عدم دستورية استثناء تنازل الطبيب أو ورثته عن حق إجارة العين الخضوع للمادة 20 من قانون 136 لسنة 1981
القضية رقم 11 لسنة 16 ق “دستورية ” جلسة 3 / 7 / 1995
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم الإثنين 3 يولية سنة 1995 الموافق 5 صفر سنة 1416 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور اعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 11 لسنة 16 قضائية “دستورية “.
المقامة من
السيد / رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لإعادة التأمين بصفته
ضد
1- السيد / رئيس الجمهورية
2- السيد / رئيس مجلس الشعب
3- السيد / رئيس الوزراء
4- السيد / المستشار وزير العدل
5- السيدة / عفاف عبد الستار عيسى عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها حسام ولبنى قاصرى المرحوم الدكتور/محمد محمد جمال الدين توفيق
الإجراءات
بتاريخ 12 مارس سنة 1994 أودع المدعى بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية العبارة محل الطعن من نص المادة الخامسة من القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية فيما تجرى به من جواز تنازل مستأجر المنشأة الطبية أو ورثته من بعده عنها لطبيب
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها موضوعاً
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن الوقائع -على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن مورث المدعى عليها الخامسة ، كان قد أقام حال حياته الدعوى رقم 6061 لسنة 1987 كلى جنوب القاهرة بطلب الحكم بالزام الشركة المدعية (الشركة المصرية لإعادة التأمين) بأن تحرر لصالحه عقد إيجار عن الشقة رقم (7) التى تملكها، والكائنة بالعقار رقم (3) – بممر بهلر -قسم عابدين بالقاهرة – والمتنازل له عنها من مستأجرها الأصلى للانتفاع بها في ذات الغرض كعيادة طبية • وكانت الشركة المدعية قد أقامت بدورها الدعوى رقم 8974 لسنة 1987 كلى جنوب القاهرة بطلب الحكم بإبطال التنازل عن حق الانتفاع بالعين المشار إليها وتسليمها إليها خالية • وإذ قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بضم هاتين الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد، وألزمت -فى الدعوى الأولى – الشركة المدعية بتحرير عقد إيجار مع مورث المدعى عليها الخامسة عن تلك العين بذات شروط العقد الأصلى ، وفى الدعوى الثانية برفضها، فقد استأنفت المدعية هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة ، وقيد استئنافها برقم 8802 لسنة 105 قضائية استئناف القاهرة ، إلا أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم المستأنف، مما حملها على أن تقيم مجدداً الدعوى رقم 104 لسنة 1992 كلى جنوب القاهرة ، بطلب الحكم بإلزام المدعى عليها الخامسة بأن تؤدى لها من تركة مورثها نصف مقابل التنازل عن حق الانتفاع بالعين المتنازل عنها، وذلك عملاً بأحكام المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر• بيد أن محكمة جنوب القاهرة الابتدائية قضت في هذه الدعوى بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها • فاستأنفته المدعية بالاستئناف رقم 6404 لسنة 110 قضائية استئناف القاهرة ، وأثناء نظر استئنافها بجلسة 12 يناير سنة 1994 دفعت بعدم دستورية المادة 5 من القانون رقم 51 لسنة 1981 بشأن المنشآت الطبية فيما قررته من جواز تنازل الطبيب -لغيره من الأطباء الذين يزاولون المهنة- عن حق الانتفاع بالعين المؤجرة التى يتخذ منها عيادة طبيه، وذلك دون التقيد بأحكام المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981المشار إليه• وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية ، فقد صرحت للشركة المدعية برفع دعواها الدستورية ، فأقامت الدعوى الماثلة •
وحيث إن القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية ينص في مادته الأولى على أنه “فى تطبيق أحكام هذا القانون تعتبر منشأة طبية كل مكان أعد للكشف على المرضى أو علاجهم أو تمريضهم أو إقامة الناقهين وتشمل ما يأتي :-
( أ ) العيادة الخاصة : وهى كل منشأة يملكها أو يستأجرها ويديرها طبيب أو طبيب أسنان كل حسب مهنته المرخص له في مزاولتها، ومعدة لاستقبال المرضى ورعايتهم طبيا•ً ويجوز أن يكون بها أسرة على ألا يتجاوز عددها ثلاثة أسرة . ….. (ب) ….. (ج) ….. ( د ) …..”
وتنص المادة 5 من القانون ذاته على أنه “لا ينتهى عقد إيجار المنشأة الطبية بوفاة المستأجر أو تركه العين ويستمر لصالح ورثته وشركائه في استعمال العين بحسب الأحوال، ويجوز له ولورثته من بعده التنازل عنها لطبيب مرخص له بمزاولة المهنة ، وفى جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم حق في الاستمرار في شغل العين”•
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على المادة 5 الآنف بيانها، أنها فيما قررته من جواز نزول الطبيب أو ورثته “من بعده” عن حق إيجار عيادته الخاصة إلى طبيب مرخص له بمزاولة المهنة ، تكون قد آثرت فئة الأطباء بميزة غير مقررة لغيرهم من المستأجرين، خروجا على القواعد العامة ، ومنها تلك التى حظرت على المستأجر التنازل عن حق الإجارة ، وجعلت منه سبباً لاسترداد المالك للعين المؤجرة ، بما مؤداه حرمان مالك العين من الاستئثار بمنافعها مطلقاً، وإخلالها كذلك بالحقوق التى قررتها المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، لمن يملكون الأعيان المؤجرة حال التنازل عنها للغير• وهو ما يعد إهداراً للحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة في المادتين 32، 34 منه، وازوراراً عن التقيد بمبدأى تكافؤ الفرص، ومساواة المواطنين أمام القانون، المنصوص عليهما في المادتين 8، 40 من الدستور•
وحيث إن من المقرر -وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية -وهى شرط لقبولها- أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع • متى كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية تتعلق بنزول المستأجر الأصلى عن إجارة العين التى اتخذها عيادة خاصة ، إلى مورث المدعى عليها الخامسة لينتفع بها -وبوصفه طبيبا- في ذات الغرض، وكان الدفع بعدم الدستورية الذى أبدته الشركة المدعية أمام محكمة الموضوع من حصراً في هذا النطاق وحده، فان مصلحتها الشخصية المباشرة إنما تتحدد في المسألة الدستورية المتصلة بالنزاع الموضوعى ، وهى تلك المتعلقة بنزول الطبيب أو ورثته من بعده عن حق إيجار المنشأة الطبية التى يتخذها عيادة خاصة لطبيب• ومن البدهى أن انحصار الطعن الماثل في النطاق المتقدم، لا يعنى أن أحكام المادة 5 من القانون رقم 51 لسنة 1981 المشار إليه -وفيما يجاوز هذا النطاق- قد أضحى مطهراً مما يكون عالقا بها من مثالب موضوعية ، إذ لا يزال مجال الطعن فيها مفتوحاً لكل ذى مصلحة •
وحيث إن الدستور -إعلاءً من جهته لدور الملكية الخاصة ، وتوكيداً لإسهامها في صون الأمن الاجتماعى – كفل حمايتها لكل فرد -وطنياً كان أم أجنبياً- ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة ً -فى الأعم من الأحوال- إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضرورياً لصونها • معبداً بها الطريق إلى التقدم، كافلاً للتنمية أهم أدواتها، محققاً من خلالها إرادة الإقدام، هاجعاً إليها لتوفر ظروفاً أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئناً في كنفها إلى يومه وغده، مهيمناً عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد• ولا يناجز سلطته في شأنها خصيم ليس بيده سنده ناقل لها • ليعتصم بها من دون الآخرين• وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها• ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها• ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها• ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية • ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصباً، وافتئاتاً على كيانها أدخل إلى مصادرتها•
وحيث إن من المقرر كذلك أن حق الملكية من الحقوق المالية التى يجوز التعامل فيها، وبقدر اتساع قاعدتها تتعدد روافدها، وتتنوع استخداماتها، لتشكل نهراً يتدفق بمصادر الثروة القومية التى لايجوز إهدارها أو التفريط فيها أو بعثرتها تبديداً لقيمتها • ولا تنظيمها بما يخل بالتوازن بين نطاق حقوق الملكية المقررة عليها، وضرورة تقييدها نأياً بها عن الانتهاز أو الإضرار بحقوق الآخرين• ذلك أن الملكية -فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة – لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى • وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها• ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التى تتطلبها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكما، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعى معين في بيئة بذاتها لها توجهاتها ومقوماتها•
وفى إطار هذه الدائرة ، وتقيداً بتخومها، يفاضل المشرع بين البدائل ، ويرجح على ضوء الموازنة التى يجريها، ما يراه من المصالح أجدر بالحماية ، وأولى بالرعاية ، وفقا لأحكام الدستور، مستهديا في ذلك بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة في مرحلة بذاتها من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة •
وحيث إن الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية وأصولها الثابته التى لا تبديل فيها، لا تناقض ما تقدم• ذلك أن الأصل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى ، أنشأها وبسطها، وإليه معادها ومرجعها، مستخلفا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضراراً• يقول تعالى [وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه] وليس ذلك إلا نهياً عن الولوغ بها في الباطل• وتكليفاً لولى الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثاً أو إسرافاً أو عدواناً، أو متخذاً طرائق تناقض مصالح الجماعة ، أو تخل بحقوق للغير أولى بالاعتبار•
وكان لولى الأمر بالتالى أن يعمل على دفع الضرر قدر الإمكان، وأن يحول دون الإضرار إذا كان ثأراً محضاً يزيد من الضرر، ولا يفيد إلا في توسيع الدائرة التى يمتد إليها، وأن يرد كذلك الضرر البين الفاحش• فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما لازماً اتقاءً لأعظمهما، ويندرج تحت ذلك القبول بالضرر الخاص لرد ضرر عام•
وينبغى -من ثم- أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر• ذلك أن الملكية خلافة ، وهى باعتبارها كذلك تضبطها وظيفتها الاجتماعية التى تعكس بالقيود التى تفرضها على الملكية ، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود يجب التزامها، لأن العدوان عليها يخرج الملكية عن دائرة الحماية التى كفلها الدستور لها•
وحيث إن المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تنص على أنه “يحق للمالك عند قيام المستأجر في الحالات التى يجوز له فيها بيع المتجر أو المصنع أو التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير أغراض السكنى ، الحصول على 50 % من ثمن البيع أو مقابل التنازل بحسب الأحوال بعد خصم قيمة المنقولات التى بالعين• وعلى المستأجر قبل إبرام الاتفاق، إعلان المالك على يد محضر بالثمن المعروض • ويكون للمالك الحق في الشراء إذا أبدى رغبته في ذلك، وأودع الثمن مخصوماً منه نسبة ال 50 % المشار إليها خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار، إيداعاً مشروطاً بالتنازل عن عقد الإيجار وتسليم العين، وذلك خلال شهر من تاريخ الإعلان• وبانقضاء ذلك الأجل يجوز للمستأجر أن يبيع لغيرالمالك، مع التزام المشترى بأن يؤدى للمالك مباشرة ً نسبة ال 50 % المشار إليها”.
وحيث إن من المقرر وفقا للقواعد العامة التى تنظم الروابط الإيجارية ، أن مستأجر العين التى يستخدمها في السكن أو لغير ذلك من الأغراض، مقيد إذا أراد التنازل عن حق إجارتها إلى الغير، بأن يتم هذا التنازل بناءً على نص في القانون أو وفقاً لترخيص صادر عن مالكها -صريحاً كان أم ضمنياً- وسواء أكان هذا الترخيص مدرجاً في عقد الإجارة الأصلية ، أم وارداً في اتفاق لا حق على إبرامها• وإذ كان التنازل عن حق إجارة العين -فى الأحوال التى يجوز فيها ذلك- قد يؤول إلى حصول المتنازل على مبالغ ضخمة لا ينال منها مالكها شيئا أياً كان مقداره، بل ينفرد بها المتنازل من دونه، وكان ذلك بكل المقاييس ظلماً فادحاً يلحق بمالكها أبلغ الأضرار، فقد أقر المشرع نص المادة آنفة البيان التى عدل بها عما كان معمولاً به قبلها من اختصاص مستأجر العين وحده بمقابل التنازل عنها، وليعيد بموجبها إلى العلائق الإيجارية توازناً كان قد اختل فيما بين أطرافها، وذلك من خلال أمرين يمثلان معاً حلاً منصفاً لمواجهة تنازل مستأجر العين عن حق إجارتها، تنازلاً نافذاً في حق مالكها: أولهما: أن يحصل مالكها على 50 % من مقابل التنازل بعد خصم قيمة المنقولات التى في العين، وهو تنازل يتم باتفاق بين المتنازل والمتنازل إليه في شأن انتقال منفعة العين إليه، وليس لمالكها شأن فيه، ثانيهما: تقرير أولوية لمالكها في الانتفاع -دون المتنازل إليه- بالعين التي قام بتأجيرها إلى المتنازل، وذلك بشرط أن يعلن عن رغبته هذه عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار 50 % من مقابل التنازل المعروض، على أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها وتسليمها.
وحيث إن القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه قد نشر بالجريدة الرسمية في 30 يوليو سنة 1981، وعمل به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره• وبمقتضى القانون رقم 51 لسنة 1981، نظم المشرع المنشأت الطبية . وإذ عُمِلَ بهذا القانون بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 25 يونيو سنة 1981، فقد صار -وفى اطار ما قرره النص المطعون فيه من جواز تنازل مستأجر المنشأة الطبية وورثته من بعده عنها لطبيب مرخص له بمزاولة المهنة – مقيداً لعموم الأحكام التى انتظمتها المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 آنف البيان، وذلك لأمرين:
أولهما أن المشرع دل بنصها على استغراقها لكل صور التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير ذلك من الأغراض، ليكون تطبيقها -وعملاً بعموم لفظها- غير مقصور على أشكال بذواتها من التنازل، بل مشتملاً عليها بكل أفرادها، فلا تخرج صور من التنازل من جملتها•
ثانيهما أن المادة 5 من قانون المنشأت الطبية المطعون عليها، تخول مستأجر المنشأة الطبية -وورثته من بعده- حق التنازل عنها لغيره من أقرانه ليباشر فيها المهنة ذاتها، وليكون للمتنازل إليه حق الاستمرار في شغل العين من دون المؤجر، إذ يلتزم “فى جميع الأحوال” بأن يحرر للمتنازل إليه عقد إيجار بشأنها، وهو مايعنى أن التنازل يكون نافذا في حق المؤجر “فى كل حال” ولو لم يتقاض المؤجر شيئا من مقابل التنازل • وذلك هو تخصيص العام، باعتبار أن التخصيص لغة هو الإفراد• وهو لا يدخل في غيرالعام، ذلك أن التخصيص في الاصطلاح، هو تمييز بعض الجملة بحكم معين يفصلها عن العام، ليتعلق هذا الحكم بمن شملهم التنظيم الخاص دون سواهم، وبمراعاة أن التخصيص يجوز أن يكون مقترناً بالعام، أو متقدماً عليه، أو متأخراً عنه• ولا كذلك الناسخ، إذ لايجوز أن يكون متقدما على المنسوخ، ولا مقترناً به، بل يجب أن يتأخر عنه•
وحيث إن البين من استقراء أحكام القانون رقم 51 لسنة 1981 المشار إليه، ومن تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الصحية والبيئية ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن مشروع هذا القانون أن المستشفيات العلاجية -وسواء كانت عيادات خاصة أو عيادات مجمعة أو دور نقاهة – تؤدى دوراً هاما في تقديم الخدمة العلاجية للمواطنين، مما جعل توسعتها، ومراقبتها وترشيد تكلفتها، لازما ضماناً لوفاء مهنة الطب برسالتها السامية •
وحيث إن المشرع على ضوء هذه الأغراض، واستلهاما لها -قدر أن النهوض بمهنة الطب والوفاء بتبعاتها، يقتضى أن تتواصل مباشرتها بين أجيال القائمين عليها، لا ينفصم اتصالهم بالأعيان المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولتها، بل يكون ارتباطهم بها مطرداً لا انقطاع فيه وفاءً بتبعاتها• متى كان ذلك، فإن نزول طبيب لأحد زملائه عن حق إجارة العين التى يستخدمها عيادة خاصة ، وفى الحدود التى لا يتعارض فيها هذا التنازل مع الحقوق التى يقابلها، والمقررة لمالكها وفقا للقواعد العامة – لا يناقض في ذاته حق الملكية ، ولا يخل بمقوماتها، بل هو أدخل إلى تنظيمها في إطار وظيفتها الاجتماعية ، بفرض قيود عليها لا تخرجها عن طبيعتها •
وحيث إن النص المطعون فيه، نظم العلاقة الإيجارية في بعض جوانبها، مقرراً بالأحكام التى تضمنها، استثناء كل طبيب -وورثته من بعده- من الخضوع للقواعد العامة الواردة بالقانون رقم 136 لسنة 1981 آنف البيان، وذلك إذا تنازل لغيره من الأطباء عن حق إجارة العين التى اتخذها مقراً لمزاولة مهنة الطب، وكان الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية مالم يفرض الدستور على ممارستها قيوداً لايجوز تخطيها، لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيداً وفعالاً، وكانت الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة في مادته الثانية والثلاثين، مناطها تلك الملكية التى لا تقوم على الاستغلال، ولا يتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين، ولا تنافى في مقاصدها الأغراض التى تتوخاها وظيفتها الاجتماعية ، وكان المشرع في مجال تنظيم العلائق الإيجارية ، وإن قرر من النصوص القانونية ما ارتآه محققا للتوازن بين أطرافها، إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون صورياً أو منتحلاً أو سراباً، بل يجب أن يعكس حقيقة قانونية لامماراة فيها، ليكون التنظيم التشريعى لحقوق المؤجرين والمستأجرين في دائرتها، منصفاً لامتحيفاً، متعمقا الحقائق الموضوعية ، وليس متعلقا بأهدابها الشكلية •
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن المشرع لا يجوز أن يعدل من إطار العلائق الإيجارية بما يمثل افتئاتاً كاملاً على حقوق أحد أطرافها، أو انحرافاً عن ضوابط ممارستها، وإلا آل أمر النصوص التى أقرها إلى البطلان من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها• ذلك أن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية ، لا يجوز أن تكون مدخلاً لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها• ولا أن يحصل المستأجر من خلالها على حقوق لا يسوغها مركزه القانونى في مواجهة المؤجر، وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وناقض جوهر الملكية التى لايجوز أن تكون ثمارها عائدة إلى غير أصحابها• وآية ذلك أن الأصل هو أن يتحقق التضامن بين المؤجر والمستأجر من الوجهة الاجتماعية ، وأن تتوافق مصالحهما ولا تتنافر من الوجهة الاقتصادية ، وإلا كان كل منهما حربا على الآخر، يهتبل الفرص لأكل حقه بالباطل، ولا يجوز بالتالى أن يميل ميزان التوازن بينهما لتكون الحقوق المقررة لأحدهما إجحافاً وإعناتاً وقهراً • وليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس -وهو المستأجر- غابناً، ولا أن يكون تدخل المشرع شططاً وقلباً للموازين ترجيحاً لكفته، لتكون أكثر ثقلاً، وليحل الصراع بين هذين العاقدين، بديلاً عن اتصال التعاون بينهما •
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، قالة أن النص المطعون فيه من قبيل التشريعات الاستثنائية التى تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن، سواء كانت مهيأة للسكنى أو معدة لغير ذلك من الأغراض• ذلك أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات التى لا يجوز التوسع في تفسيرها، أو القياس عليها، والتى درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها، واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على عقود الإيجار القائمة عند العمل بها -ولو كانت مبرمة قبلها- لا تعصمها من الخضوع للدستور• ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية النصوص القانونية جميعها• بل يتعين اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور•
ويجب بالتالى أن تقدر الضرورة الموجهة لهذا التنظيم الخاص بقدرها، وأن تدور معها وجوداً وعدما تلك القيود التى ترتبط بها وترتد إليها، باعتبارها مناط مشروعيتها وعلة استمرارها•
وحيث إن النص المطعون فيه، لم يلتزم بالقواعد التى تنظم التنازل بوجه عام، والتى تضمنتها المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 آنف البيان، بل أسقطها بتمامها، ليمتنع على المالك بعدئذ الخيار بين حقي كفلتهما المادة 20 من هذا القانون، هما أن يحصل على 50 % من مقابل التنازل إذا أراد إعمال آثاره• أو أن يستعيد العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة مع إنهاء العلاقة الايجارية التى ارتبطا بها في شأنها• بيد أن النص المطعون فيه حرم من يملكون الأماكن المؤجرة المتخذة مقاراً للعيادات الطبية الخاصة ، من هذين البديلين كليهما، واعتبر -بما انطوى عليه من حكم خاص- تنازل الأطباء وورثتهم من بعدهم عن حق إجارة تلك الأعيان لغيرهم من الأطباء، نافذاً نفاذاً فورياً قبل ملاكها، ومقروناً باستمرار عقود الإيجار المبرمة في شأنها لصالح المتنازل إليهم، مع الزام المؤجرين بتحرير عقود إيجار لهم• بما مؤداه التعرض لحق ملكيتهم على الأعيان المؤجرة ، من خلال منعهم من الاستئثار بمنافعها•
وحيث إن النص المطعون فيه، يبدو من فصلاً عن الأصول التى تقتضيها مزاولة مهنة الطب والقيام على رسالتها، ذلك أن الحقوق التى يرتبها للأطباء فيما بين بعضهم البعض لقاء التنازل عن الأعيان المتخذة مقاراً لعياداتهم الخاصة ، لازمها إلغاء حقوق ملاكها إلغاء كاملا ونهائيا• إذ يقدم للأطباء -دون غيرهم من المتنازلين عن حق الإجارة – ميزة استثنائية ينفردون بها، وتعصمهم من أن يؤدوا لمن يملكون الأعيان شيئا منها ولو ضؤل• ولا يدخل ذلك في نطاق التنظيم التشريعى لحق الملكية • بل هو عدوان عليها• ذلك أن النص المطعون فيه يقدم المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة ، ولايختار أهون الشرين لدفع أعظمهما، بل يلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش، منافياً بذلك المقاصد الشرعية التى ينظم ولى الأمر الحقوق في نطاقها، ومجاوزاً بذلك الحدود المنطقية لعلاقة كان ينبغى أن تتوازن فيها المصالح، لا أن تتصادم، ومغلباً مصالح فئه بذاتها من المواطنين على سواهم، يإيثار أفرادها بمزايا مالية يختصون بها دون غيرهم•
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها بدءا بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التى تنال منها، أو تقيد ممارستها• وأضحى هذا المبدأ -فى جوهره- وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعما لها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام• ولئن نص الدستور في المادة 40 على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بعينها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية ، ولا يدل البتة على انحصاره فيها – إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها• وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها، أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، أو الحريات التى يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم أو مركزهم الاجتماعى أو انتمائهم الطبقى أو ميولهم الحزبية أو نزعاتهم العرقية أو عصبيتهم القبلية ، أو إلى موقفهم من السلطة العامة ، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لاتظاهرها أسس موضوعية تقيمها، وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها• متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه يتوخى بالمزايا والحقوق التى كفلها للأطباء دون سواهم، تفضيلهم على من عداهم من المستأجرين، واستبعاد هؤلاء من الإفادة منها رغم تماثلهم جميعاً في مراكزهم القانونية ، ودون أن يستند هذا التمييز إلى أسس مشروعة ، بل عمد المشرع إلى نقيضها، فإن ذلك النص يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية التي كان ينبغى أن يحمل عليها، ومنهيا عنه بنص المادة 40 من الدستور، باعتباره متبنياً تمييزاً تحكمياً•
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان النص المطعون فيه قد أخل بالحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة ، وأهدر مبدأ المساواة أمام القانون، فإنه بذلك يكون مخالفاً لأحكام المواد 32، 34، 40 من الدستور•
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 5 من القانون رقم 51 لسنة 1981 بتنظيم المنشآت الطبية ، فيما انطوت عليه من استثناء تنازل الطبيب أو ورثته من بعده عن حق إجارة العين المتخذة مقراً لعيادته الخاصة لطبيب مرخص له بمزاولة المهنة ، من الخضوع لحكم المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً