تنفيذ الأوامر التي تجعل من الفعل الضار بالغير عملاً مشروعاً – أوامر الرئيس الأعلى
المادة 167 مدني تنص على أنه:
“لا يكون الموظف العام مسئولاً عن عمله الذي أضر بالغير إذا قام به تنفيذاً لأمر صدر إليه من رئيس، متى كانت إطاعة هذا الأمر واجبة عليه، أو كان يعتقد أنها واجبة، وأثبت أنه كان يعتقد مشروعية العمل الذي وقع منه، وكان اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة، أو أنه راعى في عمله جانب الحيطة”.
المادة (168) :
من سبّب ضرراً للغير ليتفادى ضرراً أكبر، محدقاً به أو بغيره، لا يكون ملزماً إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسباً.
المادة (169) :
إذا تعدد المسئولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر، وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوي، إلا إذا عيّن القاضي نصيب كل منهم في التعويض.
هذا، وقد جاء في المُذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي:
“وترتفع المسئولية إذا كان العمل الضار قد وقع تنفيذاً لأمر صادر من رئيس إداري لانتفاء الخطأ في هذه الصورة. ويُشترط لإعمال هذا الحكم شرطان: فيجب أولاً أن يكون مُحدِث الضرر موظفاً عاماً. ويجب ثانياً أن يكون العمل الضار قد وقع تنفيذاً لأمر صادر من رئيس إداري ولو لم يكن الرئيس المُباشر”. (مجموعة الأعمال التحضيرية 2 صـ 379).
وهذه القاعدة، سالفة الذكر، لا تُطبق فقط في مجال القانون المدني بل تُطبق أيضاً في مجال قانون العقوبات، حيث تنص المادة 63 من قانون العقوبات على أنه: “لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية: أولاً- إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو أعتقد أنها واجبة عليه. ثانياً- إذا حسُنت نيته وأرتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما أعتقد أن إجراءه من اختصاصه”..
وعلة الإباحة هنا هي تمكين الدولة من مباشرة اختصاصها عن طريق موظفيها مع توفير الطمأنينة والاستقلال للموظف كي يؤدي واجبه وهو لا يخشى مسئولية طالما كان حسن النية.
فإطاعة أمر صادر من الرئيس يجعل التعدي عملاً مشروعاً بشروط ثلاثة:
(أولاً) أن يكون من صدر من العمل موظفاً عاماً.
(ثانياً) أن يكون قد صدر له أمر بتنفيذ هذا العمل من رئيس، ولو كان غير مُباشر، طاعته واجبة، وأن يعتقد أن طاعة الأمر ذاته – الذي صدر له من رئيسه – واجبة.
(ثالثاً) أن يثبت الموظف أمرين: أولهما أنه كان يعتقد مشروعية الأمر الذي نفذه. وثانيهما أنه راعى في عمله جانب الحيطة..
وبهذه الشروط وفي هذه الحدود يكون تنفيذ الموظف لأمر غير مشروع عملاً مشروعاً لا يوجب مسئوليته.
ولما كانت علة الإباحة هنا، وكما سلف القول، هي تمكين الدولة من مباشرة اختصاصها عن طريق موظفيها مع توفير الطمأنينة والاستقلال للموظف كي يؤدي واجبه وهو لا يخشى مسئولية طالما كان حسن النية.. فإن مدلول الموظف العام – في هذا السياق – يمتد إلى كل شخص يباشر طبقاً للقانون جزءاً من اختصاصات الدولة..
وقد قضت محكمة القضاء الإداري بأنه:
“لا محل للتفرقة بين المرافق العامة الإدارية والمرافق العامة التجارية والصناعية، إذ يتفق النوعان في أن الدولة تباشر عن طريقهما بعض اختصاصاتها، ولا محل – بالنسبة لموظفي المرافق العامة التجارية والصناعية – للتفرقة بينهم حسب مراتبهم”. (محكمة القضاء الإداري في 8 مارس سنة 1953 مجموعة مجلس الدولة لأحكام القضاء الإداري س 7 رقم 364 صـ 611)..
من المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه:
“لا يجوز لجهة العمل أن ترجع على أي من تابعيها فى ماله الخاص لاقتضاء ما تحملته من أضرار عن أخطائهم إلا إذا اتسم هذا الخطأ بالطابع الشخصي – ويعتبر الخطأ شخصياً إذا كان الفعل التقصيري يكشف عن نزوات مرتكبه وعدم تبصره وتغييه منفعته الشخصية أو قصد النكاية بالغير أو الإضرار بالغير أو كان الخطأ جسيماً”. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1591 لسنة 27 قضائية “إدارية عُليا” – جلسة 8/6/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 1262).
كما تواتر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن:
“يُعتبر الخطأ شخصياً إذا كان العمل الضار مُصطبغاً بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه وشهواته وعدم تبصره، أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع شخصي وينم عن موظف مُعرض للخطأ والصواب، فإن الخطأ فى هذه الحالة يكون مصلحياً – العبرة بالقصد الذى ينطوي عليه الموظف وهو يؤدى واجبات وظيفته، فكلما قصد النكاية أو الإضرار أو تغيا منفعته الذاتية كان خطؤه شخصياً ويتحمل نتائجه – فيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية الموظف، فإذا كان يهدف من القرار الإداري الذى أصدره إلى تحقيق الصالح العام أو كان قد تصرف لتحقيق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها والتي تدخل فى وظيفتها الإدارية فإن خطأه يندمج فى أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ويكون خطأ الموظف فى هذه الحالة خطأ مصلحياً – إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعاً بعوامل شخصية أو كان خطؤه جسيماً دون اشتراط أن يصل ذلك إلى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات فإن الخطأ فى هذه الحالة يعتبر خطأ شخصياً يسأل عنه الموظف فى ماله الخاص”. (حكم المحكمة الإدارية في الطعن رقم 638 لسنة 29 قضائية “إدارية عُليا” – جلسة 26/12/1987 مجموعة المكتب الفني – السنة 33 – صـ 490).
كما عرفت محكمة النقض الموظف العام بأنه:
“من يولى قدراً من السلطة العامة بصفة دائمة أو مُؤقتة أو تُمنح له هذه الصفة بمُقتضى القوانين واللوائح سواء أكان يتقاضى مُرتباً من الخزانة العامة كالمُوظفين والمُستخدمين المُلحقين بالوزارات والمصالح والمجالس البلدية ودار الكُتب أم كان مُكلفاً بخدمة دون أجر كالعُمد والمشايخ ومن إليهم”. (نقض 25 ديسمبر سنة 1956 مجموعة أحكام محكمة النقض س 7 رقم 365 صـ 1331).
وحُسن النية – هُنا – هو أن: “يستهدف الموظف العام باستعمال سلطته تحقيق الغاية الذي من أجلها خوله القانون هذه السُلطة”.
فضلاً عن أن حُسن النية يفترض، وعلى من يدعي العكس إثبات ادعائه. حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أن: “حُسن النية مفترض، وعلى من يدعى العكس إثبات ما يدعيه”. (نقض مدني في الطعن رقم 55 لسنة 34 قضائية – جلسة 22/6/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 1324 – فقرة 3).
التضامن لا يفترض:
لا سيما وأن: “التضامن بين الدائنين أو المدينين لا يُفترض”، وإنما يكون بناء اتفاق أو نص في القانون طبقاً لـنص المادة 279 مدني.
كما أن الفقرة الثانية من المادة 184 مرافعات تنص على أن: “وإذا تعدد المحكوم عليهم جاز الحكم بقسمة المصاريف بينهم بالتساوي، أو بنسبة مصلحة كل منهم في الدعوى على حسب ما تقدره المحكمة، ولا يلزمون بالتضامن في المصاريف إلا إذا كانوا متضامنين في أصل التزامهم المقضي فيه”.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً