توزيع الإختصاص الحكمي بين محاكم الحق العام و المحكمة العقارية بتونس في القضايا المتعلقة بإبرام الكتائب التكميلية على ضوء القانون عدد 34 لسنة 2001 المؤرخ في 10 أفريل 2001 و المتعلق بتحيين الرسوم العقارية.
بقلم: الأستاذة نجلاء العابد محررة عقود برتبة رئيس مصلحة بإدارة الملكية العقارية ببن عروس
تختص محاكم الحق العام بالنظر في القضايا المتعلقة بإبرام الكتائب التكميلية كل في إطار الحدود الضابطة لمرجع نظرها الحكمي ، غير أن الفصل الخامس من القانون عدد 34 لسنة 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية و عند تحديده لمرجع النظر الحكمي للمحكمة العقارية في خصوص هذه المادة إقتضى ما يلي ” تنظر المحكمة العقارية لغاية تحيين الرسوم في الحالة القانونية و المادية للعقارات المسجلة و تنظر أيضا في جميع الصعوبات الناشئة عن عدم إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة لدى إدارة الملكية العقارية و في المطالب الرامية لتجاوز تلك الإجراءات أو تسهيل القيام بالعمليات المطلوبة …..” فهل تضمن هذا الفصل تضييقا ضمنيا لدائرة مرجع النظر الحكمي لمحاكم الحق العام في خصوص القضايا المتعلقة بإبرام الكتائب التكميلية؟
لقد تضمن الفصل الخامس المذكور إقرارا بإمكانية تعهد المحكمة العقارية بالنظر في المطالب الرامية لتجاوز الصعوبات الناشئة عن عدم إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة لدى إدارة الملكية العقارية ويقصد بذلك بصفة خاصة جملة الإجراءات والتنصيصات الوجوبية التي فرضها المشرع بالنسبة للصكوك المقدمة للترسيم والمنصوص عليها صلب أحكام الفصل 377 وما يليه من م ح ع كهوية الأطراف وإسم العقار ومساحته وعدده الرتبي بالسجل العقاري …. و هي ذات البيانات التي كان يترتب عن الإخلال بها غالبا القيام لدى محاكم الحق العام قصد طلب إلزام الخصم بإبرام كتب تكميلي يسهل عملية إدراج الصك المقدم للترسيم لدى إدارة الملكية العقارية، و لكن السؤال المطروح هل أن محاكم الحق العام إستنادا لأحكام الفصل الخامس المذكور مطالبة بالتخلي عن النظر في القضايا المتعلقة بإبرام الكتائب التكميلية التي يكون الهدف منها تسهيل إدراج الصكوك المقدمة للترسيم لدى إدارة الملكية العقارية أو تجاوز الصعوبات التي حالت دون ذلك؟
يتضح من خلال الصياغة الخاصة للفصل الخامس من قانون 10 أفريل 2001 و من خلال الصياغة العامة للقانون المذكور برمته و المقصد التشريعي من أحكامه أن المشرع و لإن أقر بإمكانية تعهد المحكمة العقارية بالنظر في الصعوبات الناشئة عن عدم إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة لدى إدارة الملكية العقارية و المطالب الرامية لتجاوزها و تسهيل الترسيم إلا أنه ربط هذه الإمكانية بما أسماه صلب الفقرة الأولى من الفصل الخامس ” بغاية تحيين الرسوم العقارية ” و هو ما يفترض معه أن يكون نظر المحكمة العقارية في الإطار المذكور مقتصرا على حالة الرسوم الخاضعة لإجراءات التحيين لا غير أما إذا كان الرسم غير خاضع لإجراءات التحيين و المقصود هنا هو تلك الرسوم العقارية الخاضعة لمبدأ الأثر المنشئ للترسيم ( و هي الرسوم التي أحدثت تنفيذا للأحكام الصادرة بالتسجيل بداية من 28 أفريل 1998 و كذلك الرسوم العقارية المحيّنة قضائيا و صدر بشأنها قرارات بختم إجراءات التحيين من طرف المحكمة العقارية ) فإن الإختصاص ينعقد بصفة مطلقة لمحاكم الحق العام ، و هذا التحليل يتماشى مع المقصد التشريعي العام من قانون 10 أفريل 2001 الذي هو تخليص الرسوم العقارية من الجمود.
و لكن سؤالا آخر يطرح عند هذه المرحلة هل أن الفصل الخامس قد منع بصفة نهائية على محاكم الحق العام النظر في القضايا الرامية إلى إبرام الكتائب التكميلية التي تستهدف تسهيل إدراج الصكوك المقدمة للترسيم و إزالة الصعوبات التي تحول دون الترسيم إذا كان الرسم مجمدا لتعلقه بالإختصاص المطلق للمحكمة العقارية ؟
يبدو أن نية المشرع التونسي لم تتجه إلى رفع يد محاكم الحق العام عن الاختصاص بالقضايا الرامية لإبرام الكتائب التكميلية إذا كان الرسم العقاري مجمدا، رغم إقراره باختصاص المحكمة العقارية في هذه المادة. و إنما هو أراد لإختصاص المحكمة العقارية مع ما منحه لها من صلاحيات في الإجتهاد لإجاد الحلول المناسبة و تجاوز الصعوبات الواقعية و القانونية أن يكون بهذا موازيا يضاف من قبل جهة قضائية متخصصة في التحيين إلى الجهود التي طالما بذلتها محاكم الحق العام باتجاه تخليص الرسوم العقارية من الجمود من خلال نظرها في القضايا الرامية لإبرام الكتائب التكميلية التي تستهدف تسهيل إدراج الصكوك المقدمة للترسيم لدى إدارة الملكية العقارية أو تجاوز الصعوبات التي حالت دون الترسيم و يمكن أن نستند في هذا الرأي إلى الصيغة التي ورد بها الفصل الخامس من قانون التحيين عدد 34 لسنة 2001 المؤرخ في 10 أفريل 2001 ” تنظر المحكمة العقارية ….. و تنظر أيضا في جميع الصعوبات ….. ” فصياغة الفصل الخامس تترك المجال لإعتبار أن النظر في هذه المادة لا يقتصر على المحكمة العقارية دون سواها، ومن جهة أخرى فقد أقر الفصل التاسع من نفس القانون : ” لكل شخص استدعي لدى إحدى محاكم الحق العام أو لدى اللجنة الجهوية لتصفية الأحباس الخاصة و المشتركة أن يطلب منها قبل الخوض في الأصل التخلي عن القضية أو المطلب بشرط أن يكون قد قدّم بصفة قانونية مطلبا لدى المحكمة العقارية في حدود نظرها المبين بالفصول السابقة و أن يسعى بإستمرار في القيام بما يستلزمه النظر في ذلك المطلب ” و هذا الفصل يؤكد أن طلب التخلي لفائدة المحكمة العقارية في حدود نظرها المبين بالفصل الخامس إنما هو إختيار وضع بين يدي كل شخص إستدعي لدى إحدى محاكم الحق العام و هو ليس مجبرا على طلب التخلي .
و من جهة ثالثة فإن القياس على ما ذهبت إليه إرادة المشرع عندما أقر بإمكانية نظر المحكمة العقارية في طلبات التخصيص بقطعة أو قطع يتم إستخراجها من الرسم العقاري دون أن يمس من إختصاص محاكم الحق العام في مادة المقاسمة و ذلك صلب نفس القانون عدد 34 المؤرخ في 10 افريل 2001 كل ذلك يؤكد أن المقصد التشريعي العام من خلال هذا القانون إنما هو مضاعفة الآليات القانونية جنبا إلى جنب ما بين المحكمة العقارية و محاكم الحق العام نحو تخليص الرسوم العقارية من الجمود.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً