كيفية توثيق العقود
يوسف الفراج
من الممكن القول إن أكثر أنواع المنازعات التي ترد إلى المحاكم فيما يتعلق بالعقود تراجعها إلى نوعين، الأول: اختلاف الطرفين في أصل العقد, والثاني: تصادق الطرفين على أصل العقد واختلافهما في نقاط تتعلق به، مثل: الاختلاف في مفهوم شرط أو توافر شروط استحقاق الحق أو الاختلاف في مدد تسليم أو التنازع في مواصفات محل الحق ونحوها من المنازعات، والتي تتصدى لها المحاكم بالفصل وتكون مجالا للنظر في البينات وندب الخبراء وتكييف الوقائع ونحوها من أدوات العمل القضائي, ولا يمكن أن يتم القضاء على هذا النوع من المنازعات نظرا لطبيعتها وكونها تتعلق بالأفهام والتكييف والتقدير والتي هي من طبيعة التصرفات وبالذات التجارية منها المبنية على المشاحة كما لا يمكن أن تنفك عنها العقود, ولهذا فغاية ما يمكن أن يتم في هذا الأمر هو التقليل من ورود هذه المنازعات بضبط العقود وإجادتها وبيان المجمل فيها وإيضاح المدد بما لا يدع مجالا لاختلاف التفسيرات والفهوم.
أما النوع الأول فيمكن القضاء على المنازعات فيه أو تقليلها إلى درجة كبيرة أو على الأقل تقليل أمد التنازع بخصوصه في المحاكم، وفي حين لا يمكن أن تنفك التعاملات الجارية عن النوع الثاني لطبيعة اختلاف الفهوم كما سبقت الإشارة إليه إلا أن هذا النوع- الأول- يرتكز على سوء النية بالدرجة الأولى إذ يستغل أحد الطرفين عدم توثيق العقد فينكر أصل حصوله مما يجبر الطرف الآخر على رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة ولهذا فلا بد من توثيق العقود.
من أضعف وسائل توثيق العقود: هو التوثيق بالثقة فلكون الطرفين يثقان ببعضهما للصداقة التي بينهما أو لكونهما زوجان أو أب وابنه أو أخوين أو شريكين فضلا عن غيرها من الصداقات فلا يريان حاجة إلى توثيق العقد، إلا أن النفوس والذمم لا تبقى على ما هي عليه من مصداقية وأمانة لاسيما إذا كثر المال وتوسع النشاط، ولهذا فلا بد أن يتشكل فهم قانوني بين الناس يؤكد أهمية التوثيق في العقود ولو كانت بين هذه الأنواع من العلاقات، وقد قال تعالى:” يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه”، وقرر المفسرون أن ذلك شامل لكل العقود، ويأتي في الدرجة الثانية: التوثيق بالكتابة المجردة وأقصد بها كتابة العقد من غير إشهاد أو توثيق لدى الجهات ذات العلاقة، ومع أن هذه الوسيلة أفضل من التوثيق بالثقة إلا أن الطرفين يراهنان – في حال حصل النزاع في أصل العقد- على ما يرد من الأدلة الجنائية فيما يتعلق بمضاهاة التوقيع، والدرجة الثالثة- وهي الأشهر – أن يتم كتابة العقد والتوقيع والإشهاد عليه من غير توثيق لدى الجهات المعنية، وهي وسيلة أكثر قوة من الوسيلتين السابقتين إلا أن الأمر يحتاج في حال النزاع إلى إحضار الشهود مما يطيل الأمد في النظر، كما أن الشهود يعتريهم ما يعتري البشر من موت ونسيان وشراء ذمم وغيرها من العوارض المؤثرة، ومع نجاعة هذه الوسيلة نسبيا إلا أن البعض يخطئ ويضع شهادة موظفيه على العقد أو وكيله ومحاميه أو والده أو ابنه وهذا يفقد التوثيق قوته، لأن هؤلا الأشخاص لا تقبل شهادتهم في حال التنازع.
وأفضل وسائل توثيق العقود: هو توثيق العقد في الجهات ذات العلاقة وهي كتابات العدل، إلا أن المعمول به مع الأسف هو عدم قبول طلب توثيق هذه العقود، ولا يوثق إلا أنواع محدودة جدا، مع أن نظام القضاء نص على اختصاص كتابات العدل بتوثيق العقود والإقرارات إلا أنه لم يفعل حتى الآن ولا بد من ذلك.
والمشروع الأهم: هو مشروع التوثيق والذي يدرس في هيئة الخبراء ونتمنى أن يصدر قريبا لأنه سيكون من أكبر الروافد التنظيمية- التشريعية- للأعمال التجارية بعامة والعقارية منها بخاصة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً