تتعدد الاعتمادات المستندية حسب الزاوية التي ينظر إليها منها (1) فمن حيث مدى إلزامها القانوني تنقسم إلى اعتمادات قابلة للإلغاء واعتمادات غير قابلة للإلغاء ومن حيث إمكانية تحويلها إلى مستفيد ثان، إلى إعتمادات قابلة للتحويل واعتمادات غير قابلة للتحويل، ومن حيث حرية تداول المستندات إلى اعتمادات قابلة للتداول واعتمادات غير قابلة للتداول، ومن حيث طريقة الأداء إلى إعتمدات الدفع بالاطلاع واعتمادات الدفع المؤجل واعتمادات القبول. غير أنه تجدر الإشارة إلى أنه هناك تقسيمات عديدة، ولن أتناول فيها إلا الاعتمادات المتداولة والشائعة.
أ- الاعتماد المستندي القابل للإلغاء الاعتماد المستندي القابل للإلغاء :
هو تعهد مصرف المستورد المنشئ للاعتماد المستندي الذي لا يكون أكيدا أو لا يعطي المصدر ضمانة كافية، فهو لا ينشئ علاقة قانونية بين البنك والمستفيد (2). من خلال التعريف يتضح أن هذا النوع من الاعتمادات يخول للبنك المصدر الحق في تعديل أو إلغائه في أي وقت دون سابق إنذار للمستفيد، مع أن العرف البنكي يجري على أن تقوم البنوك بإخطار المستفيد من باب حسن المعاملة والمجاملة (3) . ويرى بعض الفقه (4) أن هذا النوع من الاعتمادات لايوفر الثقة والطمأنينة التي ينتظرها التجار أطراف العقد التجاري الدولي. وإذا كان الاعتماد القابل للإلغاء غير ملزم للبنك بصفة عامة، إلا أنه يصبح ملزما للبنك عندما يقوم البنك الوسيط المكلف بالتنفيد بتلقي المستندات من المستفيد ودفع قيمتها بالصورة المتفق عليها ما دام أن هذه المستندات مطابقة لبنود عقد فتح الاعتماد. أما إذا قبل البنك المكلف بالتنفيذ سحب البائع فإنه ينشئ بذلك حقا للمستفيد لا على أساس الاعتماد وإنما على أساس قبول السحب (5) . ويرى بعض الفقه بأن الاعتماد يصبح قابلا للاستفادة منه، عندما يقوم البنك المراسل بقبول سحب المستفيد، أو بدفع، أو بتعهد بالدفع المؤجل ، قيمة السحب قبل تلقيه إشعارا من قبل البنك المصدر. ويرد بعض الفقه أن الاعتماد المستندي القابل للإلغاء إلى فكرة الالتزام الطبيعي، باعتبار أن الاعتماد سيشمل عنصر المديونية دون عنصر المسؤولية. بحيث أن وفاء البنك للمستفيد بقيمة الاعتماد يكون وفاء لإلتزام قائم، وأن هذا الإلتزام غير ملزم إلا أن وفاؤه يبقى صحيحا لا يجوز الرجوع فيه (6) . وأخيرا فما يمكن استخلاصه من خلال دراستنا للاعتماد المستندي القابل للإلغاء أنه ليس اعتمادا مستنديا حقيقيا (7) على اعتبار أنه لايوفر الآمان والطمأنينة الذي تتطلبها عمليات التجارة الدولية.
ب – الاعتماد المستندي الغير القابل للإلغاء :
يرى بعض الفقه أن الاعتماد المستندي الغير القابل للإلغاء اعتماد بات ويرتب في ذمة البنك إلتزاما أصليا مستقلا لارجعة فيه، ولا يجوز نقضه أو تعديله. وهناك اتجاه فقهي آخر يرى أنه رغم قطعية هذا النوع من الاعتماد المستندي وعدم أحقية البنك في الرجوع، إلا أنه أقر بوجود إستثناء واحد وهو حالة تدخل تشريعي أو أمر سلطة من الدولة التي صدر فيها الاعتماد (8) . كما يعتبر الاعتماد المستندي قطعيا وفقا لقواعد غرفة التجارة في حالة السكوت عن تحديد ما إذا كان قطعيا أو غير قطعي (9) وبموجب هذا النوع من الاعتمادات فإن تعهد كل من البنك المصدر والبنك المؤيد إن وجد يعتبر تعهدا نهائيا وباتا لا رجوع فيه، فهو ليس إلتزاما طبيعيا، و إنما هو إلتزام مستقل، كما أنه إلتزام أصلي وليس إلتزاما تابعا (10) . ومتى قام المستفيد بتقديم المستندات للبنك المكلف بالتنفيذ في مقابل إعتماد غير قابل للنقض، فإنه يتبث حقه بموجب الاعتماد إذا كانت مستنداته مطابقة لشروط الاعتماد، وعلى البنك المكلف بالتنفيذ أن يقوم بتنفيذ الاعتماد بالطريقة المتفق عليها (11) ، فإذا كان الاعتماد ينص على الدفع لدى الاطلاع قام بالدفع فورا.
ج – اعتماد الدفعة المقدمة ( الشرط الأحمر ) :
يصدر هذا الأمر عن البنك المصدر ويحتوي ضمن شروطه أن يتم تقديم دفعات للمستفيد قبل قيامه بتسليم المستندات. وقد سمي هذا الاعتماد بالاعتماد ذو الشرط الأحمر لكون شرط الدفع المقدم للمستفيد يظهر مكتوبا بالمداد الأحمر. ويكون هذا الدفع المقدم جزء من قيمة الاعتماد المفتوح وقد يكون لقيمة الاعتماد كاملة (12) . وعملية التسليف قد تكون بإصدار اعتماد من البنك المصدر للمستفيد بناءا على طلب عميله بتقديم دفعات للمستفيد قبل تقديم المستندات، وذلك مقابل كفالات بنكية يقدمها المستفيد تضمن حق البنك بما قدمه للمستفيد في حالة فشل الأخير بشحن البضاعة المتفق عليها (13) . وقد يقوم المشتري نفسه بتقديم الدفعات المقدمة للمستفيد عن طريق بنكه، وذلك مقابل خطاب ضمان يصدره المستفيد ويستلمه البنك المصدر بعد إصدار العميل تعليماته بقبوله، وبعدئذ يصدر البنك الاعتماد الذي يتضمن تقديم دفعات مقدمة للمستفيد. وبعد أن يقوم المستفيد بتقديم المستندات للبنك يعاد إليه خطاب الضمان الذي قدمه للبنك (14) . وقد يتم تنفيذ الاعتماد ذو الدفعة المقدمة من خلال تفويض البنك المبلغ أو البنك المؤيد من قبل البنك المصدر بمنح المستفيد قرضا بقيمة الاعتماد، ويكون القرض مضمونا بقيمة الاعتماد. بحيث إذا فشل المستفيد في شحن البضاعة وتقديم المستندات كان للبنك المبلغ أو المؤيد حق الرجوع على البنك المصدر (15) . والاعتماد ذو الشرط الأحمر لا يستخدم إلا بين مصدر ومستورد زادت الثقة بينهم أكثر من معتاد أو إن كان المستورد له فرع في بلد المصدر، فيلجأ المستورد إلى بنكه لإصدار اعتماد الدفعة المقدمة لصالح فرعه في بلد المصدر، ليتولى ذلك الفرع عملية شراء البضاعة وتمويلها، وبالتالي تكون الدفعات المقدمة من المستورد إلى فرعه في بلد المصدر (16) .
د- الاعتماد القابل للتحويل:
إن الاعتماد المستندي القابل للتحويل هو الذي يستطيع بموجبه المستفيد إعطاء تعليمات للمصرف المكلف بالتنفيذ أو بالقبول أو بالتداول، أن يحول الاعتماد كليا أو جزئيا لمصلحة شخص واحد أو أكثر (17) . ويمكن تحويل الاعتماد إذا ذكر صراحة أنه قابل للتحويل، ولا يمكن قبول مصطلحات أخرى رديفة مثل قابل للتقسيم، قابل للتجزئة، قابل للنقل (18) .والاعتماد المحول يكون بنفس شروط الاعتماد الأصلي باستثناء قيمة الاعتماد، سعر الوحدة، تاريخ الصلاحية، آخر موعد لتقديم المستندات، مدة الشحن (19) . بحيث يمكن أن تكون هذه الشروط مخفضة عن الواردة في الاعتماد الأصلي (20). ويحق للمستفيد لأصلي أن يجعل الفواتير ومستنداته محل فواتير ومستندات المستفيد الثاني، وأن يسحب بالفرق بين فاتورته وفاتورة المستفيد الثاني بموجب الاعتماد. وإذا أخفق المستفيد الأصلي في جعل مستنداته وفواتيره أو سحوباته محل مستندات وفواتير ومستندات المستفيد الثاني عند أول طلب، فإن البنك المحول سيقوم بتسليم فواتير أو السحوبات المستفيد الثاني عند أول طلب دون أية مسؤولية (21) . ويمكن للمستفيد الأصلي أن يطلب الدفع أو الشراء للمستفيد الثاني في المكان الذي تم إليه التحويل إلى آخر يوم من صلاحية الاعتماد إلا إذا اشترط الاعتماد أن هذا الدفع يجب أن يكون في المكان المحدد في الاعتماد (22) . ويتم اللجوء لهذا النوع من هذه الاعتمادات إذا لم يكن المستفيد الأصلي منتجا أو متعاملا بالبضاعة المطلوبة في الاعتماد، وإنما يحصل عليها من مورد أو موردين آخرين، فيضطر إلى فتح اعتماد لصالحه بحيث يكون قابلا للتحويل وذلك في عقد البيع بينه وبين المشتري (23).
_________________
1- عوض علي جمال الدين: الاعتمادات المستندية، دراسة للقضاء وللفقه المقارن وقواعد سنة – 1993 الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة 1993 ص: 13 و 14 .
2- محمد صبري: الأخطاء البنكية، أساس مسؤولية البنكي عن عدم ملائمة الإئتمان مع مصلحة الزبون، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2007 ص: 81 .
3- عبد الحميد الشواربي: عمليات البنوك في ضوء الفقه والقضاء والتشريع وصيغ العقود والدعاوى التجارية وفقا لقانون التجارة رقم 17 في سنة 1996 ، منشأة المعارف، 2006 ، ص: 179 .
4- يوسف بن باصر: القضاء المغربي في الاعتماد المستندي الجزء الثاني، دار النبسي، الداخلة ، 2008 ،ص43.
5- الاعتمادات المستندية التجارية. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت، طبعة ، 1999 ، 23 .
6- محي الدين إسماعيل علم الدين : موسوعة أعمال البنوك من الناحيتين القانونية والعملية، الجزء الثاني – 1987 ، مطبعة الطنابي،ص 760 – 758
7- يوسف بنباصر: المرجع السابق، – 45 .
8- علي جمال الدين عوض: خطابات الضمان المصرفية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000 ، ص: – 16 .
9- Annick BUSSEAU ،Théorie et pratique du commerce international ، Masson، Paris، 1990، p : 161.
10- محي الدين إسماعيل علم الدين: المرجع السابق، ص: 765
11- المادة التاسعة من النشرة – 600 من القواعد والأعراف الموحدة للاعتماد المستندي.
12- مازن عبد العزيز فاعور: الاعتماد المستندي والتجارة الإلكترونية في ظل الأعراف والقواعد الدولية والتشريع الداخلي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2006 ، ص: 36 .
13- شكري ماهر: دراسات تطبيقية في العمليات المصرفية الخارجية، 19،ص 186-187 (بدون دار النشر)
14- أحمد غنيم : الاعتماد المستندي والتحصيل المستندي، أضواء على الجوانب النظرية والنواحي القانونية، الطبعة الرابعة 1995 ص 13 .
15 – Ahmed SLMATI، Abdelkrim RAGHNI، Le crédit documentaire dans les transactions internationales، publication du Banque Populaire، sans l’année d’édition، p : 67.
16- محمد علي مانع الميدمة: الاعتمادات المستندية في التجارة الدولية،1971 ، ص: 33.
17- عبد الإله برجاني: الاعتماد المستندي كتقنية بنكبة من أجل تطوير التجارة الدولية، الندوة الثالثة للعمل البنكي والقضائي، يونيو 1993 ، مطبعة الأمنية، ص: 168 .
18- الفقرة “ب” من المادة – 81 من النشرة 600 من القواعد والأعراف الموحدة للاعتماد المستندي.
19- فيصل محمود مصطفى النعيمات : مسؤولية البنك في قبول المستندات في نظام الاعتماد المستندي . دار وائل للنشر 2005 ،ص:59.
20- الفقرة “ج” من المادة (37) من النشرة 600 من القواعد والأعراف الموحدة للاعتماد المسندي.
21- الفقرة “ط” من المادة (37) من النشرة 600 من القواعد والأعراف الموحدة للاعتماد المسندي
22- الفقرة “ي” من المادة (37) من النشرة 600 من القواعد والأعراف الموحدة للاعتماد المسندي
23- يوسف بنباصر: المرجع السابق ص75.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً