرر مقبول تشطب القضية بأمر غير قابل للطعن .
ويقصد بالوثائق المشار إليها في هذه المادة الوثائق الجديدة عن النزاع لأن الوثائق المقدمة في الملف الأصلي فقد قررت المادة 70 بعدم اشتراط تبليغها من جديد .
3-جزاء عدم القبول شكلا :
نصت المادة 566 على وجوب إرفاق عريضة الطعن بالنفض بالوثائق المشار إليها في عريضة الطعن تحت طائلة عدم قبول الطعن بالنفض شكلا .
المطلب الثاني:جزاء مخالفة التبليغ
إن تبليغ ملف الموضوع أمر وجوبي حتى ولو لم يطالب الخصم بذلك والخصم الذي لا يحترم إجراءات تبليغ خصمه بوثائق الدعوى يكون قد عرض أدلته تلك إلى استبعاد الأخذ بها ، كما أننا نجد في نصوص القانون الجديد ما يجيز للقاضي أن يحكم حتى بالغرامة التهديدية على الخصم الذي يرفض ان يقدم الوثائق والمستندات ولكن هذا الجزاء يتعلق بمواضيع أخرى لذلك لم أشأ الخوض في تفاصيل هذه الجزئية وسأكتفي بالتطرق لجزاء الاستبعاد وحده.
جزاء الاستبعاد:
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 23 على إمكانية أن يقوم القاضي باستبعاد كل وثيقة لم يتم إبلاغها خلال الآجال وبالكيفيات التي حددها على الرغم من قيام الخصم بإيداعها الإيداع الصحيح قانونا غير أنه لا يشترط إبلاغ الخصم في مرحلة الاستئناف بالوثائق المودعة في ملف الدعوى بالدرجة الأولى من جديد حسب نص الفقرة 02 من المادة 70 من القانون الجديد 09/08.
إن القول بان القاضي له سلطة تحديد طريقة واجل تبليغ الخصوم بوثائق الدعوى يجر إلى القول بأنه لا مجال للدفع بكون الوثائق لم تبلغ على الخصم بواسطة المحضر القضائي وخلال الآجال المقررة لتبليغ عريضة الدعوى نفسها .
كما أن القول السابق يجر أيضا على القول بعدم اعتبار إغفال تبليغ ملف الموضوع اعدم القيام به مسألة شكلية تغل يد القاضي عن التطرق لموضوع الطلب القضائي.
وبالتالي نخلص إلى القول بأن المشرع الجزائري لم يعتبر عدم تبليغ الخصم بوثائق الدعوى دفعا شكليا أو مسالة إجرائية ولكنه اعتبرها مسالة تلحق بالموضوع كون المطالبة القضائية تبقى صحيحة شكلا و جل مايلحق من جزاءات هو استبعاد الوثيقة المودعة كدليل من أدلة الإثبات .
لان الأصل في الدفوع الإجرائية أنها يقضى فيها قبل التطرق لموضوع الدعوى وإذا ماكانت مؤسسة أغنت القاضي عن مناقشة الموضوع لكن الحال أن القاضي ورغم تخلف هذا الإجراء إلا انه يتطرق للخوض في معالم الموضوع غير انه يمكنه أن لا يأخذ في عين الاعتبار الوثائق التي لم تبلغ للخصوم خلال الآجال وبالكيفيات التي يمكن أن يحددها بنفسه.
خاتمة:
من المفروض أن تطور التشريع يكون نحو تبسيط الإجراءات وتيسيرها أكثر لصالح المتقاضي والمتعامل مع جهاز العدالة وذلك تماشيا مع ما استقر عليه العمل القضائي وافرزه اجتهاد من خلال ركام سنوات التطبيق للقوانين السابقة.
لكن القانون الجديد08/09 سيحدث ولاشك الكثير من الحبر الإشكاليات و الصعوبات التطبيقية مالم تتم دراسته بعناية في ورشات عمل مشتركة بين كافة شركاء العمل الفضائي من محامين وقضاة ومساعدي العدالة فضلا عن المتخصصين من الأكاديميين من دكاترة وباحثين في مجال القانون.
اترك تعليقاً